إن الثورة تعني في (لغة السياسة) أن الإنسان إذا تسلط على الغير
بالقوة وفرض سيطرته على الآخرين بالقهر فذاك حقا هو " الطاغوت " الذي
لا بد من إشعال الثورة ضده حتى يتم تحطيمه وإسقاطه ومحاسبته على
جرائمه..
والطاغوت هو من يطغى بنفسه مستكبرا على سنة ربه وفطرته وطبيعته
ويريد حفنة من الآخرين أن يسايروه في طغواه وظلمه وجبروته.. ليفرض بعد
ذلك على الناس طاعته وإتباع فلسفته وتشريعه وثقافته عن سنة الله التي
تمرد عليها.. لتحويل ولائهم له ومن ثم الشرك بالله والانفلات من توحيده
سبحانه وتعالى في الخلق والتشريع والعبادة والسلوك..
فالثورة إذن لإسقاط الطاغوت.. ولقد أمرت آيات كثيرة وعديدة الناس
بالثورة على الطاغوت ولكن الآية الكريمة (36) من سورة النحل في القرآن
الكريم تتضمن هذا المفهوم بكثير من الشمولية.. يقول الله تعالى في
كتابه العزيز: { ولقد بعثنا في كل امة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا
الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض
فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين }.
إن الهدف الأسمى الذي يحمله الإنسان (الرسول العابد لله تعالى) أن
يكون ثائرا في وجه الطاغوت حتى إسقاطه ومحاسبته على جرائمه.. لأن
اجتناب الطاغوت في الآية الكريمة في مقابل عبادة الله تعالى وهذا يعني:
أن من يعبد الله تعالى لا يمكن أن لا يكون ثائرا واجتناب الطاغوت لا
يعني عدم الرضوخ له وذلك بالهرب بعيدا عن الطاغوت وإنما الاجتناب يعني
الإزالة من الوجود تماما..
على سبيل المثال لا الحصر: إذا تفشى في مجتمع ما نظام طاغوتي مستبد
وظالم وجائر فإن المجتمع مطالب في الحقيقة باجتناب الطاغوت وذلك
بالتطهر من دنسه ورجسه وإزالته من الوجود.. إذن فاجتناب الطاغوت بحد
ذاته عبادة لله تعالى والله بعد ذلك يهدد: { ومنهم من حقت عليه الضلالة
فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين }.
ومما يؤسف له بشدة.. كثرة الصمت والسكوت – في عصرنا الحاضر – عن
تقديم المعروف ورد المنكر.. إننا نرى المنكر بأم أعيننا فلا نتحرك لرده
في الوقت الذي يكون فيه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فرعين من فروع
الإسلام العشرة.. ونكتفي فقط (بالإنكار القلبي) وذلك أضعف الإيمان
وربما لا ننكر شيئا بقلوبنا !!!
بينما المطلوب والواجب على الإنسان أن يدرب نفسه على الأمر بالمعروف
والنهي عن المنكر بيده أو بلسانه أو بقلبه حسب الحالة وحسب قدرة
الإنسان الآمر والناهي وحسب احتمال التأثير.
إن المسلمين في صدر الإسلام وفي العصور المتقدمة الأخرى كانوا
يطبقون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بشكل جيد ولكننا في هذا العصر
– قلما نحرك ساكنا – في هذا المجال فهل أصبح المعروف منكرا والمنكر
معروفا؟؟؟ وهل انقلبت المعادلة أم أن الحسن يبقى حسنا والقبيح يبقى
قبيحا؟؟؟
إننا في بعض الأحيان نتجنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. من
أجل أن لا نخسر أصدقاءنا ومعارفنا.. فعلى سبيل المثال لا الحصر: نرى
أصدقاءنا يغتابون الآخرين أو ينمّون عليهم فنسكت ولا نقول لهم شيئا وقد
نرى فيهم أمورا لا ترضي الخالق فنسكت أيضا ولا نوجههم لما يحبه الله
تعالى ويرضى وبعملنا هذا نرضي المخلوق ونغضب الخالق بينما القاعدة
الإسلامية تقول: " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ". وأيضا: " وأمحض
أخاك النصيحة حسنة كانت أم قبيحة ".
والأدهى والأمرّ.. أننا في بعض الأحيان نلزم الصمت والسكوت عن
الطغاة والظالمين والفاجرين والفاسقين والمنافقين من أجل أن نعيش
ونحافظ على مصالحنا الذاتية وما كسبته أيدينا من حطام الدنيا ومتاعها
أو أننا نخاف من الطغاة ومن أجهزتهم الإرهابية القمعية والاستبدادية..
لكننا لو فكرنا مليا وبروية وعقلانية لتبين لنا أن الصمت والسكوت عن
الظلم من أعظم العار على الإنسان !!!
أليس عار على كل ذي لب... أن يرى الظالم يمارس الظلم والطغيان
والتعسف والاضطهاد والفساد وانتهاك الأعراض والحرمات وتضييع حقوق الناس
وهضمها ويراه يزيف حقائق الإسلام ويتصرف في البلاد ومقدراتها ويجعلها
رهنا بيد العملاء والأجانب... أليس عار عليه أن يرى كل ذلك ويسكت؟؟!
يقول الرسول الأعظم (ص): " الساكت عن الحق شيطان أخرس ". ويقول (ص)
أيضا: " إن أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر ". |