سوريا ورياح الثورة المصرية

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: اثبتت الشعوب العربية خلال الاحداث الاخيرة انها تتملكها اواصر مشتركة عديدة لاسيما وان الهدف واحد والمعناة واحدة فالكل يعاني من نقص الخدمات وعدم اهتمام المسؤولين لهم بالإضافة الى ان هدفهم هو الراحة في بلدهم وضمان حقوقهم على الارض التي ولدوا فيها.

وسوريا هي احد تلك الدول وشعبها اكد على القومية كباقي الشعوب العربية حينما خرج الى الشارع وبمظاهرات سلمية بدون تخريب وعنف ليساند بذلك تونس ومصر والدول الاخرى على موقفها الذي يزداد عزيمة يوما بعد يوم على سماع صوتها والدفاع عن حياتها وتوفير مطالبها، ومن جانبها فأن الحكومة السورية تخشى ان يحدث السيناريو ذاته في تلك البلدان لذلك بدأت تحاول ان تهدأ من الامر ومن سخط الشعب لتسيطر على الاوضاع قبل انفلاتها ولكنها في بعض الحالات اخطأت بعض الشيء عندما قامت ببعض الاعتقالات والضرب لمنع مجموعات كبيرة من التعبير عن رأيها ودعهما لمصر وهذا ما ادى الى ظهور مطالبات من منظمات ولجان عالمية تدافع عن حقوق الانسان والتعبير عن الرأي بأن تأخذ سوريا موقفا صحيحا ولاتستخدم العنف في تقييد الشعب المصري.

مخاوف من تأثر

حيث يشير بعض الخبراء الى ان سوريا التي يحكمها حزب البعث منذ نحو خمسين عاما قد تتأثر بحركات الاحتجاج الاجتماعية والسياسية غير المسبوقة والتي تهز العالم العربي.

ويقول المحلل في مجموعة الازمات الدولية بيتر هارلينغ "لا يمكن التكهن بالوضع، هناك توتر عام في المنطقة. ان الامر يتعلق بشعوب تحقق مستقبلها بيدها ويجب استخلاص العبر من ذلك".

واضاف "هناك بعض العناصر التي تجعل من سوريا في وضع افضل وبخاصة اتباعها سياسة خارجية تتوافق مع الراي العام". اما بالنسبة لبرهان غليون مدير مركز دراسات الشرق المعاصر في جامعة السوربون في باريس فان "ما حدث في مصر وتونس ستكون مثل الطوفان ولا يمكن لسوريا ان تكون بمعزل عنه".

من جهته يعتبر رياض قهوجي مدير مؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (انيغما)ان "ليس هناك دولة عربية بمنأى عن حركات الاحتجاج، ان حركات المعارضة تتذمر من الحكم ولديها مطالب وتشعر بالغبن في غياب الديمقراطية وعدم دوران السلطة".

واشار قهوجي الى ان "حركات المعارضة الشعبية غير المسبوقة تشعر بقوتها وتستخدم وسائل الاتصال الحديثة مثل الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي وتنقل عدواها الى الدول المجاورة".

وكانت مجموعة لم تكشف هويتها دعت على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك الى يوم غضب بعد صلاة الجمعة في كافة المدن السورية ضد "أسلوب الحكم الفردي والفساد والاستبداد" واعلن الاف الاشخاص دعمهم لهذه الحملة المنشورة على الموقع الذي تحجبه السلطات السورية.

ويقوم مستخدمو الانترنت في سوريا بتصفح الموقع مستخدمين برامج "بروكسي" التي تعمل على كسر هذا الحجب وتعطل الاتصال بخدمة الدردشة عبر الهواتف المحمولة الى هذا الموقع منذ بداية كانون الثاني/يناير.

ويتولى حزب البعث الحكم منذ عام 1963 عندما ارسى قانون الطوارئ الذي مازال ساريا حتى الان. وتم انتخاب بشار الاسد رئيسا للبلاد في عام 2000 عند وفاة والده حافظ الاسد الذي حكم البلاد منذ 1970.

واكد الاسد في مقابلة نادرة مع صحيفة وول ستريت جورنال الاميركية "ان الوضع في سوريا مستقر" وبعيد عن الاضطرابات الاجتماعية التي ادت الى خلع الرئيس التونسي زين العابدين بن علي وهزت نظام الرئيس المصري حسني مبارك. الا ان الرئيس السوري اشار الى ضرورة ان يقوم القادة في المنطقة بإصلاحات.

ولكن سوريا التي اعطت اولوية للإصلاح الاقتصادي تواجه "تحديات كبيرة" حسبما اقر احد المسؤولين السوريين مؤخرا. ويرزح تحت خط الفقر نحو 14 بالمئة من عدد السكان البالغ 22 مليون نسمة كما يعاني 20 بالمئة من السكان الذي في عمر العمل من البطالة. واحدثت سوريا في كانون الثاني/يناير صندوقا وطنيا للمعونة الاجتماعية تبلغ قيمته حوالى 12 مليار ليرة سورية (حوالى 250 مليون دولار) يهدف الى تقديم معونات دورية او طارئة خلال عام الى 420 الف اسرة معوزة. بحسب وكالة انباء فرانس برس.

كما رفعت تعويض المحروقات بنسبة 72 بالمئة للعاملين في الدولة وللمتقاعدين (2 مليون شخص). ويعتبر غليون ان "اجراء انتخابات منتظمة وحرة ونزيهة والغاء كل نظم الاستخباراتية على الشعوب هي اصلاحات اساسية". واضاف "لا يحق لأي نظام ان يحتكر السلطة ويمنع الشعب من تقرير مصيره".

وكان مثقفون وناشطون سوريون بينهم الكاتب ميشال كيلو والمخرج السينمائي عمر اميرالاي اصدروا مؤخرا بيانا يعد الاول من نوعه منذ عام 2006 حمل عنوان "تحية من مثقفين سوريين إلى الثورة التونسية والانتفاضة المصرية" اعتبروا فيه ان "شعوبنا اهتدت الى طريق الحرية". واشار البيان الى ان "الثورة التونسية أتاحت للملايين في بلداننا العربية أن يلحظوا كم أن تونس تشبه بلدانهم" حيث تتمركز السلطة والثروة في الايادي نفسها.

ومن أبرز الموقعين على البيان الذي ضم حوالى أربعين اسما، المخرج السينمائي أسامة محمد والشاعر حازم العظمة والناشطة الحقوقية رزان زيتونة والناشطة رولا الركبي والروائية سمر يزبك وخبير الاقتصاد الأكاديمي عارف دليلة ورسام الكاريكاتير علي فرزات والكاتب عمر كوش والكاتب فايز سارة والروائي منذر بدر حلوم والشاعر منذر مصري، والكاتب ياسين الحاج صالح.

متعاطفون تعرضوا للضرب

من جانبها قالت منظمة هيومان رايتس ووتش المعنية بحقوق الانسان ان السلطات السورية لم تتدخل عندما تعرض 15 شخصا للضرب لدى محاولتهم تنظيم تجمع على ضوء الشموع تأييدا للثورة المصرية.

ونقلت المنظمة ومقرها نيويورك عن ناشطين قولهم ان 20 رجلا في ثياب مدنية ضربوا وفرقوا 15 متظاهرا بينهم سهير أتاسي المدافعة عن حقوق الانسان والذين تجمعوا أمام مركز للشرطة في منطقة باب تومة. وقالت هيومان رايتس ووتش في بيان "يبدو أن الرئيس بشار الاسد قد نقل عن صفحة من كتاب الحكم الخاص بنظيره المصري.

اذ لم يعد الامن السوري يكتفي بمجرد منع الاحتجاجات بل انه يشجع فيما يبدو رجال العصابات على مهاجمة المتظاهرين المسالمين." ونقل البيان عن أتاسي كيف ان ضابطا اتهمها بالعمل لحساب اسرائيل وتعامل معها بعنف عندما رفضت الرد عليه. وقالت أتاسي "وصفني بأنني جرثومة ...وصفعني في نهاية الامر بشدة على وجهي وهدد بقتلي." بحسب وكالة الانباء البريطانية.

وحاول ناشطون سوريون تنظيم احتجاجات يومية تضامنا مع المتظاهرين المصريين. وكان يشارك في كل مرة ما بين 30 و50 شخصا فقط ومنع الانتشار الامني الكثيف معظم المتظاهرين من مواصلة مظاهراتهم. لكن ناشطين يتوقعون اعدادا اكبر حيث ستكون الاحتجاجات موجهة أكثر الى الحكومة السورية.

وقال البيان "أحد المنظمين الاساسيين للمظاهرات قال لهيومان رايتس ووتش ان الاجهزة الامنية السورية كانت تظهر في كل مكان من التجمعات وقامت بتصوير المشاركين وتحققت من أوراق هويتهم." ولم يصدر اي تعليق من السلطات السورية.

وخلال مقابلة اجريت معه مؤخرا قال الرئيس الاسد الذي خلف والده الراحل قبل 11 عاما ان الاولوية بالنسبة له هي الاستقرار وانه سوف يتعين الانتظار لما وصفه بالجيل القادم حتى يتحقق الاصلاح.

سوريا تعتقل ناشطا اسلاميا

فيما قال نشطاء في مجال حقوق الانسان ان السلطات السورية القت القبض على اسلامي يبلغ من العمر 75 عاما بعدما دعا الى احتجاجات سلمية للمطالبة بإنهاء حكم حزب البعث في أعقاب المظاهرات في مصر.

وأضافوا أن ضباط أمن اخذوا غسان النجار من منزله في حلب -ثاني أكبر مدن سوريا- في حوالي منتصف الليل. وقضى النجار سنوات في السجن لأسباب سياسية في الثمانينات لانتمائه لجماعة الاخوان المسلمين.

وأصدر النجار بيانات عبر الانترنت مع تصاعد الاحتجاجات في مصر داعيا الشعب الى التجمع في الميادين العامة في أنحاء سوريا عقب صلاة الجمعة. وصدرت دعوات مماثلة أيضا على صفحات مناهضة للحكومة السورية فشي موقع فيسبوك.

ولم تخرج مظاهرات يوم الجمعة حيث كانت سوريا هادئة. وقال أحد المدافعين عن حقوق الانسان "غسان النجار كبير السن ومريض بالقلب. اذا لم يطلقوا سراحه قريبا فربما يموت." وكان حوالي 30 أو 50 شخصا فقط يشاركون في كل مرة ومنع الوجود الامني الكثيف معظم الاحتجاجات من المضي قدما.

والنجار واحد من عدد قليل من الاسلاميين ظلوا نشطين سياسيا منذ سحقت قوات الامن جماعة الاخوان المسلمين في 1982 عندما دمرت أحياء قديمة في مدينة حماة كان أعضاء مسلحون من الاخوان المسلمين يقاتلون قوات الجيش السوري فيها. بحسب وكالة الانباء البريطانية.

واعتقل مجددا لفترة وجيزة في 2007 لانضمامه الى (اعلان دمشق) وهي حركة تحمل اسم وثيقة وقعتها شخصيات معارضة تدعو الى دستور ديمقراطي وانهاء العمل بقانون الطوارئ الذي فرضه حزب البعث منذ تولى السلطة في 1963 . وحكم على 12 عضوا اخرين في حركة اعلان دمشق بالسجن لمدة عامين ونصف العام لكل منهم وأفرج عنهم العام الماضي.

وقال النجار في بيانات قبل القبض عليه انه يجب على حزب البعث الحاكم اطلاق سراح السجناء السياسيين . ودعا النجار الى استقلال القضاء وحرية التعبير ونظام سياسي يقوم على التعددية وقال ان السلطة ليست حكرا على حزب البعث.

الا أن النجار ربما تسبب في تقويض الدعم للاحتجاجات السلمية في سوريا بربطه قضية الاصلاح السياسي بالإسلام. ولم يصدر تعليق رسمي من الحكومة السورية التي نفت احتمال امتداد الاضطرابات السياسية الى سوريا. وقال الرئيس السوري بشار الاسد انه يعطي الاولوية للاستقرار ومواصلة انفتاح تدريجي للاقتصاد لكن يتعين الانتظار الى ما سماه الجيل القادم حتى يتحقق الاصلاح.

هيومن رايتس ووتش

كما دعت منظمة هيومن رايتس ووتش السلطات السورية الى احترام حق السوريين في التظاهر السلمي مع ظهور دعوات على الفيسبوك بالخروج في احتجاجات كبيرة في سوريا.

وطالبت المنظمة السلطات السورية "بالكف فورا عن تهديدها ومضايقتها للمتظاهرين" المتضامنين مع الانتفاضة في مصر، وكذلك باطلاق سراح "غسان النجار، المسؤول عن مجموعة صغيرة تعرف باسم التيار الديموقراطي الاسلامي". واشارت الى ان قوات الامن اعتقلت هذا الرجل السبعيني الذي دعا المواطنين في حلب (شمال) الى التظاهر للمطالبة بمزيد من الحريات.

وقالت المنظمة في بيان "على الحكومة السورية ان تكف فورا عن تهديدها ومضايقتها للمتظاهرين الذين ابدوا التضامن مع دعاة الديموقراطية في مصر مع ظهور دعوات على الفيسبوك وتويتر بالخروج في احتجاجات كبيرة في سوريا في الرابع من فبراير/شباط 2011".

ودعت الى "احترام حق السوريين في التظاهر السلمي".

ونقلت المنظمة عن متظاهرين ان "قوات الامن احتجزت متظاهرين من الشبان لعدة ساعات احدهما في 29 كانون الثاني/يناير (اليوم الذي بدأت فيه تظاهرات التضامن مع مصر) والآخر في الثاني من شباط/فبراير وضغطت على المنظمين كي يكفوا عن اي تجمعات عامة". وتابعت على لسان احد المنظمين الأساسيين للتظاهرات ان "الاجهزة الامنية السورية ظهرت في كل من تلك التجمعات وقامت بتصوير المشاركين، وتحققت من أوراق هويتهم".

وصرحت سهير اتاسي للمنظمة ان "الامن اتصل بأسرتها الأسبوع الماضي ودعاها للضغط عليها كي تكف عن أنشطتها". ولفتت المنظمة الى مقابلة للرئيس السوري بشار الاسد مع صحيفة وول ستريت جورنال تحدث فيها عن "حاجة سوريا الى الاصلاح"، لكنه اقر بانه "لا يمكنك اصــــــلاح مجتــــــــمعك أو مؤســــستك دون أن تكـون منفتـحا". بحسب وكالة انباء فرانس برس.

وطالبت المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة ليا ويتسن الرئيس السوري "ان يراعي نصيحته التي ادلى بها ويسمح للشعب السوري بالمزيد من حرية التعبير عن الآراء، سواء على الانترنت او في الشارع".

واضافت ان "هذا يعني بداية انه يجب ان تكف الأجهزة الأمنية عن قمع النشطاء ومضايقة أسرهم وشن الحملات على المعارضة المشروعة". وطالبت المنظمة سوريا "بصفتها دولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية" ان تقر "بالحق في التجمع السلمي وحمايته".

واشارت الى ان "القيود على هذا الحق لا تفرض إلا بموجب قوانين واضحة وتحترم الحق الذي تحميه"، مشددة على انه "على سوريا حماية التجمعات السلمية من تعرض طرف آخر لها". وافاد البيان ان الضغوط المتزايدة من السلطات لتقييد أي نوع من أنواع التجمعات، بدأت "مع ظهور مجموعات على الفيسبوك تدعو الناس في سوريا للاحتجاج في 4 و5 فبراير/شباط لوضع نهاية لحالة الطوارئ في سوريا ولوضع حد للفساد".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 9/شباط/2011 - 5/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م