تعاطفا مع حسام بدراوي

علاء بيومي

في الحقيقة أشعر بقدر كبير من التعاطف مع الدكتور حسام بدراوي الأمين العام الجديد للحزب الوطني الديمقراطي، فقد تولي مهمة مستحيلة تقريبا، مهمة يعجز عن القيام بها أكثر الرجال همة ومهارة، وذلك لأسباب ذلك عديدة يدركها غالبية المصريين.

بداية الدكتور بدراوي تولي أمانة مؤسسة ليس لها وجود من الأساس، فغالبية الدراسات العربية والأجنبية المعنية بالحزب الحاكم في مصر تؤكد أنه ليس "حزبا" على الإطلاق، فهو أقرب إلى تجمعات شللية انضمت لكيان يسمى "حزب الرئيس" أو "حزب الحكومة" لكي تكون قريبة من النخب السياسية والاقتصادية الحاكمة في مصر على أمل أن "يصيبها من الحب جانب" كما يقول المصريون.

وللأسف فشل "الكيان" في تحقيق أي بنية أيدلوجية أو سياسية واضحة له على الرغم مما أتيح له من إمكانيات على مدى أكثر من ثلاثة عقود، فهو مسيطر على كل مؤسسات الدولة واقتصادها وإعلامها ومواردها، ومع ذلك فشل بالفوز بأي انتخابات حرة أو حتى في السماح بأي انتخابات حرة، أو في تكوين أيدلوجية واضحة له أو حتى في بناء قيادات معروفة جماهيريا، فلولا التلفزيون المحلي واضطرار وسائل الإعلام المختلفة للتعامل مع مسئولي الحزب لما سمع عنهم غالبية شعب مصر ناهيك عن العالم الخارجي.

فالحزب لا يعرف أي قيادات كاريزمية أو جماهيرية تذكر، وذلك لسبب أساسي وهو أنه كيان غير سياسي أصلا ولا يدرك معنى العمل السياسي والجماهيري، بل على العكس لعب "الكيان" دورا رئيسيا في تعطيل الحياة السياسية في مصر وفي تحويلها إلى سباق تنافسي شرس داخل مؤسساته تغلب عليه علاقات المصلحة والشللية.

لهذا يسخر غالبية المصريين عند وصف الحزب "بالديمقراطي" لأنه أساس الديكتاتورية والسلطوية في مصر، ولا يعرف الديمقراطية داخله، ولما ادعى الحزب الديمقراطية مؤخرا الديمقراطية الداخلية وقرر عقد انتخابات داخلية لاختيار مرشحيه في انتخابات مجلس الشعب الأخيرة (نوفمبر 2010) وفقا لتوجهات رجال "الفكر الجديد"، انتهى به الأمر لاختيار أكثر من 800 مرشحا من أعضاءه للمنافسة على حوالي 500 مقعدا في سابقة تندرت بها وسائل الإعلام المصرية والأجنبية.

بل أن اختيارات الحزب في الانتخابات الأخيرة قادت إلى ثورة جماهيرية ضده هي الأكبر في مصر خلال العصر الحديث تقريبا، وهذا يعني أن الفكر الجديد كان أسوأ من القديم، وأن الديمقراطية تبدو فيروسا مضرا بالحزب.

ثانيا: توقيت تولي السيد بدراوي وقيادات الحزب الجديدة لمسئولياتها هو الأسوأ على الإطلاق، وتعني التضحية بهم وقذفهم في بحر من الأمواج السياسية العالية التي يصعب النجاة منها بأي معايير سياسية في العالم.

فقد أثبت "الكيان" فشله المطلق خلال الأزمة الأخيرة، بل أن معظم قياداته اختفت تماما عن الساحة ولم يسمع بها أحد لأيام تمثل قمة الأزمة، وتركت أماكنها لقيادات أمنية بالأساس، ولما عادت قيادات الحزب بعد أيام لحشد الدعم لمظاهرات "الاستقرار" فشلت بشكل يثير السخرية في حشد جموع تضاهي نصف أو ربع الجموع التي جمعها شباب التحرير في ميدان التحرير أو في مدن مصرية عديدة، حتى بدا الحزب - مقارنة بمظاهرات شباب التحرير المليونية - وكأنه أقلية مندسة متطفلة على شعب مصر، أو أقلية ذات "أجندة خاصة" تماشيا مع المصطلح الجديد الشائع حاليا.

أكثر من ذلك قادت مظاهرات "الاستقرار" وما تبعها من حشد وتعبئة وتأليب وتخويف إلى جرائم لن ينساها العالم، مثل جريمة الهجوم على شهداء التحرير الأبرياء العزل بالجمال وكرات اللهب تحت أعين كاميرات العالم، وجريمة تتبع الصحفيين من قبل بلطجية النظام.

ألم يكن الأفضل أن يحمي الحزب الدكتور بدراوي وزملائه من تولي المسئولية في هذا الوقت بالذات، أليس الدفع بهم حاليا إلى المقدمة هو حكم بالنهاية على مستقبلهم السياسي وصورتهم في مصر والعالم.

فمن يقبل تولي مسئولية حزب نظام ارتبطت صورته في عيون العالم بالجمال والخيول والسيوف والأسلحة البيضاء وكرات اللهب وضرب الصحفيين في وضح النهار؟

يا سادة: العالم لن يسأل بعد ذلك عن برامج الحزب وأعضاءه وجهوده في التثقيف السياسي وصياغة السياسات، فقد ولي هذا العهد، ولو سأل فسيكون سؤال ثانوي مقارنة بأسئلة أخرى بات ملحة وتحتاج لإجابة، وهي كم حصان يمتلك مرشحي النظام وأنصاره؟ وكم جملا؟ وكم بلطجيا؟ وما هي كلمة السر؟ وماذا لو نسى البلطجية كلمة السر!؟

لقد اشتكي المصريون لعقود من بلطجية الانتخابات المؤجرين من قبل رجال الحزب، وهي شكاوى مسجلة في دراسات وتقارير حقوقية عديدة، وقد لا يصدق البعض الكتب والمقالات، ولكنه يصعب عدم تصديق الصورة، خاصة وأن خبراء الحزب والنظام الإعلاميين فشلوا فشلا رهيبا - يستحق أن يحاكمهم الحزب عليه أولا - قبل أهل مصر، فقد اضروا بصورة الحزب ومصر والمصريين بشكل يصعب إصلاحه.

ثالثا: إذا افترضنا أن الحزب ينوي الإصلاح ودفع بأفضل عناصره لقيادة المرحلة الجديدة، وأن الشعب المصري الطيب سيتعامل معكم بالمبدأ الشائع الذي يقول "خليك مع الكذاب".

في هذه الحالة ألم يكن على الحزب محاسبة أعضاءه القدامى المطرودين والمقصرين أولا، ألم يفشل الحزب فشلا واضحا للعيان؟ ألم يقد مصر والمصريين لكوارث عديدة وثورة غضب عارمة؟

يا سادة: في اليابان، السياسي الفاشل والذي يتسبب في خسارة كبيرة لبلده أو شعبه أو حزبه ينتحر، أما في مصر فالشعب هو الذي ينتحر.

وإذا قلنا أن الثقافة المصرية ضد الانتحار، وأن الثقافة المصرية كما يقول رئيس الوزراء الجديد لها خصوصيتها، وأن المصريين ينسون الإساءة سريعا ومتسامحون كعادتهم، ألم يكن الأفضل في تلك الحالة أن تعلنوا حل الحزب وتنظروا يوم أو يومين أو عدة أسابيع قليلة على أن تقوموا بعد ذلك بإنشاء حزب جديد تحت اسم جديد لعل وعسى ينسى المصريون والعالم ما حدث أو يختلط عليهم الأمر.

في الحقيقة أنا احترت، ونصيحتي الوحيدة: استقيلوا يرحمكم الله. 

www.alaabayoumi.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 8/شباط/2011 - 4/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م