
شبكة النبأ: مازال الغموض يلف تحديد
نوع العلاقة بين الولايات المتحدة ومصر المضطربة، فكانت الدعوات داخل
الولايات المتحدة مختلفة بين من يطالب بتجاوز النظر عن عهد الرئيس
مبارك وصياغة سياسة جديدة وبين محاولات لأبقاء النظام المصري، فبقيت
الأمور محيرة كما يرها محللون في صحيفة واشنطن بوست التي قالت إن إدارة
الرئيس الأميركي باراك أوباما تسعى جاهدة لتحديد ما إذا كان من الممكن
أن يُكتب لثورة ديمقراطية في مصر النجاح، على أن يظل حسني مبارك محتفظا
بمنصبه على رأس النظام، حتى ولو تم تقليص صلاحياته وإقصاؤه من الحوار
بشأن مستقبل البلاد.
على أن آخر تحدٍ تواجهه إدارة أوباما جاء أمس السبت عندما أعلن
موفدها الخاص إلى مصر فرانك ويزنر -أمام مجموعة من الدبلوماسيين
والخبراء الأمنيين- أن استمرار الرئيس مبارك في منصبه مسألة حيوية.
وسرعان ما انبرت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون لتصحيح تلك
التصريحات، قائلة إن على مبارك أن يفسح المجال لنائبه عمر سليمان، لكي
ينخرط في حوار مع قادة الاحتجاجات حول كل الأمور، من ضرورة القيام
بتعديلات دستورية إلى إجراء انتخابات حرة ونزيهة.
ولعلها المرة الأولى التي تبدو فيها إدارة أوباما في حيرة من أمرها
فيما يتعلق بالأزمة في مصر، فهي تبذل جهدها لكي تبقى على الجانب الصحيح
من التاريخ، وتتحاشى في الوقت نفسه دفع عجلة ثورة يتعذر التحكم في
دورانها.
ويرى محللون إن رسائل الإدارة الأميركية المتناقضة هذه جاءت "مربكة
وأحيانا محرجة"، وهو انعكاس لسياسة صيغت على عجل.
ونسبت الصحيفة إلى مسؤول أميركي رفض الكشف عن هويته، قوله إن "هذا
الارتباك هو ما يحدث عندما تؤخذ على حين غرة.
وأضاف عقدنا جلسات متواصلة في العامين الماضيين حول إستراتيجيتنا
لسلام الشرق الأوسط واحتواء إيران، مشيرا إلى أن أيا من تلك الجلسات لم
يتناول بالتحليل احتمال أن تتحول مصر -وربما تتبعها دول أخرى- من حالة
الاستقرار إلى الاضطراب.
ويصر مسؤولو الإدارة على أن تصريحاتهم كانت أقرب إلى رد فعل على
أحداث متسارعة منها إلى انعكاس لتغير جوهري في الأهداف.
ووصفوا إستراتيجيتهم الأخيرة بأنها ترمي إلى حث النخب المصرية على
عزل الرئيس مبارك إلى الحد الذي يجعله يصبح بالضرورة متفرجا حتى نهاية
فترة حكمه.
وأقر مسؤول في البيت الأبيض بأن الدبلوماسية الهادئة التي تتبناها
واشنطن تغذي الاعتقاد الشائع في القاهرة ومناطق أخرى بأن أوباما ربما
يكون على استعداد لجعل اللحظة الثورية هذه تمر خوفا من تأثيرها على
المصالح الأميركية.
ولتبديد ذلك الاعتقاد، عكف الرئيس الأميركي طوال أمس السبت على
إجراء اتصالات بزعماء المنطقة من تركيا وحتى الإمارات العربية المتحدة،
ربما لتبادل الآراء حول كيفية الضغط على مبارك لدفعه إلى التنحي عن
السلطة.
وعلى الرغم من وقوف الرئيس الأميركي باراك أوباما مؤخرا إلى جانب
المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في مصر، فإن إدارته قضت أول عامين لها
في السلطة وهي تخفف من ضغط الولايات المتحدة من أجل إصلاحات حقوق
الإنسان في البلد.
ويرى محللون في صحيفة لوس انجلوس تايمز إنه من المبكر من رئاسة
أوباما قلص المسؤولون الأميركيون التمويل المخصص لتعزيز الديمقراطية في
مصر إلى النصف، واتفقوا أيضا على تقييد منح معينة باستثناء المنظمات
التابعة لنظام الرئيس حسني مبارك المستبد، مبطلين بذلك سياسة الإدارة
السابقة لجورج بوش لتمويل الجماعات التي على خلاف مع الحكومة.
واشار المحللون إلى أن وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون
قللت من أهمية تقرير لوزارة الخارجية الأميركية يوثق التعذيب والاغتصاب
والاعتقالات السياسية في مصر، وذلك في اجتماع لها مع مبارك في مارس/آذار
2009.
وقالت كلينتون نحن ننشر هذه التقارير عن كل بلد ومن ثم نأمل أن تؤخذ
في السياق الذي تقدم من أجله وهو أننا جميعا أمامنا مجال للتحسين.
إلا أن عبارات أوباما عن الحقوق السياسية في خطابه للعالم الإسلامي
في القاهرة عام 2009 كانت عامة ولم يطالب صراحة بإصلاح في مصر كما فعلت
وزيرة الخارجية السابقة كوندوليزا رايس عام 2005، حيث عكست تصريحات
رايس أجندة الحرية التي اتبعها الرئيس السابق بوش في الشرق الأوسط
والتي انطوت على تصعيد الضغط من أجل إصلاحات ديمقراطية. كما يرى ذلك
خبراء في الصحيفة
إن أوباما عاد إلى ما كانت عليه السياسة الأميركية تجاه مصر منذ
عقود من حيث تأييد الرئيس المصري في ملاحقته واعتقاله وسجنه للمعارضين
السياسيين.
وأيدت أميركا مبارك لنفس الأسباب التي جعلتها تمول وتحرض الحلفاء
المستبدين في الشرق الأوسط باسم الاستقرار الإقليمي. وبعد هجمات 11
سبتمبر/أيلول 2001 شمل الاستقرار أيضا التصدي لتنظيم القاعدة والتطرف
الإسلامي.
وكانت الإدارات الأميركية المتعاقبة تتملق قضايا حقوق الإنسان بينما
تتعهد بتمويل نصف ميزانية الجيش المصري ومعظم جهاز مصر الاستخباراتي
الذي يتعاون بشكل وثيق مع المخابرات المركزية الأميركية. ولم يكن البيت
الأبيض وحده من فعل ذلك، فقد أبطل مجلس الشيوخ الأميركي قرارا يدعو
للحرية والديمقراطية في مصر.
وعلق أحد الخبراء الأميركيين على ذلك بأن أميركا مدمنة للحكام
المستبدين. ونحن نعرف أن هذا الأمر سيء لنا لكن هذه هي الطريقة التي
كنا نسير بها منذ زمن طويل ولا نعرف طريقة غيرها.
ونوهت خبراء في صحيفة غارديان إلى أن مسؤولين وبعض المحللين يختلفون
في الرأي بشأن أن إدارة أوباما كان ينبغي لها أن تدعو علنا وبقوة إلى
إصلاح سياسي في مصر. ويجادل بعض المحللين في السياسة الخارجية بأن سبب
مطالبة أميركا الآن بإصلاح في مصر هو أن الشعب المصري خرج إلى الشوارع
يصرخ مطالبا به.
وختمت الصحيفة بما قاله توم مالينوفسكي من هيومان رايتس واتش إن
رسالة واشنطن لحكام الشرق الأوسط المستبدين ينبغي أن تكون: أنتم
أصدقاؤنا ولا نريدكم أن تمروا بالتجربة التي مر بها حسني مبارك،
والسبيل لتفادي هذا ليس باتخاذ إجراءات أكثر صرامة ولكن ببدء عملية
إصلاح.
وحوّلت الولايات المتحدة دعمها أمس نحو نائب الرئيس المصري عمر
سليمان والتحول السياسي الذي يقوده، داعية إلى عملية إصلاح منظمة.
وكانت هذه السياسة التي أوضحتها وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري
كلينتون في مؤتمر الأمن بميونخ هي أحدث دليل على الخطوات التي تتخذها
الولايات المتحدة وأعضاء كبار في الجيش المصري لتنحية الرئيس مبارك
جانبا واحتواء احتمالات العنف في الشوارع.
وأشارت خبراء في صحيفة غارديان إلى أن تلك الخطوة جاءت بعد تقديم
أعضاء كبار في قيادة الحزب الحاكم استقالاتهم من الحزب نتيجة
للاحتجاجات. وقد شملت هذه الاستقالات ابن مبارك الذي كان هناك توقع
بخلافة والده، وتم تعيين الليبرالي حسام بدراوي أمينا عاما للحزب.
ويرى محللون إن الاستقالات الجماعية التي أُعلنت بعد ظهر أمس من
المحتمل أن ينظر إليها على أنها دليل آخر على ضعف مبارك، وستدعم فقط
مطالب المتظاهرين المصممين على الإطاحة به. ويبدو أن هذه الخطوة جزء من
إستراتيجية متفق عليها مع الولايات المتحدة لإدارة الفترة الانتقالية،
بمبارك أو بدونه، مع تحول السلطة إلى نائب الرئيس الذي يدعمه
الأميركيون لرئاسة التحول السياسي.
وقالت كلينتون للساسة والدبلوماسيين ورجال الأعمال الغربيين في
المؤتمر السنوي إن هناك قوى في أي مجتمع، ولا سيما القوة التي تواجه
هذا النوع من التحديات، ستحاول عرقلة أو تخطي العملية لتحقيق أجندتها
الخاصة ولهذا السبب أعتقد أن من المهم متابعة عملية التحول التي أعلنت
عنها الحكومة المصرية والتي يقودها نائب الرئيس عمر سليمان.
وأضافت أن التحول ينبغي أن يكون شفافا وشاملا وينبغي أن تبدأ
العملية بخطوات راسخة نحو انتخابات منتظمة في سبتمبر/أيلول القادم.
وردد رئيس الوزراء البريطاني ديفد كاميرون والمستشارة الألمانية أنجيلا
ميركل صدى الدعوة إلى تحول منتظم، وحذرا من انتخابات مبكرة.
وأشارت الصحيفة إلى تصريحات مبعوث البيت الأبيض إلى القاهرة فرانك
ويسنر بأنه يعتقد أن الرئيس مبارك ينبغي أن يظل في منصبه خلال الفترة
الانتقالية، وهو الأمر الذي بدت وزارة الخارجية الأميركية تنأي بنفسها
عنه زاعمة أن التصريحات كانت نابعة منه هو شخصيا.
وقالت إن تأييد أميركا لسليمان وفشلها في الضغط من أجل استقالة
فورية لمبارك ستزيد استياء كثير من المتظاهرين المناهضين للحكومة الذين
فشلوا في إرغام الرئيس على التنحي رغم المظاهرات الحاشدة في أنحاء
الجمهورية يوم الجمعة. وبعض المحتجين يرتابون في الدعم الأميركي
لسليمان للإشراف على التحول السياسي بسبب دوره كرئيس لمخابرات مبارك.
ووصف السيناتور جون كيري في مقال بصحيفة نيويورك تايمز، الطريقة
التي تتصرف بها الولايات المتحدة في لحظة الاختبار هذه التي تواجهها
القاهرة الآن، بأنها حاسمة.
وقال من الضروري أن نقف إلى جانب الشعب المصري الذي يشاطرنا القيم
والآمال، ويسعى إلى تحقيق الأهداف الكلية المتمثلة في الحرية والازدهار
والسلام.
ويعتقد كيري أنه حتى لو تراجع زخم الاحتجاجات بمصر في مقبل الأيام،
فإنها غيَّرت للأبد علاقة الشعب المصري بحكومته.
فالغضب والتطلعات التي تدفع شرائح متباينة من المواطنين إلى الشوارع
لن تختفي قبل إحداث تغييرات شاملة في العقد الاجتماعي بين الشعب
والحكومة، كما أن تلك (الاحتجاجات) تطالب بتغيير العلاقة بين الولايات
المتحدة وحليف عربي راسخ.
وقال إن الصحوة التي تعم العالم العربي لا بد أن تشيع ضوءا جديدا في
واشنطن أيضا، فنحن لا نخدم مصالحنا إذا اكتفينا بالفرجة على الحكومات
الصديقة وهي تنهار تحت وطأة مشاعر الغضب والإحباط التي تنتاب شعوبها،
ولا بانتقال السلطة إلى الجماعات الراديكالية التي تنشر التطرف.
وألمح المرشح السابق للرئاسة في بلاده إلى أن أفضل وسيلة تكفل
الاستقرار لحلفاء أميركا تكمن في التجاوب مع المطالب السياسية والشرعية
والاقتصادية الحقيقية لشعوبها.
وفي إشارة إلى الانتقادات التي وُجهت للولايات المتحدة لتسامحها
فيما مضى مع النظام المصري، اعترف كيري بأن الخطاب العام للإدارة
الأميركية لم يكن يتوافق دوما مع "همومنا الخاصة.
لكنه يستدرك بالقول إن ثمة إدراكا واقعيا بأن علاقات الولايات
المتحدة بنظام مبارك "عادت بالنفع على سياسة أميركا الخارجية وعززت
السلام في المنطقة.
واستطرد قائلا إن وجود علاقة مثمرة مع مصر تظل مسألة مهمة لكلا
الطرفين وللشرق الأوسط.
ومع أن الرئيس مبارك ساهم بقسط وافر في عملية السلام بالشرق الأوسط
-على حد تعبير كيري- فيتعين عليه أن يساهم في إقرار السلام في بلده
بإقناع المصريين بأن همومهم وتطلعاتهم محل اهتمامه.
وخلص الكاتب إلى القول إن مبارك إذا استطاع إظهار سمات القيادة
وتحقيق تلك الغايات، فإنه قد يجعل من أكثر البلاد العربية اكتظاظا
بالسكان إلى نموذج لكيفية تلبية مطالب الجماهير الإصلاحية في المنطقة.
إن الولايات المتحدة متواطئة مع الدكتاتورية التي يحكم بها الرئيس
المصري حسني مبارك بلاده، بل إنها شجعتها باسم الواقعية. كما يرى ذلك
الكاتب والمحلل السياسي الأميركي مايكل جيرسون
وأضاف جيرسون –وهو زميل في مجلس العلاقات الخارجية- في مقال له في
عدد اليوم من صحيفة واشنطن بوست إن مبارك باسم مواجهة وإضعاف
الإسلاميين قوض كل المعارضة الشرعية، وإذا كان من هم الآن يفترض أن
يحلوا محله ضعفاء فلأنه هو الذي سعى إلى ذلك.
واعتبر جيرسون الذي كان مستشارا سياسيا للرئيس الأميركي السابق جورج
بوش بين عامي 2000 و2006، أن كل إرث مبارك هو أنه حاصر وعزل وأنهك
معارضيه. وتساءل "ما الذي يجعل مبارك أهلا ليحكم الآخرين؟، قبل أن يجيب
لقد عاش بخنق معارضيه وبخدمة الإستراتيجية الأميركية، فما أثر هذه
التبريرات اليوم على الشارع في القاهرة؟.
واقعية غير واقعية
وأكد أن التواطؤ الأميركي في هذه الإستراتيجية التي اعتمدها مبارك
كان يوصف دائما بأنه واقعية تساعد في استقرار النظام المصري، وقال وهذه
هي العادة الدبلوماسية نفسها التي جعلت وزيرة الخارجية الأميركية
هيلاري كلينتون تصرح بأن أميركا تريد استقرار حكومة مبارك، وذلك لحظات
فقط قبل أن تشتعل النيران في المقر المركزي للحزب الوطني الذي يتزعمه
الرئيس المصري.
ويضيف الكاتب لكن هذه الواقعية الأميركية طالما كانت تفتقر إلى
نهايات واقعية، فالدكتاتوريون يكونون ضعفاء خصوصا في المراحل
الانتقالية، وتابع فالحكومات التي تفتقر إلى اللشرعية والتي بنيت على
الأسلحة الثقيلة، دائما يلازمها عدم الاستقرار.
وقال جيرسون إن الدرس الذي على الولايات المتحدة أن تستفيده من هذه
الأحداث هو أن عليها أن تبادر إلى إشاعة التقاليد الديمقراطية قبل أن
تندلع الأزمات، وأن تشجع الأنظمة المستعدة للقيام بإصلاحات مهما كانت
صادمة وقاسية.
وخلص الكاتب إلى أن الفشل الذريع لنخب السياسة الخارجية الأميركية
راجع إلى عدم ثقتها في المبادئ الأميركية، وقال ليس من المبدئي ولا من
الحصافة أن تبني أميركا إستراتيجيتها في الشرق الأوسط على التنكر
لمبادئنا وقيمنا.
أي مستقبل لعلاقة القاهرة بواشنطن؟
وتساءل المحلل السياسي ستيفن أ كوك في مجلة فورين بوليسي في تحليل
عن مصير العلاقة الإستراتيجية بين القاهرة وواشنطن، بما أن الحقبة
السياسية لحسني مبارك تقترب من نهايتها، وفي ضوء أنه ظل لفترة أحد
أدوات السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة.
وفي تحليله ذاك عدد كوك -الذي وصف عهد مبارك بأنه وصل إلى نهاية
مخزية- العوامل التاريخية التي أدت إلى سقوطه بأنها الاغتراب السياسي
والتفكك الاقتصادي والفساد والانخفاض الحاد في دور مصر الإقليمي.
ويعتبر أن بذور زوال مبارك زرعت منذ مدة طويلة.
ويشير كوك إلى أن الفوضى التي سادت الأسبوع الماضي قد رمت بمقولة
جلب الاستقرار التي طالما تباهى بها مبارك، إلى سلة المهملات.
ويلفت إلى أنه رغم أنه جاء إلى السلطة على وعد الإصلاح وتعهد بعدم
السعي إلى أكثر من فترة رئاسية واحدة فإنه سرعان ما قاده الافتتان
بالسلطة إلى أن يرى نفسه لا غنى عنه من أجل مستقبل مصر.
ويضيف الكاتب إلى أنه رغم تجاوز مبارك لتبني الأيديولوجيات الجامدة،
مشيرا ضمنا إلى الاشتراكية والقومية العربية، فإن البراغماتية
والاستقرار من أجل التنمية اللذين رفعهما انتهيا إلى إخفاق كامل.
وحسب المجلة فإن مبارك بني دائرة ضيقة قريبة منه من أصحاب الشركات
التجارية الكبرى والشرطة والجيش، واعتمد على القوة والتهديد باستخدام
العنف لإبقاء السكان تحت سيطرته.
وتشير المجلة إلى ما أسمته ازدراء مبارك للشعب المصري في نوفمبر/تشرين
الثاني الماضي عندما سعت المعارضة إلى إنشاء برلمان للظل بعد
الانتخابات البرلمانية المزورة بشكل مذهل، عندما ابتسم بتكلف، وقال
أمام اجتماع عام اسمحوا لهم بوقت ممتع.
رجل واشنطن
ورغم تأكيد الكاتب على أن الولايات المتحدة ليست مسؤولة عن الطغيان
الذي مارسه حكم مبارك، فإنها مكنت له واستفادت منه.
إن مبارك ظل لفترة طويلة رجل واشنطن في القاهرة، حيث حافظ على فتح
قناة السويس وقمع الإسلاميين واستمر في علاقته غير الشعبية مع إسرائيل،
التي توصف في مصر بالخطيئة.
وفي المقابل، تقول المجلة، قدمت الولايات المتحدة الكثير لمصر
وساهمت في إمدادها بمليارات الدولارات على مدى سنوات للمساعدة في تجهيز
البنية التحتية للبلاد، وتطوير التكنولوجيا الزراعية، وبرامج الصحة
العامة، لافتة إلى أن استفادة النظام مما يقرب من 70 مليار دولار من
المساعدات الاقتصادية والعسكرية على مدى 30 عاما وهيبته المزعومة من
خلال كونه شريكا لقوة عظمى في العالم.
ووفقا للمجلة فإنه رغم هذه المساعدات الأميركية وأهميتها في التنمية
في مصر، فإنها عملت على تقويض الشرعية الوطنية للنظام. إذ كيف يمكن
لمصري أن يحتفظ بكبريائه عندما يرى موظفي وكالة العون الأميركية في
العديد من الوزارات الحكومية؟. هذا إلى جانب ما يرونه من انحراف
لسياسات بلادهم الخارجية مقابل الهبات التي تقدمها الولايات المتحدة.
وأحصت المجلة عددا كبيرا من المواقف الإقليمية التي اتخذها مبارك
لإطلاق اليد لإسرائيل والولايات المتحدة لتحقيق مصالحهما الإقليمية في
المنطقة، مستخلصة من ذلك أن مبارك كان حجر الزاوية في إنشاء النظام
الإقليمي الذي جعل تحقيق المصالح الأميركية في المنطقة أسهل وأيسر.
وتلفت المجلة في النهاية إلى أن مصر الديمقراطية ستكون قادرة على
مقاومة إسرائيل وسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط.
قال نعوم تشومسكي –عالم اللغويات الأميركي والناقد المعروف بمعارضته
سياسة الولايات المتحدة الأميركية الخارجية- إن ما يقلق أميركا ليس
الإسلام المتطرف بل نزوع دوله إلى الاستقلال.
وأضاف في مقال نشرته له صحيفة ذي غارديان البريطانية اليوم أن
أميركا تولي أهمية ثانوية لطبيعة أي نظام تدعمه في العالم العربي،
فالأهم عندها هو السيطرة عليه، مشيرا إلى أن رعايا تلك الدول يتم
تجاهلهم حتى يكسروا القيود بأنفسهم.
وآثر الأستاذ الجامعي المتقاعد أن يستعير عبارة ظهرت على شاشة قناة
الجزيرة الأسبوع الماضي مفادها أن العالم العربي يشتعل ليستهل بها
مقاله الذي كرسه لنقد سياسة أميركا في التعامل مع النظم الدكتاتورية لا
سيما في الوطن العربي.
وقال إن الانتفاضة المفاجئة في تونس أحدثت زلزالاً أسفر عن طرد
دكتاتور مدعوم من الغرب وترددت أصداؤه في المنطقة وبخاصة في مصر، حيث
تمكن المتظاهرون من التغلب على وحشية شرطة رئيس دكتاتور.
ومضى إلى القول إن واشنطن وحلفاءها يتقيدون بالمبدأ الراسخ القائم
على تقبل الديمقراطية طالما أنها تتفق مع أهدافهم الإستراتيجية
والاقتصادية، فهي مقبولة لديهم في بلد العدو (لحد معين)، ولكن ليس في
ساحتنا الخلفية ما لم يتم ترويضها.
وضرب تشومسكي أمثلة على تعامل أميركا مع أنظمة مستبدة حول العالم
برومانيا التي ظلت واشنطن تدعم نظام رئيسها نيكولاي تشاوشيسكو الذي
وصفه بأنه أكثر طغاة أوروبا الشرقية فسادا حتى أصبح الوقوف إلى جانبه
أمرا متعذرا. ثم ما لبثت واشنطن أن أشادت بالإطاحة به متجاوزة بذلك
مواقفها السابقة.
ورأى الكاتب أن هذا النمط من التعامل ظل هو دأب الولايات المتحدة،
وما رئيس الفلبين الأسبق فيرديناند ماركوس والهايتي جان كلود دوفالييه
والكوري الجنوبي شان دو هوان والإندونيسي سوهارتو، وكثيرون غيرهم
استفادت منهم، إلا دليلا على ذلك.
وقال إن الولايات المتحدة ربما تكون في طريقها للتعامل بنفس النمط
مع الرئيس المصري حسني مبارك، مع ما يقتضيه ذلك من إجراءات روتينية في
مسعى منها لضمان تنصيب نظام بديل لا يحيد كثيرا عن المسار المحدد له.
ثمة مفهوم شائع وسط المثقفين وهو أن الخوف من الإسلام المتطرف
يستوجب معارضة الديمقراطية لأسباب عملية.
لقد ظل استقلال تلك الدول على الدوام هو الخطر الشائع الذي يهدد
الغرب. ولطالما ظلت الولايات المتحدة وحلفاؤها يدعمون الإسلاميين
المتطرفين لدرء خطر القومية العلمانية أحيانا.
ولعل المملكة العربية السعودية تشكل نموذجا مألوفا، إذ ينعتها
تشومسكي بأنها المركز الأيديولوجي للإسلام المتطرف وللإرهاب الإسلامي.
مثال آخر في هذه القائمة الطويلة هو ضياء الحق أشد طغاة باكستان
قسوة، والذي تولى تنفيذ برنامج أسلمة التطرف بتمويل سعودي.
دعوة أميركية
وتناولت معظم الصحف الأميركية الثورة الشعبية الملتهبة في مصر
بالنقد والتحليل، وأجمع معظمها على ضرورة دعم الثورة ودعم الديمقراطية
التي ينادي بها أبناء الشعب المصري، وليس دعم نظام حسني مبارك أو من
يصفه المصريون بالفرعون ويطالبون بإسقاط نظامه.
فقد قالت صحيفة بوسطن غلوب في افتتاحيتها إنه يجب على الولايات
المتحدة أن تبادر إلى دعم الديمقراطية التي تنادي بها الثورة الشعبية
المصرية الملتهبة، وليس دعم النظام المترنح لحسني مبارك، موضحة أن
الثورة الشعبية المصرية كانت متوقعة منذ زمن بعيد وأن الإدارات
الأميركية المتعاقبة طالما حاولت ثني مبارك عن قمعه لكل أشكال المعارضة
السياسية في بلاده، ولكن دون جدوى.
وها قد وقع الآن الأمر المحتوم، فلقد خرج الشعب المصري بقضه وقضيضه
وكباره وصغاره وأبنائه وبناته في ثورة شعبية ملتهبة لهزهزة عرش من
ينادونه بالفرعون -والقول للصحيفة- والذي فشل في تأمين لقمة العيش أو
الوظائف أو حتى الكرامة والحرية للشعب المصري الذي وصفه جيشه بالعظيم.
تداعيات السقوط
وفي ظل السقوط المحتمل لنظام مبارك وتداعيات ذلك السقوط فهل أمام
إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما سوى التخلص من عبء علاقة التحالف
مع نظام مبارك والتي استمرت لثلاثة عقود برغم صعوبة كيفية ذلك التخلص،
والتأكيد على الاصطفاف بجانب الشعب المصري ودعم تطلعاته نحو
الديمقراطية.
او ان مصالح الولايات المتحدة معنية بشكل مباشر بشأن ما يجري على
الساحة الشعبية المصرية، وهل الاحتقان الشعبي على مدار ثلاثة عقود
والذي أدى إلى الثورة ضد نظام مبارك، ربما يشكل تعقيدا في العلاقة مع
أميركا، وأنه على أميركا ترك المصريين الذين أطلقوا الثورة الشعبية
التاريخية يقررون الكيفية التي ينهون فيها ثورتهم ويقررون فيها مصير
بلادهم بأنفسهم.
اما بخصوص الجيش المصري يظهر بصورة المنافس القوي لمبارك على
الساحة المصرية، سيكمل المشوار ام ينقلب على الشعب فيما بعد، وهل
لأمريكا دور في ذلك، اسئلة كثيرة تطرح نفسها بخصوص نوع العلاقة
الأمريكية المصرية وهذه الأسئلة تبحث عن جواب نتركها للقارىء ليستنج من
خلال ما انكشف من حراكات سياسية. |