شبكة النبأ: يوما بعد آخر تتساقط
الحكومات المستبدة، كأوراق الاشجار حين ينتهي عمرها، فتتساقط عند
الخريف، وخريف الحكومات السيئة، لابد أن يحل مع دورة الزمن التي لا
تتوقف عند حد معين، وها أن العالم أجمع يشاهد بالعين المجردة تساقط
العروش الطاغية، وفرار القائمين عليها كما حدث في تونس، وما يجري في
مصر الآن، ما هو إلا دليل دامغ على الطغيان الحكومي، وفساده الذي راح
يعيث فسادا بالفقراء قبل غيرهم.
فحين تغيب العدالة، ويستشري الفساد بين أوصال الحكومات الغاشمة،
ويستأسد قادتها على شعوبهم، ويقودونهم بالحديد والنار، بعيدا عن
الانسانية وعوامل الاصلاح، فإن النتيجة ما تلبث أن تكون حاضرة أمام
الحكام الظالمين وغيرهم، حيث تهز الجماهير الغاضبة عروشهم، وتسقطهم من
عليائها الى حضيض الهرب او الموت المحقق، فلا يبقى أمامهم سوى الفرار
الى دول اخرى تحميهم، من غضبة الشعب، أو يواصلون عنادهم، حتى يتلقون
جزائهم العادل من لدن شعوهم، التي ذاقت ألوان البطش والعذاب والقهر
والحرمان منهم، ومن اجهزتهم القمعية التي لا يمكن أن تحميهم، من قصاص
الجماهير الغاضبة.
فغياب العدل، وتلاشي فرص الاصلاح، لابد أن تطيح بالحكومات المتجبرة،
آجلا أم عاجلا، لأن الظلم لا يمكن أن يذهب سدى، حيث يأتي يوم القصاص
حتما، إذ يقول الامام الراحل، آية الله العظمى السيد محمد الحسيني
الشيرازي (قدس سره)، في كتابه القيّم الموسوم بـ (اذا قام الاسلام في
العراق) بهذا الصدد:
(ان عدم العدالة في موردها وعدم المساواة في موردها من أشد أنواع
الظلم، فإن الظلم قد يكون ظلما للنفس وقد يكون ظلما للغير، وهذا الثاني
أشدهما حرمة ونكالا).
وهناك أسباب يؤشرها المعنيون تقود الى الظلم، وأول هذه الاسباب، هو
إساءة استخدام السلطة، واستشراء الفساد، والمحسوبية، والرشوة، في
أجهزتها الادارية وسواها، حيث يصبح الفساد، هو السبيل الأسرع الذي يقود
الحكومة الى ظلم الناس، بسبب غياب التعامل الحكومي العادل، مع شرائح
الشعب ومكوناته، يقول الامام الشيرازي، في هذا المجال بكتابه نفسه:
إن (الفساد الإداري يحصل بالرشوة وتقديم المحسوبية والمنسوبية
وتأخير أعمال الناس إلى غد وبعد غد، بما يتضمن ذلك من تلف العمر والمال..
وأخيرا يوجب التضجر العام وكثيرا ما ينتهي إلى سقوط الحكومة).
علما أن الفساد هو رديف الاستبداد، فأينما يوجد الفساد، سنعرف أن
الاستبداد هو السبب الاول الذي يقف وراءه، ويجعله اسلوبا حكوميا ظالما،
يفضل مصالح الحكام على مصالح المحكومين، وغالبا ما يؤدي هذا الاسلوب،
الى استشراء البطالة، بين افراد الشعب، وخاصة الشباب منهم، لأن اكتناز
الثروات من قبل رموز الحكومة المتسلطة، لن يترك فرصة لأبناء الشعب
بالعمل الحر الشريف، وهكذا تتزايد البطالة، وتؤدي بدورها الى انعكاسات
وأمراض اجتماعية سيئة خطيرة، يقول الامام الشيرازي في كتابه نفسه بهذا
الصدد:
(من الأسباب التي تؤدي إلى انتشار الأمراض الاجتماعية التي تقود
المجتمع نحو التحطم والانحلال، هي البطالة التي تسبب أضرارا كثيرة
للمجتمع. فالبطالة تجر العاطلين عن العمل نحو الانحلال الخلقي والسرقة
والجريمة والمرض والانتحار والجهل والفوضى وغيرها).
وهذه الامراض الاجتماعية الخطيرة، هي مجموعة العوامل التي ستطيح
بالحكومة، حيث تتزايد النقمة الجماهيرية، مع مرور الوقت على نظام الحكم
الظالم، بسبب ارتكابه للأخطاء المتواصلة، سواء في مجالات العمل، او
السياسة، او الاقتصاد، او التعليم او سواها، وسوف تعمل هذه النواقص معا،
لاستثارة الشعب، وتحريكه نحو الانتفاض، والثورة على الحكم، حيث يشكل
الاقتصاد المريض، عبئا على الجميع، بسبب عشوائيته وعدم التخطيط السليم
له، لأن الحكومة منشغلة بمصالحها قبل أي شيء آخر، لذلك لم تنتبه ولا
تلحظ، بل لا تهتم بالتضخم الاداري، ولا تعنيها البطالة المقنعة، التي
تنخر بأوصال الشعب، مع أنها تعي مساوئ هذه الظاهرة الادارية القاتلة،
وفي هذا الصدد يؤكد الامام الشيرازي في الكتاب نفسه على:
(أن التضخم في جهاز الموظفين في الدولة هو أسوء من التضخم في
الاقتصاد ، بل قد يكون هو من أسبابه لأن التضخم في الجهاز الوظيفي يجعل
المنتجين مستهلكين ويؤدي إلى سيطرة البيروقراطية التي تحول دون حريات
الناس وحينئذ تتجه البلاد نحو الفقر والعوز بعد أن يستملك الجهاز
الحاكم الأموال ويمنع الناس من حرية العمل والإنتاج).
لذلك تبدو ظاهرة الفساد، مثل سلسلة مترابطة من الاخطاء التي تؤدي
بعضها الى البعض الآخر، وهي رأس القاطرة التي تسحب وراءها، جميع
الظواهر المدمرة للمجتمع، وهي التي تتسبب دائما، في تفاقم الغضب
الجماهيري على الحكومة، لأن الفساد لا يتوقف عند حد معين، فهو كالسرطان
الذي يأتي على الجسد بصورة كاملة، ولهذا يؤكد الامام الشيرازي بالقول
على أن الحكومات التي تروم أن تنجح في إدارتها لشعوبها عليها:
( محاربة الفساد بأقسامه كالفساد الإداري والاجتماعي والاقتصادي
وغير ذلك، فإن الفساد يوجب تأخر الأمة وتدمر الشعب بعد أن يسلب
اطمئنانهم بالدولة).
وهكذا يكون الفساد الاداري، والمالي، سببا سريعا في زوال الحكومات،
لأنه لا ينحصر في جهاز معين، ولا في مؤسسة محددة، إذ سرعان ما يصبح
ظاهرة، تستشري في عموم أجهزة ومفاصل الدولة، لاسيما الحكومية منها،
وهذا تحديدا ما يمهد للجماهير طريق الانتفاض على حكومته، التي فضلت
نفسها وأفرادها، وهم قلة، على مصالح أفرد الشعب ومكوناته، وهم الكثرة
الكاثرة، فحين ذاك ليس أمام مثل هذه الحكومات، سوى انتظار مصيرها
المحتوم، يوم لا ينفع ندم، ولا يُقبل اعتذار، كما تظهر لنا الوقائع
الراهنة، مع أكثر من حكومة، وفي أكثر من بلاد، حيث استهترت هذه
الحكومات، بحقوق الشعب وتعاملت معه بأنانية من يريد الخير والجاه
والنفوذ والسلطان لنفسه، وينسى كرامة الناس وحاجتهم الدائمة، الى العدل
والمساواة والاصلاح بأنواعه كافة. |