نقرأ بشكل يومي عن الاثرياء في الوطن العربي، القلة التي تنهب
وتمتلك مجمل ثروتنا، تتزايد وتنخر بجسدنا المنهك بكل الامراض الفتاكة،
بطالة، فقر، جوع، تكميم للأفواه، وقبل كل ذلك وأهم من كل ذلك فقدان
إنسانية الانسان حتى أصبح الانسان العربي غير قادر على المطالبة بحقوقه
إلا بحرق نفسه أو وطنه لعله يتحرر ويحصل على شيء منها، والغالبية
العظمى على امتداد الوطن العربي تجاهد لتحصل على لقمة خبزها وتعمل
بأقصى جهدها ليس لتعيش حياة كريمة بل لتزداد ثروة هؤلاء بعدما تحوّل
الانسان العربي الى خادم ينفذ رغباتهم.
ولم يعد سراً حجم الفساد المستشري في مجتمعاتنا وقد تحول لفساد
تديره وترعاه مؤسسات الدولة التي من أهم واجباتها محاربته، ولم يعد
غريباً أن نسمع ونقرأ عن مسؤول فاسد يتبجح بمحاربة الفساد والفاسدين في
الوقت الذي تزداد ثروته دون معرفة مصدرها إلا ما يشير على أنه لص تحميه
الدولة، ونزداد قهراً على ثرواتنا التي يبددها اللصوص على ملذاتهم وفي
كازينوهات القمار، وإمعاناً بالوقاحة واللصوصية وكونهم محصنين من
العقوبة أصبح هؤلاء اللصوص يتفاخرون بحجم ثرواتهم الهائلة في مجتمعات
يعيش غالبية مواطنيها في فقر مدقع، في حين نقرأ عن اثرياء الغرب وهم
يتنازلون عن جزء من ثرواتهم للمؤسسات الانسانية والخيرية...
لم يعد المواطن العربي يستغرب عدم معاقبة هؤلاء اللصوص لأنه أصبح
على قناعة تامة بأنهم جزء من منظومة فساد حولت الدولة الى شركة يقودها
رأس النظام بالسطو على ثروات الدولة تحت مسمى الخصخصة التي من خلالها
يتم بيع أصول الدولة ومؤسساتها بصفقات مشبوهة يعود ريعها عليه وعلى
محاسيبه وافراد عصابته أو بامتلاكهم شركات بشكل غير مباشر من خلال
واجهات ينفذون أوامرهم أو بحصول بعضهم على عمولات ضخمة نتيجة صفقات
تتورط فيها الدولة لتنقذ الشركات المنهارة في الغرب، هذه معلومات ليست
سرية فأخبارهم تملأ الدنيا والعصابات التي تمتلك ثروات دولنا وتبددها
معروفة جيداً، وكشفها بشكل رسمي لن يطول كثيراً فها هي ثورة تونس بعد
سنوات طويلة من القمع والاضطهاد تكشف حجم الثروة التي نهبها رأس النظام
السابق وعائلته وبقية عصابته، وكشف بقية اللصوص بالتأكيد قادم مهما
تأخر.
لم يعد خافياً على أحد أن المواطن العربي في كل اماكن تواجده، من
المدينة الى البادية، أصبح في حالة غليان، يتأهب لينقض على أولئك الذين
امتهنوا كرامته لسنوات وحرموه حريته ولقمة خبزه فانتفض ليرفع صوته
عالياً ضد الطغاة الذين حكموه بجبروتهم وقمعوه وسخّروا رجال أمنهم
ليروّضوه ويسحقوه وعيّن رجال برلماناته وأحزاب معارضته الحكومية لتزيّن
وجهه الكالح، معارضة شكلية تملأ الدنيا نباحاً عندما تتعرض مصالحها
للخطر لكنها تختفي حتى الذوبان عندما يخرج الشعب الى الشارع مطالباً
بالحرية والكرامة وتنتظر الانتصار لتنتهز الفرصة وتركب الموجة، وفي
لحظة الحقيقة الصادمة لم تنجح كل وسائل القمع والاجرام أن تحمي الطغاة
ليهرب أولهم مختفياً أمام السيل الشعبي الهادر تاركاً خلفه كل اذنابه
وحالة متصاعدة من الغضب الشعبي أصبحت تنفجر تباعاً بدأت من تونس حيث
أشرقت شمس الحرية وتردد صداها في الشارع العربي، فالحراك الشعبي الذي
أصبح بعد ثورة تونس أكثر ثقة بالنفس وجرأة ولم يعد يخشى القمع والرصاص
الحي وقد كشف الحراك الشعبي عن ضعف وهشاشة الانظمة الحاكمة التي حاول
بعضها مرعوباً الهروب للأمام وقدم من تلقاء نفسه التنازلات لتستبق
الانفجار أو ربما تؤجله الى حين بتلبية بعض المطالب الشعبية بتخفيض
الاسعار وتقديم مساعدات عينية ونقدية ووعود بتوفير فرص عمل واصلاحات
سياسية وتفهّم للشارع لكن بكل تأكيد لن تستطيع كل تلك الاكاذيب ان
تحتوي ثورة الكرامة حين تنفجر ولن يقنعها تلك التنازلات الكاذبة ولن
تكتفي بأكثر من سقوط انظمة الاستبداد التي جثمت على صدر شعوبها لسنوات
طويلة ومعاقبتها على ظلمها واستبدادها واجرامها وجلبها إن فرّت
كالفئران.
ننتظر بكل شوق أن تكون نهاية انظمة الظلم... وسقوط عروش الطغاة..
لنأخذ العبرة مما يحدث... يا اولي الالباب... |