|
في ميدان التحرير سألني أحد شباب مصر المتألقين: هل تنتصر الثورة؟!.
فقلت له نعم ستنتصر بإذن الله وعونه...
كان من الممكن أن أضع عنوانا للمقال (هل تنتصر الثورة)؟ ولكن قناعتي
الراسخة بأن ثورة أحرار مصر تمضي بالفعل نحو الانتصار الحتمي ونحو تحقق
الوعد الإلهي بخطى ثابتة حتمت إسقاط سؤال (هل) لأضع مكانه سؤال (متى)
لأن الأمر الأول أصبح محسوما.
(الحاجة معتوقة) التي هي مصرنا المؤمنة الصابرة التي انعتقت وتحررت
من القيد والذل والضيم لن توضع مرة أخرى في زنازين النظام المنقرض حكما
وحتما...
(للحاجة معتوقة) حكاية أخرى لا مكان لها الآن واسألوني عنها بعد أن
تضع الثورة أوزارها ويعود الثوار إما إلى بيوتهم أو إلى مقار الحكم (وَأَوْرَثْنَا
الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الْأَرْضِ
وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ
الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا
كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ)
الأعراف (137).
الأمر تماما كما وصفه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب: (فَقَدْ طَلَعَ
طَالِعٌ، وَلَمَعَ لاَمِعٌ، وَلاَحَ لاَئِحٌ، وَاعْتَدَلَ مَائِلٌ،
وَاسْتَبْدَلَ اللهُ بِقَوْم قَوْماً، وَبِيَوم يَوْماً،
وَانْتَظَرْنَا الْغِيَرَ انْتِظَارَ الْـمُجْدِبِ الْمَطَرَ).
الحقيقة التي تجري الآن على أرض مصر قالها الإمام علي في الكلمات
السابقة فقد طلع طالع ولمع لامع ولاح لائح واعتدل مائل واستبدل الله
بقوم قوما.......
وبيوم يوما.......
بعد أن انتظرنا الْغِيَرَ (اي التغيير) انتظار المجدب للمطر.....
ليس فيما سبق كلام نظري أو عرفاني أو تنبؤي بل هو حقيقة واقعة فقد
انهار بيت العنكبوت الذي نسجه النظام طيلة العقود الماضية واختفى أو
توارى أغلب رموز الإفك والبهتان إما خوفا من العقاب الآتي أو لأن
ضمائرهم المطاطية أصبحت عاجزة عن مزيد من التمدد ومحاولة التشكل مع
التطورات اليومية المتسارعة.
لقد سقط نظام مبارك الأمريكي الصهيوني في مأزق وحفرة سحيقة بعد
ثلاثين عاما عاشها في عالم الوهم والخيال عالم سمسم وتوتو وعمرو.
وبينما حذر أبو الغيط وزير خارجية النظام من محاولة الاستيلاء على
السلطة في مصر، قائلا: أن الجيش سيكون ملزما بحكم الدستور بالتدخل حال
إحساسه بأن الأمن القومي المصري مهدد مضيفا: أنه يجب المحافظة على
الدستور حتى بعد تعديله "لحماية البلد من بعض المغامرين أو بعض
الشخصيات التي قد تقول نحن نأخذ السلطة ونشرف على المرحلة الانتقالية".
وقال " اذا استمر الوضع بهذا الشكل فإن القوات المسلحة ستجد نفسها
مضطرة لأن تدافع عن الدستور والأمن القومي المصري طبقا للقسم"، مشيرا
إلى " أن ذلك سيكون وضعا في غاية الخطورة"، إذا به يرسل تامر حسني
الشهير بتوتو وعمرو أديب الشهير بعمورة ناهيك عن بقية الساقطين إلى
ميدان التحرير في محاولة لإثناء الثوار عن ثورتهم وهي محاولة بائسة
يائسة لاستثمار (النفوذ المعنوي) لجماعة الهشك بشك على الشارع المصري.
وإذا كانت جماعات الإسلام المدجن قد فقدت نفوذها منذ اللحظة الأولى
لاشتعال الانتفاضة فكيف يمكن للمخمورين من جماعات الهشك بشك أن تستعيد
توازن نظام يدعي أنه رمانة الميزان في حفظ التوازن الاستراتيجي في
المنطقة؟!.
هل يعد هذا دليل قوة وإمساك بمقاليد السلطة أم دليل فشل وانهيار؟!.
أما من الناحية الاقتصادية فقد ذكر موقع ديبكا فايلز الاستخباراتي
الإسرائيلي أن النظام الحاكم قد دخل بالفعل مرحلة الانهيار الاقتصادي
رغم أنهم تحدثوا من قبل عن الثروات المالية الهائلة التي راكمها
الديكتاتور والتي كان يلوح باستخدامها في مواجهة احتمال قطع المعونة
الأمريكية إلا أن خوفه من السقوط وتردده في استرداد بعض هذه الأموال من
أجل إنقاذ نظامه المنهار منعه من الإتيان بدولار واحد ولذا فهو يدعي
الفقر والعوز ويراهن على أموال الخلايجة التي استهلكت من قبل في دعم
أنظمة الجور والاستبداد وشن الحروب على العرب والمسلمين كما حدث في
الحرب على غزة ولبنان والتي مولها النظام السعودي الوهابي المتحالف
عضويا وسياسيا مع الكيان الصهيوني.
لو كان لدى الديكتاتور ذرة من يقين في بقاء حكمه لضحى ببعض ما نهبه
ليكون قادرا بعد ذلك على تعويضه من صفقات السلاح والسلب والنهب
والخصخصة والبصبصة!!.
بقي احتمال الانقلاب العسكري الذي يلوح به أبو الغيط وهو احتمال سقط
منذ اللحظة التي حرك فيها النظام المنهار الجيش لسد الفراغ الأمني الذي
عجزت الآلة الجهنمية لداخلية العادلي عن ملأه.
لقد حدث الانقلاب العسكري بالفعل منذ أعلن الديكتاتور عن إنزال
الجيش إلى الشارع بعنوان (الحاكم العسكري) في محاولة لوقف الثورة وهو
ما أدى لأن يصبح الجيش المصري جزءا من تفاعلات الثورة وأن يراها بأم
عينه بدلا من أن يسمع عنها من خلال تقارير المخابرات التي يمكن التلاعب
بها وتحويرها لإقناعه بوجود خطر خارجي يهدد البلاد والعباد يستدعي
التدخل لمحاصرته ووقفه.
لقد رأى الجيش بأم عينه ومن خلال قياداته الشابة أن الانتفاضة مصرية
خالصة وأن ليس للتدخل الأجنبي فيها وجود ولا أثر وأن ما أطلق من مواقف
خارجية داعمة للثورة هي في حقيقتها دعم للشعب المصري وهي في النهاية
دعم لجيش أراد الديكتاتور المتحالف مع الصهاينة والأمريكان أن يعزله عن
العالم وأن يجعله خاضعا لنزواته وقراراته الجهنمية الشيطانية.
لو لم يكن لهذه الثورة من إنجاز سوى أنها جعلت من الجيش المصري الذي
يعرف أن هؤلاء الثوار هم إخوة وأبناء واشقاء له حقيقة لا مجازا شاهدا
على الثورة لكفاها فخرا.
لقد راهن النظام الصهيوني الحاكم ومن خلال تواصله مع الإعلام
الصهيوني العالمي على إقناع الدنيا بأن الثوار قد نفذ صبرهم وأنهم في
طريقهم إلى بيوتهم وهو زعم أصبح موضع مراجعة وتكذيب من نفس هذه الجهات
التي باتت تدرك الآن أن الأمر لا يعدو كونه وهما يحاول زبانية النظام
إقناع العالم به.
الحمد لله الذي جعل أعداءنا من الحمقى!!
ما زال الغرور والصلف يقودان هذا النظام نحو حتفه.
لقد اعتاش هذا النظام ومنذ ثلاثة عقود على بيع الوهم للغرب الأمريكي
الغبي غرب الكاوبوي وحلفاؤه في المنطقة من الأعراب الأشد كفرا ونفاق من
مروجي ديموقراطية الغنم بوي ديموقراطية السمع والطاعة للحاكم القاتل
السفاح (ما أقام فيكم الصلاة يا أخي)!!.
إنه الوهم القائل إما أنا أو الإخوان!! إما أنا أو الإرهاب في حين
أنه هو من كان يصنع فزاعة الإرهاب وفي حين تشير بعض الدلائل لضلوعه في
بعض الجرائم الكونية الكبرى التي جعلت منه شريكا فيما يسمى بمحاربة
الإرهاب.......
وحتى عندما وقعت الواقعة (إذَا وَقَعَتِ الْوَاقِعَةُ * لَيْسَ
لِوَقْعَتِهَا كَاذِبَةٌ * خَافِضَةٌ رَافِعَةٌ * إِذَا رُجَّتِ
الْأَرْضُ رَجًّا * وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً
مُنْبَثًّا)، أصر النظام على التلويح بورقة الإخوان من خلال دعوته
الجماعة للتفاوض ضمن وفد المعارضة الكرتونية وهو ما شكل نوعا الخبث
التفاوضي وكأنه يقول للغرب أنقذونا فقد بلغ السيل الزبى وأصبحنا مضطرين
للتفاوض معهم ومن ثم كان قبول وترحيب (الكرتونية) بالتفاوض رهانا على
فشل الثورة والثوار ومحاولة لجني بعض المكاسب قبل انهيار (بورصة
الثورة) وهو ما أدى إلى نتيجة عكسية تماما.
فلا الثورة فشلت ولا التفاوض نجح في تبريدها بل زادها أوارا وبدلا
من أن يقدم نظام الديكتاتور للغرب دليلا قاطعا على صحة المقولة (أنا أو
الإخوان) إذا بالسحر ينقلب على الساحر وإذا بالحقيقة تظهر وتسطع وهي أن
النظام يرفع شعار (أنا أو الشعب) وليس (أنا أو الإخوان) أو (أنا أو
الإرهاب)!!.
(وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ
الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ * إِنَّ فِي هَذَا
لَبَلَاغًا لِقَوْمٍ عَابِدِينَ * وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً
لِلْعَالَمِينَ * قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ
إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * فَإِنْ تَوَلَّوْا
فَقُلْ آَذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ وَإِنْ أَدْرِي أَقَرِيبٌ أَمْ
بَعِيدٌ مَا تُوعَدُونَ * إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ
وَيَعْلَمُ مَا تَكْتُمُونَ * وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ
لَكُمْ وَمَتَاعٌ إِلَى حِينٍ * قَالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ
وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) الأنبياء
105-112.
اصبروا فإن وعد الله حق لا ريب فيه: (قُلْ آَمِنُوا بِهِ أَوْ لَا
تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا
يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا * وَيَقُولُونَ
سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا) الإسراء
107-108. |
