مصر تبتهج بثوب الحرية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: احيا المصريون في بلدهم وبلدان العالم الاخرى التي تواجدوا على ارضها ليلة السبت الماضي ليلة تاريخية بامتياز، لم يسبق لا شخص ان شهد لها مثيلا منذ عقود طويلة، وهم يحتفلون بفخر نجاح ثورتهم وخلع النظام المصري بشكل نهائي.

ولم يدخر هذا الشعب المبتهج في اعلانه احتفاله بيومه المشهود شيئ للتعبير عن مسرته، فالمسيرات الصاخبة والاهازيج والالعاب النارية كانت سمة تلك الافراح بشكل متواصل ومستمر على مدى ساعات الليل والصباح التي اعقبها, بعد ان غصت شوارع المدن المصرية قاطبة بملايين المحتفلين، كاشفة عن مدى زيف النظام السابق ورئيسة المخلوع الذي اعلن في اخر انتخابات رئاسية عن فوزه بنسبة تجاوزت 99% من اصوات الناخبين.

الشعب اسقط النظام

فقد رحبت الصحف المصرية السبت بما فيها الاهرام والجمهورية الحكوميتان بالمرحلة الجديدة التي دشنها تنحي حسني مبارك عن الرئاسة. وعنونت صحيفة الاهرام "الشعب اسقط النظام. شباب مصر اجبر مبارك على الرحيل".

من جهة اخرى، وفي مقال بعنوان "لا لجيل الثلاثينات"، انتقدت الاهرام الامين لجامعة الدول العربية عمرو موسى والرئيس السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي ونائب الرئيس السابق عمر سليمان لاعلانهم في اوقات مختلفة استعدادهم قيادة البلاد.

وقالت الاهرام ان "كل الوجوه التي احتلت السياسة الرسمية لسنوات سنوات عليها ان تصمت الى الابد".

اما الجمهورية، فكتبت في عناوينها "مبارك يتنحى والجيش يحكم. انتصرت ثورة 25 يناير. القوات المسلحة تحيي مبارك على ما قدمه للبلاد حربا وسلما وتؤكد انها ليست بديلا للشرعية".

وتناولت افتتاحيتها التي حملت عنوان "70 مليارا؟" المعلومات التي تحدثت عن امتلاك مبارك واسرته سبعين مليار دولار.

وقالت الصحيفة "بغض النظر عن صحة هذا الامر فان شعبية مبارك التي قامت على انه "نصير محدودي الدخل والفقراء تحطمت". واضافت "الشفافية مطلوبة من الرئيس القادم، من حقنا ان نعرف ثروته قبل وبعد المنصب".

والفكرة نفسها كررتها صحيفة اخبار اليوم الحكومية ايضا. وعنونت "ورحل مبارك. قواتنا المسلحة: انا الشعب". بحسب فرانس برس.

اما صحيفة الوفد المعارضة، فعنونت "انتصرت ارادة الشعب وسقط مبارك". وسخرت الصحيفة من الخطاب الاخير الذي القاه مبارك. وكتبت "نعلم انك لم تكن طالب سلطة فلم تحكمنا الا ثلاثين عاما فقط لم نمكنك خلالها من تحقيق الديموقراطية ولم نمهلك من الوقت للوصول الى الرخاء". لكنها اشارت في المقابل الى حقه في البقاء في مصر "وهو حق له كمواطن لا ننازعه فيه".

وفي الصحف المستقلة، عنونت المصري اليوم "الشعب اراد واسقط النظام" و"لو مت يا امي ما تبكيش أموت علشان بلدي تعيش".

وكتبت في صفحتها الاولى "الفارق كبير بين ثورات الشعوب وثورات الجيوش، فالثانية (...) يمكن ان يقال عنها انها انقلاب عسكري" اما الثورات الشعبية فتبقى "خارج اطار التصنيف، وتستمد شرعيتها من الشعب" وحده.

اما الشروق فعنونت "ارفع رأسك انت مصري" بينما كتبت الدستور "اخيرا تنحى". وكتبت صحيفة نهضة مصر "الشعب حاصر التلفزيون وقصر الرئاسة (...) والفرحة زلزلت الميدان".

مصر تعيش نشوة

وفي صباح السبت، احتشد الاف المتظاهرين في ميدان التحرير، الذي شكل مركز ثورة 25 كانون الثاني/يناير، والكثيرون منهم باتوا ليلتهم فيه.

وبدأ عناصر من الجيش المصري صباح السبت بازالة الحواجز من محيط ميدان التحرير في وسط القاهرة والذي شكل مركز الاحتجاجات الشعبية المطالبة باسقاط النظام.

وبدأ الجيش بتحريك دباباته وفتح الطرقات المؤدية الى الميدان، بينما عمل مدنيون على مساعدة عناصره في ازالة العوائق وتنظيف المكان وازالة هياكل السيارات المحترقة واثار المواجهات التي وقعت بين المتظاهرين وانصار الرئيس السابق حسني مبارك في الايام الاولى من الحركة الاحتجاجية.

وكانت هذه الاشتباكات اسفرت عن مقتل 300 شخص على الاقل، بحسب الامم المتحدة ومنظمة هيومان رايتس ووتش.

وعلى احد الجسور المؤدية الى ميدان التحرير تجمع حشد من الشباب رافعين الاعلام المصرية واستوقفوا السيارات لتحية ركابها وتهنئتهم.

وقد امضى الكثيرون ليلتهم في ميدان التحرير وسط القاهرة في اجواء احتفالية تواصلت حتى الصباح.

وبحت حناجر الكثيرين منهم جراء صراخهم وهتافاتهم لا سيما عقب الاعلان مساء الجمعة عن تنحي مبارك وتكليفه الجيش ادارة شؤون البلاد.

وجاء تنحي مبارك عقب تظاهرات حاشدة استمرت 18 يوما، سبقه اعلان الحزب الوطني الديموقراطي ان مبارك غادر القاهرة الى شرم الشيخ. بحسب فرانس برس.

وبعد اعلان التنحي الذي تلاه نائب الرئيس السابق عمر سليمان اصدر الجيش المصري بيانا ضمنه رسالة تطمين الى الداخل والخارج، مؤكدا انه "لن يكون بديلا عن الشرعية التي يرتضيها الشعب".

وجاء في البيان "امام مطالب شعبنا العظيم في كل مكان باحداث تغييرات جذرية فان المجلس الاعلى للقوات المسلحة يتدارس هذا الامر وسيصدر لاحقا بيانات تحدد الخطوات والاجراءات والتدابير التي ستتبع".

وبذلك، اصبح وزير الدفاع والانتاج الحربي محمد حسين طنطاوي (75 عاما) الرجل الاقوى في البلاد، وهو يرأس المجلس الاعلى للقوات المسلحة المشرفة حاليا على ادارة البلاد.

وادى الاعلان عن تنحي مبارك الى حالة فرح عارمة ليس في مصر فحسب، بل في عدد من الدول العربية لا سيما تونس التي كانت السباقة الى اسقاط نظامها من خلال التظاهرات في الرابع عشر من كانون الثاني/يناير.

وقال المعارض المصري محمد البرادعي الجمعة في رسالة على موقع تويتر ان مصر استعادت برحيل الرئيس حسني مبارك حريتها وعزتها.

وقال البرادعي لشبكة الجزيرة القطرية في وقت سابق "عدنا الى الحياة"، تعليقا على تنحي الرئيس مبارك.

واضاف البرادعي بالانكليزية في تصريح لقناة الجزيرة الناطقة بالانكليزية "رسالتي الى الشعب المصري انكم استعدتم الحرية (...) فلنستخدمها بالطريقة الأمثل".

وحيا عصام العريان القيادي في جماعة الاخوان المسلمين الشعب المصري وجيشه "الذي اوفى بعهده".

من جهة اخرى، حيا الرئيس الاميركي باراك اوباما الجمعة "شعب مصر" الذي ادت انتفاضته الى طرد الرئيس حسني مبارك من السلطة ودعا الجيش الى ضمان عملية انتقالية "تتصف بالصدقية" الى الديموقراطية.

وقال اوباما في خطاب رسمي في البيت الابيض بعد ساعات على استقالة مبارك وتسليمه السلطة الى الجيش ان "شعب مصر قال كلمته واسمع صوته، ومصر لن تعود ابدا كما كانت".

وتقع على عاتق الجيش المصري مهمة اعادة الامن الى البلاد اضافة الى تلبية تطلعات الشعب في احلال التغيير الديموقراطي. غير ان الغموض ما زال يكتنف الطريقة التي ستتصرف القوات المسلحة وفقها.

وهي تحظى، بخلاف الشرطة، بتقدير المصريين، لكنها لم تفصح بعد عن المسار الذي ستسلكه لاجراء الاصلاحات.

وابدى محمد رضا (26 عاما) امله في أن تشكل "حكومة مدنية" بسرعة. وقال "ننتظر بيانا جديدا من الجيش، لا نريد حكما عسكريا، نتطلع الى حكومة تضم اشخاصا من ذوي الخبرة".

القاهرة تتحول الى قاعة احتفالات

فيما عاش ميدان التحرير في وسط القاهرة -الذي كان بؤرة الاحتجاجات ضد مبارك- اجواء احتفالية بعدما اجتاحت الفرحة مئات الالوف من المحتشدين في الميدان بمجرد اعلان عمر سليمان النائب الجديد للرئيس المصري عبر شاشات التلفزيون ان مبارك " قرر التخلي عن منصب رئاسة الجمهورية."

وانطلقت الالعاب النارية لتضيء سماء الميدان في حين تراقصت الحشود على انغام الدفوف والطبول والاغاني الوطنية. وهتفت الحشود "الشعب خلاص اسقط النظام" بعدما ظلوا طوال ايام الاحتجاج يرددون "الشعب يريد اسقاط النظام".

ووقف محتج في مدخل الميدان من ناحية شارع طلعت حرب يحمل لافتة كتب عليها "مش انا البطل.. الشهيد هو البطل" في اشارة الى اكثر من 300 شخص تقول الامم المتحدة انهم قتلوا في الاحتجاجات التي شهدت في ايامها الاولى اشتباكات دامية بين المحتجين وقوات الامن. وانتشرت في انحاء الميدان صور للشهداء علقت على اعمدة الانارة واشارات المرور والشجيرات الصغرة وخيام المحتجين.

وانخرط الشبان في حلقات رقص وغناء وقد لفوا اجسادهم بالاعلام المصرية. ورددت مجموعة من الشباب تقف على منصة "ارفع رأسك.. انت مصري". ورددت الحشود الهتاف على دقات الطبول. وامسك اخرون بأيدي بعضهم البعض وداروا راقصين وهم يرددون "مصراوي.. مصراوي." بحسب رويترز.

واصطف المحتفلون يلوحون بالاعلام المصرية على نغمات يرددها مكبر للصوت لاغنية "صورة صورة.. كلنا كده عايزين صورة" التي غناها المطرب المصري الراحل عبد الحليم حافظ للاشادة بالعاملين في مشروع السد العالي الذي اقيم في جنوب مصر للسيطرة على فيضان نهر النيل في ستينات القرن الماضي.

وسار الناس على سجيتهم في ساحة الميدان وكانت بينهم نساء منتقبات واخريات يرتدين احدث الملابس الغربية. وتجولوا فرادى وجماعات وقد ارتدى رجال الجلباب الريفي في حين ارتدى اخرون ملابس غربية وكان بينهم ملتحون لكن الغالبية كانت من حليقي اللحى.

وجاءت اسر بأكملها رجالا ونساء واطفالا للمشاركة في الاحتفالات. وقالت طفلة في الثامنة من العمر بصحبة والديها "انا احتفل لان الشعب المصري فرحان".

وانتشر في انحاء الميدان باعة الوجبات السريعة الساخنة وبينهم باعة الذرة المشوية والكسكس والكشري والشاي.

واستمر توافد الناس على الميدان بعد ساعات من انتصاف الليل. وجابت السيارات شوارع القاهرة تحمل الاعلام المصرية وتطلق ابواقها وتتردد منها الاغاني الوطنية وكانت احداها "كلمة حلوة وكلمتين.. حلوة يا بلدي" للمطربة الفرنسية مصرية الاصل داليدا.

وامتدت الحشود لمسافة كيلومترات من ميدان التحرير في مختلف الاتجاهات وعبر الجسور الممتدة فوق نهر النيل. ورغم تكدس الطرق بالسيارات كان المزاج العام منتشيا. واطلق محتفلون الرصاص في الهواء في مختلف انحاء القاهرة ابتهاجا بتنحي مبارك. وامسك بعض المحتجين طبعات مبكرة من صحف السبت وكلها تتحدث عن سقوط نظام مبارك وبدء عهد جديد في مصر.

المصريون يستعيدون احساسهم بالفخر في دولة متضررة

الى ذلك كان لسقوط مصر فريسة بين براثن أمراض اجتماعية واقتصادية وسياسية خلال العقود الثلاثة من حكم الرئيس المصري السابق حسني مبارك مذاق مر بالنسبة لبلد ينعم بتاريخ يمتد لخمسة الاف عام.

ويحب المصريون أن يطلقوا على بلدهم اسم "أم الدنيا" وبالنسبة لفترات طويلة من تاريخهم العريق فلديهم سبب معقول للمطالبة بهذا الوصف.

لكن بينما تابع كثيرون التدهور الذي حدث أثناء سنوات مبارك في الحكم والاحداث السابقة مثل هزيمة 1967 على يد اسرائيل أو حتى انقلاب الجيش في عام 1952 الذي أطاح بالنظام الملكي فان مصر كانت تغرق على ما يبدو في السنوات الاخيرة في مزيد من الفقر والوحشية والاستغلال والتخبط والخداع الاعلامي.

وبسط جهاز مبارك الامني أذرعه في كل جانب من جوانب الحياة في مصر في أعقاب سحقه لعصيان اسلامي مسلح.

وقالت جماعات حقوقية ان الاف المحتجين ملاوا السجون المصرية ولكن أعدادهم لم تعرف بدقة ولا تزال غير معروفة.

وشجع مبارك سياسات التحرر الاقتصادي التي جذبت رأسماليين من المقربين الى احضان الدولة ولكنها همشت ملايين المصريين. وبينما تم تهميش الطبقة المتوسطة ارتأى الاثرياء العيش في تجمعات سكنية محاطة بأسوار حول القاهرة بينما صار الفقراء أكثر فقرا في أحزمة العشوائيات التي تحيط بالمدينة. واستعاد المصريون عزتهم أثناء الثورة التي بدأت في 25 يناير كانون الثاني.

ومن بين الهتافات التي رددها مئات ألوف المصريين الذين تدفقوا الى الشوارع ليل يوم الجمعة بعد أن أجبر الجيش مبارك على التخلي عن المنصب في مواجهة حركة متنامية للعصيان المدني "أنا مصري وأفخر اني مصري". بحسب رويترز.

ووضع الناس ملصقات على سياراتهم تعبر عن حبهم لمصر وتوشحوا بألوان العلم المصري بينما غصت الشوارع بأعلام مصر.

ولم يطح المصريون وحسب بحاكم لا يتمتع بالشعبية من منصبه وانما تصدوا أيضا لواحد من أجهزة البطش للدولة البوليسية كان لديه السلطة لاعتقال أي شخص لاي سبب ولاي مدة من الزمن بموجب قانون الطوارئ.

ومزقوا في سياق ذلك الصورة النمطية لشعب كان مستعدا لان يركع للسلطة بغض النظر عن الاهانات التي كالها له حكام مستبدون.

في البداية تم تحطيم حاجز الخوف ربما في 25 يناير عندما بدأت الانتفاضة أو ربما بعد ذلك بثلاثة ايام عندما خاض الناس العاديون في أرجاء البلاد معارك مع الشرطة وقوات أمن الدولة المصممين على كسر ارادة الشعب وتلقينه درسا.

قال جورج اسحق زعيم حركة كفاية التي بدأت في تحريض الشعب ضد حكم مبارك في عام 2005 ان ما من احد يصدق أن الشعب الذي كان يمنعه القهر قد أقدم على هذا بعد 30 عاما من الظلم والفساد والاستبداد. وأضاف أن مبارك كان طاغية متغطرسا.

ووصف أيمن نور السياسي المعارض الذي دفع ثمن تحديه لسلطة مبارك يوم تنحي مبارك بأنه أعظم يوم في تاريخ مصر الحديث.

وقال نور لقناة الجزيرة يوم الجمعة "هذه الامة ولدت من جديد. هذا الشعب ولد من جديد. هذه مصر جديدة."

وخاض نور في عام 2005 أول انتخابات رئاسية بين أكثر من مرشح وهي الانتخابات الرئاسية الوحيدة الى الان ضد مبارك. وجاء في الترتيب التالي لمبارك بفارق كبير وزج به في السجن بتهم اعتبرت على نطاق واسع تهم ملفقة.

وقال شادي حميد وهو محلل سياسي مصري في مركز بروكينجز بالدوحة "الثورة مكنت الناس الذين يشعرون بأن عبئا ثقيلا قد رفع عن كاهلهم."

ونظر المحتجون الى المجتمع الصغير الذين بنوه في ميدان التحرير بما يحمله من قيمة رمزية في القاهرة على أنه استعادة للسيطرة على مصيرهم.

وأقاموا لجانا للاشراف على الامن والطعام والعلاج الطبي فيما أصبح منطقة محررة حيث جاء أهل القاهرة والمصريون من كل حدب وصوب لاعلان رفضهم للنظام القائم حيث كانت مقولة الامن أولا التي يرددها مبارك تعلو كل شيء اخر.

وقال الناشط أحمد ادم "شكلنا لجانا في كل موقع لخدمة بعضنا. قمنا بتنظيف وكنس شوارع التحرير وعالجنا المريض وأطعمنا الجائع. كنا دولة مكتفية ذاتيا في قلب دولة لا تعمل."

في لحظة الفرح شعر المصريون بأنهم تحدوا الفرعون. وردد المصريون هتافات تقول ان الشعب قد أسقط مبارك.

طبول ورقص في لندن ونيويورك

ومن مقاهي النارجيلة في نيويورك وحتى شوارع لندن انضم أبناء الجاليات المصرية الى مواطنيهم في مصر في الاحتفال بسقوط الرئيس حسني مبارك.

وفي حي ماي فير في لندن احتفل نحو 200 شخص برحيل مبارك خارج السفارة المصرية حيث قرعوا الطبول ورقصوا وتعانقوا ورددوا " باي.. باي.. مبارك" قبل أن يبدأوا مسيرة في الشوارع.

وقال باسم البهلوان وهو طالب (30 عاما) "هذه بداية فصل جديد بالنسبة لمصر ولحقوق الانسان وللديمقراطية وللكرامة في مصر وفي الشرق الاوسط."

وقال محمد زايد وهو حلاق (28 عاما) ان المصريين أسعد شعب في العالم " كرامتنبا عادت الينا الان.. ذلك الكلب قد رحل."

وفي نيويورك سد عشرات الناس شارع كوينز ملوحين بالاعلام المصرية واللافتات التي كتب عليها "مبروك للشباب المصري.. أحلامكم تحققت." ورددوا "الحمد لله.. نحيا من أجل كرامة مصر."

وقالت هدى الامام (32 عاما) وهي تنضم الى احتفالات نيويورك مع أطفالها الثلاثة "لقد تحررت أخيرا.. لقد حررنا أنفسنا من دون اراقة دماء."

وأضافت "لا أخشى من تولي الاسلاميين السلطة لان الوجوه التي تصنع هذه الثورة أعرفها.. انها مجرد شبان." بحسب رويترز.

ولم يكن كل المصريين في الخارج على يقين مما يخبئه مستقبل بلادهم. وقال سيد جلال (32 عاما) الطالب المصري في لندن "نحن سعداء ولكننا خائفون أيضا. نأمل أن يأتي شخص أخيرا يخدم الناس قبل أن يخدم نفسه. هذا أخطر وقت بالنسبة لمصر."

ولكن أحمد علي (30 عاما) الكاتب المصري في لندن قال ان المصريين جاهزون لفتح صفحة جديدة. وأضاف "أيا كان ما سيأتي لاحقا.. حتى ان كان صعبا.. فسيكون أفضل من مبارك."

ووجه بعض المصريين الامريكيين انتقادات لطريقة تعامل الرئيس الامريكي باراك أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون مع الوضع. فلاكثر من أسبوعين ظلت ادارة أوباما تبذل جهودا كبيرة من أجل ايجاد توازن بين تأييد التطلعات الديمقراطية للمحتجين مع التردد في التخلي عن حليف قديم أو تغذية انتفاضة قد تنتشر الى أجزاء أخرى من المنطقة.

وقالت مريم علام (24 عاما) وهي طالبة في مجال التسويق "أصبت باحباط شديد من الطريقة التي تعامل بها أوباما وكلينتون مع الموقف. أمريكا ديمقراطية. وكان ينبغي أن تظل واقفة الى جانب الشعب منذ اليوم الاول. أنا أرى أن ذلك لطخ سمعة أمريكا."

وقال حمدي حمزة (52 عاما) الذي يملك مقهى (على النيل) في حي أستوريا في نيويورك انه على الرغم من أن اليوم يوم احتفال فان بعض المصريين يشعرون أن الولايات المتحدة قد نسيتهم.

وأضاف في مقهاه بينما كانت قناة العربية تبث مشاهد للاحتفالات في ميدان التحرير "الشعب المصري يحب الشعب الامريكي ولكن لماذا وقفت أمريكا الى جانب اسرائيل ونسيت الشعب العربي."

وفي وقت لاحق يوم الجمعة علق أوباما على رحيل مبارك قائلا انه شهد لحظة تاريخية حقيقة وان "المصريين قد ألهمونا". ولكن بعض المصريين في الخارج انتابتهم مخاوف مما ستحمله الايام المقبلة. وقال علام "لا أريد أن يتولى الاخوان المسلمون السلطة. أنا مسلم ملتزم ولا أريد تطرفا."

وفي لندن قال يوسف الباز (32 عاما) وهو مصرفي ان الاطاحة بمبارك هي مجرد خطوة أولى في طريق صعب. وأضاف "ما زلنا نريد حالة تطهير أكثر جذرية للنظام."

وفي لندن أيضا بينما كان المصريون يحتفلون أبدى عامل عراقي في مطعم حالة من الحذر قائلا "صدام رحل.. ولكن ماذا جنينا.. الاسوأ."

امريكا ترى أن طنطاوي مقاوم للتغيير

من جهة اخرى ينظر مسؤولون امريكيون الى المشير محمد حسين طنطاوي رئيس المجلس الاعلى للقوات المسلحة في مصر كحليف ملتزم بتجنب حرب اخرى مع اسرائيل لكنهم رسموا له في السابق صورة على انه مقاوم للاصلاح السياسي والاقتصادي.

وتحدث طنطاوي الى وزير الدفاع الامريكي روبرت جيتس خمس مرات منذ بدء الازمة في مصر كانت اخرها ليل الخميس وذلك وفقا لما ذكرته وزارة الدفاع الامريكية ( البنتاجون). وتولى المجلس الاعلى للقوات المسلحة ادارة شؤون البلاد يوم الجمعة بعد تنحي الرئيس حسني مبارك.

وهذه الروابط قائمة منذ وقت طويل ومهمة لواشنطن التي تقدم مساعدات عسكرية لمصر تبلغ 1.3 مليار دولار سنويا.

ولم يكن لدى كبار مسؤولي وزارة الدفاع والمسؤولين العسكريين تعليق فوري بشأن قرار مبارك التنحي.

وامتنع مسؤولو وزارة الدفاع الامريكية عن الكشف عن فحوى محادثات طنطاوي وجيتس لكن جيتس اشاد علنا بالجيش المصري كقوة تعمل على الاستقرار خلال الازمة. وقال جيتس يوم الثلاثاء ان الجيش المصري "قدم اسهاما في التحول الديمقراطي".

لكن مسؤولين امريكيين وصفوا في احاديثهم الخاصة طنطاوي -وفقا لما جاء في برقية لوزارة الخارجية الامريكية ترجع الى عام 2008 نشرها موقع ويكيليكس على الانترنت- بانه شخص "مقاوم للتغيير" وغير مرتاح لتركيز الولايات المتحدة على مكافحة الارهاب.

وشارك طنطاوي (75 عاما) في ثلاث حروب منها حرب السويس في 1956 والحرب العربية الاسرائيلية في 1967 و1973 . وقالت برقية وزارة الخارجية انه "ملتزم بمنع نشوب اي حرب اخرى على الاطلاق."

غير أن دبلوماسيين نبهوا قبل زيارة له الي واشنطن في 2008 من أنه ينبغي للمسؤولين الامريكيين ان يكونوا مستعدين لمقابلة "طنطاوي المتقدم في العمر والمقاوم للتغيير".

وقالت البرقية "رغم انه ذو شخصية جذابة ولطيف .. فهو منخرط في نموذج عسكري بعد كامب ديفيد يخدم المصالح الضيقة لجماعته على مدى العقود الثلاثة الماضية" في اشارة الى اتفاق السلام بين مصر واسرائيل.

واضافت البرقية قائلة "في مجلس الوزراء حيث لا يزال له نفوذ كبير .. يعارض طنطاوي اصلاحات اقتصادية وسياسية يرى أنها تضعف سلطة الحكومة المركزية.

"انه مهتم بالدرجة الاولى بالوحدة الوطنية ويعارض مبادرات سياسية يعتقد أنها تشجع الانقسامات السياسية أو الدينية في صفوف المجتمع المصري."

وقالت البرقية ان طنطاوي يعتبر أن دور الجيش هو حماية الشرعية الدستورية والاستقرار الداخلي. وأضافت أنه اشار الى استعداده لاستخدام الجيش لكبح الاخوان المسلمين قبل الانتخابات المحلية في 2008 . بحسب رويترز.

وذكرت البرقية ايضا أن طنطاوي كان متشككا في برنامج الاصلاح الاقتصادي المصري في مطلع العقد الماضي معتقدا أن تخفيف سيطرة الحكومة على الاسعار والانتاج يغذي زعزعة الاستقرار الاجتماعي.

وتابعت تقول "هو سيجادل بأن أي شروط للمساعدات العسكرية تعتبر غير بناءة. وسيقول أيضا ان الجيش لا يقف وراء مشكلات حقوق الانسان في مصر" وسيقاوم مساعي الكونجرس الامريكي لفرض شروط فيما يتعلق بحقوق الانسان.

وقالت البرقية "هو ومبارك يركزان على استقرار النظام والحفاظ على الوضع القائم حتى نهاية عهدهما. انهما بكل بساطة لا يمتلكان الحيوية أو الرغبة أو رؤية شاملة لعمل أي شيء بشكل مختلف."

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/شباط/2011 - 9/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م