المجتمع المدني في تونس

بعض من الدروس والعبر

محسن ابو رمضان

التحرك الذي بدأ مطلبياً وأصبح سياسياً في تونس معبر عنه بالطابع الشعبي والديمقراطي للانتفاضة الشعبية المجيدة جاء نتاجاً لحالة من التراكمات، حيث الدولة البوليسية والاستبدادية والتي تقمع الحريات العامة، وتدوس على حقوق المواطنين ضمن التحالف المقدس ما بين المال والسلطة والأمن، هذا التحالف الذي حول تونس إلى مزرعة احتكارية لصالح عائلة بن على وزوجته وأنسابهم وأقاربهم، حيث تراكم الثروة الهائل على حساب السواد الأعظم من الفقراء والمهمشين.

لقد كانت واحدة من العوامل الأساسية التي ساهمت في تحريك الانتفاضة الشعبية التونسية تكمن في بروز الطبقة الوسطى وتبلورها، هذه الطبقة المتعلمة والمنفتحة على الثقافة الإنسانية العالمية والمتشربة لقيم ومبادئ الديمقراطية والحرية والعدالة وحقوق الإنسان، أصبح قطاعات واسعة منها عاطلة عن العمل ومندرجة في صفوف الفقر والبطالة كما لعب الشباب دوراً هاماً ايضاً مستعينين بثورة المعلومات والاتصالات، حيث " الفيس بوك " والتويتر الشبكة العنكبوتية، والتي شكلت تلك الأدوات التقنية بديلاً لحالة الحصار والتضييق على حرية الرأي والتعبير والصحافة الحرة والتي كانت ممنوعة بحكم الرقابة الأمنية للنظام الاستبدادي.

ورغم الطابع المعنوي للتحركات ابتداءً، إلا ان العديد من القوى الحية قد تفاعلت مع الحدث وساهمت بتوجيهه وتحديد أهدافه وشعاراته، بما يساهم في منع محاولات الالتفاف على تلك الأهداف من قبل نخبة النظام وحزبه الحاكم وعناصره التي كانت متواجدة بالحكومة، أو باتجاه يضمن التغيير الشامل الذي يعمل على تحقيق التحول الديمقراطي في البلاد ومع قاعدة تحقيق سيادة القانون والفصل بين السلطات واحترام الحريات العامة وتحقيق مرتكزات العدالة الاجتماعية في توزيع الثروة لصالح الفقراء وبرامج الصحة والتعليم والتنمية الاجتماعية.

لقد كان الاتحاد العام للشغل من ابرز القوى المندرجة في إطار منظمات المجتمع المدني والتي لعبت دوراً ناهضاً وفاعلاً بل وريادياً في الانتفاضة الشعبية، هذا الاتحاد ذو الميول الديمقراطية والتقدمية والذي يضم آلاف الأعضاء المنتشرين جغرافياً، والذي استطاع ان يعبأ ويحشد قطاعات واسعة من الطبقة العاملة والمتضررين تحت شعارات مطلبية اقتصادية مثل توفير الخبز والماء، والتصدي للغلاء والفقر والبطالة إلى جانب ذلك لعبت منظمات حقوق الإنسان دوراً هاماً، حيث كانت تقوم بفضح إجراءات النظام القمعية، كالاعتقالات السياسية ومصادرة الحريات العامة والشخصية، بالاستناد إلى طبيعة الحكم الاوتقراطي الفردي المرتكز لحزب الدستور والديمقراطية وهو حزب الرئيس المخلوع " بنى على " والمغلف بتعددية شكلانية مظهرية من قوى سياسية متحلقة حول النظام ولا يشكل معارضة جادة له، وبالإضافة لقيامها بتعرية النظام أمام الرأي العام المحلي والدولي فقد أفرزت بعض القيادات البارزة والتي تعرضت إلى القهر والاعتقال والتعذيب وتحولت رغم أبعادها خارج البلاد ونفيها إلى عنواناً بالدفاع عن الحرية والكرامة وحقوق الإنسان.

يمكن الاستفادة من التجربة التونسية فيما يتعلق بدور منظمات المجتمع المدني، انه كان دوراً بارزاً ونوعياً فاعلاً وربما يعود السبب في ذلك إلى الطابع الشعبي لتلك المنظمات البعيدة عن النخبوية والمظهرية، واعتماد أجندة محلية تعتمد أولويات واحتياجات المواطنين الأحرار وليس إلى منهجية التمويل الدولي الموجه.

لقد بات واضحاً أن منظمات المجتمع المدني سيكون لها دوراً مؤثراً بالتعبير عن حقوق ومصالح المواطنين إذا تحولت إلى حركات اجتماعية جادة مبنية على العضوية وقادرة على الحشد وتستند في آليات عملها على علاقة وثيقة مع الفئات الاجتماعية المهمشة والمتضررة وتصوغ خطاباً يعبر عن مطالب المواطنين بالكرامة والحرية وبضمان العيش الكريم القادرة على تحقيق التوزيع العادل للثروة في اطار أنظمة ديمقراطية منتخبة شفافة تخضع لآليات الرقابة والمحاسبة وتستند إلى فلسفة الحكم الديمقراطي الرشيد.

تستطيع الشعوب العربية ومنها شعبنا ومنظماته الأهلية والاجتماعية والشعبية الاستفادة والتعلم من التجربة التونسية وذلك عبر اعادة الاعتبار لقيم ومبادئ الديمقراطية والحرية، خاصة ان شعبنا بالأراضي المحتلة كان قد خبر تجربة الانتخابات والتي كان من المأمول بها ان تعيد بناء المؤسسة السياسية والإدارية والتشريعية الفلسطينية على اسس من المشاركة والتي تضمن التعددية وثقافة الاختلاف بالاستناد إلى اسس سيادة القانون.

وهاهو يمر يوم استحقاق الانتخابات في 25 /1،كيوم عابر دون اصداء أو ردود فعل جادة من القوى والشخصيات والمنظمات المؤمنة بالخيار الديمقراطي الأمر الذي يعكس حالة التكيف من ظروف الانقسام ومع معطيات الأمر الواقع بدلاً من مواجهته بآليات من الكفاح السلمي تعيد الاعتبار لهذا اليوم بوصفه البوصلة القادرة على اعادة صياغة المعادلة الفلسطينية على قاعدة تضمن صياغة السلم الأهلي واعادة بناء النسيج الاجتماعي بما يساهم في ترسيخ الوحدة الوطنية والاجتماعية في مواجهة التحديات.

إن المجتمع المدني الفلسطيني مدعواً وعلى ضوء التجربة التونسية لاستخلاص النتائج والدروس والعبر وذلك عبر العمل على إعادة صياغة نفسه بما يضمن إخراجه من الدائرة النخبوية إلى الدائرة الشعبية القادرة على التعبير عن مصالح الفقراء والمهمشين، حينها وعبر إعادة الصياغة الجادة ستستطيع منظمات المجتمع المدني في بلادنا ان تلعب دوراً بارزاً ومؤثراً في عملية النهوض الوطني والتغير الاجتماعي وفي الدفاع عن مصالح الفقراء والتصدي لأزمة الانقسام وعبر وسائل الضغط والتأثير السلمي والديمقراطي المتراكم صيانة لحقوق الفقراء والمهمشين ومن اجل إعادة بناء النسيج الاجتماعي الفلسطيني ولكي تستطيع ان تحقق التمكين والتقوية والصمود في مواجهة الاحتلال على طريق استكمال تحقيق أهداف شعبنا بالحرية والاستقلال والعودة في إطار جدلي يضمن الكرامة والحرية لدى المواطنين.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 12/شباط/2011 - 8/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م