لا تختلف الاجراءات الاضطرارية التي تتخذها الحكومات عادة عند
مجابهة اي ثورة شعبية! وكأن ذلك هو جزءا ثابتا من القوانين الغير مدونة
لسيرة الثورات التي تحصل فيها الاحداث بصورة فوضوية او عفوية تنتج من
انفجار شعبي غير متوقع جراء الضغط الشديد المتراكم عبر فترات زمنية
طويلة...
نظام الطاغية حسني مبارك عندما يعلن اقالة حكومته وتعيين اخرى، هو
لم يخرج عن اجراءات زملائه الطواغيت السابقون! فشاه ايران السابق فعلها
لعدة مرات وطاغية تونس بن علي ايضا قام بها وغيرهم كثيرون، وهم بعملهم
هذا يثيرون الانتباه الى غبائهم ولتوقعهم ان الجموع الثائرة هي غبية
حتى تصدق ما يقومون به!
فهذا العمل يعتبر من اصناف التغيير الفوقي الذي يكون سطحيا وغير
مؤثرا وهو مشابه لحالة الاضطرابات في الاردن فهي ليست ثورة لانها لا
تمس النظام الحاكم وكأنه مقدس ومعصوم وصاحب قدرة إلهية! بينما توجه
غضبها نحو عملاء النظام الصغار الذين مهما فعلوا فأنهم لا يخرجون عن
وصاية النظام وتعاليمه، وسوف يأتي في النهاية غيرهم لتكملة المنهاج
المرسوم سلفا!... فالطاغية أيا كان دائما يضحي بمرؤوسيه في اوقات المحن
ويحملهم نتيجة اعماله وسياساته الخاطئة وكأنه حملا وديعا لا يعلم ما
يقومون به!...
وعليه فأن الاجراء الاخير سوف لن يمر حتى على اغبى الاغبياء لان
رجالات النظام دائما هم عبيد فاقدي القيمة الادبية والاخلاقية
والانسانية سواء من طرف الاعلى منهم في السلطة او من الجماهير الثائرة!
وبالتالي هم تحت مطرقة الطرفين، وبذلك يكون حسني مبارك قد قام بأجراء
فاشل عادة ما يقوم به من يكون في وضعه!...
مهزلة الاصلاحات!:
الاصلاحات التي يتبجح بها الطاغية الوضيع حسني مبارك، هي مهزلة
المهازل بالفعل... فخلال ثلاثة عقود من الزمن لم تكن هنالك اية اصلاحات
ولو شكلية ولم يكن هنالك اي تطور وعلى كافة الاصعدة، بل العكس هو
الصحيح!... واصلاحاته الاخيرة ظهرت للجميع عندما قام نظامه بتزوير فاضح
لانتخابات مجلس الشعب في نوفمبر 2010 التي رفض حتى مراقبة السلطة
القضائية او منظمات المجتمع المدني المحلية بعد رفضه مراقبة المجتمع
الدولي بحجج واهية!...
وعليه فأن هذه الاكذوبة الجديدة لن تمر مرور الكرام دون ان تجد
الرفض المطلق من جانب القوى الثائرة التي تعرف ان المجرمين كلما اوغلوا
في دماء ضحاياهم او تورطوا في اذلالهم وتعذيبهم ازدادوا غيا وأنه من
الصعب عليهم ان يرجعوا الى رشدهم، فهم قد جبلوا على ذلك!.
ومهزلة الاصلاحات يمكن رؤيتها في حالة قطع الانترنت والتشويش على
القنوات الفضائية ومنع كافة الاتصالات بطريقة تذكرنا ما قام به نظام
صدام او نظام كوريا الشمالية من حرمان مواطنيهم حتى من الفاكس بحجة
الامن، وهي في الحقيقة لاجل مراقبة اي تحرك معادي لها!... ان تلك
الاجراءات لن تزيد الشعب الا قوة واصرار على ازالة هذا الكابوس الجاثم
على صدر مصر منذ عام 1952!.
الفوضى الطبيعية:
دائما تلازم الثورات الشعبية حالة متوقعة من الانفلات الامني التي
تؤدي الى تفجير الغضب الشعبي تجاه رموز النظام واماكنه العامة والخاصة،
ومصر لا تختلف عن غيرها في ذلك... فضرب مراكز السلطة الغاشمة هو دليل
على وعي بمدى الارهاب والاذلال الذي قامت به تلك المراكز الوحشية ضد
ابناء الشعب، وعليه فأن مراكز الاجهزة الامنية والحكومية ومقرات الحزب
الحاكم هي اهداف طبيعية مشروعة لاغبار عليها للثائرين، لانه اذا توقفت
الثورة لا سمح الله فأن تلك المراكز والمقرات سوف تقوم بواجباتها
الاجرامية كما قامت من قبل اجهزة نظام المقبور صدام عام 1991 في ابادة
مئات الالاف!...
نعم قد يستغل اصحاب السوابق الجنائية تلك الاحداث والفوضى لسرقة او
قتل ما يرغبون به ولكن لا يمكن نسيان ان ازلام النظام يقومون بذلك
العمل المشين كجزء من سياسة الدولة في تشويه الثورة في عيون المترددين
من المشاركة فيها! وايضا في القتل والسرقة فهم في النهاية مجرمون ولكن
يعملون بستار قانوني زائف!وهم يضربون بذلك عصفورين بحجر واحد!.
لكن تبقى الممتلكات العامة التي لا تتعلق بالنظام بل هي ملك للشعب
من قبيل مراكز الخدمات والمدارس والمتاحف وغيرها، فالواجب على الجميع
ان يحافظوا عليها وبخاصة من انتقام ازلام النظام!.
الرعب المشترك!:
لا يمكن الوقوف الا عند محنة الادارة الامريكية وحلفائها من هذه
الثورة الشعبية المباركة... فهي من ناحية تدعم النظام الاستبدادي
العميل لها كونه يتوافق مع مصالحها وهي تعلم درجة فساده وارهابه التي
تخالف ابسط مبادئ حقوق الانسان التي يتشدقون بها! لكونه مواليا لها
ويعمل لصالحها كأي مرتزق رخيص!... ومن ناحية اخرى فهم يتوقعون ان نهاية
النظام المصري الاستبدادي هي كالنهاية الحتمية لبقية الانظمة وعلى مدار
التاريخ، وبالتالي عليهم فعل المستحيل حتى لا تنقطع الاواصر مع بقية
فئات الشعب الاخرى وكي لا تمهد الاحداث لولادة نظام معاد قد يكون من
اولوياته هي فتح الحصار الاجرامي الجائر على قطاع غزة!... ولذلك نرى
مقدار الورطة الامريكية التي كانوا يحاولون تجنبها من خلال حث نظام
حسني على قبول الاصلاحيات الحقيقية بدلا من البقاء على حالة الاستهانة
بقدرات ومشاعر واحاسيس ذلك الشعب المقهور!... ومن هنا فأن الواجب عدم
التطرف بصورة ارتجالية في معاداة الخارج حتى لا تكون هنالك ادنى حجج
لهم في معاداة ومحاربة الثورة المصرية ونظامها الديمقراطي الحر الجديد.
التأثير المتوقع من نجاح الثورة المصرية سوف يكون مرعبا لاعداء
الديمقراطية والحرية، وسوف يكون انتشارها مذهلا بسبب الموقع الجغرافي
الفريد وكذلك التاثير المتبادل من مبادئ الثورة وروحها المتوهجة...
وعليه فأن آثار تأثير الثورة المصرية سوف تتجاوز الحالة الاقليمية الى
اكبر من ذلك، ومن يدري فقد تصنف ضمن الثورات الكبرى في التاريخ المعاصر
والتي لها تاثيرات زمنية طويلة على الاحداث العالمية والشعوب الاخرى،
اي انها ممكن ان تصبح الثورة الخامسة ذات الصبغة العالمية!...
فهنيئا للشعب المصري على ثورته التي سحقت ليس فقط النظام الارهابي
المرتزق بل وايضا وعاظ السلاطين ومثقفي السلطة واشباه المثقفين وادعياء
الثقافة الذين لفهم الخزي والعار سواء من جراء وقوفهم المخزي مع النظام
او الوقوف على الحياد تجاه تلك الثورة التي لا يمكن الاستهانة بمبدأ
الوقوف مع الحق اينما كان!.
المشاركة في الثورة المصرية هي فخر واعتزاز للجميع وهي بمثابة مطهر
للنفوس من المواقف المخزية السابقة!. |