يغرق من يصعد مركب الديكتاتور

نـــزار حيدر

ان عدم ترك ما سمي بحوار النظام مع المعارضة في مصر اي اثر على حماسة الشارع الثائر، دليل على افلاس المعارضة التي اشتركت في الحوار، وكونها لا تمثل الا نفسها، من جانب، كما دلل على ان الاعيب النظام لم تعد تنطلي على الشارع الذي خبره على مدى (30) عاما عندما كان في كل مرة يعد ويتعهد الا انه كان ينقض وعوده ولم يلتزم باي تعهد، من جانب آخر، كما ان ذلك دلل على ان الشعب لا يقبل باقل من ازاحة النظام بالكامل عن السلطة، نهجه ورموزه وسياساته واكاذيبه وحزبه ودستوره، من جانب ثالث.

 ان مشكلة المعارضات في بلداننا العربية هي انها ليست جدية في مطاليبها ولذلك تراها تقبل باية حلول ترقيعية يتقدم بها النظام الحاكم، الامر الذي يشير، ربما، الى انها كالنظام السياسي العربي الفاسد اصبحت من الماضي وانها من الاموات الاحياء، ولذلك لا يمكن التعويل عليها لاحداث التغيير التاريخي الجذري المطلوب في البنية السياسية.

 وانا اعتقد جازما بان من يصعد مركب النظام، ليس في مصر وحدها وانما في كل عالمنا العربي، في مثل هذه الظروف فانه سيغرق بالتاكيد، فلقد فات اوان الحوار، فلماذا يقبل البعض، ومن حيث يشعر او لا يشعر، ان يتحول الى طوق نجاة للديكتاتور في لحظات عمره الاخيرة؟.

 ليدع الجميع الديكتاتور يلقى مصيره لوحده، وليستفد الجميع من تجارب الماضي، الذاتية منها تحديدا، حتى لا يتحول الى حمار يمتطيه الديكتاتور لينحني امام العاصفة، فاين ما تدعونه من تجربة وخبرة؟ وماذا ستنفعكم اذا لم تستذكروها في مثل هذه الاوقات العصيبة لتستفيدوا منها؟ اولم يوفر العاقل تجاربه لمثل هذه الاوقات؟ فلماذا لا تستحضرونها؟.

 ان معارضاتنا لا زالت لم تستوعب حقيقة الثورة الشعبية التي بدات من تونس لتمر اليوم في مصر الكنانة والتي سوف لن تتوقف قبل ان تكنس كل النظام السياسي العربي الفاسد الذي يتحكم بمقدرات الامة في البلاد العربية، وهي لا زالت لم تفهم جوهر هذه الحركة العظيمة فتتصور بانها مجرد فورة مؤقتة سرعان ما تهدا اذا ما اقدم النظام على اجراء بعض الاصلاحات البسيطة كتعديل بعض مواد الدستور مثلا او توزيع قناني الغاز على المواطنين او اقالة هذا الوزير او منع ذاك من السفر او قطع وعد بعدم الترشح لولاية جديدة او ما اشبه.

 انني احذر معارضاتنا من ان تخذل شعوبنا في مثل هذا الظرف التاريخي، وهي اذا لم تقدر على نصرته فلتسكت، وهي اذا لم تقدر على ان ترتفع لتكون بمستوى الحدث التاريخي فلتلتزم الصمت فقد يساعدها ذلك على ان تحفظ بعض ماء وجهها.

 كما انها تتصور بان الشارع اليوم بلا قيادة فلماذا لا تملا بنفسها الفراغ القيادي عبر الحوار مع النظام والذي طالما حلمت به عقودا طويلة؟ ابدا، فالامر ليس كذلك بالمطلق، فان الذي يجري اليوم في الشارع العربي انما هو:

 اولا: ثورة تغييرية جذرية وشاملة بكل معنى الكلمة، ولقد راينا كيف ان الشارع زاد اصراره على رحيل الديكتاتور وكامل نظامه المهترئ، كلما قدم تنازلا من نوع ما، ما يدلل على ان الشارع مصر هذه المرة على تحقيق التغيير الحقيقي رافضا كل اشكال الترقيع السياسي وغيره.

 ان الشعب العربي برمته يكتب اليوم تاريخا جديدا.

 ثانيا: حركة واعية، ولذلك فهي لا تميز بين شخص وآخر في مؤسسة النظام، كما انها واعية للعبة استبدال البيادق، ولذلك نراها تصر على التغيير مهما عظم الثمن المطلوب دفعه من اجل تحقيق التغيير المرجو.

 ثالثا: وهي ليست حركة تغييرية آنية، فلقد رفع احد الاطفال لافتة كتب عليها العبارة (ارحل لننعم بالمستقبل) ما يعني انها حركة مستقبلية تهدف الى تغيير الحال نحو غد مشرق ينعم فيه الاطفال بحياة حرة وكريمة في ظل نظام سياسي حر ومستقل، افضل بكثير من حياة اجدادهم وآبائهم في ظل نظام شمولي استبدادي ديكتاتوري بوليسي.

 رابعا: وهي ليست حركة عبثية بلا راس او قيادة، ليحاول كل من هب ودب ان يركب موجتها لينال بها حظوة القيادة والزعامة، ابدا، فان من فجرها، وان من ادامها، قادر على قيادتها الى بر الامان مهما كانت الظروف، اما ان يسعى النظام لتضليل الشارع فيقدم بعض (معصوبي) الرؤوس ممن جرح في ميدان التحرير ويجتمع بهم على انهم قادة الثورة، فان ذلك لا يمكن ان ينطلي على الشارع، الذي اثبت اكثر من مرة انه اذكى من النظام كما انه اعقل منه بالتاكيد.

 لقد اثبتت الثورة في مصر ان الذي يحكم في البلاد هو رجل واحد في يده كل شئ، والدليل على ذلك ان الديكتاتور ظل يرفض التنحي عن السلطة بحجة ان مغادرته الحكم ستنتج فوضى، على الرغم من انه عين نائبا له وحكومة جديدة، فماذا يعني ادعاءه هذا؟ اذا كان صحيح ما يقوله من انه يعتمد على المؤسسات ولا يعتمد على الاشخاص في ادارة السلطة، فلماذا يخشى الفوضى؟ على الرغم من ان خشيته الكاذبة هذه لا اساس لها من الصحة، فالفوضى حدثت بوجوده في السلطة، وانا على يقين من ان تنحيه سينهي الفوضى والازمة في آن، وان كان ليس قبل كنس كل آثاره ومخلفاته.

 انهم يبحثون عن خروج بكرامة للديكتاتور، كيف له بذلك وهو الذي لم يبق للشعب اية كرامة؟ فهل بقيت في مصر كرامة لاحد ليمنحها للديكتاتور؟ انه سحق كرامة المصريين على مدى ثلاثة عقود فمن اين لهم ان يعطوه قليلا من الكرامة ليترك بها السلطة؟.

 ان الذي لم يحافظ على كرامته طوال ثلاثين عاما ليس من حقه ان يطلبها في آخر ايام حكمه الديكتاتوري.

 وانى لديكتاتور لا يمتلك ذرة من الغيرة ان يترك السلطة بكرامة؟.

 انه يخجل ان يقال له (الرئيس المخلوع) ولذلك سعى جاهدا لاكمال ولايته (الدستورية) اما الشعب فقد ظل مصرا على ان يسميه الرئيس المخلوع، فهو لا يريد ان يسمى الديكتاتور مقالا، بضم الميم، او متنازلا عن السلطة او اية عبارة لطيفة اخرى، بل يجب ان يكون وكل زملائه الطغاة الاخرون مخلوعين شاؤوا ذلك ام ابوا، فمن يرفض تحقيق مطلب الشعب سلما فسيحققه له بالقوة مهما طال الزمن، ليكونوا عبرة لمن اعتبر.

 وفي محاولة من بعض المنتفعين للعب بمشاعر الناس يدعي ان استمرار التظاهرات اثرت بشكل سلبي على معاش الناس ومصالحهم، ناسيا او متناسيا ان المتظاهرين ليس عندهم ما يخسرونه اذا استمروا بالتظاهر، فهم الطبقة المسحوقة التي لا تمتلك شغلا تتقوت به ولا اسهما في البورصات ولا بواخر في عباب البحر ولا ارصدة في المصارف المحلية والعالمية.

 قد يكون الديكتاتور وعائلته وزبانيته يخسرون من ارصدتهم المتراكمة مع مرور كل ساعة على الثورة الشعبية المشتعلة، اما الشعب فلن يخسر شيئا ابدا.

 هذا من جانب، ومن جانب آخر فلقد ظل هذا الشعب يخسر كل شئ على مدى ثلاثين عاما فلماذا لم يتذكر المنتفعون مصالحه؟ لماذا لا يرون الا مصالحهم الانانية ومصالح الديكتاتور الذي ربطوا مصيرهم بمصيره؟.

 اضف الى ذلك فان المدة الزمنية التي استغرقتها الثورة لحد الان لا تساوي شيئا في عمر الثورات التحررية، واذا رجعنا الى عمر الثورات المشابهة لها كالثورات في الهند وايران وجنوب افريقيا وغيرها، لراينا انها لا زالت بعد في المهد، فالثورة الشعبية التحررية والتغييرية الجذرية لا تشبه الانقلابات العسكرية بالمطلق، فاذا كانت الاخيرة تتحقق بين ليلة وضحاها عندما ينزو على السلطة مجموعة من اللصوص المحترفين ليستولوا على الحكم بقوة السلاح، فان الثورة ليست كذلك ابدا، لانها عملية تغييرية جذرية بحاجة الى زمن معقول لتختمر في ذهن الشعب وتتفاعل مع عقولهم ومشاعرهم، واذا كان من السهل، ربما، على الشباب ان يقرروا تفجير الثورة فان الاخرين ليس من السهل عليهم فعل ذلك، وها نحن اليوم نرى التحاق شرائح متنوعة من الشعب المصري بركب الثورة الواحد تلو الاخر، كل شريحة تاخذ وقتها المناسب قبل ان تلتحق بركبها.

 ان على الشعب ان يواصل حركته الثورية حتى تحقيق اهدافه الوطنية التاريخية النبيلة بالكامل، فليس من المعقول ان يعود الى الشارع بين الفينة والاخرى، ولذلك قيل ان (الاعمال بخواتيمها) فليس المهم ان يثور شعب من الشعوب، وانما المهم ان يستمر ويثابر في الثورة حتى تحقيق الهدف، والا فسنكون امام مشاهد الثورة الدموية كل حول او حولين او عقد او عقدين مثلا.

 لقد ظل ديكتاتور مصر يلقي دروسه على الاخرين قرابة ثلاثين عاما، ولكنه لم يلق حتى درسا واحدا على نفسه، لانه كان يرفض ان يصغ لصوت الشعب المصري، حتى قال اخيرا بانه لا يهتم بما يقوله المصريون، تصور.

 اما بالنسبة للشان العراقي، فلقد واصل ديكتاتور مصر، منذ سقوط الصنم في التاسع من نيسان، القاء دروسه وابحاثه في الوطنية والديمقراطية وحكومة الشراكة الوطنية والمصالحة الوطنية على كل من زاره من العراقيين، ثم تطورت ابحاثه فراح يعلمهم معنى الانتماء الوطني لدرجة انه شن ذات مرة هجوما عنيفا على اغلبية الشعب العراقي (الشيعة) مشككا بولائهم للوطن، في مسعى منه للتحريض ضدهم، ولكنه في زحمة الدروس والابحاث نسي ان يلقي على نفسه درسا واحدا في الانتماء للوطن والكرامة والديمقراطية، فكان يصر على توريث السلطة لابنه مهما فعل المصريون، حتى اضطر في نهاية المطاف الى التنازل عن كل شئ، الا الكرامة التي سعى لان يحتفظ بها لنفسه على الاقل، ولكن بعد فوات الاوان، فعندما ثار الشعب لم يعد امامه ما يحافظ به على كرامته، فمثله كمثل فرعون مصر الذي اعلن ايمانه باله موسى وهارون ولكن بعد فوات الاوان، فخاطبه الله تعالى {الان وقد كفرت قبل} افبعد ان انتهى كل شئ تذكرت ايها الفرعون الجديد الديمقراطية والفساد المستشري في كل مؤسسات الدولة وكرامة الشعب الابي؟.

 لقد قيل قديما ان كل شئ في اوانه جميل، فلو ان الانظمة السياسية الفاسدة تنتبه الى اخطائها في الوقت المناسب لما انجرت بلداننا بين الفينة والاخرى الى الفوضى او الى الاحتلال او الى الحروب العبثية.

 من هنا ارى انه قد حان الوقت لان يغير الساسة العراقيون نهجهم فيتصالحوا مع الشعب العراقي، اليوم اليوم وليس غدا، فربما سيكون بامكانكم التغيير اليوم اما غدا فلا والف لا، فلقد طفح الكيل ولم يعد العراقيون يتحملون اكثر من هذا ابدا.

 اقول هذا وان كنت اشك في ارادة السياسيين على التغيير، والا، بماذا نفسر محاولاتهم تعديل قانون نواب الرئيس الذي يعني المزيد من اللصوصية والمزيد من هدر المال العام لامر ليس له اي معنى، كما انه لا ينفع العراقيين ابدا، فضلا عن انه لن يغير شيئا من الواقع الخدمي والمعيشي والصحي والتعليمي والبيئي للناس.

 ان العراق اليوم بحاجة فورية الى قرارات ثورية ليلمس بها الشارع ارادة التغيير لدى الساسة، وانا احذرهم من التعامل بقسوة مع من يقرر التظاهر ضدهم، فاذا اريق الدم في الشارع وازهقت الارواح، فان كل الابواب ستوصد بوجه اي حل ممكن، فالدم يوسع الفجوة بين الحاكم والمحكوم، ولكم في الطغاة المعاصرين صدام وبن علي ومبارك عبرة.، طبعا لمن يعتبر.

* مركز الاعلام العراقي في واشنطن

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 13/شباط/2011 - 9/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م