يتفق اغلب الباحثين على إن ثمة اسباب كثيرة دفعت الاحداث في العالم
العربي للتسارع بهذا الشكل المضطرد وبطريقة دراماتيكية غير معقولة بحيث
التهبت الشعوب بتظاهرات ضد حكامها بمدة قياسية، فلا تكاد تخفت في دولة
حتى تثور في اخرى, منها الفقر والتغييب والتهميش والاقصاء ومصادرة
الحقوق والتميز الطبقي والسياسي وسوء الخدمات المتردية جدا، والروتين
القاتل والفساد الاداري والمالي وسوء استغلال السلطة، وغيرها كلها كانت
اسبابا لانطلاق تلك التحركات.
ولكن السؤال الاكثر اثارة هو لماذا هذا الوقت بالذات؟
البعض يرى بان ما حصل هو نتيجة طبيعية للطريقة البائسة للحكام العرب
الذين لا يخرجهم من السلطة حسب الاستقراء الا الموت، وعلى ما يبدو فان
خوف الشعوب من سطوة حكامها قد انتهت وهي التي تعرف قبل غيرها مدى قسوة
تلك الانظمة كونها صاحبة تجارب مريرة معهم.
ورغم قبولنا بهذا الراي وصحته الا ان الحقيقة اكبر من ذلك، فهؤلاء
المتسلطون على الحكم منذ سنوات يبدو انهم اصبحوا (عالة) على اصدقائهم
الغربيين والاوربيين وان طريقتهم في الحكم اصبحت طريقة معيبة على دول
تدعي انها تساند الديمقراطية والحرية والتعددية، لذا فهم اليوم يمثلون
مشكلة في طريق تشكيل شرق اوسطي جديد حسب الخريطة التي تحدث عنها
الغربيون منذ زمن غير بعيد، و اهم عقبات هذه الخريطة هم الحكام
الفاشيون الفاشلون الذين حولوا النظام الحاكم الى عصابات ومافيات فساد
وبلطجية حسب تسمية المصريين.
فعلى هذا الاساس يمكن القول ان مصالح الغرب التقت مع مصالح الشعوب
في محطة واحدة وليست في طريق كامل، فآفة الدكتاتورية مدمرة بكل
المقاييس العلمية والاخلاقية حيث نبه المرجع الديني الراحل الامام
السيد محمد الحسيني الشيرازي(رحمه الله) في كتابه (الاجتماع2) بان
الدكتاتورية خطر لا يوازيه خطر اذا ما وجد، وان علاماته تتبين في عدة
اوجه منها:
1 ـ إن الديكتاتور يمدح نفسه وذويه بإسهاب تعريضاً وتصريحاً وتلويحاً
ولو تجرأ لرفع نفسه على الأنبياء والمرسلين، ليبقى دائماً في الحكم
بمختلف الأسماء.
2 ـ الديكتاتور يخفي أعماله السرية، ليغطي على عوراته ورغم ذلك
فأنها تظهر للناس عاجلا ام اجلا.
3 ـ الديكتاتور يتآمر على أعدائه ويمكر بهم لإلقائهم في التهلكة
ويلصق بهم التهم والأكاذيب ويبالغ في ذم أعدائه بكل الوسائل وشتى
الأنواع.
4 ـ ومن عادة الديكتاتور الكذب والرياء والنفاق والخدعة، بحيث يعتاد
على ذلك ليصبح جزءا من حياته.
5 ـ عدم اشراك الناس في أمور الدولة، وإنما يستبد بها هو وجماعته
والمتزلفون حوله.
6- خنق الحريات حتى الرأي والكلام.
7 ـ كثرة الضرائب، لتكفي نفقات مخططاته الوهمية، وقد يكون
الديكتاتور سارقاً كبيراً يجمع المال لنفسه ولذويه.
8 ـ محاولة جعل كل شيء باسمه ومشير اليه.
9 ـ شدة العقاب والقسوة المفرطة، لأنه يرى نفسه فوق الجميع، ولذا
يعاقب بشدة وقسوة كل من خالف أمره، أو لم يطع رأيه.
10 ـ الظلامية الكاملة في طريقة صرف الاموال وانفاقها, لتسهيل
التلاعب بها لنفسه وخاصته.
11 ـ عدم الانتخابات إطلاقا، أو انتخابات مزيفة حسب ما يمهد الجو
لمرشحه، حيث ليس هناك أحزاب اخرى وصحف حرة، لتكشف زيف الانتخابات.
12 ـ جعل القضاء ألعوبة بيده، ينصب من يشاء ويعزل من يشاء، ويخفف
كما يريد ويشدد كما يرغب.
13 ـ إظهار المؤامرات المزيفة لتصفية من يشاء من خصومه، جسدياً أو
اجتماعياً بإلصاق التهم بهم لإسقاطهم من أعين الناس.
14 ـ مصادرة أموال الناس كيفما يشاء.
15 ـ ثقافة العداء التي ينتهجها تحت شتى المسميات.
16 ـ يرفع كل مرتبط به إلى القمم ولو كانوا بدون كفاءة, ويخفض ويبعد
كل من ليس بمرتبط به ولو كان له الكفاءة.
17 ـ تحكيم الولاء لشخصه على الكفاءات في موظفيه لا غير.
18 ـ يختفي وراء أعماله، فإن ظهر عند الاجتماع حسناً أظهر أنه
لنفسه، وإن ظهر عند الاجتماع سيئاً جعل تبعة ذلك على غيره، وأظهر نفسه
بريئاً حتى كأنه لا اطلاع له إطلاقاً، وإذا ظهر في الأمر خطأ كبيرا عزل
إنساناً كبيراً أو قتله بتهمة ما.
19 ـ التكثير من البوليس السري بمختلف الأسماء والعناوين، ليضبط
وحده الأمر ولا يدع مجالاً لأحد غيره.
20 ـ متقلب الآراء والاهواء
21 ـ يجمع حوله الإمّعات، لأنه لا يتحمل ذوي العقول والآراء الحرة،
فهو يتلهف على المدح، ولا يطيق القدح.
22 ـ يحول دون انشاء مجتمع مدني او منظمات مدنية مستقلة، لأنه يريد
انتساب كل شيء لنفسه، فلا يرضى بأن يعمل غيره عملاً خيرياً في أي من
أبعاد الحياة.
23 ـ جعل الحلول العسكرية المفرطة للقضايا الحل الاول بدون مراعاة
الموازين الإنسانية او تحكيم العقل.
ان ما يحدث الآن في العالم العربي كان متوقعا كون ان جميع النتائج
السلبية المتمثلة في الفساد والتهميش وغيرها انما هي نتيجة طبيعية
لطريقة دكتاتورية الحكام العرب, وقبال ذلك فان الامام الشيرازي قدم
البديل الانفع والاقرب الى الواقع التطبيقي وهي (الشورى او الاستشارية
الديمقراطية) حيث اكد في مواضيع عديدة ان جمع الآراء بتعددية وحرية هو
الطريق الصحيح لتبحر سفن الدول بشعوبها نحو الاستقرار والتقدم فيقول في
هذا الجانب (... والاختيار في تعيين الحاكم بيد الأمة، كما في آية
الشورى حيث يقول عز من قائل (وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ
وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا
رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (38)الشورى)، فلا حكومة وراثية، ولا
انقلابات عسكرية، ولا انتصابات حكومية...).
ومن هنا يمكن القول ان الوقت المتبقي لباقي الحكام والانظمة (ان
بقي) فانه سيكون مرهونا بما سيقررون ولعل افضل ما يقررونه هو الخروج من
الحكم سريعا وترك الشعوب تختار من تريد قبل ان يُجبروا على ذلك.
* مركز الامام الشيرازي للبحوث والدراسات
http://shrsc.com |