شبكة النبأ: مع تزايد موجة الاحتجاجات
الشعبية المطالبة برحيله، يتشبث حسني مبارك بالسلطة للرمق الاخير في
محاولة اليائسة الى لارضاء الشعب المصري ببعض العبارات الفضفاضة
والتعهدات المطاطية غير قابلة للتطبيق.
حيث بدا الطاغية المصري وهو كمن ينازع الموت المحتم في خطابه الاخير
الذي كان يتوسل من خلاله المصريين قبول اكمال فترة ولايته قبل اعتزاله
العمل السياسي، في خطوة عدها معظم المتابعين محاولة مكشوفة من قبله
للالتفاف على الشعب واعادة تنظيم اجهزته القمعية المهزومة.
في الوقت الذي لايزال ملايين المعتصمين في ميدان التحرير والمدن
المصرية الاخرى يصرون على رحيله في اسرع وقت، خصوصا مع اقتراب جمعة
الغضب في نهاية الاسبوع.
احتمال التقاعد
فقد قال حسني مبارك الذي يرأس مصر منذ 30 عاما ذات مرة انه يعتزم
تحمل المسؤولية "وأمانتها مادام في الصدر قلب ينبض ونفس يتردد."
يبدي مبارك دائما ثقة تصل الى حد العناد ولا يظهر ذرة شك في
الانجازات التي حققها على مدى حياته ويصور نفسه كزعيم كريم لا يكل يحمي
أمن واستقرار بلاده ويخدم مصالح شعبه.
قد يجادل مؤيدوه بأنه أنقذ مصر من الفوضى بعد أن اغتال متشددون سلفه
الرئيس الراحل أنور السادات عام 1981 وجنب مصر خوض الحروب وأعاد
العلاقات مع العالم العربي بعد توقيع معاهدة السلام مع اسرائيل عام
1979 وسمح لحكومته بعد تأجيلات طويلة بفتح الاقتصاد لتحفيز النمو.
كما استطاع اخماد تمرد الاسلاميين الذي استمر طويلا في صعيد مصر في
التسعينات بعد أن أسفر عن مقتل 1200 شخص.
لكن مبارك لم يتبع هذا بخطوات عملية حتى تكون مصر اكثر ديمقراطية
ومؤخرا لاحقه اخفاقه المزمن في تغيير النظام السياسي الفاسد
والاستبدادي الذي ورثه. وأخيرا وفي سن الثانية والثمانين اضطر أن يواجه
احتمال التقاعد المبكر الذي تأخر كثيرا.
وقال في كلمة ألقاها في وقت متأخر انه سيبقى في الحكم الى أن تنتهي
ولايته الحالية في سبتمبر ايلول. وفي الوقت نفسه سيطلب تعديلات دستورية
حتى تكون الانتخابات الرئاسية مفتوحة ويكون عدد الولايات الرئاسية التي
يستطيع الرئيس توليها محددة. بحسب رويترز.
وتطلب تقديمه هذا التنازل خروج مليون متظاهر الى شوارع مصر. وتبدو
احتمالات استمراره في الحكم حتى سبتمبر ايلول هزيلة.
خلفيته في القوات الجوية:
في الايام السبعة الاخيرة من الاحتجاجات المتزايدة قتل 138 شخصا
معظمهم لاقوا حتفهم على يد شرطة مكافحة الشغب التابعة للنظام. ويقول
المحتجون انهم يريدونه أن يرحل فورا هو ومن حوله.
وينفذ مبارك فيما يبدو وبطريقة غريبة السيناريو الذي كتبه الرئيس
التونسي المخلوع زين العابدين بن علي الذي فر الى السعودية في 14 يناير
كانون الثاني بعد يوم من أعلانه بعد 23 عاما في الحكم أنه لن يخوض
الانتخابات مجددا عام 2014 .
غير أن مبارك أوضح أنه لا يعتزم ترك البلاد ليعيش في المنفى. وقال
في كلمة بثها التلفزيون "ان هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو وطن كل
مصري ومصرية فيه عشت وحاربت من أجله ودافعت عن أرضه وسيادته ومصالحه
وعلى أرضه أموت."
ولد مبارك في الرابع من مايو ايار عام 1928 في قرية كفر المصيلحة
بدلتا النيل. والتحق بالكلية الحربية عام 1947 ثم التحق بالسلاح الجوي
وتلقى تدريبا بالاتحاد السوفيتي السابق حيث تعلم قيادة قاذفات القنابل.
في عام 1967 أصبح مديرا للكلية الجوية وفي عام 1969 تولى رئاسة
أركان القوات الجوية. واختاره الرئيس أنور السادات لقيادة القوات
الجوية واعدادها لحرب عام 1973 ضد اسرائيل. بعد ذلك بعامين عينه
السادات نائبا له.
ونجا مبارك من الموت بالكاد حين اغتال جنود مرتبطون بجماعة اسلامية
السادات في عرض عسكري بالقاهرة في السادس من اكتوبر تشرين الاول عام
1981 . واستهدفته عدة محاولات اغتيال منذ ذلك الحين من بينها هجوم على
موكبه في أديس أبابا عام 1995 .
وأبعد السادات مهندس السلام مع اسرائيل مصر عن دورها القيادي في
العالم العربي واغضب الكثير من المصريين بتحالفه الوثيق مع الولايات
المتحدة. وتكبد مبارك عناء شديدا حتى نجح في استعادة العلاقات مع الدول
العربية وتمكن من اعادة مقر جامعة الدول العربية الى القاهرة.
الانضمام الى حملة من أجل الديمقراطية:
بعد أن غزا الرئيس العراقي الراحل صدام حسين الكويت عام 1990 انضم
مبارك الى الولايات المتحدة وحلفائها في حملة لطرد العراقيين. في
المقابل استطاع اسقاط ديون على مصر قيمتها 20 مليار دولار.
لكن في العلن نصح مبارك الولايات المتحدة بالا تغزو العراق وتكهن
بأن هذا سيسبب حالة من الفوضى وقد صدق تكهنه.
انضم الى حملة الرئيس الامريكي السابق جورج بوش من أجل ارساء
الديمقراطية في العالم العربي والتي كان عمرها قصيرا فسمح باجراء
انتخابات رئاسية تعددية للمرة الاولى على الاطلاق عام 2005 . لكن ما أن
فقد بوش اهتمامه حتى عاد الى عادته القديمة وقالت جماعات حقوقية ان
الانتخابات البرلمانية التي جرت عام 2010 شهدت انتهاكات اكثر من أي
انتخابات سابقة.
وبدءا من التسعينات كان بمثابة راع غير رسمي لعملية السلام في الشرق
الاوسط وقام بالوساطة بين الاسرائيليين والفلسطينيين وبين الفصائل
الفلسطينية المتنافسة في مسعى من أجل الوصول الى تسوية طال انتظارها.
ويقول منتقدوه في الداخل والعالم العربي انه أعطى وزنا اكثر من
اللازم للمصالح الامريكية والاسرائيلية على حساب المواطنين الفلسطينيين.
وبعد أن سيطرت حركة المقاومة الاسلامية الفلسطينية (حماس) على قطاع
غزة عام 2007 قبل مبارك الحصار الاسرائيلي للقطاع وفرضه من الجانب
المصري. وحين هاجمت اسرائيل غزة في أوائل عام 2008 سمح للطائرات
الاسرائيلية بالتحليق فوق أراض مصرية في غارات قصف. وفي خطابه الذي بثه
التلفزيون بدا حريصا على تبديد صورة الرجل المتشبث بالسلطة.
وقال مبارك "أقول بكل الصدق وبصرف النظر عن الظرف الراهن انني لم
أكن أنتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة فقد قضيت ما يكفي من العمر فى
خدمة مصر وشعبها."
وأضاف أنه فخور بانجازاته وأنه خدم بلاده بأفضل ما في وسعه. وفي
تصريح يعكس انشغاله الدائم بالامن قال ان الاحتجاجات المستمرة منذ
أسبوع "تفرض علينا جميعا شعبا وقيادة الاختيار ما بين الفوضى
والاستقرار."
في سبتمبر
من جهتها ودعت الولايات المتحدة للبدء في نقل السلطة فورا الا أنها
لم تصل الى حد تأييد خطة مبارك للبقاء في السلطة ستة أشهر أخرى.
وقال الرئيس باراك أوباما بعد اتصال هاتفي معه "ما هو واضح وما اشرت
اليه الليلة للرئيس مبارك هو انني اعتقد ان تسليما منظما (للسلطة) يجب
أن يكون ذا معنى ويجب أن يكون سلميا ويجب أن يبدأ الان."
وفي شوارع القاهرة جدد كثير من المحتجين الذين زاد عددهم عن مليون
شخص في أنحاء البلاد مؤخرا مطالباتهم للرئيس البالغ من العمر 82 عاما
بالتنحي. وردد البعض هتافا يقول "موش هنمشي .. هوه يمشي".
ونقلت قناة تلفزيون سي.ان.ان. عن الزعيم المعارض محمد البرادعي قوله
ان مبارك أخفق في تلبية مطالب المحتجين وان تعهده بعدم الترشح للرئاسة
مرة أخرى خدعة.
وبدا كلام مبارك موجها بعيدا عن الشبان والمعارضين الذين احتشدوا في
مراكز المدن ليصل الى المصريين البالغ عددهم 80 مليونا الخائفين من
التغيير والفوضى. وقال ان الشبان الشرفاء الذين بدأوا الاحتجاجات
استغلهم رجال يستخدمون العنف.
وربما يتوقف الكثير في هذا الامر على الجيش الذي كان يوما مصدر قوة
مبارك الذي يحاول فيما يبدو ضمان انتقال للسلطة يحافظ على نفوذ القوات
المسلحة.
وتحت ضغط مكثف من أوباما والجيش فضلا عن حشود المحتجين في الشوارع
ألقى مبارك خطابا مسجلا استغرق عشر دقائق.
وقال مبارك لاولئك المطالبين برحيله على غرار نظيره التونسي المخلوع
الذي فر من بلاده الشهر الماضي "ان هذا الوطن العزيز هو وطني مثلما هو
وطن كل مصري ومصرية فيه عشت وحاربت من اجله ودافعت عن ارضه وسيادته
ومصالحه وعلى ارضه اموت."
لكنه لم يتخل بعد عن السلطة واضاف "اقول بكل الصدق وبصرف النظر عن
الظرف الراهن اني لم اكن انتوي الترشح لفترة رئاسية جديدة ... سأعمل
خلال الاشهر المتبقية من ولايتي الحالية كي يتم اتخاذ التدابير
والاجراءات المحققة للانتقال السلمي للسلطة."
وشكك الكثيرون من المحتجين في الشوارع الذين يتحدون حظر التجوال في
التزامه باجراء تغييرات دستورية ديمقراطية لطالما قاومها منذ توليه
السلطة عام 1981.
وفي ميدان التحرير الذي أصبح مركز تجمع المحتجين على مدى اسبوع بدا
أن الخطاب لم يرق لشبان في العشرينات من العمر.
وقال شادي مرقص "الخطاب لا قيمة له ولا يؤدي الا الى اذكاء غضبنا
... سنواصل الاحتجاج."
وفي الاسكندرية ثاني كبرى المدن في البلاد فتح جنود في دبابات النار
في الهواء لحفظ النظام بعد اشتباكات بين جماعات مؤيدة لمبارك وأخرى
مناوئة له. لكن لم يكن هناك ما يشير الى ان الجيش يحاول منع الاحتجاجت
المناهضة للحكومة. وكان الجيش قال انه سيحمي المسيرات ووصف مطالب
المحتجين بأنها "مشروعة".
لكن بعض المحللين يقولون ان التوترات قد تتصاعد حتى بين صفوف الجيش
اذا تمسك مبارك بالسلطة طويلا واذا رأى كبار الضباط أنفسهم انهم يحرسون
زعيما فقد الشرعية.
وقال فيصل عيتاني المتخصص في شؤون الشرق الاوسط وشمال افريقيا في
مؤسسة اكسكلوسف اناليسس "كلما طال أمد هذا الوضع كلما ربط الناس كبار
القادة العسكريين بمبارك. وهذا خطير للغاية ... سيشكل هذا ضغطا هائلا
على الاجهزة الامنية." وقال رجل دين من الاخوان المسلمين مقره بريطانيا
انه قد يحدث صراع.
وقال كامل الهلباوي "سيصب الزيت على النار. خطابه سيجلب خطر حدوث
صراع في البلاد. اننا نتوقع عناده لكن ليس الى هذا الحد."
وكانت مظاهرة مؤخرا رفضا صريحا لتعيين عمر سليمان نائبا لرئيس
الجمهورية ولعرضه بفتح حوار مع المعارضة.
وتحدث محتجون كثيرون عن تحرك جديد يوم الجمعة بتنظيم مسيرة الى
القصر الجمهوري لازاحة مبارك. وقال طبيب يدعى أحمد خليفة (35 عاما) "لم
يعد هذا مجديا ... اذا ظل المصريون في الشوارع حتى يوم الجمعة فان عرض
مبارك القادم سيكون على الارجح هو التنحي تماما." بحسب رويترز.
وربما يعيد رحيله رسم خريطة الجغرافيا السياسية في الشرق الاوسط بما
سيكون له أثره من اسرائيل وحتى السعودية. وتنشب اضطرابات في دول عربية
أخرى كالاردن واليمن مما رفع أسعار النفط بسبب مخاوف من حدوث مشاكل في
السعودية وفي قناة السويس المصرية.
وغير العاهل الاردني الملك عبد الله رئيس وزرائه مؤخرا عقب احتجاجات.
ويشهد اليمن والسودان احتجاجات.
وارتفع سعر النفط حيث تجاوز خام برنت 102 دولار للبرميل خوفا من
حدوث مشكلات في السعودية وقناة السويس المصرية. وقد أذكى هذا بدوره
المخاوف بشأن زيادة جديدة في التضخم مما يزيد احتمالات حدوث اضطرابات
اجتماعية فيما وراء الشرق الاوسط.
رئيس اركان الجيش
من جهته قال عضو بجماعة الاخوان المسلمين المحظورة مؤخرا ان رئيس
اركان القوات المسلحة المصرية سامي عنان قد يكون خليفة مقبولا للرئيس
المصري حسني مبارك اذ ينظر اليه باعتباره غير فاسد.
وأضاف كمال الهلباوي وهو رجل دين بارز بالخارج ينتمي للحركة
المعارضة الرئيسية في مصر لرويترز ان عنان الذي يتمتع بعلاقات جيدة مع
واشنطن ليبرالي يمكن اعتباره مناسبا من قبل تحالف معارض بدأ يتشكل في
الشارع المصري.
وتابع الهلباوي في مقابلة هاتفية "يمكن أن يكون رجل مصر القادم...
ارى أنه سيكون مقبولا لانه تمتع ببعض من السمعة الحسنة. هو غير متورط
في فساد. لا يعرفه الناس (كفاسد)." وقال الهلباوي أن عنان لا ينتمي
لتيار اسلامي لكنه "رجل جيد وليبرالي."
ولا يعرف الكثير عن عنان دوليا لكن يعتقد أنه في بداية الستينات من
العمر وأمضي الكثير من حياته المهنية في الدفاع الجوي بالجيش المصري.
بحسب رويترز.
وبحسب نبذة عن حياته يدونها موقع خدمة سيلوبريكر المختصة بمراقبة
الاخبار والمعلومات ولد عنان في عام 1948 بالقاهرة وتدرب في روسيا
وفرنسا وكذا في أكاديمية عسكرية في مصر.
وتولى عنان مهام كبرى في الدفاع الجوي قبل تعيينه في رتبته الحالية
عام 2005 بحسب ما ذكر الموقع الالكتروني.
والجيش المصري - وهو عاشر أكبر جيش على مستوى العالم اذا يبلغ قوامه
468 الف فرد - قوة محورية في السياسة منذ نظم طباط الجيش الاطاحة
بالملكية عام 1952.
والهلباوي عضو بجماعة الاخوان المسلمين منذ عام 1952 وهو واحد من
مفكري الجماعة الكبار في الخارج وعمل في نيجيريا والسعودية وافغانستان
وباكستان بريطانيا.
وفي منتصف التسعينات عمل الهلباوي متحدثا باسم جماعة الاخوان
المسلمين في الغرب وساعد في تأسيس المجلس الاسلامي البريطاني والرابطة
الاسلامية في بريطانيا. ولعنان فيما يبدو علاقات ودية مع واشنطن.
وكان عنان واكثر من 20 اخرين من ضباط الجيش المصري في واشنطن في
رحلة لمحادثات كانت مخططا لها منذ وقت طويل عندما تفجرت الاضطرابات في
القاهرة ومدن اخرى. وكانوا اجتماعا للجنة التعاون العسكري وهي هيئة
مصرية امريكية يرأسها عنان ومساعد وزير الدفاع الامريكية ساندي فيرشو.
ونتيجة للوضع في مصر قطع عنان زيارته لواشنطن وعاد الى مصر.
وأضاف الهلباوي أن "تحالفا" معارضا يقوده الدبلوماسي المصري محمد
البرادعي يشعر بأن رحيل مبارك هو "السبيل الوحيد لتجنب سفك الدماء
وتجنب مزيد من الصراع."
وأضاف الهلباوي في المقابلة "لذا لابد وان ينصح (مبارك) لاسيما من
جانب الامريكيين بمغادرة البلاد او التنحي."
رغبة الأقباط وصعود الإسلاميين
من جانب آخر يعتقد رفيق وهو مسيحي مصري أن أسطورة اعتبار الرئيس
حسني مبارك هو أفضل مدافع عن المسيحيين في مواجهة المتطرفين الإسلاميين
قد تحطمت بتفجير كنيسة القديسين في الاسكندرية عشية العام الجديد.
فقد واصل هو وأقباط اخرون التظاهر إلى جانب مليون مصري على الاقل
مؤخرا قائلين ان رغبتهم في انهاء حكم مبارك المستمر منذ 30 عاما هي
الآن أكثر الحاحا من أي مخاوف من حدوث تغيير في السلطة قد يعزز قوة
الجماعات الإسلامية.
وقال طبيب الاسنان (33 عاما) وهو يقف وسط الاف من المحتجين في ميدان
التحرير بالقاهرة "بعد التفجير (في الاسكندرية) بدأ الاقباط للمرة
الاولى يتظاهرون ضد مبارك. كان يقول لنا عندما أكون في السلطة فأنتم في
أمان. لكن في الحقيقة مع وجوده في السلطة لسنا امنين."
ويقدم مبارك الذي خاضت حكومته حربا مع تمرد إسلامي عنيف في
التسعينات نفسه لحلفائه الغربيين بوصفه أكثر الرهانات أمنا في مواجهة
التطرف.
كما يسعى مبارك (82 عاما) الى تصوير نفسه في صورة المدافع عن
الاقباط في مصر الذي يصل عددهم الى نحو 10 في المئة من تعداد سكان
البلاد البالغ 80 مليون نسمة.
لكن على مدى ثمانية أيام مضت انضم المسيحيون الى المتظاهرين الذين
تدفقوا على شوارع مصر رغم تعليقات من البابا شنودة بابا الاسكندرية
وبطريرك الكنيسة المرقسية أشاد فيها بمبارك بعد بداية الاحتجاجات. بحسب
رويترز.
وقال مينا شحاته وهو قبطي من نجع حمادي التي شهدت مقتل ستة مسيحيين
مطلع عام 2010 في اطلاق نار "جئنا الى هنا لنظهر ان كل مصري يجب أن
يكون هنا ويريد أن يكون هنا. لا فرق بين المسيحيين والمسلمين."
وبين المحتجين في ميدان التحرير تكررت مشاهد صور الهلال يعانق
الصليب التي ظهرت بعد تفجير كنيسة الاسكندرية الذي قتل فيه 23 شخصا.
وقالت مريم عيسى ناصف (25 عاما) وقد تدلى صليب فضي من رقبتها "نحن
لا نريد مبارك. الناس هنا لا يريدونه. المسلمون والمسيحيون لا يريدونه."
لكن بعض الاقباط قالوا انهم يخشون من أن الجماعات الاسلامية قد تكسب
مزيدا من النفوذ بعد رحيل مبارك رغم ان خلعه يمثل أولوية.
وقال سلامة (36 عاما) الذي يعمل في مجال تكنولوجيا المعلومات "لقد
عشنا طوال حياتنا ونحن نعتقد ان حسني مبارك يحمينا كمسيحيين واذا رحل
فاننا سنتعرض للقمع."
وقالت رشا (29 عاما) التي تعمل في مجال التسويق "يساورني الخوف من
أنهم (الاخوان المسلمون) سيصلون الى السلطة ورغم ذلك أنا سعيدة للغاية
بما يحدث وسأكون سعيدة للغاية أن يرحل مبارك بأي ثمن."
وقال نجيب ساويرس رئيس مجلس ادارة شركة أوراسكوم تيليكوم لرويترز
انه يتوقع أن يكون للاخوان المسلمين نفوذ محدود نسبيا في اي نظام جديد.
وأضاف "هذه الثورة يقوم بها أساسا الشبان المصريون المتعلمون
العلمانيون."
مثقفو الخارج
الى ذلك طالب مثقفون مصريون بالخارج باسقاط نظام الرئيس حسني مبارك
"بكل رموزه وقياداته" تجاوبا مع احتجاجات مصريين تجاوز عددهم مؤخرا
مليون مواطن في القاهرة وخارجها.
وأعلن 39 مثقفا وقعوا على البيان مؤخرا انضمامهم " الكامل لثورة
شعبنا المصري" مؤيدين مطالب القوى الديمقراطية المصرية وفي مقدمتها "اسقاط
نظام حسني مبارك بكل رموزه وقياداته" وتشكيل حكومة انتقالية من قوى تثق
فيها الجماهير.
وحث الموقعون على صياغة دستور جديد "يضمن اقامة دولة مدنية واقرار
حقوق المواطنة والحريات العامة لكافة أفراد الشعب" وحل مجلسي الشعب
والشورى الحاليين واجراء انتخابات حرة تحت مراقبة القضاء المصري واتاحة
حق التصويت لملايين المصريين في الخارج.
كما دعوا الى محاكمة رجال الشرطة الذين سيثبت "تورطهم في أعمال
القمع والتعذيب واشاعة الفوضى ونهب الممتلكات وترويع الاهالي وعلى
رأسهم حبيب العادلي وزير الداخلية المقال باعتباره ولسنوات طويلة رأس
هذا النظام القمعي." بحسب رويترز.
وأدان الموقعون "الموقف المخزي للدكتور جابر عصفور لقبوله تولي
حقيبة وزارة الثقافة في نظام لفظه الشعب بكل أطيافه فيما يرفض هذا
النظام التخلي عن السلطة ويستخدم كل وسائل الترويع القذرة للتشبث بها."
ومن الموقعين على البيان الشعراء أحمد يماني وايمان مرسال وعماد
فؤاد وشريف الشافعي وعبد الوهاب داود وزهرة يسري والروائيون ياسر عبد
اللطيف ووحيد الطويلة وميرال الطحاوي وأمنية طلعت وأحمد غريب وابراهيم
فرغلي وطارق الطيب وياسر عبد الحافظ ونبيل نعوم وخالد البري.
مذيعة تمتنع عن العمل
من جهتها قالت مذيعة في التلفزيون المصري الحكومي مؤخرا انها امتنعت
عن الاستمرار في العمل قي الجهاز الذي ظلت تعمل فيه 20 عاما بعد ما
قالت أنه "افتقاد للاخلاقيات المهنية" في تغطيته للاحتجاجات الهائلة
التي دعت لرحيل الرئيس حسني مبارك.
وهونت كثير من القنوات الحكومية من شأن الاحتجاجات في أيامها الاولى
ولكنها خصصت لها تغطية على مدى 24 ساعة اعتبارا من يوم الجمعة.
وأضافت سها النقاش أنها قرأت خمس نشرت اخبارية في قناة النيل
للاخبار في 26 يناير كانون الثاني ثاني أيام الاحتجاجات ولكنها استاءت
لان شوارع القاهرة صورت على أنها هادئة بينما كانت تعج بالاف المحتجين.
وقالت لرويترز مؤخرا "قررت ألا أعود مرة أخرى.. أنا غادرت لان
التغطية افتقدت للحد الادنى للاخلاقيات المهنية."
وأضافت "خلال الاستراحة.. كنت أذهب مع الزملاء الذين كانوا يتجمعون
أمام قنوات تلفزيونية أخرى لمشاهدة ما يحدث في مظاهرات علنية مستمرة في
كل مكان في مصر."
ومنعت وزارة الاعلام قناة الجزيرة التي مقرها قطر من العمل في مصر
يوم الاحد وألغت في اليوم نفسه بث الجزيرة على القمر الصناعي المصري
نايل سات لبعض مناطق الشرق الاوسط.
وكثيرا ما ضايقت السلطات المصرية قناة الجزيرة منذ بدء عملها في عام
1996. وكانت الجزيرة قد أحدثت ثورة في وسائل الاعلام العربية في وجه
المعلومات التي تخضع لرقابة الدول. ولكن الدول لم تمنع عمليات الجزيرة
بشكل كامل قط. واحتشد أكثر من مليون شخص في مصر مؤخرا مطالبين برحيل
مبارك عن السلطة.
ماذا سيحدث
هل يستطيع مبارك أن يبقى حتى سبتمبر؟
الامر غير مرجح بدرجة كبيرة على ما يبدو. فالدعوة التي توحد حولها
جميع المصريين هي أن مبارك يجب أن يتنحى الان وأنهم لن يعودوا الى
بيوتهم قبل تحقيق هدفهم. وهتف المحتجون بعد أن تحدث مبارك مرددين "مش
هانمشي هو يمشي". ومن المحتمل أن مليونا أو نحو ذلك خرجوا الى الشارع
في مصر مؤخرا. وذلك اقبال مذهل. وقلما جذبت المظاهرات المناهضة للحكومة
أكثر من بضعة مئات قبل اندلاع هذه الاحتجاجات في 25 يناير كانون الثاني.
ولم يبد المحتجون أي علامة على استسلامهم الان بعد أن حصلوا في أسبوع
على تنازلات أكبر عما كان مبارك مستعدا لتقديمه على مدى 30 عاما.
والمحتجون لديهم أعداد تصيب الدولة بشلل وتجعل من الصعب الدفاع عن موقف
مبارك.
ولكن أحد العناصر الجديدة التي تضيف الى الفوضى كان الظهور المفاجيء
بعد ساعات من كلمة مبارك لمظاهرات صغيرة مؤيدة لمبارك سارع التلفزيون
المصري للتركيز عليها. ويشير ذلك الى أن الموالين المتشددين غير
مستعدين للتنازل بسهولة ومن المحتمل أنهم غير مستعدين للتنازل بدون
قتال.
وقد تكون الكيفية التي سيرد بها الجيش الان حاسمة. فالجيش تعهد بأنه
لن يستعمل القوة ضد المحتجين وقال انه يعترف "بمطالبهم المشروعة".
وأمام الجيش اختيارات محدودة لان الشرطة بأساليبها الفظة فقدت السيطرة
على الحشود. فاما أن يتخلى عن الرئيس وهو من أفراد الجيش أو أن يبدد
شعبيته لدى الشارع. والى الان فان الجيش يرغب على ما يبدو في ابقاء
الشارع في صفه.
- ماذا سيحدث اذا أجبر مبارك على التنحي؟
بصورة عامة هناك مساران قد يحدثان اذا أجبر مبارك على التنحي. أحد
المسارين يضع المسؤولية في يد الجيش اما من خلال تنصيب عمر سليمان الذي
عينه مبارك نائبا للرئيس في الايام القليلة الماضية أو تعيين قائد اخر
اذا ثبت أن سليمان غير مقبول. وسيتضمن المسار الثاني تباديل متنوعة
لحكومة انتقالية من المحتمل أن تتضمن تعاونا وثيقا مع الجيش في البداية
الى أن يتم ترتيب الانتخابات أو أن تتولى حكومة مدنية السلطة.
- هل يمكن للجيش أن يحتفظ بالسلطة؟
يصر القسم الرئيسي للمتظاهرين على أن سليمان الذي عين على عجل نائبا
للرئيس بمجرد أن خرجت الاحتجاجات عن السيطرة أو أي شخص اخر مقرب من
مبارك لن يكون مقبولا. وهتف المحتجون "حسني مبارك.. عمر سليمان.. كله
عميل الامريكان".
ومشهد جماعات المعارضة التي كانت تصطف تدريجيا وهي تشم رائحة النصر
أقل وضوحا. ورغم أنهم لن يرضوا عن بقاء سليمان رئيسا فان البعض يدرج
اسمه ضمن أولئك الذين قد يشكلون مجلسا للاوصياء في فترة تحول أولية
للاعداد لانتخابات حرة.
واذا لم يكن سليمان فان الجيش قد يسعى لتصعيد شخصية أخرى للرئاسة--
وكثيرا ما يبرز فجأة اسم سامي عنان رئيس أركان الجيش المصري. ولكن تلك
قد تكون حيلة صعبة التحقق اذا كان الجيش المصري يريد أن يكون في صف
الولايات المتحدة ويستمر في الحصول على مساعدات عسكرية أمريكية قدرها
1.3 مليار دولار. وبموجب أحد السيناريوهات فان مصر قد تحذو حذو السودان
في عام 1985 عندما أدى الاضطراب العام الى انقلاب وزعيم عسكري مؤقت قاد
السودان لاجراء انتخابات في العام التالي.
- واذا لم يكن الجيش فمن اذا؟
جرى اضعاف أحزاب المعارضة المصرية المسجلة أو تفتيتها أو اجبارها
على القبول بتسويات مذلة في عهد مبارك. وثبت أن جماعات الاحتجاج التي
تشكلت في السنوات القليلة الماضية أكثر مهارة بكثير واحتشدت بسرعة
بمجرد أن تراخت قبضة مبارك على ما يبدو. ومن بين الافراد ذوي التأثير
الذين ظهروا بسرعة محمد البرادعي الدبلوماسي المصري المتقاعد أو المفكر
المصري أحمد زويل وكلاهما حائز على جائزة نوبل. ولكن أساسهما السياسي
المشترك قد لا يتجاوز كثيرا هدفهما المشترك الخاص بالاطاحة بمبارك. قد
ينقسما بأسرع مما يتجمعا عندما يتعلق الامر بتفاصيل صياغة سياسة
الحكومة.
والمجموعة الوحيدة التي لديها شبكة قومية منسقة تمتد الى التنظيمات
القاعدية للمجتمع المصري هي جماعة الاخوان المسلمين. وبالرغم من
الضربات التي تلقتها من أمن الدولة طوال السنين تظل قوة صعبة. ولكن الى
أي مدى تكون صعبة فان ذلك سؤال بلا حل. ويميل محللون الى تقدير نسبة
التأييد الذي تتمتع به بين السكان بين 20 في المئة و40 في المئة. وفي
الواقع فان أحدا لا يعلم لان لانه لا توجد انتخابات حرة أو استطلاعات
للرأي يمكن التعويل عليها لاختبار هذه التقديرات.
ومع هذا تستطيع جماعة الاخوان المسلمين حشد جماهير الانصار لملء
الفراغ السياسي بينما جماعات المعارضة تكافح كي تنظم نفسها. وهذا يفترض
أن الاخوان المسلمين يريدون السلطة أو أنهم يريدونها الان. لكن الجماعة
تعلمت أن تتحلى بالصبر. وتضع نصب عينيها المسلمين الذين يشكلون أغلبية
السكان في رؤيتها للديمقراطية التعددية أو للدولة الاسلامية. انها قد
تشعر أنها ليست جاهزة بعد للحكم ولا تريد أن تقفز اليه.
وستواجه الحكومة القادمة في أعقاب احتجاجات 25 يناير كانون الثاني
بعض العقبات الهائلة وعلقت عليها توقعات كبيرة يتعين عليها تحقيقها.
واحتمال تعثرها كبير. ولا يتعين على أي حكومة جديدة أن تشعر بالقلق
بخصوص كسب ثقة قطاع الاعمال وخلق فرص عمل وحسب وانما يجب أن تحتاج الى
أن تنفذ ما يتعين عليها عمله في عملية السلام وبشأن ما يتعين عمله
بخصوص حصار فعلي على قطاع غزة جلب على حكومة مبارك عارا كبيرا بين
المصريين وفي المنطقة وهذه وظيفة قد لا ترغب جماعة الاخوان المسلمين في
تحملها الان. |