التأمين الاجتماعي

قبسات من فكر المرجع الشيرازي

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: إن حياة النبي محمد (ص) تزخر بالكثير من النماذج المؤثرة، فأقرأوا تاريخه(ص) وقوموا بعرض العشرات من تلك النماذج على النصارى واليهود والمشركين والملاحدة، عندها سترون إسلامهم، كما أن أي مسلم سيتعزز إسلامه وإيمانه، سيكون سببا لهداية الآخرين، بعد الاطلاع عليها.

لو طبقتم ذات المنهاج الذي كان في صدر الإسلام، داخل أسركم، فإن جيرانكم وأقاربكم والذين لديكم معهم روابط أسرية، سيحصل لديهم الاعتقاد بالتدريج ؛ لو كانوا كفارا فسيصبحون مسلمين، ولو كانوا غير محبين لأهل البيت (سلام الله عليهم) فسيصبحون من محبيهم، ولو كانوا غير متدينين، فسيصبحون متدينين، ذلك لأن مناهج الإسلام وأحكامه وقوانينه عظيمة ورائعة.

نموذج قانوني:

يقول المرجع السيد صادق الشيرازي: أقدم لكم نموذجا واحدا من طريقة عمل رسول الله (ص) وقد ورد ذكره في كتب الحديث عند العامة والخاصة، بل رواها غير المسلمين أيضا.

هذه الرواية التي ينقلها لنا السيد المرجع، يقول: لو عرضت على أي شعب، أو أتباع أي دين أو مذهب أو بلد في الكرة الأرضية فسيتغيرون حتما إذا ما حصل لديهم التصديق أو الاعتقاد بها.

تقول الرواية: في الوقت الذي كان نبي الإسلام (ص) في المدينة المنورة، وكان يتولى سائر الأمور والشؤون، بصفته رئيسا للحكومة، أعلن (ص) أنه: (من ترك دينا أو ضياعا فعلي، ومن ترك مالا فلورثته) فماذا يعني ذلك؟

إن قضية (الضريبة على الإرث) متداولة اليوم في أكثر دول العالم، بل هي موجودة حتى في الدول التي تدعي بأن لديها أفضل وأرقى القوانين.

إن قانون (الضريبة على الإرث) لم يشرع حديثا، بل يعود الى ما قبل الإسلام، حيث كان رائجا في أوساط المشركين. ففي قوانين وأحكام المشركين قبل الإسلام، كذلك الديانتين اليهودية والنصرانية (المحرفتين طبعا)، كان يعمل بمثل هذا المرسوم، فإذا ما مات شخص وترك مالا، فإن رئيس الحكومة أو العشيرة أو أي شخص يتمتع بسلطان، يأخذ قسما من هذه الأموال، كضريبة على الإرث.

أما في الإسلام فلا وجود لشيء اسمه (الضريبة على الإرث)، بمقتضى حديث رسول الله(ص) المذكور آنفا.

ويقول (ص) أيضا: ومن ترك دينا أو ضياعا فإلي أو علي أي من مات ولم يترك مالا، وكان فقيرا، وخلف أسرة لا تجد ما تعيش به، ف (إلي وعلي)، أي إن نفقتهم على حاكم الدولة الإسلامية.

حقا إنه لا وجود لمثل هذا القانون في أي مكان من العالم، فحتى الدول الثرية والدول التي تدعي بالمتمدنة، ليس عندها مثل هذا القانون الرائع.

الهجرة الى من؟ السؤال، فهل يوجد مثل هذا القانون، حتى في أكثر الدول ثراء في عالم اليوم، بحيث يتحمل الحاكم الأعلى دين المتوفى؟

نعم قد يتفق أحيانا، بعد مراجعات مضنية في الدوائر الحكومية، أن يحصل الورثة على جزء يسير من المال، ولكن لا وجود لمثل هذا الأمر (ضمان الدين) كحالة قانونية، في مكان من العالم.

هناك نقطة لا بد أن نشير إليها، هي أنه يوجد اليوم في بعض الدول ومنها العراق قدر من الضمان الاجتماعي للعمال أو شبكة الحماية الاجتماعية للمعوقين والعاطلين والأرامل..وفي بعض الدول الغنية، هنالك يوجد قانون يمنح الأسرة الفقيرة التي فقدت معيلها نصيبا من المال، ولكن ليس بالقدر الذي يكفي لسد رمق تلك الأسرة. ثم، لو فرضنا أن إحدى الدول أعلنت هذين المطلبين:

1ـ إلغاء الضريبة على الإرث.

2ـ إذا مات شخص وخلف أسرة فقيرة، فإن الدولة تتحمل نفقتها، وإذا كان مديونا أدت الدولة دينه.

رغم أنه لا وجود اليوم لمثل هذا الأمر، إلا أنكم تلاحظون كم من الناس، من البلدان الإسلامية وغيرها، يهاجرون الى الدول التي تتمتع برفاه اقتصادي وأمني نسبي، أو التي فيها ضغوط أقل بقليل من غيرها، مهما تكن نسبة التدين فيها.

لكن المتيقن على نحو الإجمال: أنه يتعين في الإسلام، على إمام المسلمين، تأمين نفقة الأسر الفقيرة، الى حد كاف، وأداء ديونها.

إمام المسلمين فعلها:

كانت الحكومة الظاهرية لبضع سنوات بيد الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب(ع) عندما كان في الكوفة، وكانت الكوفة مدينة كبيرة، وبحسب ما أثبته بعض المؤرخين، فإن مساحتها كانت تتجاوز الخمسمائة كيلو متر مربع، والبعض قالوا إن مساحتها أكثر من ذلك، وكانت تمثل عاصمة الإمام أمير المؤمنين(ع).

روي في أحوال أمير المؤمنين (ع) أنه خلال الأربع سنوات وبضعة أشهر، هي مدة حكومته الظاهرية، حدث أمر لمرة واحدة فقط، لم يذكر التاريخ غيره، ولا يوجد في سائر الكتب ما يشير الى أن تلك الحادثة تكررت في زمان حكومة الإمام (ع).

تقول الرواية إنه ذات يوم كان أمير المؤمنين (ع) يجتاز في أحد شوارع الكوفة، فرأى شخصا يتكفف، فقال: ما هذا؟ فأجابه بعض من لا يعرف حقيقة الإسلام، قائلا: هذا نصراني..قد هرم وصار لا يقوى على العمل، فهو يتسول !!.

ربما تصور ذلك المجيب أن الأمر يختلف عند الإمام أمير المؤمنين(ع)، إذا كان المتسول غير مسلم، والحال أنه في القانون الإسلامي لا يختلف الأمر من هذه الجهة... الناس اليوم لا يعلمون هذه القضايا، وقد لا يصدقون بها، وسيقولون: فلماذا المسلمون اليوم ليسوا على هذه الشاكلة؟

لكن الإمام أمير المؤمنين(ع) جعل يلوم أصحابه على ما رأى من حال ذلك النصراني، وقال: (استعملتموه حتى إذا كبر وعجز منعتموه ! أنفقوا عليه من بيت المال).

فأي نصراني، أو أي يهودي، بل أي عابد وثن تعرضون عليه مثل هذا النموذج، ثم لا يتغير؟! إذا صدق بذلك، فلابد أن يتغير، ويؤثر في أسرته ويجعلها تتغير.

هل يوجد بلد في العالم اليوم يخلو من المتسولين؟

لو ذهبتم الى أغنى بلد في العالم لوجدتم فقراء ومتسولين.. بالطبع، فإن الأمر يتفاوت من بلد الى آخر؛ فهناك بلد فيه متسولون وفقراء أكثر، وآخر أقل.. وهكذا فأنتم تلاحظون أنه حتى في أكثر بلدان العالم تقدما، وفي ظل أفضل القوانين العصرية يوجد متسولون، في حين لا تجد مثل هذه الحالة في الدين الإسلامي، بل لا معنى لوجود حالة تسول في بلد إسلامي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 6/شباط/2011 - 2/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م