المؤسسات الدستورية وخطورة المرحلة

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: العالم العربي والاسلامي المكبوت يغلي من حولنا، فتتفجر بؤر الاحتقان هنا وهناك، والاسباب معروفة وواضحة، خاصة للمسؤولين عن إدارة شؤون الناس، ونعني بهم السلطات الثلاث، التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، لذا ينبغي الاستفادة مما حصل في تونس، ثم في مصر، وكلنا نتابع ما يقدمه الرؤساء والحكومات، من تنازلات، كما حصل مثلا في الجزائر (حيث ألغيت حالة الطوارئ المفروضة على الشعب منذ عام 1992) وأجريت إصلاحات سياسية عديدة، وإن لم تكن كافية، كما أعلن رئيس اليمن علي عبد الله صالح، إلغاء بند الرئاسة مدى الحياة، بل أعلن عدم ترشيحه للانتخابات الرئاسية القادمة، وفتح أبواب الحوار واسعة مع المعارضة، في حين أخذت موجات الاحتجاج، تنتقل بسرعة الى دول عربية كثيرة.

لذا ليس معقولا أن نبقى نتفرج، على ما يحدث وما يجري في البلدان القريبة، وننتظر أن تشملنا هذه الموجة في جانبها غير المنظّم، خاصة ما حدث في مصر، من مظاهر عنف دبرتها جهات تهدف الاساءة لانتفاضة الجماهير، ذات الطابع الاصلاحي الواضح، وهنا نتساءل ما الذي يترتب علينا القيام به، وما هي الجهات المسؤولة والقادرة على درأ خطر الاحتجاجات العشوائية، التي قد تنشر الفوضى في العراق، وتسيء الى تجربته الديمقراطية التي لاتزال في طور التكوين؟

ومع أننا نتفق على حق التظاهر السلمي للجميع، لكننا ندعو المعنيين لاسيما الرسميين منهم، الى ضرورة العمل السريع، على خلق الاجواء الفعلية التي تحقق للجماهير الجانب الاوسع والاهم من متطلباتهم، في مجالات السياسة، والخدمات، والاقتصاد، والصحة وسواها، وهذه المتطلبات يصعب تحقيقها، إلا في حالة توافر التعاون التام، بين السلطات الدستورية الثلاث، التشريعية، والتنفيذية، والقضائية.

ومن أجل أن تكون الصورة أكثر وضوحا، نبدأ بمهام السلطة التشريعية الرقابية، ونعني بها البرلمان العراقي الممثل للشعب، فما هو دوره في هذا المجال؟ إن العراق لايزال حتى اللحظة، يعاني من موجة الفوضى التي تسللت إليه وهو يبني نفسه، ومؤسساته، من الصفر بعد أحداث نيسان 2003، وطالما أننا لانزال في طور البناء والتكوين المتنامي، لابد أن نتلافى الأسباب التي تدفع الى الاحتجاج والتظاهر ما أمكن ذلك، أما دور البرلمان، فهو ضرورة تشريع القوانين التي تحد بقوة، من عمليات الفساد الكبيرة التي خرّبت عمليات الاعمار، وأفرغتها بصورة شبه تامة من محتواها، ومطلوب ايضا، تشريع سريع لتخفيض رواتب ومخصصات البرلمانيين، والرئاسات، الى النصف، كما أننا نود أن نذكّر من اعلن تبرعه براتبه للفقراء قبل أن يصل البرلمان، والآن بعد أن وصل عليه أن يطبق ذلك ويعلنه على الملأ، لكي يشكل خطوة صحيحة ومشجعة للنواب الاخرين في هذا المجال، ويجب على البرلمانيين أن لا يترددوا في مثل هذا التخفيض قيد أنملة، لأن مثل هذا الاجراء سوف يخفف نسبة من الاحتقان، الذي يتزايد بين شرائح الشعب، وخاصة الفقيرة منها، كما أننا نذكّر بأهمية تشريع سريع، بل فوري لضمان عودة مفردات البطاقة التموينية الى الوضع الساند للفقراء، في توفير قوتهم اليومي، مع تحسين النوعية والمصدر، ومراقبة المطاحن والوكلاء، والحد بقوة من عمليات التلاعب التي تتم في المطاحن، بشأن تبديل القمح الجيد وتوزيع الطحين رديء المواصفات على الناس، وينبغي أن تكون هذه التشريعات قوية وذات صفة تطبيقية فورية وفاعلة.

أما ما يتعلق بالسلطة التنفيذية، فإن جانب الخدمات (الكهرباء، المجاري، تبليط الشوارع، بناء المدارس وغيرها) تشكل أهم الاحتياجات الفورية للشعب، خاصة أننا مقبلون على فصل الصيف، ونذكّر بأن التهاون في هذه الخدمات سيضاعف من حالة الاحتقان، ويجعله في أعلى درجاته، ولا ينبغي للسلطة التنفيذية أن تتردد قط، في تهيئة وتنفيذ الخطوات الاجرائية السريعة لتحقيق نسبة عالية من الخدمات، ونذكّر المعنيين، أن معظم المدن العراقية تعاني من انتشار الحفريات على نحو عشوائي فضيع، بحجة الاعمار الذي لم يلمس المواطن حضوره ونتائجه حتى الآن، لدرجة أنك لا تجد شارعا واحدا يخلو من الحفر، ناهيك عن الأتربة والغبار صيفا، والطين الذي يحدث نتيجة الامطار غير السالكة.

إن المدة القليلة المتبقية أمامنا لحلول فصل الصيف، تتطلب إجراءا فوريا من السلطة التنفيذية، ومن مجالس المحافظات والحكومات المحلية، لمعالجة حالة الخدمات المتردية التي قد تكون سببا في قيام تظاهرات لا تُحمد عقباها، كما حدث في البصرة والناصرية في الصيف الماضي.

وعند الحديث عن السلطة القضائية، فإننا نذكّر بأن هذه السلطة هي التي تمد الدولة ومؤسساتها بالهيبة والاحترام، من خلال صفتها القانونية وصلاحياتها القادرة على وضع حد للفساد، لكن من المفارقات العجيبة أن تؤكد مفوضية النزاهة في تقاريرها الدورية الماضية، على وجود الفساد وبلوغه درجة مغيظة في وزارة العدل، وهي ذراع السلطة القضائية الضاربة للفساد كما هو مُفترض، وعلى العموم لابد أن تتحرك السلطة القضائية بسرعة وقوة، لمعالجة خروقات الفساد، والجريمة، وتردي الاوضاع الامنية، بالتعاون مع الجهات التنفيذية المعنية، لكي تسهم هذه السلطة بدورها المانع لحدوث الفوضى أيا كان نوعها او درجتها.

وبهذا فإن السلطات الدستورية الثلاث، لابد أن تنسق أعمالها فيما بينها، وأن تتعاون على نحو جاد وسريع، لوضع الخطط الاجرائية لمعالجة النواقص التي يعاني منها العراقيون في (الخدمات/ الفساد/ الجريمة) تلافيا لخطر الاحتقان.

وإننا نضع هذه الكلمات، من باب الأمانة الوطنية والانسانية، أمام بصائر وأبصار جميع المسؤولين في السلطات الثلاث المذكورة، لكي يتحركوا بالسرعة المطلوبة، وبالاتجاهات الصحيحة لمعالجة ما يمكن معالجته الآن، قبل حلول الصيف القادم.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 5/شباط/2011 - 1/ربيع الأول/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م