رسالة تحذيرية وتحريضية

ليث الربيعي

لم يستطع النظام السياسي الجديد في العراق أن يفرض شيئا مما أنجزه -إن كان هناك منجز- ليكون مسيس الصلة بحياة الناس ومعايشهم، فبعد أن تعاقب رجالات القوى السياسية واحدا تلو الآخر على جلّ المناصب السيادية والتشريفية والخدمية لا زلنا نعيش في أسلوب ونمطية حكم النظام الدكتاتوري السابق، فكثيرا مما نراه اليوم شاخصا من بناء وإعمار ومؤسسات..

وغيرها تم وضع أسسه الخاطئة والمجحفة أيام ما كان النظام البائد يصنف المواطنين على أساس "من لم يكن معنا فهو ضدنا"، وعليه فقد لاقت مدن ومحافظات البلد حرمانا كبيرا من كل ما صنعه الإنسان لنفسه ليكون عزيزا وقادرا ومقتدرا ومتعلما ومثقفا وناشطا في حياته وأسرته ومدينته ووطنه، ومن عاش في هذه الأماكن وحده الذي يعلم مدى الحيف والظلم الذي لحق بكل ما يحيط به من حيوات وجماد.

 ولنا في (مدينة الثورة) سابقا (مدينة الصدر) حاليا أسوة حسنة، فقد عاشت هذه المدينة الكبيرة بعدد سكانها الويلات والويلات وحرمت من أي عمران أو تطوير وقد تآكلت وتهالكت كل بناها التحتية، وهكذا باقي المحافظات العراقية التي ذاقت الأمرين بسبب ظلم النظام السابق. إلا أنها لم تكل وتمل من إنجاب خيرة أبناء هذا الشعب الأصيل، والذين رفعوا رأس بلدهم عاليا في كافة المحافل المحلية والعربية والدولية، وبالمقابل لم يكف النظام السابق عن صب جام غضبه على أبنائها وأهلها، وتحملوا عذاباته بكل ما يملكون من صبر وروح تحدي من اجل مواصلة الدرب والسير نحو الانعتاق والتحرر.  

وعندما جاء يوم ٩/٤/٢٠٠٣ استبشر الجميع خيرا في أن يتلافى النظام السياسي الجديد كل سلبيات من سبقه، ويشمر عن سواعد البناء والاعمار والخدمة للنهوض مبكرا بالعراق العظيم وأهله من ركام الدمار الهائل إلى مصاف باقي بلدان العالم التي تقل خيراتها وثرواتها عنه كثيرا، لكن ما يؤسف له أن كل ما جرى من تغيير لم يعني المواطنين لا من قريب أو من بعيد، فلا زالت القوانين التي تتحكم بكل مؤسسات الدولة هي نفسها تلك القوانين التي أصدرها مجلس قيادة الثورة المنحل والجميع يعلم أن كثيرا منها جاء لأسباب فئوية ضيقة وغلبت عليها النزعة الانتقامية لكثير من شرائح المجتمع العراقي.

ولا زالت يد الاعمار والبناء وئيدة الحركة ولم تستطع للآن أن تبعد يد الفساد والإرهاب التي أخذت تنهش بجسد المواطن العراقي متلذذة بجراحاته وآلامه ولم تشبع بطون الفاسدين بعد أكثر من ثماني سنوات عقيمة عن ولادة بصيص أمل ينتشل المظلومين من تحت سياط أبناء جلدتهم الذين عانوا في المنافي والمهاجر وسقط منهم من سقط ونجا من نجا ليصل إلى اليوم الموعود وينال جزاء صبره وكبرائه وولاءه بشيء من المواطنة الشريفة، إلا أن النفوس الضعيفة والضمائر الميتة انغرت بلمعان الكراسي والمناصب والخدم والحشم ونسوا وتناسوا إخوة وأصدقاء الأمس.

ترى إلى متى سيظل هاجس الزمن الماضي متسلط على رقاب الناس، والى متى ستظل الحكومة ومؤسساتها ترزح تحت وطأة قوانينه الجائرة، فلا زالت الأوراق التعريفية للمواطنة العراقية والتي صنفها النظام الدكتاتوري فئات وأعطى لشيعة العراق وسكان جنوبه الفئة الأقل في سلم تصنيفاته، ولم تستطع الحكومات المتعاقبة بعد 2003 أن تحرك ساكنا متحججة ومتبجحة بدواعي أمنية واهية تارة وبدواعي الإعداد والتخطيط لتعداد سكاني لم ولن يجري في ربوع البلد المنفلت المزاجات الحزبية والطائفية والقومية، حتى أن المواطنين كثيرا ما استهجنوا كثرة طلب المستمسكات الرسمية التي أطلق عليها تندرا (الصداميات الأربعة) في كل المراجعات الخاصة بدوائر ومؤسسات الدولة، ولم ترعوي أو تستجيب مؤسسات الدولة لمطالب الحكومة المركزية بالكف عن طلب هذه المستمسكات إلا للضرورة.

على الحكومة العراقية أن تلتفت بعين كبيرة على مآسي المواطنين وليستذكر كل السياسيين وقواهم من خلفهم ما ناله النظام السابق ويتداركوا أنفسهم فلا زالت حرارة جمرة تلك الأيام لم تخمد بعد! ولا زال قرح الجرح لم يندمل بعد! فضلا عما جرى ويجري حولنا من مصائب أقوام وفوائدها على آخرين..

والأحرى باللبيب هذه الأيام أن يشم روائح ما يدور ولا ينتظر أن بالإشارة يفهمُ! وكما يقول أمير المؤمنين وسيد الوصيين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام): "يَابْنَ آدَمَ ، إِذَا رَأَيْتَ رَبَّكَ سُبْحَانَهُ يُتَابِـعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وَأَنْتَ تَعْصِيهِ فَاحْذَرْهُ".

* ناقد سينمائي-رئيس تحرير مجلة السينمائية-العراق- بغداد

http://visions-film.blogspot.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 15/شباط/2011 - 11/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م