شبكة النبأ: على الرغم من ضخامة
الاحتجاجات التي شهدتها مصر خلال الايام الخمس الماضية، وتهاوي اجهزة
الامن القمعية في معظم المدن والعاصمة المصرية، الا ان مبارك لا يزال
مصرا على التشبث بالحكم الى اقصى فترة ممكنه كما يبدو.
فالرئيس المصرب الذي اقال مؤخرا حكومته، وبعض اركان حزبه المهيمن
على الحياة السياسية، ابقى نفسه على راس السلطة كانه اصيب بالصمم تجاه
صيحات المنتفضين على حكمه.
وغير مبال بما تشهده دولته من اعمال فوضى وانهيار غير مسبوق، كان
لسان حاله يقول انا فقط وليذهب البلد ومن فيها الى الجحيم.
الفوضى في الشوارع
فقد امتلأت شوارع العاصمة المصرية القاهرة في ساعة مبكرة من صباح
الاحد بالمتاجر المنهوبة والسيارات المحروقة ورائحة الاطارات المشتعلة
في الوقت الذي سعى فيه الرئيس حسني مبارك لمساومة الحشود الغاضبة
وناضلت فيه قوات الجيش لاحتواء اللصوص.
ويضع المصريون ثقتهم في الجيش املا في اعادة القوات النظام للشوارع
التي سيطرت عليها العصابات لكنه لن يفتح النار على المتظاهرين لإبقاء
مبارك في السلطة.
وخلال خمسة ايام من الاحتجاجات غير المسبوقة والتي هزت مصر وقتل
فيها اكثر من 100 شخص وتملك الخوف المستثمرين والسائحين عرض مبارك اول
ملمح من خطة للتقاعد ووقع 80 مليون مصري بين الامل في اصلاحات
ديمقراطية والخوف من الفوضى.
وتراجع الولايات المتحدة والقوى الاوروبية سياساتها في الشرق الاوسط
وهي التي ايدت مبارك طوال 30 سنة تغاضت خلالها عن وحشية الشرطة والفساد
مقابل توفير حصن منيع ضد الشيوعية اولا ثم التشدد الاسلامي الان.
واكبر خوف مباشر كان من النهب في الوقت الذي انهار فيه النظام العام
كله. واقتحم غوغاء المتاجر والبنوك ومتاجر الذهب والمباني الحكومية.
والحق لصوص اضرارا باثنتين من المومياوات في المتحف المصري.
وخلال الليل خرج المواطنون الى الشوارع مسلحين بالهراوات والسلاسل
والسكاكين لحراسة مناطقهم من اللصوص. وبحلول الصباح كانت الشوارع خالية
الى حد بعيد بينما انتشرت الدبابات والمركبات المدرعة عند البنوك
والمباني الكبرى.
واختفت الشرطة التي اشتبكت مع المتظاهرين لأيام من الشوارع وحلت
محلها قوات الجيش التي يلتف حولها المواطنون حتى الان.
وقالت قناة العربية التلفزيونية ان الجيش المصري يتولى الان حراسة
وزارة الداخلية في وسط القاهرة. وكان محتجون حاولوا الهجوم على مبنى
الوزارة.
وفي مشاهد سريالية وقف جنود من جيش مبارك بجانب دبابات كتب عليها
عبارات "يسقط مبارك. يسقط المستبد. يسقط الخائن. الفرعون يخرج من مصر.
كفاية."
وسئل احد الجنود كيف تسمح قوات الجيش للمحتجين بكتابة شعارات مناهضة
لمبارك على مركباتهم فقال "هذه عبارات كتبها الشعب ... انها اراء الشعب."
وعبر السكان عن املهم في ان تستعيد قوات الجيش النظام.
وقال صلاح خليفة وهو موظف بشركة للسكر "الناس خائفة من هؤلاء
الخارجين على القانون في الشوارع الذين ينهبون ويهاجمون ويدمرون."
ورضخ مبارك (82 عاما) للمحتجين وعين نائبا للرئيس لاول مرة وهو عمر
سليمان الذي كان حتى الان مدير مخابراته كخليفة له في نهاية الامر
لفترة انتقالية على الاقل. ويرى كثيرون ذلك بانه نهاية لطموحات نجله
جمال لتولي السلطة. ويقول مصريون ان التغييرات ستظل بلا معنى الى ان
يرحل مبارك.
وقال خليفة "جميع هذه التغييرات التي اجراها ما هي الا مسكنات.
الناس لا يريدون مبارك بعد الان. الناس تريد التغيير... هو لا يريد ان
يرحل. هو سفاح."
وفي تطور منفصل قررت مصر ايقاف نشاط قناة الجزيرة الفضائية في
البلاد بدءا من اليوم.
وقالت وكالة انباء الشرق الاوسط المصرية ان وزير الاعلام المصري انس
الفقى اصدر قرارا "بان تقوم هيئة الاستعلامات باغلاق وايقاف نشاط قناة
الجزيرة بجمهورية مصر العربية والغاء كافة التراخيص وسحب البطاقات
الممنوحة لجميع العاملين بها اعتبارا من اليوم."
وفي واشنطن قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية بي. جيه.
كراولي انه لا يمكن للحكومة المصرية الاكتفاء "باعادة ترتيب الاوراق."
بحسب رويترز.
ومنذ ان اطاح المحتجون بالرئيس التونسي زين العابدين بن علي قبل
اسبوعين انتشرت المظاهرات في شتى انحاء شمال افريقيا والشرق الاوسط في
موجة غير مسبوقة من الغضب ضد الزعماء المستبدين وكثيرون منهم راسخون
منذ عشرات السنين ويحظون بدعم امريكي.
وقال فواز جرجس من كلية لندن للاقتصاد "العالم العربي يعيش لحظات
مماثلة لما شهدته برلين." واضاف "الجدار الاستبدادي انهار وهذا بغض
النظر عما اذا كان مبارك سيبقى."
ومثل تونس يطالب الشبان المصريون ومعظمهم عاطلون ومحبطون بسبب الظلم
على يد نخبة فاسدة وجشعة باستبعاد كامل للحرس القديم وليس مجرد تعديل
حكومي.
وكان يوم السبت اكثر ايام الانتفاضة الخمسة دموية. فقد قتلت الشرطة
17 شخصا في محافظة بني سويف جنوبي القاهرة. وتشير تقديرات عديدة الى ان
عدد القتلى بلغ 100.
وعلى كورنيش النيل بالقاهرة بقي الناس في الخارج بعد بدء سريان حظر
التجول ووقفوا الى جوار الدبابات يتبادلون الحديث مع الجنود الذين لم
يتخذوا اي اجراء لتفريقهم.
واقتربت مجموعة من 50 شخصا ترفع لافتة كتب عليها "الجيش والشعب معا"
من حاجز للجيش. ورفع الجنود حاجزا وسمحوا للمتظاهرين بالمرور. وقال
ضابط بالجيش "هناك حظر تجول. لكن الجيش لن يطلق النار على أي شخص."
وقالت روزماري أوليس من جامعة سيتي يونيفرستي في لندن ان على الجيش
ان يقرر اذا ما كان في صف مبارك او في صف الشعب "انها واحدة من تلك
اللحظات مثلها مثل سقوط الشيوعية في اوروبا الشرقية قد يرجع الامر
لضباط صغار وجنود لتقرير ما اذا كانوا سيطلقون النار على الحشود ام لا."
وكما هو حال باقي الزعماء العرب يصور مبارك نفسه على انه حصن ضد
اعداء الغرب من الاسلاميين. لكن جماعة الاخوان المسلمين المحظورة لم
تكن سوى عنصر واحد في الاحداث الاخيرة. وتقول الجماعة انها معتدلة.
وقال كمال الهلباوي عضو الاخوان من منفاه في لندن ان حقبة جديدة من
الحرية والديمقراطية تشرق في الشرق الاوسط. واضاف انه لن يكون بمقدور
الاسلاميين وحدهم حكم مصر. وتابع انه يتعين عليهم التعاون وانهم
سيفعلون ذلك. ويوم الاحد هو يوم عمل عادي في مصر لكن البنك المركزي امر
باغلاق البنوك. كما تغلق البورصة المصرية التي هبطت بنسبة 16 في المئة
خلال يومين.
أعمال الحرق والنهب والقتل
كما قال شهود عيان ان أعمال الحرق والنهب والقتل تفشت في محافظات
مصر في اليوم الخامس لاحتجاجات الغضب.
ولاحظ مراقبون أن أعمال الحرق والنهب استهدفت مؤسسات اشتكى مصريون
لسنوات من أنهم ظلموا فيها ومن بينها أقسام ومراكز الشرطة ومقار مباحث
أمن الدولة ومقار الحزب الحاكم والمجالس الشعبية المحلية (برلمانات
القرى والمدن والمحافظات) والمحاكم ومقار تحصيل الضرائب ومكاتب تحرير
فواتير المياه. بحسب رويترز.
وقال شهود ان محتجين أحرقوا يوم السبت مركز الشرطة ومقر مباحث أمن
الدولة ومجلس المدينة واستراحة رئيس مجلس المدينة بمدينة رشيد احدى مدن
محافظة البحيرة في دلتا النيل.
وقالوا ان المحتجين استولوا على أسلحة وذخائر قسم الشرطة ومقر مباحث
أمن الدولة. وقال شاهد ان خارجين على القانون اختلطوا بالمحتجين.
وفي محافظة بني سويف أشعل محتجون النار في مجلس مدينة ناصر. مقتل 17
خلال محاولتين لاقتحام قسمي شرطة مصريين وقال شهود عيان ان 17 محتجا
قتلوا وأصيب عشرات اخرون برصاص الشرطة خلال محاولتين لاقتحام قسمي شرطة
في مدينتي ببا وناصر بالمحافظة. وتبدو عمليات الحرق والنهب والقتل
منظمة.
وقال شهود ان محتجين أشعلوا النار في قسم شرطة أول أسيوط بمدبنة
أسيوط في جنوب مصر. وقال شاهد ان المحتجين ألقوا زجاجات حارقة على قسم
الشرطة وان الشرطة ردت بضربهم بقنابل الغاز المسيل للدموع. وقال شاهد
اخر ان محتجين قاموا بتخريب ونهب مقر حي شرق أسيوط.
وتحدث أعمال الحرق والنهب والقتل في غياب تام تقريبا لقوات الامن
التي صار باديا أنها تبخرت بعد ثلاثة أيام من الاشتباكات العنيفة مع
المحتجين في القاهرة ومحافظات شمال البلاد.
وأشعل محتجون النار يوم السبت في مقر الحزب الوطني والمجلس المحلي
ومجلس المدينة في مدينة سفاجا في محافظة البحر الاحمر بحسب شهود.
وفي محافظة القليوبية شمالي القاهرة أشعل محتجون النار في مركز
الشرطة بمدينة طوخ واعتدوا على رجال الشرطة في المركز بحسب الشهود.
وقال شاهد ان المحتجين أشعلوا النار في مقر اقامة المحافظ بمدينة
بنها عاصمة المحافظة ونهبوه.
وفي مدينة الاقصر السياحية اقتحم محتجون استراحة الضباط بالمدينة
وحطموا أثاثها بعد هروب قاطنيها.
وفي محافظ الدقهلية بدلتا النيل أحرق محتجون مقر الحزب الوطني في
مدينة شربين بالكامل. وقال شاهد "المقر تفحم."
وفي محافظة الغربية أحرق محتجون مركز شرطة المحلة الكبرى ومقر مباحث
أمن الدولة في مدينة المحلة الكبرى.
وقال شاهد ان بعض الجنود هربوا بأسلحتهم من معسكر الامن المركزي في
مدينة المحلة الكبرى التي قتل شخصان فيها خلال مصادمات مع الشرطة.
وأشعل محتجون النار في المحكمة الابتدائية في مدينة كفر الشيخ بدلتا
النيل. ومنذ يومين تشتعل النار في مجمع محاكم الجلاء بوسط القاهرة.
لجان اهلية
من جانب آخر شكل مصريون مسلحون بالعصي والشفرات لجان أمن اهلية
للدفاع عن بيوتهم من عصابات النهب بعد ان اختفت الشرطة من الشوارع في
اعقاب ايام من الاحتجاجات العنيفة.
وتركت الشرطة البنوك والتقاطعات والبنايات المهمة التي كانت تحرسها
بلا حراسة يوم السبت فتقدم المدنيون بسرعة لملء الفراغ.
وقالت غدير (23 عاما) التي تعيش في منطقة راقية "لا وجود للشرطة في
اي مكان... حارسو العقارات وشبان الاحياء يقفون بالخارج حاملين العصي
والشفرات واسلحة اخرى لمنع الناس من الدخول هنا." واضافت ان أبناء الحي
يتعاونون من أجل وقف اعمال النهب وحماية انفسهم.
وانسحبت الشرطة من الشوارع عندما انتشرت قوات الجيش لتولي المسؤولية
عن حفظ الامن. ورأى شهود عيان منذ ذلك الوقت عصابات تقتحم المحال
والمراكز التجارية والبنوك وممتلكات خاصة ومباني حكومية بالقاهرة
ومناطق اخرى.
ودعا المصريون الجيش الى التدخل لاقرار الامن والنظام. وهتف كثير من
المحتجين يوم الاحد منادين بوقف اعمال النهب والتخريب.
وطلت عشرات المحال التجارية في انحاء مصر نوافذ العرض باللون الابيض
لاخفاء محتوياتها ولاثناء اللصوص. وقال شهود عيان ان ماكينة صراف آلي
كسرت وسرقت محتوياتها في أحد الاحياء الراقية. وقالت ايناس شفيق (35
عاما) "انهم يتركون مصر تحرق تماما."
واضرمت النيران في عدد من المباني الحكومية خلال أيام الاحتجاجات.
وتركت هذه المباني في كثير من الحالات تحترق دون تدخل من السلطات
لاطفائها.
وقال التلفزيون المصري ان الجيش ينشر مزيدا من التعزيزات لقواته في
مناطق في شتى انحاء البلاد لحماية الممتلكات العامة والخاصة.
واعتقلت الشرطة 470 شخصا في شتى انحاء العاصمة المصرية بتهمة النهب
واشعال الحرائق واتلاف الممتلكات العامة. واعتقل الجيش ايضا مشتبها بهم
وقام التلفزيون الرسمي بعرضهم مساء السبت.
ودعا كبار رجال الدين الناس الى الانضمام الى لجان الامن الاهلية
لحماية منازلهم بأنفسهم. لكن مشاهد النهب انتشرت على ما يبدو من
الاحياء الراقية في القاهرة الى مناطق وسط المدينة والمناطق الافقر
كذلك.
وقال صالح سالم الذي يملك محلا تجاريا في وسط القاهرة "احنا اتخربت
بيوتنا. البلطجية في كل مكان ينهبون متاجرنا... ما دامت الحكومة لا
تحمينا فقد ارسلنا اولادنا ليقفوا كدروع بشرية أمام المجرمين."
وتزايدت الشائعات بعد ان وردت انباء عن فرار مسجونين مدانين
وانتشارهم في الشوارع. وذكر التلفزيون المصري ان 60 حالة اغتصاب على
الاقل وقعت خلال الاضطرابات. كما ذكر ان مستشفى سرطان الاطفال بحي
السيدة زينب تعرض للاقتحام.
وذكرت مصادر ان نحو 700 سجين فروا من سجن بالفيوم الواقعة جنوبي
القاهرة وقتلوا ضابط شرطة كبيرا. وقال شاهد ان ضابط شرطة كبيرا اخر خطف
في دمياط.
وفي القاهرة قال شهود ان مسلحين استولوا على سيارات اسعاف وسيارات
شرطة وسرعان ما انطلقوا بها من الشوارع حيث تعقبتهم جماعات امن اهلية.
وصرخ رجل يتسوق مرددا القلق الذي يشعر به كثيرون تسابقوا لشراء
المواد الغذائية لتخزينها "انهم يضرمون النار في السجون. حياتنا
وممتلكاتنا في خطر. أفسح السبيل."
وبقي بعض الناس في منازلهم خوفا مما قالوا انها عصابات تجوب بعض
المناطق. وقال زاهي حواس الامين العام للمجلس الاعلى للاثار ان لصوصا
اقتحموا المتحف المصري يوم الجمعة واتلفوا مومياوين فرعونيتين.
وفي المجمعات السكنية ذات الاسوار خارج القاهرة أغلق الامن الخاص
البوابات ورفض السماح للناس بالدخول.
وتزايد هذا النوع من المجمعات السكنية في السنوات الاخيرة على أطراف
العاصمة وهي في الغالب تضم فيلات فاخرة تحيط بها مساحات خضراء وكثيرا
ما تقع على مقربة منها أحياء شديدة الفقر. |