
شبكة النبأ: اذا اردت تغيير المسار
فالجأ للانتحار، قد نستطيع ان نوصف وضع اليأس الذي يلازم العديد من
الافراد في البلدان العربية وذلك ان دل فأنه يدل على ان الحكومات
والمسؤولين العرب يناسبهم قول الشاعر (قد اسمعت ان ناديت حيا ولكن لا
حياة لمن تنادي)، لاسيما بعد ان حاولت الشعوب العربية وعن طريق عدة طرق
ان توصل رسالة مباشرة الى حكامها على انهم محتاجين ومتضررين من حكمهم
وسياستهم، واي حكم هذا او اي حاكم ذاك الذي لا يملك شعبه رغيف الخبز
ليطعم عائلته، اي انصاف يعمل به الرؤساء العرب عندما يرمون خريجين
الجامعات طلاب العلم اساس البلد وبناة المستقبل في الشارع بين الارصفة.
وبعد هذا كله ماذا تتوقع ان يكون رد الفعل من الانسان الذي تهان
كرامته ويسلب حقه هل تتوقع ان يبقى ساكتا هذه الحياة واي حياة هذه ومن
يرغب العيش بها، لذلك فضل الشعب العربي الموت على العيش بذل وفقر وجوع
وهذا ما يثبت ان الشعوب العربية لديها الاصالة والعزة بالنفس والاصرار
على ان تعيش بما يناسب مكانتها الكبيرة بدون استهزاء او استصغار، وهاهم
يثبتون ذلك ويؤكدون على ان من لا يخدمهم ويراعيهم بصدق وامانة مهما
كانت مكانته فهم ليسوا بحاجة اليه وقادرين على تغييره حتى ولو كلف ذلك
الموت وبأي طريقة.
منع بيع البنزين بالعبوات
فقد أفاد تقرير أن السلطات الجزائرية أصدرت تعميماً بمنع بيع محطات
الوقود في الجزائر بنزيناً في قارورات ودلاء تجنباً لاستعماله في
عمليات إضرام النار في النفس التي تخشى السلطات أن تصبح ظاهرة بعد حرق
أربعة جزائريين أنفسهم احتجاجاً على الفقر والبطالة.
وكان أربعة جزائريين على الأقل أشعلوا النار في أنفسهم خلال الفترة
الماضية على غرار ما قام به الشاب التونسي محمد بوعزيزي الذي أضرم
النار في نفسه سابقا احتجاجاً على مصادرة العربة التي كان يبيع عليها
الخضر والفاكهة ولفظ أنفاسه متأثراً بحروقه بعد أسبوع، وهي الواقعة
التي أشعلت احتجاجات في تونس بسبب الفقر والبطالة أسفرت عن الإطاحة
بالرئيس زين العابدين بن علي الذي فر هو وعائلته إلى السعودية يوم 14
يناير/كانون الثاني الماضي.
وعقب ذلك، شهدت الجزائر مظاهرات عنيفة في عدة مدن على مدى الأسابيع
القليلة المنصرمة احتجاجاً على ارتفاع أسعار الغذاء والبطالة بما
يتزامن مع المظاهرات التي أسقطت بن علي.
ووفقاً لموقع صحيفة "الشروق" الجزائرية، تلقت مختلف محطات البنزين
العمومية والخاصة تعليمات جديدة، من قوى الأمن بمنع بيع البنزين في
قارورات ودلاء تجنباً لاستعمالها لأغراض أخرى وستعرض كل المخالفين لهذه
التعليمات لعقوبات صارمة تصل إلى حد الغلق أو سحب الرخصة.
وبحسب الصحيفة اليومية، يتزامن ذلك على خلفية تحول "قطرات البنزين
المحمولة داخل قارورات ودلاء إلى سلاح يستعمله بعض من بلغوا درجة
متقدمة من اليأس ضد أنفسهم مثلما هو عليه الشأن بالنسبة لمحاولات
الانتحار المسجلة بإضرام النار في أجسادهم، بعد أن فشلت كل الطرق التي
اجتهد المحتجون في استعمالها على غرار الرشق بالحجارة، التخريب وأعمال
الشغب".
محاولة رابعة
بينما حاول رجل احراق نفسه في أسفي (جنوب غرب المغرب) وهو الرابع
الذي يقدم على ذلك منذ اندلاع احداث تونس، على ما نقلت وكالة الانباء
الرسمية المغربية.
واكدت الوكالة ان الرجل الذي نقل الى المستشفى يعاني من مشاكل نفسية
وكان حاول الانتحار سابقا في تشرين الاول/أكتوبر بابتلاع كمية كبيرة من
الادوية. وقال مصدر طبي ان الشاب كان في العشرين من عمره واصيب بحروق
خطرة، كما اصيب اهله وهم يحاولون انقاذه بحروق طفيفة، وحاول ثلاثة
اشخاص الانتحار حرقا في المغرب مؤخرا لكن لم تسجل اي وفاة بينهم. وادى
انتحار شاب حرقا في 17 كانون الاول/ديسمبر في سيدي بوزيد في وسط تونس
الى ثورة شعبية ادت في غضون شهر الى اسقاط نظام الرئيس المخلوع زين
العابدين بن علي. بحسب وكالة انباء فرانس برس.
مذاك وقع عدد من عمليات الانتحار بالنار بعضها نجح، في دول المنطقة
ولا سيما الجزائر ومصر والمغرب والسودان. وتوفي رجل احرق نفسه في
نواكشوط في الدار البيضاء الى حيث تم نقله بعد تدهور حالته.
استمرار الانتحار
كما أصيب شاب يمني بحروق نتيجة اشعال النار في جسده في مدينة عدن
جنوب اليمن كما افاد شهود، في حين اعلنت السلطات المحلية عن وفاة شاب
حاول الانتحار حرقا في 20 كانون الثاني/يناير.
والمحاولة هي الرابعة للانتحار حرقا في اليمن منذ انتفاضة تونس وقال
شهود عيان ان الشاب فؤاد الصبري (28 عاما) الذي يعمل في محطة الهاشمي
لحافلات النقل، وقف في باحة الفرزة في عدن وسكب البنزين على نفسه واشعل
النار.
وهرع الناس ومالكو الحافلات اليه وتمكنوا من اخماد النيران التي
احرقت أجزاء واسعة من جسمه. وذكر مصدر طبي في مستشفى الجمهورية ان
الشاب حاول الانتحار بمادة البنزين وانه يرقد في قسم العناية المركزة
وحالته بدأت تستقر، ورجح الشهود ان يكون الصبري احرق نفسه نتيجة سوء
وضعه المعيشي.
وحاول اربعة يمنيين الانتحار حرقا، غير ان احدهم فارق الحياة ويدعى
عوض صالح السماحي (45 عاما) وفق ما علم لدى السلطات. وقبل حادثة حضرموت
بيومين أقدم شاب عشريني يدعى سليم عبد الله العمراني في محافظة البيضاء
على اشعال النار في جسمه أمام ادارة أمن مدينة رداع احتجاجا على عدم
حصوله على درجة وظيفية. وهو حاصل على دبلوم متوسط بعد الثانوية العامة.
وفي حي البساتين عند مدخل مدينة عدن اصيب احمد عبدالله حسن (30 عاما)
بحروق من الدرجة الثانية بعد أن أقدم على اضرام النار في جسده احتجاجا
على الاوضاع الاقتصادية التي يعيشها. بحسب وكالة انباء فرانس برس.
وتظاهر الاف اليمنيين في صنعاء بدعوة من المعارضة للمطالبة بتنحي
الرئيس علي عبدالله صالح الذي يتولى السلطة منذ 32 عاما. من جهتها،
اعربت واشنطن عن دعمها لحق اليمنيين في "التعبير عن انفسهم والتجمع
بحرية" وسط تظاهرات حاشدة يشهدها اليمن. وقال فيليب كراولي المتحدث
باسم الخارجية الاميركية "نحن نعلم ان تظاهرات تجري في صنعاء وغيرها من
المدن اليمنية، ورسالتنا هي واحدة".
وفي وقت سابق قامت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون بزيارة خاطفة الى
اليمن بهدف مساعدة الرئيس علي عبد الله صالح على معالجة عدد من المشاكل
السياسية وغيرها من المسائل ومن بينها تهديد القاعدة لبلاده والغرب.
وشارك الاف اليمنيين، الذين شجعتهم التظاهرات في تونس ومصر، في
احتجاجات حاشدة تطالب بتنحي الرئيس اليمني من السلطة التي يتولاها منذ
عام 1978.
كما طلبت الحكومة الكندية من اليمن السماح "بالحرية الكاملة للتعبير
السياسي" والتعامل مع التظاهرات التي تهز البلاد بطريقة سلمية. وقال
وزير الخارجية الكندي لورنس كانون ان "كندا طلبت من حكومة اليمن ضمان
حماية حرية التعبير". واضاف "ندعو الحكومة الى السماح لليمنيين البحرية
الكاملة للتعبير السياسي"، داعيا السلطات والمتظاهرين الى "الهدوء".
سعودي آخر
فيما ذكر تقرير أن رجلاً سعودياً أضرم النار في نفسه في أعقاب حوادث
مشابهة لحرق النفس في دول عربية أخرى وتعد الحادثة الثالثة من نوعها في
السعودية وفقاً لتقارير إعلامية.
وأفادت صحيفة "الوطن" السعودية أن المواطن السعودي - دون أن تذكر
اسمه - "يعاني من أمراض نفسية". وقالت الصحيفة اليومية "أصيب مواطن في
العقد الرابع من العمر يعاني من أمراض نفسية بحروق في 50 بالمائة من
جسده بعد أن حاول وضع حدٍ لحياته على طريقة إشعال الجسد، فسكب على جسده
البنزين، وأشعل النار وسط محطة للوقود في حي القادسية بالدمام (في
المنطقة الشرقية)".
ونقلت صحيفة "الوطن" عن منصور الدوسري الناطق الإعلامي بإدارة
الدفاع المدني بالمنطقة الشرقية أن "تقرير الطبيب المعالج أفاد أن
المصاب يعاني من أمراض نفسية".
كما أفاد تقرير إعلامي بأن شاباً سعودياً "أحرق حظيرة أغنام أخيه
بدلاً من إحراق نفسه" في قرية "أبو خريط" بمحافظة العلا، ولم تتضح
نواياه فيما إذا كانت احتجاجاً على أوضاعه المعيشية. كما توفي رجل
سعودي في الستينات من العمر إثر إشعال النيران في نفسه بمنطقة جازان
الفقيرة السعودية بالقرب من الحدود مع اليمن، والتي تعد الحادثة الأولى
من نوعها "سعودياً" في أعقاب حوادث مشابهة لحرق النفس في دول المنطقة.
أريد حقي
من جانبه نظم شاب ليبي عاطل عن العمل احتجاجا أمام مصلحة القوى
العاملة بمدينة طبرق شرق البلاد، وأكد أن قراره جاء بعد نفاد صبره من "البطالة
المقيتة" التي يعاني منها منذ زمن، وقد هدد بالدخول في إضراب مفتوح عن
الطعام أيضا إلى حين تحقيق مطالبه في الحصول على وظيفة وسكن.
وقال الشاب أبو بكر أمجاور العبيدي إنه قابل مسؤولين صغارا وكبارا
بالدولة لإيجاد فرصة عمل، واحتجاجه اليوم لإيصال معاناته إلى من سماهم
"أصحاب الضمائر الحية". واستمعت شخصيات أمنية إلى مطالبه بود واحترام
وفق قوله، واستلمت وثائق تخرجه مقابل إنهاء الاحتجاج، مضيفا أنه "إذا
لم تحقق مطالبه فسوف يخرج من جديد في أي وقت".
وقال العبيدي قبيل تنفيذه الاحتجاج "إنني أخرج بإرادة نفسي وعلى
الملأ فوق الأرض وتحت الشمس لا في الخفاء، وأقول بصوت مرتفع في سلام
وأمان ونظام بدون فوضى أو شغب، أريد حقي في الوظيفة والسكن، وأنا شاب
على أهبة الزواج ولا أملك عملا ولا منزلاً. وسوف لن أترك اعتصامي إلا
بحلول ملموسة وواقعية لا وعود شفوية ووردية.. حتى لو كلفني ذلك رقبتي
أو سجني".
وأكد أن تحركه نابع من الحرص على مبدأ الحرية والحقوق الطبيعية التي
تنادي بها الوثيقة الخضراء الكبرى لحقوق الإنسان في عصر الجماهير
والقانون رقم (20) لسنة 1991 بشأن تعزيز الحرية والمواثيق والعهود
الدولية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية بعيداً عن أي تحريف لمغزى هذه
التصريحات، مع تقديره العميق لكل من يحمي الحرية في البلاد التي هي في
الأصل السلطة لشعبه لا لسواه.
وفي وقت ناشد فيه العبيدي الإعلاميين والصحفيين مساندته وحمايته
والوقوف إلى جانبه في حال اعتقاله، حذر من أي مضايقات في إذاعة وصحيفة
البطنان التي قال إنه متعاون معها بدون راتب شهري ثابت في إعداد
البرامج والصفحات الاجتماعية.
وزود العبيدي الجزيرة نت بأسماء 15 مسؤولا بالدولة أوضح أنه أبلغهم
بظروفه دون جدوى، وتساءل بعد قرع أبواب هؤلاء المسؤولين "من يحقق لي
طلباتي؟" مؤكدا أن عائلته تكبدت مصاريفه طيلة سفره إلى العاصمة طرابلس.
مؤشرات
والعبيدي من مواليد طبرق عام 1984 وهو حاصل على شهادة بكالوريوس
بقسم الكيمياء من جامعة عمر المختار عام 2007 وشهادة تدريب وخبرة في
مجال البترول من دولة الإمارات المتحدة وسوريا. بالإضافة إلى أنه
إعلامي بصفة مذيع متعاون بالهيئة العامة لإذاعات الجماهيرية، وصحفي
بصفة كاتب ومشرف على صفحة آفاق اجتـماعية بصـحيفة أخـبار البطنان.
وهناك مصادر رسمية تقول إن ميزانية التنمية التي تقدر بحوالي 140
مليار دينار ليبي(الدولار يعادل 1.27 دينار) المطروحة حاليا تستوعب
مليوني فرصة عمل لأجانب وليبيين. وبينما تشير التوقعات إلى ارتفاع نسبة
البطالة في ليبيا عام 2012 إلى 25.15%، تأتي ليبيا ثانية بدول المغرب
العربي من حيث ارتفاع معدلات البطالة، وتحتل موريتانيا المرتبة الأولى
وتونس ثالثة ثم الجزائر، بينما تحل المغرب بذيل القائمة.
"فقدان المواطن لكرامته دافع للانتحار
عشر محاولات انتحار على خطى البوعزيزي، ومازال الحكام يقبضون
أنفاسهم خوفاً من المزيد. هي موجة يُخشى أن تتحول إلى ظاهرة جماعية في
ظل حالة من الهياج تنتاب الشارع العربي جراء ضغوط عديدة، فما هو رأي
الطب النفسي؟ أحمد عكاشة، أستاذ الطب النفسي ورئيس اتحاد الأطباء
النفسيين العرب.
تحول الانتحار حرقاً إلى حديث الساعة في الشارع العربي مع إقدام
المزيد من العاطلين واليائسين كل يوم في البلدان العربية على محاولة
جديدة للتخلص من حياتهم، احتجاجاً على غياب العدالة الاجتماعية ونقص
فرص العمل والعيش الكريم. ومنذ نجاح ثورة الياسمين، تصدر محمد
البوعزيزي، مفجر انتفاضة التحرير التونسية، اهتمام الشباب العربي، فهل
اتخذوا منه قدوة؟ وباتت طريقته في الاحتجاج وسيلة للتعبير عن رفض غياب
العدالة الاجتماعية.
موجة الانتحار التي تجتاح الشارع العربي هذه الأيام تعبر بطبيعة
الحال عن يأس المواطنين وشعورهم بالكبت والعجز، وما إلى ذلك.. ولكن
علمياً، هل لهذا الأمر علاقة بـ"أحلام الاستشهاد" للشهرة التي تعد نوعاً
من أحلام اليقظة؟
أحمد عكاشة: لا أعتقد أن لها علاقة بأحلام الاستشهاد ولكن هذه
الظاهرة، بل وظاهرة الانتحار بشكل عام، تعتبر صرخة للمساعدة، للاحتجاج
على مواقف معينة، وصرخة لإزالة العجز واليأس والإحباط الذي يعاني منه
الناس. يجب أن نأخذ في الاعتبار أن في العالم ينتحر سنوياً ما لا يقل
عن مليون نسمة. وهناك محاولات الانتحار التي لا تنتهي بالوفاة، وهذه
تمثل عشرة أضعاف حالات الانتحار.
ولماذا انتشرت؟
واجاب عكاشة عن هذا السؤال قائلا: طالما ظلت كرامة الإنسان ممتهنة
ستزيد حالات الانتحار ما حدث أنه عندما انتحر البوعزيزي الذي أحرق نفسه
احتجاجاً على البطالة والظلم وأثارت العملية زوبعة في العالم العربي
كله، تفاعل معه الكثيرون في المنطقة، ممن يشعرون أيضاً بالإحباط واليأس
والعجز ولا يستطيعون التعبير عن أنفسهم، فكان البوعزيزي بالنسبة لهم
نوعا من المثل الأعلى والقدوة.
ولعل الجميع يلاحظ أن حالات الانتحار، التي حدثت في مصر وغيرها،
تحدث عادة أمام مواقع صانع القرار السياسي، أمام مجلس الوزراء، أو مجلس
الشعب، وكأنهم يقولون: "ساعدونا نحن غير سعداء وغير راضيين.. إذا لن
تستطيعوا مساعدتنا، سنتجه إلى الله". هو نوع من الهروب من المعاناة
والعجز والاكتئاب.
من وجهة نظر علم النفس، لماذا يلجأ المنتحرون من بعد البوعزيزي إلى
وسيلة الحرق نفسها؟
عكاشة: كل بلد لها طريقة معينة في الانتحار، البلاد المسموح فيها
باستخدام المسدسات والبنادق والرشاشات مثل الولايات المتحدة، نجد
المنتحرين فيها يستخدمون الأسلحة النارية. أما في المجتمعات التي لا
يتم فيها تداول تلك الأسلحة، فيلجأ المقدمون على الانتحار إلى أساليب
أخرى. مثلاً في مناطق الفلاحين في مصر، النساء يلقين على أنفسهن
البنزين ويشعلن النار، لا تجدينهن يتعاطين الحبوب وليست لديهن وسائل
أخرى. الرجال أو النساء في المدن يلقون بأنفسهم من الجسور في النيل أو
يحرقون أنفسهم أيضاً.
الثقافة ونوع الانتحار
وعن تأثر طريقة الانتحار بالمستوى الثقافي قال عكاشة: نعم، الانتحار
يعتمد على الثقافة والميول الدينية ويختلف من بلد إلى بلد. وسيلة الحرق
وإلقاء النفس في النيل هي مثلاً طبيعة الانتحار في الثقافة المصرية بل
والعربية بشكل عام.
عودة لأولئك الذين أقدموا على محاولات انتحار من بعد البوعزيزي، هل
تعتقد أن عقلهم الباطن صور لهم أن استخدم الوسيلة نفسها سيؤدي بالضرورة
إلى النتيجة نفسها وهي تحرير الوطن؟ أم أنهم انتحروا يأساً دون النظر
إلى أي أبعاد أخرى؟
عكاشة: في لحظة الانتحار، التي مر بها هؤلاء ومن قبلهم البوعزيزي،
كانوا يمرون بحالة يأس لأسباب اقتصادية ونفسية واجتماعية. البوعزيزي
انتحر لأن كل شيء كان مغلقاً أمامه في الحياة. حاول أن يبيع الخضر،
فمنعوه. شكاهم، فسخروا منه. لم يتمكن من الأكل أو الشرب أو تأسيس أسرة،
فلم يكن أمامه سوى الهروب من هذا الموقف والاحتجاج على الحكومة والسلطة
التي أوصلته إلى هذا الحد، كان لحظة الانتحار يهرب من هذا الألم.
سيكولوجية المنتحر بشكل عام
تختلف سيكولوجية المنتحر من شخص إلى آخر. إن 70 في المائة من حالات
الانتحار في العالم تكون نتيجة لمرض الاكتئاب والقلق. هذا المرض يعطي
صورة تشاؤمية للحياة بأنه لا يوجد حاضر، وبأن الماضي ظالم، والمستقبل
أسود. وبالتالي يكون الانتحار هنا للتخلص من المعاناة.
وللعلم، فإن آلام الاكتئاب أكبر من آلام السرطان. مريض السرطان،
الذي لا يعاني من الاكتئاب يرغب في الحياة، لكن لو أصابه اكتئاب، سيفقد
الرغبة في الحياة وقد يقدم على الانتحار. الاكتئاب يصاحب الأمراض
المزمنة المؤلمة بحوالي 40 – 50 في المائة من الحالات.
الأسباب؟
الاكتئاب ممكن أن يأتي لأسباب اقتصادية، مثل البطالة والفقر. ومن
الممكن أن يأتي لأسباب اجتماعية، مثل الظلم والقمع والقهر وإهانة كرامة
الفرد. ومن الممكن أن يقدم إنسان على إنهاء حياته لأسباب نفسيه، عندما
يفقد حبيبته أو عزيزي عليه مثلاً. لكن هناك مرضى الفصام، هؤلاء عندما
ينتحرون يقدمون على ذلك لأنهم يسمعون أصواتاً تأمرهم بالانتحار. يشعرون
أنهم تحت رقابة أو اضطهاد، تحدث لهم ضلالات مثل الغيرة أو الخيانة
الزوجية.
ثورة الياسمين
البعض يعتبر الانتحار هروباً وجبناً، وآخرون يعتبرونه شجاعة وكرامة،
هذه آراء فلسفية مختلفة. لكننا كطب نفسي نعتبر أن أي محاولة للانتحار
هي صرخة للمساعدة علينا أن نأخذها على محمل الجد، ولا نقول إنهم يمثلون
أو يهرجون، لا يصح ذلك إطلاقاً.
وأعتقد أن هذه الأيام وصلت الصرخة لصناع القرار السياسي، على الأقل
في الكويت، هناك خطوات، وفي السعودية، هناك خطوات، وأرجو أن تلتفت سائر
الحكومات إلى مواطنيها لدراسة مدى جودة حياتهم حتى لا يصل إلى درجة
اليأس والعجز.
مقارنة الغرب بالعرب
الأمر واحد، عندما يكون هناك كبت وإحباط شديدين وانعدام لحريات
التعبير، وكبت للديمقراطية، وعندما تكون هناك حالة من الطوارئ تحكم
البلاد، وعندما يكون هناك اعتقال للسجناء وتعذيب للمعتقلين، عندما تهان
كرامة الإنسان ويفقد آدميته، وعندما يهان الإنسان في كبريائه بالفقر
والبطالة والقمع والقهر، لاشك أن كل هذه العوامل ستؤدي إلى زيادة حالات
الانتحار. |