شبكة النبأ: هل تذكرون حكاية علي بابا
والاربعين حرامي؟ انها إحدى أشهر قصص ألف ليلة وليلة واشهر شخصياتها
التي حولتها السينما المصرية الى فيلم كتب قصته و السيناريو له واخرجه
توجو مزراحى وكان من بطولة ليلى فوزى - على الكسار- اسماعيل يس، وعرض
في العام 1942..
حكاية علي بابا كما ترويها لنا شهرزاد تدور حول حطاب عربي بسيط يدعى
علي بابا يسمع بالصدفة كلمة السر التي تفتح باب المغارة التي يخبأ بها
عصابة لصوص كنوزهم. بفضل كلمة السر الشهيرة (افتح يا سمسم) تمكن علي
بابا من الحصول على الكنوز المخبأة في المغارة لكن اللصوص يعلمون
بمكانه من خلال جاره الحاسد الذي وشى بعلي بابا. فقرر اللصوص الذهاب
إلى بيته لقتله واسترجاع الكنوز لولا فطانة زوجته مرجانة وأرسل اللصوص
جاسوسا ليعرفوا بيت علي بابا ويضعوا عليه علامة لكي يذهبوا إليه في
الليل لقتله وقامت زوجته مرجانة بعد رحيل الجاسوس بمسح العلامة ووضعها
على باب الجار السيئ وذهب اللصوص وقتلوا الجار وليس علي بابا. وشاركت
السينما العالمية بتقديم هذه الشخصية في عدد من الافلام وكذلك افلام
الكارتون.
في العام 2003 وبعد دخول القوات الامريكية الى بغداد وسقوط تماثيل
القائد الضرورة وهروبه، عاد الاسم للظهور مرة اخرى عبر وسائل الاعلام
الاجنبية وصفا للعراقيين الذين شاركوا في (ام الحواسم الكبرى) على وزن
(ام المعارك الكبرى).
وقد وجدها الاعلام العربي بشقيه الخاص والمملوك للحكومات العربية
فرصة للتشنيع على العراقيين ووصفهم باللصوص والرعاع وهم ينقلون عبر
فضائياتهم صور السلب والنهب التي يقوم بها الكثير من العراقيين.
وقد عادت الذاكرة بالكثيرين الى عمليات سلب ونهب اخرى حدثت في تاريخ
العراق الحديث والتي اشتهرت بتسمية (الفرهود)، تلك التسمية التي لصقت
بالعراقيين حتى عدت امتيازا وخصيصة وعلامة مسجلة لهم. والفرهود يعني (حالة
السلب والنهب للأموال العامة في غياب سلطة القانون).
وقد عَرف العراقيون الفرهود في عدد من الاوقات, فبعد الحرب العالمية
الثانية عام 1948, جرى ترغيب وترهيب اليهود في العالم للذهاب الى ارض
الميعاد (اسرائيل) وتكوين دولتهم هناك, وكان من ضمنهم اليهود العراقيين,
فحدث ما حدث من (هرج ومرج), وعمت الفوضى العراق من ادناه الى اقصاه,
وجرى الاعتداء على ممتلكات اليهود ومحلاتهم وبيوتهم, وحدث (الفرهود),
وسميت تلك ب (الفترة الفرهودية).
وعرفته بغداد ايضاً عندما جرى تهجير عشرات الألاف من الاكراد
الفيلين بحجة (التبعية), وتم الإستيلاء على املاكهم ومحلاتهم وبيوتهم,
ووثائقهم التي تثبت عراقيتهم... وتشردوا في ارض الله الواسعة.
في العام 2003 لم تحاول وسائل الاعلام العربية تلك مناقشة ما يحدث
من وجهة نظر اجتماعية او سياسية محايدة بل جل ما فعلته هو متابعة افواج
السالبين والناهبين والتعليق عليها من قبل محللي اللحظة الراهنة
والفلاش الوقتي للتدليل على ان العراقيين لا يستقيم امرهم الا بوجود
حاكم قوي وحازم يحكمهم حتى لو كان مستبدا ولا حدود لاستبداده.
في مناقشته للموضوع يكتب الدكتور سليم الوردي عن الفرهود الذي حصل
بعد سقوط بغداد محللا اياه بانه (تعبير بليغ عن الأزمة العميقة والعداء
المستحكم بين الدولة والمجتمع. وهو ايضا دليل على الغربة الرهيبة بين
الدولة والمجتمع، أن المفرهدين لم يكتفوا بالنهب، بل احرقوا ودمروا).
وقد افرز الحدث مراتب مختلفة من المفرهدين. يحتل فيها المجرمون
المحترفون المرتبة الأولى، وهم لصوص، مثّل لهم الفرهود عيداً ومناسبة
نادرة، قلّما يجود بها الزمن. فلصوصيتهم لم تعد فعلاً منكراً، بل
يقومون بها في وضح النهار من دون رقيب أو محاسبة، تشاركهم فيها مرتبة
ثانية تتمثل في جموع غفيرة لا تنطبق عليها مواصفات اللصوص. وبرزت شريحة
ثالثة أحست (بالهضيمة) حين رأت الآخرين يغنمون الأموال الطائلة في
سويعات، وهم محرومون منها واجترحت هذه الشريحة أفعال فرهود انتقائية،
منتهزه الأجواء العامة المبيحة للفرهود. ويمكن ان نطلق عليهم تسمية
(المفرهدين الهواة).
ويرى كاتب اخر ان أن كل تواريخ الفرهود في العالم منذ القدم تقوم
بها الجماعات (إذا لم تكن هناك دولة, أو حينما يكون النظام والقانون
غائبا أو معطلا), أي ان الجموع الجائعة أو مجاميع اللصوص تبحث عما تنهب
بعدما تجد أن لا احد يمنعها ولا رادع لها. وقد حدث شبيه بهذه الحالات
في العام 1978 في فرنسا, أثناء انقطاع التيار الكهربائي عن أجزاء كبيرة
من شارع الشانزليزيه. و في مدينة نيويورك عندما انقطع التيار الكهربائي
عنها, وفي لوس أنجلس عندما حدثت فيها اضطرابات أمنية وشغب، وكذلك ما
حدث في هايتي بعد الزلزال.
في تونس حدث ما حدث في العراق رغم وجود الجيش والشرطة وفي مصر تحدث
فيها ايضا عمليات السلب والنهب والاحراق.. ولا تعد تلك الحوادث مادة
اعلامية دسمة للفضائيات العربية ولا تعد سبة وعارا لتلك الشعوب، فقط
العراقيون حين يقومون بعمل مثل هذا فانها وصمة العار التي لا تمحى.
في تقريرها المنشور يوم 30 / 1 / 2011 تذكر جريدة الشرق الاوسط وهي
تنقل احداث ما وقع في مصر (أما عمليات السلب والنهب والتي تتم بشكل
منظم، بدأت ليلة أول من أمس للمحال التجارية الكبيرة والبنوك واستمرت
حتى الساعات الأولى من الصباح، ثم انتقلت في اليوم الثاني إلى المناطق
السكنية والمستشفيات، وقد أكد شهود عيان أن هدفها الأساسي هو ترويع
المواطنين وترهيبهم، وأنه يقف وراءها المئات من الهاربين من الأقسام
والسجون والذين أطلقتهم وزارة الداخلية المصرية بعد أن فقدت سيطرتها
على الأمن).
ولا ننسى الالاف من المجرمين الذين اطلق سراحهم صدام حسين قبل بدء
الهجوم على العراق في مكرمة من مكرماته الشهيرة.
الظروف نفسها تقريبا بين مصر والعراق مع بعض الاختلافات البسيطة من
جهة انعدام الحرب ووجود قوات عسكرية محتلة.
واذا كان الكثير من المصريين قد انطلقوا في ما انطلق فيه العراقيون
ايام (الحواسم) حتى اصبحوا طبقة اجتماعية انتقلت من حدود الفقر المدقع
الى مراتب الثراء الفاحش، فان الكثير من المصريين وخاصة (الحرافيش)
منهم سينطلقون نفس الانطلاقة، اي من القاع الى القمة.
والحرافيش كما تعرّفنا بهم موسوعة ويكيبيديا الالكترونية (هم طبقة
عاطلة تحولت إلى طبقة واطية أو وضيعة في المجتمع ظهرت إبان العهد
المملوكي في مصر، وواحدهم حرفوش، وأساس الكلمة شعبية منحوتة من كلمتين
(حارة ما فيش)، وقد خلدهم الروائي المصري نجيب محفوظ عبر روايته
الذائعة الصيت (ملحمة الحرافيش) المنشورة في العام 1977.
وتحكي عشرة قصص لأجيال عائلة سكنت حارة مصرية غير محددة الزمان ولا
المكان بدقة.. وقد جسدت السينما المصرية هذه الملحمة في اكثر من فيلم
سينمائي منها (الحرافيش والمطارد وشهد الملكة والجوع والتوت والنبوت
الى جانب مسلسل الحرافيش في اجزائه الثلاثة).
تتحدث الرواية عن فلسفة الحكم وتعاقب الحكام ودور الشعوب. تتشعب
احداث وشخصيات رواية الحرافيش في ذهن القارىء كما في قلم الكاتب لتزرع
افكارا عديدة وتصب في فكرة تواتر الاجيال وضياع الاصول من جيل إلى اخر
واندساس العروق. يحضر الدين أيضا في رواية الحرافيش كالروح التي لا
يستطيع الإنسان إخراجها من بدنه رغم التمرد عليها.. هي رواية تحتوي كل
الحياة تكتسي كل الطوابع وتسرد جل القيم بسخاء.
وتمتلأ الرواية بأبيات من الشعر الفارسي التي أستخدمها الكاتب كرمز
للمجهول الذي تهيم به أرواح البشر...وتتوالى قصص الرواية كمعزوفة رائعة
تختلط بها القوة والضعف... الخير والشر... الأمل واليأس... وتنتهى
الرواية بجملة آسرة...(لا تحزن فقد ينفتح الباب يوماً للذين يخوضون
الحياة ببراءة الأطفال وطموح الملائكة). الا تشبه احداث الرواية ما
يحدث في مصر الان؟ |