مجتمعنا المدني... نظرة من الداخل

صباح الطالقاني

 

شبكة النبأ: قد يبدو شعار التغيير غربيّاً كما هو واقع الحال أو كما أُريدَ له أن يكون لكن معطيات التاريخ الخاصة بهذا الشأن تشير إلى أن هذا الشعار إسلامياً بحتاً حيث خاطب الله تعالى المسلمين منبهاً إياهم قبل نحو 1400 عام بقوله عز وجل "إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".

ولعل معطيات الآية الأولية تنصب على شرطية تغيير المجتمع لأحواله قبل أن يشمله الله تعالى برحمته إلا أن هناك ناحية مهمة أخرى تشير إلى ضرورة امتلاك المجتمع المدني لـ "إرادة التغيير" في كل الأوقات استنادا إلى مستجدات العصر ومؤشرات الحداثة التي جعلت من العالم قرية صغيرة. تتشابك فيها مصالح الأمم وتتلاقح ثقافاتها من أجل التنمية والرفاهية.

فما هو الواقع الخاص بإرادة التغيير نحو معطيات حياة أفضل أكثر رتابة وتنظيما، والذي من المفترض أن تحركه قوى المجتمع المدني؟ وهل يوجد في مجتمعاتنا نشاط مدني قادر بالفعل على وضع الخطوط العريضة لتقويم مسار المجتمع الثقافي والاجتماعي والتنموي، بما يقنع المؤسسات الحكومية على الأخذ بآرائه واقتراحاته وما يبثه من مفاهيم؟

والسؤال الأدق هو هل إن المجتمع المدني أساساً منظَّم في بناه التحتية حتى يتحقق له شرط الإيمان بما يطرحه من إصلاحات وشعارات مختلفة؟

إن حقيقة هذه التساؤلات قاسية لما تحتويه من تعقيدات تتداخل فيها عوامل السياسة والدين والوعي الاجتماعي والموروث الحضاري والأهم من ذلك التجربة. لكننا نحاول أن نلقي نقطة ضوء على هذا الجانب الحيوي في المجتمعات الديمقراطية تاركين التفاعل معه وفتح نوافذ أكبر من قبل المتلقّين.

توصف منظمات المجتمع المدني عموما بأنها تجمعات بشرية متنوعة تتحد تحت مسميات من قبيل هيئة، جمعية، منظمة، مؤسسة، مركز، نادي، ملتقى، لها أهداف سياسية وثقافية وإعلامية واجتماعية وتنموية تحاول من خلال تطبيقها المشاركة في تثبيت ركائز الدولة وتنمية المجتمع دون تدخّل (الحكومة والمؤسسات الرسمية) وإن كان هناك تشابك بين الجهتين في الدول المتقدمة حيث تتلقى بعض جهات المجتمع المدني الدعم من أحزاب سياسية مقابل توجيه نشاطات تلك المنظمات بما يخدم جهات الدعم.

في العراق وبعد التغيير الذي طرأ على البلاد عقب العام 2003 شهدت الحريات المدنية انفتاحا غير مسبوق وتأسست اثر ذلك مئات بل آلاف المنظمات التي تعنى بالنشاط المدني، ولأجل تنظيم وجدولة هذه المنظمات استُحدثت "وزارة المجتمع المدني" التي أخذت على عاتقها تقديم التسهيلات والإجازات والاعتراف عبر "مكتب مساعدة المنظمات غير الحكومية" NGO. ورغم مرور أعوام عديدة لا تزال انجازات هذه المنظمات ضبابية لا ملمس مادي ولا أثر معنوي لما تقوم به سوى نشاطات بعض المؤسسات الدينية ذات الطابع الاجتماعي والإنساني الخيري، أما فيما يخص انجازات المنظمات التي تحمل عناوين الثقافة والحقوق والتربية والتعليم والأسرة والمِهن، فقد بقيت ضمن إطار ضيق وغير قابل للتطور أو الانتقال من مرحلة النشوء إلى الفعالية والتأثير، والأسباب متنوعة ومختلفة تتراوح ما بين:

1- ضعف الوازع الذاتي للأفراد بضرورة الالتحاق أو المشاركة بالأعمال الطوعية التي هي أساس عمل منظمات المجتمع المدني، وهذا بدوره متأتِ من أسباب عديدة أهمها حداثة هكذا نوع من التجارب الإنسانية في البلد، وتعقيد الظروف الحالية، وانصراف الناس لإصلاح أحوالهم بعد حكم دكتاتوري مقيت دام لأكثر من ثلاثة عقود.

2- قلة أو انعدام الدورات والورش التي تقيمها منظمات المجتمع المدني وكذلك التي تشارك فيها، وكما هو معلوم فإن من أهم مقومات تطوير النشاط المجتمعي هو الامتزاج وتلاقح الأفكار وتبادل الخبرات المختلفة داخليا وخارجيا.

3- افتقار هذه المنظمات لبرنامج عمل دقيق ولنظام داخلي حقيقي تتوزع فيه المهام بالتوازن، الأمر الذي يوجِد خللاً مستمرا في ميزان المسؤوليات والواجبات والأهداف...

4- التناقض بين الشعارات وبين حقيقة الوضع داخل منظمات المجتمع المدني، فأغلبها ينادي بضرورة احترام الرأي والانتخابات ومكافحة الشغف بالسلطة والتفرد في القرارات في حين ترى شبح سلبيات هذه التوصيفات يحوم حول كل مفصل من مفاصل عمل هذه المنظمات...

5- ضعف أو انعدام التنسيق ما بين هذه المنظمات وبالتالي انتفاء مبدأ التعاون والانسجام الذي من المفترض أن يكون أساس عمل المجتمع المدني. الأمر الذي يحد كثيرا من تأثير هذه الجهات على الشارع ومؤسسات الدولة.

6- استمرار شبح العنف والإرهاب الذي يقيد بطبيعة الحال أية نشاطات مجتمعية ترمي إلى تحسين حالة الشعب الإنسانية والتوعوية والثقافية والدينية.

إن إرادة التغيير إذا لم تبدأ من دواخلنا إيمانا واحتساباً فإنها لن تعدو أن تكون تحصيل قرائي حاله حال باقي العلوم، وليس منظومة سلوك وآليات عمل متوازنة تعتمد صفات العدالة والبرامج العملية القريبة من الواقع حتى يمكنها محاكاة أفراد المجتمع عن قرب وقناعة كافيين لإحداث التوعية بمختلف أنواعها.

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 1/شباط/2011 - 27/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م