
شبكة النبأ: كان لانهيار حكومة
الحريري الموالية للولايات المتحدة امام ضغوط المعارضة اللبنانية
تداعيات كبيرة على الدولة اللبنانية بحد ذاتها، خصوصا ان الحكومة
المقالة تتهم حزب الله والاحزاب المنضوية معه بتشكيل حكومة موالية
لإيران وسوريا بشكل صريح.
فيما لم تخفي واشنطن امتعاضها من الاحداث الاخيرة التي شهدتها
بيروت، وخسارة حلفائها للسلطة بهذا الشكل السريع، مما اعتبرته خسارة
لدولة كانت حتى ايام قليلة مضمونة الولاء والتبعية.
بعيدا عن الغرب
فقد تحول ميزان القوى في لبنان نحو سوريا وايران حين تم اختيار نجيب
ميقاتي السياسي المدعوم من حزب الله رئيسا للوزراء مما أطاح بالكتلة
المتحالفة مع الغرب التي رأست الحكومة لنحو ست سنوات.
ونظم السنة الموالون لرئيس الوزراء المنتهية ولايته سعد الحريري "يوم
الغضب" وأحرقوا اطارات وأغلقوا طرقا احتجاجا على اختيار الملياردير
السني ميقاتي - وهو نائب وسطي له صلات بالسعودية وسوريا - لتشكيل
الحكومة.
وقال ميقاتي بعد ترشيحه ان يده ممدودة "للمشاركة في تحمل المسؤولية
الوطنية ووضع حد للانقسامات" من خلال الحوار.
وانسحب حزب الله وحلفاؤه من حكومة الوحدة الوطنية في 12 يناير كانون
الثاني مما أدى الى انهيارها بعد أن فشلت جهود السعودية وسوريا لتضييق
هوة الخلاف بشأن المحكمة المدعومة من الامم المتحدة والتي أنشئت
لمحاكمة قتلة رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري والد سعد.
وكان الغضب في لبنان بشأن اغتيال الحريري عام 2005 الى جانب الضغوط
الامريكية والفرنسية والسعودية قد أجبرت سوريا على سحب قواتها من لبنان
وتخفيف هيمنتها على جارتها.
وبعد ذلك بنحو ست سنوات استعاد حلفاء سوريا يتقدمهم حزب الله
الموالي لايران زمام المبادرة من خصومهم الموالين للغرب.
وتمكنوا من فعل هذا بطريقة قانونية ودستورية بعدما فازوا بدعم 68 من
أعضاء البرلمان البالغ عددهم اجمالا 128 لمرشحهم ميقاتي بعدما غير
الزعيم الدرزي وليد جنبلاط انتماءه بعد أن كان حليفا للحريري.
لكن في السياسة اللبنانية الوعرة ربما تكون الحسابات البرلمانية أقل
أهمية من تأمين توافق طائفي. بحسب رويترز.
وقال هلال خشان استاذ العلوم السياسية بالجامعة الامريكية في بيروت
"اذا لم تقبل معظم الطائفة السنية تكليف ميقاتي فستكون لدينا مشكلة."
وأضاف "اذا كانوا غير راضين .. فسينتهك هذا روح الدستور" مشيرا الى
أن ميقاتي يخاطر "بالانتحار السياسي" اذا حاول تشكيل حكومة في تحد
لانصار الحريري الذين يعتبرون ميقاتي أداة "انقلاب" لحزب الله على
الحريري.
وقال الحريري ان كتلته لن تنضم الى حكومة يقودها ميقاتي ودعا أنصاره
أيضا الى تجنب العنف وحثهم على الا يسمحوا للغضب "بأن يقودنا الى ما
يخالف ايماننا بأن الديمقراطية هي ملجأنا".
وقال حسن نصر الله زعيم حزب الله ان الحزب سيدعم حكومة شراكة وطنية
يشكلها ميقاتي.
والاولوية بالنسبة له هي أن يرفض لبنان الاعتراف بالمحكمة الدولية
التي سلمت لائحة اتهام لاتزال سرية يتوقع على نطاق واسع أن تشير الى
تورط أعضاء بحزب الله في اغتيال الحريري وهو ما ينفيه الحزب.
وفي اطار الاتفاق السوري السعودي الذي فشل من المعتقد أن سعد
الحريري وافق بشروط على قطع العلاقات مع المحكمة التي تتلقى 49 في
المئة من تمويلها من لبنان. وفي الوقت الحالي يتولى حزب الله وحلفاؤه
القيادة.
وسعى حزب الله جاهدا لتعزيز وضعه السياسي في لبنان منذ خاض حربا ضد
اسرائيل عام 2006 .
واستغل الاحتجاجات الشعبية او استقالة الوزراء لاصابة الحكومات
المدعومة من الغرب بالشلل واستعرض قوته العسكرية بسيطرته على بيروت
بالقوة في مايو ايار 2008 لفترة وجيزة.
وبعد تلك المواجهة حصلت المعارضة على سلطة نقض قرارات الحكومة بموجب
اتفاق تم بوساطة قطرية رغم احتفاظ كتلة الحريري بأغلبيتها البرلمانية
في انتخابات 2009 قبل أن تتبدد في الوقت الحالي.
واعتبر بعض الساسة اللبنانيين والاسرائيليين ترشيح ميقاتي قدوما
للحكم "الايراني" الى لبنان لكن من غير المرجح أن يصبح رجل الاعمال
خريج جامعة هارفارد أداة في يد طهران.
ولم تدل السعودية أحد الداعمين الرئيسيين للحريري من الخارج والخصم
الاقليمي لايران بأي تصريحات مناهضة لميقاتي مما يشير الى أنه في وضع
محايد بالنسبة للرياض.
وربما يكون ميقاتي شديد الحذر بحيث لن يجازف باثارة استياء السعودية.
وقال كريم مقدسي استاذ العلاقات الدولية بالجامعة الامريكية في بيروت "هو
يريد السلطة لكنه لن يضحي بمصالحه التجارية من أجل هذا."
ويدعم محمد الصفدي وهو رجل أعمال سني ثري له صلات وثيقة بالرياض
ونائب في البرلمان ميقاتي.
ويقول محللون لبنانيون ان قوى أخرى مهتمة مثل فرنسا وقطر وتركيا
تؤيد رئاسة ميقاتي للحكومة.
وكانت الولايات المتحدة قد قالت ان حصول حزب الله - الذي تعتبره
منظمة ارهابية - على دور كبير في الحكومة سيعقد علاقاتها بلبنان ويؤثر
على المساعدات الامريكية.
غير أنه لم يتضح بعد كيف يمكن أن تؤثر واشنطن التي تدعم المحكمة
بشدة على الاحداث في لبنان بشكل جازم.
وقال مقدسي "ليست المسألة أن حزب الله او المعارضة او السوريين
فعلوا شيئا مبتكرا على المستوى الاستراتيجي لتصبح لهم اليد العليا.
"المسألة في أغلبها هي أن فريق 14 اذار (بقيادة الحريري) وأنصارهم
في الغرب خاصة الولايات المتحدة وبدرجة ما السعودية سجلوا هدفا في
مرماهم. يبدو دائما أنهم يلعبون بالاوراق غير المناسبة في الوقت غير
المناسب."
السفير الامريكي لسوريا
من جانب آخر استأنفت الولايات المتحدة العلاقات الدبلوماسية كاملة
مع سوريا في وقت تتصاعد فيه حدة التوتر بشأن لبنان بعد أن أصبح لحزب
الله حليف دمشق اليد العليا هناك في ظل أزمة سياسية.
وقال بيان رسمي سوري ان السفير الامريكي روبرت فورد قدم أوراق
اعتماده للرئيس السوري بشار الاسد بعد ست سنوات من سحب واشنطن سفيرها
من دمشق عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري.
وتمنى الاسد لفورد النجاح في مهمته في حين عبر فورد عن أمله في تحسن
العلاقات الامريكية السورية التي تم تخفيض مستواها عام 2005 لاشتباه
الولايات المتحدة في ضلوع سوريا في اغتيال الحريري وهي ما نفته دمشق.
لكن المجاملات الدبلوماسية تخفي وراءها خلافات بشأن لبنان حيث يحاول
رجل الاعمال نجيب ميقاتي تشكيل حكومة جديدة بدعم من حزب الله.
يأتي ذلك في أعقاب الازمة التي تفجرت بين حزب الله وسعد الحريري
رئيس الوزراء السابق المدعوم من الولايات المتحدة والسعودية ونجل رفيق
الحريري الذي كانت له صلات قوية بالغرب.
وقال دبلوماسي ان عضو مجلس الشيوخ الامريكي جون كيري ألغى زيارة
لدمشق كانت مقررة الاسبوع الجاري في مؤشر على التوتر بشأن لبنان.
واستغل الرئيس الامريكي باراك اوباما عطلة بالكونجرس ليتجاوز معارضة
الجمهوريين ويعين فورد سفيرا لدى دمشق.
وقال دبلوماسي اخر "اوباما حاد عن الطريق بايفاده فورد. هو يتوقع
شيئا ما في المقابل. لبنان منطقة واضحة لكن السوريين يدركون أن
الولايات المتحدة ليس لديها الكثير الذي يمكن أن تستخدمه للضغط عليهم."
وفرضت واشنطن عقوبات على سوريا في عام 2004 لدعمها حزب الله وجماعات
متشددة اخرى لكن الدبلوماسي قال انه ربما ليس بيدها الكثير من الوسائل
الاخرى للضغط على دمشق. واضاف "سوريا واقعة بالفعل تحت العقوبات
الامريكية. أعتقد أن الامريكيين يفكرون الان بشأن ما يمكن فعله."
وقال دبلوماسيون ان واشنطن سعت كذلك لاضعاف التحالف بين دمشق وايران.
ولا تزال تدفع باتجاه استئناف محادثات السلام بين سوريا واسرائيل
واشاروا الى أن فريدريك هوف وهو مسؤول خبير بما يسمي بالمسار السوري
الاسرائيلي زار دمشق الشهر الجاري.
وقال المعلق السياسي السوري أيمن عبد النور ان دمشق لم تكن لترفض
الحل الوسط لو أنها شعرت ان الولايات المتحدة تقلل دعمها من اجل محكمة
دولية في قضية اغتيال الحريري التي تراها دمشق أداة في أيدي خصومها.
وكان تحقيق دولي قد ورط مسؤولين امنيين سوريين في الاغتيال. وتنفي
دمشق ضلوعها في حادث الاغتيال.
وقال عبد النور ان الولايات المتحدة تبقي على المحكمة الدولية ورقة
في يدها لكن سوريا اقوى على الارض في لبنان. واستبعد امكانية استئناف
الولايات المتحدة لسياسة عزل سوريا دوليا لان دمشق بنت علاقات قوية مع
بلدان أخرى مثل جارتها الشمالية تركيا.
وأضاف أن انقره لم تكن حريصة على استبعاد سعد الحريري من السلطة لكن
تركيا لديها من المصالح مع سوريا ما يكفي للحفاظ على دمشق كحليف.
حكومة جديدة وسط الانقسام الحاد
من جهته يستعد رئيس الحكومة اللبناني المكلف نجيب ميقاتي لتشكيل
حكومة جديدة، وسط تساؤلات عن شكلها وبرنامج عملها، خصوصا ما يتعلق
بالموقف من المحكمة الدولية المكلفة النظر في اغتيال رفيق الحريري التي
اطاح الخلاف حولها بحكومة سعد الحريري.
في المقابل، حددت قوى 14 آذار بزعامة سعد الحريري التي يرجح
انتقالها الى المعارضة، عنوان تحركها للمرحلة المقبلة بتنظيم تحركات
شعبية دعما للمحكمة ورفضا لسلاح حزب الله.
وقام ميقاتي اليوم بزيارات بروتوكولية الى رؤساء الوزراء السابقين،
وبينهم رئيس حكومة تصريف الاعمال سعد الحريري، على ان يجري يومي الخميس
والجمعة مشاورات مع الكتل النيابية ورئيس الجمهورية ميشال سليمان
تتناول صيغة الحكومة العتيدة.
وفاز ميقاتي بالتكليف بعد حصوله على تاييد 68 نائبا من 128، بينهم
نواب حزب الله، خلال الاستشارات التي قام بها سليمان، فيما حصل الحريري
على تأييد 60 نائبا.
ودعا ميقاتي الحريري الذي سبق ان اعلن رفضه المشاركة في الحكومة،
الى "اعادة النظر في موقفه". بحسب فرانس برس.
واوضح ميقاتي "ساحاول قدر المستطاع ان اقنعهم بالانضمام الى الحكومة
(...) واذا رفضوا المشاركة، سابحث في تشكيل حكومة تكنوقراط".
وقال النائب سيمون ابي رميا المنتمي الى التيار الوطني الحر
المتحالف مع حزب الله لوكالة فرانس برس ان "القناعات التي كنا على
اساسها نطالب بحكومة اتحاد وطني وبمشاركة الجميع، لا تزال هي نفسها".
واضاف "يدنا ممدودة ونحن نترقب موقف الرئيس الحريري".
الا ان مصطفى علوش، عضو المكتب السياسي في تيار "المستقبل" الذي
يقوده الحريري، اكد لفرانس برس ان "حكومة ميقاتي هي حكومة حزب الله،
وستكون موجودة بشروط حزب الله، لذا لا يمكن لقوى 14 آذار ان تكون
مشاركة فيها".
واثار تكليف ميقاتي غضب مؤيدي الحريري، بعدما اعتبروا ان ميقاتي تم
"فرضه" من قبل حزب الله.
ونفذ هؤلاء "يوم غضب" الثلاثاء تخلله قطع طرق واعمال شغب، في طرابلس
في الشمال، ذات الغالبية السنية، التي يتحدر منها ميقاتي، وبيروت
والبقاع والجنوب. ونصحت السعودية الاربعاء مواطنيها بعدم السفر الى
لبنان حتى "عودة الهدوء والاستقرار".
واعلنت قوى 14 آذار "انطلاق مرحلة بعنوانين رئيسيين: دعم المحكمة
الدولية احقاقا للحق وللعدالة، ونزع السلاح من طول البلاد وعرضها".
وقال الامين العام لقوى 14 آذار فارس سعيد في مؤتمر صحافي ان تجمعات
شعبية ستقام الساعة السادسة مساء (16,00 ت غ) من كل يوم في ساحة
الشهداء وسط بيروت، لمواكبة هذين المطلبين.
واوضح علوش ان "العمل الاحتجاجي لقوى 14 آذار مستمر ولكن اشكاله
ستختلف، وستكون هناك تحركات سلمية على مدى الايام المقبلة وخصوصا في
وسط بيروت وطرابلس".
واضاف "الهدف هو التاكيد على رفض الواقع الذي يحاول ان يفرضه حزب
الله بانه هو من يعين رئيس الوزراء وهو من يقيل رؤساء الوزراء".
وبدت الصحف اللبنانية اليوم منقسمة حيال تكليف ميقاتي تشكيل الحكومة
واعمال الشغب التي رافقت ذلك.
وكتبت "السفير" القريبة من قوى 8 آذار (حزب الله وحلفائه) ان "دخان
الاطارات المشتعلة وحاويات النفايات لم يحجب حقيقة ان لبنان دخل في
مرحلة سياسية جديدة، وان الحجارة والعصي التي جرى استخدامها (...) لم
تنجح في كسر صورة الرئيس ميقاتي".
وكتبت "الاخبار" القريبة من حزب الله "لم يحجب دخان احراق الاطارات
حقيقة انتقال الاغلبية النيابية من ضفة الى اخرى".
وعنونة صحيفة "المستقبل" التابعة للحريري من جهتها على صفحتها
الاولى "حكومة حزب الله تتطلع الى ولادة قريبة".
وتأتي عملية تشكيل حكومة جديدة في لبنان بعد سقوط حكومة الوحدة
الوطنية برئاسة سعد الحريري في 12 كانون الثاني/يناير نتيجة استقالة
احد عشر وزيرا بينهم عشرة يمثلون حزب الله وحلفاءه.
وتفاقمت الازمة التي بدأت في الصيف الماضي بسبب الخلاف على المحكمة
الخاصة بلبنان التي يتوقع ان توجه الاتهام في جريمة اغتيال رئيس
الوزراء السابق رفيق الحريري الى حزب الله.
ويطالب الحزب بالغاء بروتوكول التعاون مع المحكمة، وسحب القضاة
اللبنانيين منها ووقف تمويلها.
واعتبرت صحيفة "النهار" القريبة من الحريري ان امام ميقاتي "تحديا
كبيرا هو الخروج بحكومة تثبت انها خارج الضغط الكبير الذي مارسه حزب
الله لتوفير الاكثرية الجديدة له على قاعدة قطع التزامات لبنان
للمحكمة".
وقال ابي رميا ان "موضوع المحكمة لم يبحث بعد، لكن المعارضة السابقة
كانت واضحة في خياراتها".
السعودية تنصح مواطنيها
من جهتها قالت السعودية انها نصحت مواطنيها بعدم السفر الى لبنان
بعد أعمال العنف التي أعقبت ترشيح نجيب ميقاتي.
وأحرق مئات المحتجين الغاضبين اطارات وأغلقوا طرقا في أنحاء مختلفة
من لبنان بعد اعلان ترشيح ميقاتي للمنصب.
ونظم موالون لرئيس الوزراء المنتهية ولايته سعد الحريري الذي يدعمه
الغرب والسعودية ما وصفوه بأنه "يوم الغضب" للاحتجاج على تعيين
الملياردير السني ميقاتي الذي تربطه علاقات مع كل من السعودية وسوريا.
بحسب رويترز.
وذكر بيان صادر عن وزارة الخارجية السعودية ونقلته وكالة الانباء
الرسمية في المملكة ان السعودية تنصح مواطنيها بعدم السفر الى لبنان
لحين استقرار الاوضاع. |