شبكة النبأ: في عالم السياسة لا يوجد
شيء غير محسوب، خصوصا في القضايا الاستراتيجية والتوازنات الدولية
والاقليمية، الا ان ما يحدث في مصر يثير رعب الكثير من قادة العالم،
خصوصا مع غياب رؤية واضحة المعالم للمصير السياسي لتلك البلاد الكبيرة
ذات المعيار الثقيل في المنطقة.
فما حدث لم يكن في الحسبان حتى الساعات القليلة الماضية، سيما بعد
ان كان النظام المصري يعد من اكثر الانظمة العربية سيطرة على الشعب،
ويتولى اموره بدقة متناهية كان ما يحدث الان قبل ايام من المستحيل
توقعه في الخيال فقط.
الكلمات الأكثر رعبا
فلا يعرف معظم المصريين رئيساً سوى الرئيس حسني مبارك، 82 عاماً،
فالواقع أن قرابة ثلث الشعب المصري ولد ومبارك يحكم بقبضته على زمام
السلطة منذ نحو 15 عاماً، غير أن الاحتجاجات الشعبية الأخيرة الداعية
لتنحيه تطرح تساؤلات بشأن خليفة الرئيس الذي اطلق عليه لقب "آخر فراعنة
مصر" والذي لم يبد، حتى اللحظة، أي خطوة تؤشر لنيته التنازل عن الحكم.
فمبارك لم يعين نائباً له منذ توليه السلطة عام 1981، وكان سريع
التحرك في تحييد أي تحديات لسلطته من الداخل كما أن غالبية وزراء
حكومته من التكنوقراط لا ينتمون لأي أحزاب سياسية خاصة بهم، وخلال
العقد الأخير شاع الحديث بين النخب المصرية عن "انتقال سلالي" لأبنه
الأصغر جمال مبارك، وهو ما يعرف بتقليد التوريث في العالم العربي.
وعلى مدى السنوات الخمس الماضية كشفت برقيات دبلوماسية أمريكية،
نشرها موقع "ويكيليكس"عن قلقل متزايد لعدم وجود خطة لخلافة مبارك،
والتخوف من استيلاء جمال، على السلطة من والده، وذلك من خلال رسالة
تعود لابريل/نيسان 2006 تقول إن "سوزان مبارك زوجة الرئيس المصري هي
المحفز الرئيسي لابنها جمال في خلافة والده"، إلا أن إمكانية حدوث ذلك
تبدو صعبة لتدني شعبيته في الشارع المصري.
كما لفتت البرقيات إلى أن جمال، وعلى نقيض والده، لا يمكن له اعتبار
دعم الجيش له كأمر مفروغاً منه نظراً لعدم انخراطه مطلقاً في سلك
العسكرية.
وهنا، يبرز دور المؤسسة العسكرية لحسم النتيجة، ففي برقية من العام
2008 تستشهد بالخبراء المصريين بوصف العسكريين بموظفين من المستوى
المتوسط برواتب تقل بكثير عن القطاع المدني مما يحدث معارضة بين كبار
ضباط الجيش لخلافة جمال لوالده.
ويقول ستيفن كوك من "مجلس العلاقات الخارجية" الأمريكي، الذي كان في
القاهرة حتى يوم الخميس، إن الاحتجاجات تعني استبعاد احتمالات خلافة
"جمال مبارك" لوالده كلياً، فـ"أسم مبارك قد أصبح مشوهاً لدرجة يستحيل
إصلاحه."
وتشهد مصر، خلال اليومين الأخيرين، احتجاجات شعبية واسعة تطالب
بتنحي مبارك الذي دعا لاستقالة الحكومة مؤكدا "أنحيازه كل الانحياز
لحرية التعبير عن الرأي"، مشيرا إلى أن شباب مصر أغلى ما لديها."
وبدوره أيد اليوت ابرامز، من "مجلس العلاقات الخارجية" كذلك تصريحات
كوك قائلاً في مدونته الخاصة إن الاحتجاجات تجعل من التوريث أمراً
مستحيلاً: "فالجهود المبذولة في حشره في ذلك المنصب ستثير غضباً شعبياً
أكبر بكثير ما نشهده بالفعل."
فلقد مزق المتظاهرون في عدة مدن مصرية الجمعة ملصقات تحمل صور جمال
مبارك. ولكن إذا لم يكن الابن ، فمن سيخلف مبارك؟ ففي برقية من السفيرة
الأمريكية بالقاهرة، مارغريت سكوبي، عام 2009 أشارت فيها إلى عدم وجود
منافسين واضحين، قائلة: مبارك "ليس لديه منافس واحد، فهو ليس لديه
مستشار مقرب يمكن التحدث حقاً عنه، قد كبل حريات مستشاريه فهم مقيدون
تماماً من العمل خارج نطاق صلاحيات للسلطة ".
وقال توماس بارنيت، كبير المحللين في مجموعة "ويكيسترات": دعوني
أقدم لكم الكلمات الأربع الأكثر رعبا لا أستطيع نطقها باللغة العربية :
مصر بعد حسني مبارك"
ويعد المدير السابق للوكالة الدولية للطاقة الذرية، محمد البرادعي،
من الأسماء المطروحة لخلافة مبارك إلا أن بعض التنظيمات المعارضة
انتقدت وصوله المتأخر إلى القاهرة، الخميس، للمشاركة في الاحتجاجات.
كما هناك الأمين العام لجامعة الدول العربية ووزير الخارجية المصري
الأسبق، عمرو موسى، الذي أقر خلال منتدى دافوس الاقتصادي، الخميس، بأن
هناك سخط غضبي وأن الإصلاح هو الحل، إلا أنه موسى لم يبدي اهتماماً
بالعودة إلى معترك السياسة المصرية.
وفي السابق ناقش دبلوماسيون أمريكيون احتمال تولي عمر سليمان، رئيس
الاستخبارات المصرية لقرابة 20 عاماً، كرئيس لفترة انتقالية في مصر،
إلا أن ارتباطه بنظام مبارك، يستبعد هذا الخيار كلياً.
وأكد بارينت أن الخيار الأفضل، وربما الوحيد لمبارك هو1 تحديد
مو00000 00000عد لتنحيه لإخماد الاحتجاجات، وتنظيم فترة انتقالية
لانتخابات جديدة وتقديم السلطة لحكومة تصريف أعمال يمكن لها أن تركز
على نمو الاقتصاد.
وأيد السيناتور الأمريكي، جون كيري، وجهة النظر تلك قائلاً: "الرئيس
مبارك لديه فرصة لإخماد الاضطرابات من خلال ضمان ترتيب عملية ديمقراطية
حرة ومفتوحة عندما يحين الوقت لاختيار زعيم للبلاد في وقت لاحق هذا
العام ".
ويرى العديد من المراقبين أن الولايات المتحدة تأمل أن ينظر مبارك
في مطالب المحتجين سريعاً ورسم خارطة طريق لديمقراطية حقيقية.
ويذكر أن مبارك تولى رئاسة مصر عام 1981 بعد اغتيال الرئيس أنور
السادات معلناً فيه اتباعه لسياسة سلفه والتي اتسمت بالمصالحة مع الغرب
والسلام مع إسرائيل داخل الحدود المعترف بها دولياً، وبذلك يكون مبارك
قد مارس السلطة في مصر منذ نحو 30 عاماً.
وبعد اغتيال السادات، أعلن مبارك حكم الطوارئ، فمنع التجمعات غير
المرخصة وفرض قيوداً على حرية التعبير والرأي وسمح للشرطة باعتقال
المواطنين.
واستغل مبارك سلطاته، فلجأ للجيش لوضع حد لأحداث شغب عام 1986، وسجن
ما يقدر بنحو 30 ألف مصري، في الفترة التي شهدت تنفيذ "الجهاديين"
لعمليات مسلحة في مصر.
في فبراير 2005 طلب مبارك من الهيئات التشريعية مراجعة الدستور
للسماح بإجراء انتخابات متعددة المرشحين وبالفعل أجريت الانتخابات
وانتهت بفوز كاسح للمبارك بنسبة تصويت بلغت 88 في المائة في 7 سبتمبر/أيلول
2005.
الغموض بشأن القيادة
وعلى حين غرة لم يعد قانون الطواريء المطبق منذ عشرات السنين يحبط
الاحتجاجات التي تخرج الى الشوارع.
ولم يعد النشاط على الانترنت قاصرا على طبقة من هواة الثرثرة تنتقد
الحكومة سرا وعلى استحياء بل أصبح وسيلة استقطبت الالاف الى احتجاجات
منسقة في مدن بأنحاء مصر.
وأي مؤشرات على التقاء مطالب النقابات العمالية بخفض أسعار الاغذية
وزيادة المرتبات مع دعوات الطبقة المتوسطة الى مزيد من الديمقراطية
يمكن أن تختبر مسوغات مبارك (82 عاما) باعتباره الرجل المناسب لقيادة
البلاد لست سنوات أخرى او لاختيار خليفة له قد يكون ابنه جمال.
وقال المحلل السياسي ايساندر العمراني "لم يواجه مبارك قط هذا
المستوى من الغضب الشعبي وهذا الرفض لشرعيته خلال 30 عاما من الحكم."
وأضاف "يبدو هذا سيئا جدا بالنسبة له." وينفي مبارك الاب والابن اعداد
جمال للخلافة لكن الشارع المصري لا يصدقهما.
وهتف المحتجون في شوارع مصر قائلين "يا جمال قول لابوك .. المصريين
بيكرهوك."
وقال العمراني ان الاحتجاجات "تشير على الارجح الى تراجع احتمال أن
يكون جمال مرشح (الحزب الوطني الديمقراطي الحاكم) في انتخابات العام
الحالي." بحسب رويترز.
وكان مسؤولون من الحزب الحاكم قد قالوا مرارا ان مبارك الاب هو
مرشحهم الطبيعي. وبخلاف جمال لا يوجد بديل واضح.
لكن هناك أسبابا متعددة قد تحول دون أن تتطور الامور في مصر على
النحو الذي شهدته تونس.
فحلفاؤها الغربيون وعلى رأسهم الولايات المتحدة سيرغبون على الارجح
في تجنب تفاقم عدم اليقين السياسي في البلاد البالغ عدد سكانها 80
مليون نسمة بالتخلي عن مبارك. وبالنسبة لواشنطن فان علاقة مصر السلمية
مع اسرائيل هي احدى ركائز الاستقرار في منطقة تعاني من الاضطرابات ليس
فقط بسبب الاحداث في تونس وانما أيضا نتيجة سيطرة حزب الله على السلطة
في لبنان.
وعلى الرغم من ذلك حينما طلب من روبرت جيبز المتحدث باسم البيت
الابيض تقديم دعم صريح لمبارك اكتفى بقوله ان مصر لا تزال "حليفة وثيقة
ومهمة".
ويتمتع المصريون بحرية انتقاد زعمائهم بدرجة أكبر من تلك التي تمتع
بها التونسيون الذين كانوا يتظاهرون ضد واحدة من أشد الدول البوليسية
صرامة في العالم وصاحبة أحد أسوأ السجلات فيما يتعلق بحرية التعبير.
وقال جيف بورتر المتخصص في استشارات المخاطر بمؤسسة (جي.دي.بي)
للاستشارات "مبارك سمح بحد أدنى من أصوات المعارضة داخل الحكومة او
المجتمع المدني وهذا قسم المعارضة فعليا."
والنشاط السياسي في مصر ضعيف. وتشير تقديرات الى أن خمس سكانها
يعيشون تحت خط الفقر وهذا جعلهم أقل ميلا للتظاهر والمجازفة بفقد
القليل الذي يملكونه.
وتفتقر أحياء القاهرة الاشد فقرا الى الخدمات الاساسية وتعاني
العاصمة من الازدحام والتلوث. وفي عام 2008 أسفر انهيار صخري عن مقتل
100 شخص في حي عشوائي مكتظ بالسكان في القاهرة.
وينظر الى القوات المسلحة المصرية على أنها موالية لمبارك العسكري
السابق بينما أفادت تقارير بأن قرار الجيش سحب دعمه لبن علي ربما كان
السبب الذي دفعه الى الرحيل. لكن الكثير من المصريين متشككون بشأن
زعمائهم.
وتأكدت شكوكهم فيما يبدو في نوفمبر تشرين الثاني حين جرت الانتخابات
البرلمانية التي أكدت الحكومة أنها كانت حرة ونزيهة بينما نددت بها
جماعات حقوقية والمعارضة ووصفتها بأنها زورت لضمان تحقيق انتصار ساحق
لحزب مبارك.
وقضى جمال مبارك أمين لجنة السياسات بالحزب الحاكم عدة سنوات محاولا
حشد التأييد لبرنامج حكومي يهدف الى تحفيز الاقتصاد وتوفير فرص عمل.
لكنه لا يتمتع بشعبية تذكر فيما يبدو بين المواطنين المصريين
العاديين الذين يرتابون في صلاته الوثيقة بنخبة من كبار رجال الاعمال
يقول الكثيرون انهم فوق القانون وهي نفس شكوى التونسيين من عائلة زوجة
بن علي.
وقال نبيل عبدالفتاح المحلل السياسي بمركز الاهرام للدراسات
السياسية والاستراتيجية انه اذا لم يتم اجراء اصلاحات حقيقية في النظام
الحاكم فسيواجه عقبات في الفترة القادمة مضيفا أن هذا ينطبق على أي
مرشح للرئاسة.
ومضى يقول انه يجب أن تتعامل الاصلاحات مع مسائل الاحزاب السياسية
وعلاقة الحكومة بالشركات والبرامج الاجتماعية ووسائل الاعلام. وسيكون
أحد الخيارات أمام الحكومة في الوقت الحالي تقديم تنازلات أمام مطالب
المحتجين.
وقال العمراني "هناك منطق معين يقول انه ربما ينبغي للنظام أن يفعل
شيئا ما لاسترضاء الجماهير .. مثل تغيير وزير الداخلية."
وتابع قائلا "المشكلة هي أن حسني مبارك حكم مصر بالطريقة التي
يريدها على مدى 30 عاما حتى الأن. لا يبدو كرجل يغير بسهولة الطريقة
التي يدير بها الامور."
إسرائيل تراقب بقلق
من جهتها تراقب إسرائيل باهتمام شديد التطورات في مصر، والتي وصفها
عدد من المسؤولين المحليين بأنها "زلزال ضرب الشرق الأوسط،" ولكن
التقارير الواردة من تل أبيب تشير إلى ثقة إسرائيل بقدرة القبضة
الأمنية المصرية على حماية النظام من الوضع المتفجر في الشارع، ولكن
السؤال الأساسي يبقى بالنسبة لها: ماذا بعد؟
ونقلت مجلة "تايم" الشقيقة لـCNN عن وزير إسرائيلي لم تسمه قوله: "لدينا
ثقة كاملة بقدرة مصر على تجاوز المرحلة الراهنة، ولكننا ننظر إلى
المستقبل."
ولم يخف الوزير إلى أن إسرائيل - ورغم ثقتها بمتانة العلاقات بينها
وبين مصر، وجارتها الشرقية الأردن - نظراً لعلاقات السلام بينهما، إلا
أنها لا تمانع في ظهور دول ديمقراطية فيهما، باعتبار أن الديمقراطيات "لا
تتورط في التسبب بحروب" على حد تعبيره.
ولكن الوزير سارع إلى القول: "ومع إدراكي لهذا الواقع، ولكنني لا
أظن أن الوقت الراهن وقت مناسب لإطلاق عملية ديمقراطية في المنطقة،
بدليل ما جرى في قطاع غزة، عندما جرت انتخابات في السلطة الفلسطينية
أفضت إلى وصول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إلى السلطة."
ولفت الوزير الذي طلب عدم الإشارة حتى إلى هويته السياسية إلى أن
العالم العربي بحاجة لـ"عملية ديمقراطية طويلة الأمد،" مدعومة بنهضة
تعليمية وتربوية تدفع العرب إلى "اختيار الشخصيات الوسطية،" على حد
تعبيره، مضيفاً أن الانتخابات في الظروف الحالية: "ستوصل المتطرفين
وستفجر الوضع" الإقليمي.
وبحسب ما أشارت مجلة تايم، فإن الدول العربية "المعتدلة" تشعر
بالقلق جراء موجات الغضب الشعبية التي بدأت في تونس، خاصة وأنها تدرك
بأن الحدود بين الدول العربية "مصطنعة ومن وضع الاستعمار" وبالتالي فإن
انتقال عدوى الثورات ممكن بسهولة، خاصة وأن العرب ينظرون إلى إسرائيل
نفسها على أنها من "تركة الاستعمار."
ولكنها أشارت إلى أن الوزير كشف لها بأن تل أبيب تشعر بـ"الصدمة"
حيال ما يجري في المنطقة، إذ تشتعل الجزائر وتونس ومصر والأردن واليمن
والأجزاء الكردية من سوريا بحالات من الغضب، بينما يعيش السودان وسط
حالة صعبة، وهو أمر ترى فيه إسرائيل "هزة أرضية كبيرة."
من جهة أخرى، نقلت المجلة عن الجنرال ياكوف أميدرور، الرئيس السابق
لوحدة الأبحاث في الجيش الإسرائيلي قوله: "نحن نعيش على فوهة بركان."
وأضاف أميدرور: "الظروف تتبدل في المنطقة بين ليلة وضحاها، وعلينا
أن نسأل أنفسنا حول المستقبل.. اليوم نحن نقف فوق جليد صلب، ولكن هذا
الجليد قد يذوب في نهاية المطاف"
مبارك متشكك في مساعي الاصلاح الامريكية
في سياق متصل أظهرت برقيات دبلوماسية أمريكية مسربة ان مساعي الرئيس
الامريكي باراك اوباما للاصلاح الديمقراطي في مصر تواجه مقاومة من
الرئيس المصري حسني مبارك لاسباب من بينها اعتقاده بأن الضغوط
الامريكية السابقة من أجل التغيير سببت فوضى في الشرق الاوسط.
وقالت وزيرة الخارجية الامريكية هيلاري كلينتون يوم الجمعة في الوقت
الذي اجتاحت فيه احتجاجات واسعة شوارع مصر لليوم الرابع ان من "الحيوي
تماما" أن تتبنى القاهرة تغييرا سياسيا واجتماعيا وهو ما تدعو اليه
الولايات المتحدة منذ سنوات.
وتظهر برقيات دبلوماسية امريكية نشرها يوم الجمعة موقع ويكيليكس
الالكتروني ان اوباما قاد الولايات المتحدة الى علاقات أكثر دفئا مع
مصر من خلال تفادي اساليب الاحراج العلني التي اتبعها سلفه جورج بوش
بينما حث على الاصلاح السياسي سرا.
لكنها تظهر ايضا ان مبارك ينظر بتشكك الى الضغوط الامريكية حيث
يعتبر ان ضغوط واشنطن بشأن الاصلاح في الشرق الاوسط قد تسببت في أخطاء
هائلة مثل الاطاحة بشاه ايران وانتخاب حركة حماس الاسلامية في قطاع
غزة.
وقالت السفارة الامريكية في القاهرة لكلينتون في برقية قبل زيارة
مبارك لواشنطن في مايو ايار 2009 "سمعناه يندب نتائج الجهود الامريكية
السابقة لتشجيع الاصلاح في العالم الاسلامي.
"يتذكر شاه ايران.. الولايات المتحدة شجعته على قبول الاصلاحات
لتشهد سقوط البلاد في أيدي الثوار الاسلاميين المتطرفين. حيثما رأى تلك
الجهود الامريكية .. يمكنه الاشارة الى الفوضى وضياع الاستقرار الذي
تلى ذلك."
والبرقيات جزء من حوالي 250 ألف وثيقة سرية خاصة بوزارة الخارجية
الامريكية قيل أن موقع ويكيليكس حصل عليها.
وتشير البرقيات الى أن العلاقات الامريكية المصرية ساءت في عهد بوش.
واعتبر مبارك الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للعراق خطأ أدى في
النهاية الى تعزيز نفوذ وقوة ايران.
وقالت البرقية المؤرخة في مايو ايار 2009 "اعتبر مبارك الرئيس بوش
... ساذجا يتحكم فيه اتباعه وانه غير مؤهل بالمرة للتعامل مع العراق
بعد صدام .. خاصة مع صعود ايران."
وأشارت الى أن الرئيس المصري يعتقد أن العراق في حاجة الى حاكم
عسكري صارم وقوي وعادل. وقالت البرقية "نعتقد أن هذه الملاحظة الدالة
.. تصف رؤية مبارك الشخصية لنفسه."
وتصف البرقيات تحسن العلاقات مع ابتعاد اوباما عن سياسة الانتقاد
العلني التي اتبعتها ادارة بوش.
وساهمت مبادرات اوباما وخطابه الذي وجهه الى العالم الاسلامي من
القاهرة في 2009 في تحسن العلاقات حتى على الرغم من مواصلة ادارته
الضغط على حكومة مبارك من اجل مزيد من الانفتاح وانهاء انتهاكات حقوق
الانسان.
وارسلت السفارة الامريكية بالقاهرة برقية الى روبرت مولر مدير مكتب
التحقيقات الاتحادي قبل زيارته للقاهرة في فبراير شباط 2010 تقول "نواصل
الدعوة الى الاصلاح الديمقراطي في مصر بما في ذلك توسيع الحرية
السياسية والتعددية واحترام حقوق الانسان."
وقالت البرقية ان واشنطن تضغط على القاهرة لرفع حالة الطوارئ
المفروضة على البلاد بشكل شبه متواصل منذ عام 1967 واستبداله بقانون
لمكافحة الارهاب يحترم الحريات المدنية.
وأضافت أن حكومة مصر "لا تزال متشككة في دورنا في الترويج للاصلاح
الديمقراطي وتشكو من أن أي جهود للانفتاح ستؤدي الى تمكين (جماعة)
الاخوان المسلمين التي تشغل حاليا 86 مقعدا في البرلمان المصري الذي
يضم 454 مقعدا."
وجماعة الاخوان المسلمين اكبر الجماعات السياسية المصرية المعارضة
وتسعى الى العودة الى حكم الشريعة الاسلامية. ويخوض أعضاؤها الانتخابات
كمستقلين للتحايل على القيود المفروضة على أنشطة الاحزاب الدينية.
يوم قهر فيه المصريون الخوف
من جانبها تناولت صحيفة الجارديان التطورات في مصر، وقالت إن يوم
الجمعة هو اليوم الذي تخلص فيه المصريون من خوفهم، خوفهم من مركبات
الأمن المركزي والشرطة، من رجال الشرطة ذوي الملابس المدنية الذين
أذاقوهم الأمرين، من مقر الحزب الحاكم حيث يجري تزوير الانتخابات.
وقالت الجارديان إن أكبر قوة في الشرق الأوسط فقدت السيطرة على
شوارع القاهرة والجيزة والإسكندرية والسويس.
وقد وصفت الجارديان الاحتجاجات في مصر "بالثورة", وقالت إن هذه
الثورة لا تهدد نظام حسني مبارك فقط، ولكنها تشكل تهديدالا
لاستراتيجيات الولايات المتحدة وبريطانيا في الشرق الأوسط.
وقالت الجارديان إن التردد الذي بدا من مبارك يوم الجمعة ضاهاه
التحول الواضح في التوجه الذي اتخذه تصريح هيلاري كلينتون وزيرة
الخارجية الامريكية، حيث قالت كلينتون منذ يومين فقط إن الحكومة
المصرية مستقرة وتبحث عن سبل للاستجابة للمطالب المشروعة للشعب المصري.
ولكن بعد أحداث الجمعة أصبحت مطالبة كلينتون برفع القيود على
الانترنت والاستجابة لمطالب الشعب أكثر قوة.
وقالت الصحيفة إن هذا التغير في الموقف الأمريكي بعد فوات الأوان،
حيث لم يغب عن المصريين التأييد المبدأي الذي أبدته كلينتون لمبارك.
وفي مقاله في الاندبندنت كتب روبرت فيسك من القاهرة "الشعب يتحدى
الديكتاتور ومستقبل أمة على المحك". وقال فيسك في مقاله "قد تكون
النهاية. إنها بالتأكيد بداية النهاية"
وقال فيسك إن المظاهرات اتسمت بالشجاعة وغلب عليها الطابع السلمي
ولكن ما يصيب بالصدمة، حسب مال قال فيسك، كان ما قام به بلطجية النظام
الذين يرتدون ملابس مدنية الذين هاجموا وضربوا المتظاهرين بينما لم
يحرك رجال الشرطة ساكنا.
وأضاف فيسك في مقاله " كيف يمكن للمرء يوما قد يكون صفحة فارقة في
تاريخ مصر! ربما يجب على الصحفيين أن يتوقفوا عن التحليل وأن يقصوا
ويصفوا ما جرى في أرجاء واحدة من أعرق مدن العالم".
أما صحيفة "ديلي تليجراف" فجاء عنوان صفحتها الرئيسية "الدعم السري
الأمريكي لقادة المتمردين وراء انتفاضة المصريين".
وقالت ديلي تليجراف إنها علمت أن الحكومة الامريكية تدعم بصورة سرية
شخصيات بارزة وراء الانتفاضة المصرية، وأن هذه الشخصيات كانت تخطط "تغييرا
في النظام" منذ ثلاثة أعوام.
وتقول ديلي تليجراف إنها علمت أن السفارة الأمريكية في القاهرة
ساعدت معارضا شابا على حضور قمة برعاية الولايات المتحدة في نيويورك
للنشطاء الشباب، وعملت على اخفاء هويته عن أمن الدولة في مصر.
وأضافت الديلي تليجراف أن هذا الناشط الشاب لدى عودته إلى مصر عام
2008 أبلغ دبلوماسيين أمريكيين أن تحالفا من الجماعات المعارضة وضع خطة
للاطاحة بمبارك وتنصيب رئيس منتخب ديمقراطيا عام 2011.
وأضافت الصحيفة أن هذا الناشط قد اعتقل من قبل الأمن المصري بسبب
مظاهرات وأن الديلي تليجراف تحمي سرية هويته.
وقالت ديلي تليجراف إن هذه المعلومات جاءت في برقيات دبلوماسية سرية
نشرها موقع ويكيليكس. |