
شبكة النبأ: الكل يتفق ان ما حصل في
تونس فجر غضب الشعب العربي المكبوت طوال سنين عديدة على حكوماتهم التي
لم تحسن التعامل معهم والتي هي مقصرة تجاههم( ومصر لم تكذب خبرا) كما
يقال بالشارع المصري فهي انتفضت ايضا ومازالت مؤكدة على انها لن تتوقف
الى حين تنفيذ مطالبها، حتى وصل الحال الى الاردن التي قد تكون هي
الاخرى كباقي الدول العربية تعاني ما تعاني من الحكومة ولكنها تمتاز
بفارق بسيط حيث ان الاحتجاجات والتظاهرات لم تخرج مطالبة بتغيير النظام
كمثيلاتها من المطالبات في باقي البلدان بل هي تريد ان يتغير اسلوب
التعامل الذي يتعامل به النظام مع الشعب الاردني، حتى انها مازالت تؤكد
على انها تملك ثقة كبيرة بملكها وعلى انه قادر على تقديم الافضل ولكنه
مقصر تجاهها لذلك تريد انت يلتفت لها المسؤولين ويوفروا ما تحتاج من
خدمات ومتطلبات كبيرة في مرافق الحياة شتى.
إصلاح سريع
فقد شارك مئات الاردنيين الذين استلهموا المظاهرات في مصر في احتجاج
على التعديل الوزاري الذي أجراه الملك عبد الله قائلين انه لا يلبي
مطالبهم بخصوص الاصلاح السياسي.
وقال المحتجون الذين كان معظمهم من الاخوان المسلمين ان مئات الالاف
من المصريين الذين يطالبون بنهاية فورية لحكم الرئيس حسني مبارك
المستمر منذ 30 عاما رسموا خارطة طريق الى الحرية والديمقراطية لكل
العرب في مواجهة حكم الاستبداد.
وكان الملك عبد الله قد طلب من رئيس الوزراء المحافظ السابق ذي
الخلفية العسكرية معروف البخيت أن يتولى رئاسة الحكومة بعد أن قبل
استقالة سمير الرفاعي الذي طالب محتجون في أنحاء البلاد بإقالته.
لكن تعيين البخيت أثار غضب المعارضة الاسلامية الرئيسية حيث أن
حكومته السابقة أشرفت عام 2007 على انتخابات بلدية ونيابية اعتبرتها
مشوبة بالتزوير ولم تحصل من خلالها الا على بضعة مقاعد في مجلس نيابي
مؤيد للحكومة. وهتف المحتجون الذين كان معظمهم اسلاميون وانضم اليهم
بعض اليساريين والناشطين "لا للرفاعي .. لا للبخيت" مطالبين برئيس
وزراء منتخب.
وقال الشيخ حمزة منصور الامين العام لحزب جبهة العمل الاسلامي وهو
الذراع السياسية لجماعة الاخوان المسلمين ان المحتجين يطالبون بتغييرات
في السياسة والقوانين لا بمجرد تغيير للوجوه. لكن تعيين البخيت هدأ
فيما يبدو الكثير من الاردنيين أبناء القبائل وسكان المناطق الريفية -وهم
العمود الفقري للتأييد للملكية الهاشمية- الذين نظموا احتجاجات في
الاسابيع الماضية على ما اعتبروه تقليصا في وظائف الدولة والدعم منذ
ضربت الازمة المالية العالمية الاردن. بحسب وكالة الانباء البريطانية.
ويفضل كثير منهم البخيت على الرفاعي الذي استهل اصلاحات السوق
بتقليص الدعم الذي يعتمدون عليه. وقال كثير من المحتجين ان التغيير
الحقيقي يتحقق بتمثيل سياسي أوسع نطاقا وببرلمان أكثر ديمقراطية.
والملك هو الذي يعين الحكومات ويقر التشريعات ويحق له حل البرلمان.
والتقى الملك عبد الله بزعماء الاخوان المسلمين في اجتماع قال خلاله
ان وتيرة الاصلاح السياسي واجهت عقبات في السنوات الاخيرة وتعهد
بمكافحة الفساد. والاخوان المسلمون مناهضون للولايات المتحدة واسرائيل
التي أبرم معها الاردن اتفاقية سلام. وقالت الجماعة ان زعماءها يطالبون
منذ وقت طويل بحريات أوسع نطاقا وبإلغاء القوانين التي تقيد الحريات
المدنية.
وقال الشيخ منصور الذي حضر اللقاء مع الملك في كلمة للمحتجين ان
المطلوب هو الجدية واصلاحات على الارض مطالبا بسرعة طرح مبادرات يشعر
من خلالها الناس بأنهم شركاء في صنع القرار.
التأييد القبلي
من جانبه يسعى الملك عبد الله عاهل الاردن لاسترضاء القبائل
الاردنية القوية بتعيين ضابط جيش محافظ سابق كبير رئيسا للوزراء ولكنه
سيحتاج الى اجتذاب قاعدة اوسع للحفاظ على الاستقرار وتفادي اضطرابات
اقليمية.
وقال محللون ان هذا القرار يعكس اولوية تقليدية للعائلة الهاشمية
الحاكمة باسترضاء اردني "الضفة الشرقية" وهم السكان الاصليون للبلاد
والذين يهيمنون على المؤسسة السياسية على مصالح المجتمعات الفلسطينية.
واستقرار الاردن مهم لإسرائيل التي لها معاهدة سلام وتعاون امني
وثيق مع جارتها الواقعة في شرقها. والملك عبد الله الذي تلقى تعليمه في
بريطانيا شريك سياسي وعسكري رئيسي للغرب. ويشكل الفلسطينيون والاردنيون
المنحدرون من اصل فلسطيني اغلبية السكان البالغ عددهم سبعة ملايين نسمة.
وشعر سكان الضفة الشرقية الذين يحظون بمستوى اعلى بوجه عام من
الوظائف والدعم الحكومي بتهديد لمصالحهم من انكماش اقتصادي حاد ومن
تحرر اقتصادي شجعه رئيس الوزراء السابق سمير الرفاعي. واستمرت
الاحتجاجات عبر الاردن رغم حزمة عاجلة من المساعدات الحكومية بلغت
قيمتها 500 مليون دولار وركزت على زيادة رواتب موظفي الحكومة والغاء
قرار بتجميد التوظيف في الحكومة.
وقال محمد المصري وهو محلل سياسي في مركز الاردن للدراسات
الاستراتيجية ان الملك بتعيينه بخيت يسعى الى تهدئة ناخبين ذوي نفوذ
يحددون مصالحهم داخل البيروقراطية الحكومية التقليدية وتشعر بانها
مهددة بسبب سياسات السوق الحرة المفرطة. ولكنه قال ان الايام المقبلة
ستثبت ما اذا كانت هذه الاستراتيجية قادرة على احتواء مطالب المجتمع
المدني والسياسي لإصلاحات سياسية اكبر.
وعلى عكس المظاهرات الضخمة في تونس ومصر حيث خرج مئات الالاف من
المحتجين الى الشوارع مطالبين بالإطاحة برئيسي الدولتين لم تستهدف
التجمعات الحاشدة في الاردن الملك عبد الله حتى الان. بحسب وكالة
الانباء البريطانية.
وعادة ما ينزع حكام الاردن فتيل التوتر في اوقات الازمات بعزل
الحكومة. وقد قام الملك حسين والد الملك عبد الله بتغيير رئيس الوزراء
45 مرة خلال فترة حكمه التي امتدت لسبعة واربعين عاما رغم افتراض ان
هذه الخطوة ستنجح دائما قد يكون امرا محفوفا بالمخاطر.
وقال مصطفى حمارنة وهو محلل سياسي ورئيس مجلس ادارة مجلة السجل ان
الملكية محصنة في الوقت الحالي ولكن هذا ليس شرطا دائما. واضاف انه لا
يعتقد ان بخيت من نوع الساسة الذين يجرون اصلاحا سياسيا من نوع التغيير
الذي تحتاجه البلاد بشدة.
ومثل عزل الرفاعي احدث مواجهة بين الملك عبد الله ومؤسسة تعارض منذ
فترة طويلة اجراء تغييرات في مجتمع ذي تركيب قبلي خشية ان ذلك قد يعطي
الاردنيين من اصل فلسطيني تأثيرا اكبر ويحد من امكانية حصول سكان الضفة
الشرقية على الاموال الحكومية.
وسلطت برقية دبلوماسية امريكية مسربة نشرها موقع ويكيليكس حجم هذا
الانفاق قائلا ان 83 في المئة من ميزانية الاردن التي بلغ حجمها 7.71
مليار دولار العام الماضي خصصت "لجهاز حكومي متخم ونظام محسوبية عسكرية."
واثار تبني الرفاعي لمشروعات خاصة مخاوف من انه سيضعف الدور الاقتصادي
للدولة وهو ما تم الاعراب عنه في الاحتجاجات في المعاقل الريفية بالضفة
الشرقية مثل مدينتي الكرك ومعن.
ويتركز الاسلاميون الاردنيون وهم اكبر جماعة سياسية في البلاد بشكل
اساسي في عمان والمناطق الحضرية المحيطة بها ويتواري دورهم في
الاحتجاجات خارج العاصمة. ويقول حزب جبهة العمل الاسلامي الذي رفض
تعيين بخيت بوصفه خطوة غير كافية انه سيواصل احتجاجات اسبوعية اجتذبت
بضعة الاف من المتظاهرين في عمان قائلا ان الاحتجاجات لها اهداف اوسع.
وقال الشيخ حمزة منصور زعيم حزب جبهة العمل الاسلامي ان القضية لا
تتعلق بشخص الرفاعي وانما تتعلق بتغيير الطريقة التي تشكل بها الحكومات
والانتقال الى الحكومات المنتخبة التي تكون نيابية بشكل حقيقي." وعمل
بخيت وهو ضابط مخابرات عسكرية سابق رئيسا للوزراء من عام 2005 حتى عام
2007 واشرف على انتخابات برلمانية نظر اليها على نطاق واسع على انه
شابها تزوير.
ويقول محللون انه معروف بتحفظاته على القطاع الخاص ومن المرجح ان
يطمئن موظفي القطاع العام بانه سيتم الحفاظ على مصالحهم. ويقول مساعدو
بخيت ان مجلس الوزراء سيضم شخصيات من القطاع الخاص. ولكن سياسة
اقتصادية دفعت اليها ملائمات سياسية لن تؤدي الا الى اضعاف قدرة البلاد
على مكافحة ركود.
وخصص ما لا يقل عن 1.4 مليار دولار للدعم من الشعير لمربي المواشي
الى الكهرباء والماء في المناطق الريفية. ويأمل اردنيون كثيرون نظموا
احتجاجات في الاسابيع الاخيرة ان يحافظ بخيت على عدم المساس بهذا الدعم.
وعلى الرغم من ان السلطات تمكنت من خفض عجز قياسي في الميزانية بلغ
ملياري دولار في 2009 الى نحو الثلث في العام الماضي فان الغاء اجراءات
التقشف التي طبقت في اعقاب الاحتجاجات ستضغط على مالية الدولة التي ظلت
طويلا مكتفية ذاتيا من خلال المساعدات والتحويلات.
وقال سامي الزبيدي وهو كاتب عمود بارز ورئيس تحرير موقع امان سبوت
على الانترنت ان القضية في الاردن ليست بشأن تغيير النظام ولكنها تتعلق
بتغيير سلوك النظام. واضاف ان الناس مازالوا يثقون في ان الملك عبد
الله مازال لديه الكثير ليعطيه للشعب. واضاف ان التركيب القبلي للأردن
لا يسمح بنظام بديل غير هذا النظام. وقال ان العرش مازال يحظـــــى
بثقة الاردنيين .
الإصلاح لا تغيير
في حين أكدت الحركة الإسلامية في الاردن أنها لا تدعو لتغيير نظام
الحكم في المملكة كما في مصر، بل إلى إصلاحات سياسية وحكومات منتخبة،
مشيرة الى بدء "حوار" مع الدولة.
وقال زكي بني ارشيد، القيادي في حزب جبهة العمل الإسلامي الذراع
السياسية للإخوان المسلمين في الاردن أن "وفدا من الحزب التقى رئيس
الوزراء سمير الرفاعي وسلمه مذكرة مكتوبة بمطالبه المعلنة وهي خاصة
استقالة الحكومة وتعديل قانون الانتخاب، وانتخاب رئيس وزراء، وتشكيل
حكومة انقاذ وطني".
من جانبه، قال حمزة منصور امين عام الحزب أن "الرسالة وصلت (إلى
الملك) حين يهب الأردنيون من مختلف المحافظات ومختلف البيئات
الاجتماعية والقوى السياسية، أعتقد أن صاحب القرار وصلته الرسالة ويدرك
الرسالة ونأمل أن يكون تحركه سريعا".
وأشار منصور الى ان "هناك فرق بين الاردن ومصر، نحن دعاة إصلاح
ولسنا دعاة تغيير شامل كما في مصر". وأضاف "لا ندعو إلى تغيير النظام،
نعترف بشرعية الهاشميين (العائلة المالكة)، ولكن ما نريد هو اصلاحات
سياسية وحكومات منتخبة". بحسب وكالة انباء فرانس برس.
وكانت الحركة الاسلامية في الاردن طالبت بإجراء تعديل على الدستور
يسمح بتخويل رئيس الاغلبية النيابية بتولي منصب رئيس الوزراء في
البلاد، مما سيحد من صلاحيات الملك في تعيين رئيس الحكومة. ويخول
الدستور الحالي، المعمول به منذ عام 1952، الملك بتعيين رئيس الوزراء
واقالته.
من جانبه، قال بني ارشيد "حتى هذه اللحظة الجميع يطالب بتغيير
سياسات وحكومات ومجلس نواب وقوانين ولا أحد يطالب بتغيير النظام".
ولكنه أضاف "المقبول اليوم قد لا يكون مقبولا غدا، استمرار الازمة
والتأخر في إيجاد حلول لها ربما يفضي الى مألات أخرى".
ومنذ سقوط نظام الرئيس التونسي زين العابدين بن علي، سارت في الاردن
ثلاث تظاهرات ونظم اعتصام احتجاجا على غلاء المعيشة وللمطالبة بسقوط
الحكومة رغم مجموعة من التدابير اتخذتها الاخيرة. وقد اعلنت الحكومة
مؤخرا تخصيص ما يقارب 500 مليون دولار لتحسين مستوى معيشة الاردنيين
وخفض الاسعار. واعتبرت الحركة الاسلامية والنقابات المهنية، التي تضم
200 الف نقابي، واحزاب المعارضة الاردنية ان الاجراءات الحكومية غير
كافية مطالبين بإصلاح شامل. |