شبكة النبأ: تدرك الدول الغربية
وخصوصا الولايات المتحدة الامريكية انها باتت على مفترق طرق خطير قد
يمثل شكل العلاقة مع الدول العربية على المدى المديات القصيرة وطبيعة
ما سوف يترتب على اي موقف تتخذه ازاء الحراك السياسي والشعبي لتلك
الشعوب.
فالغرب كان ولايزال يتعامل مع قضايا المنطقة بمكيالين وفق معيار
المصالح والنفوذ المعتبرة لديه، وهو الامر الذي يفضح الادعاءات
المتبجحة التي تطلق من على منابرها الداعية الى احترام حقوق الانسان
وتطبيق الديمقراطيات في دول العالم الثالث، سيما انها تدعم العديد من
السلطات الديكتاتورية في منطقة الشرق الاوسط مثل والدول العربية بشكل
عام، بالرغم من عمليات القمع المتواصلة التي تمارسها الانظمة القائمة
هناك.
الا ان ما يحدث الان يربك الغرب بعد ان بات في موقف محير، بعد ان
بدت تلك الانظمة المهيمنة تتهاوى امام الانتفاضات الشعبية المتسلسلة
بشكل متواصل، فهل تدعم نظام مبارك مثلا فيكون مصيره شبيه لمصير بن علي،
ام تدعم المنتفضين الذي قد تحبط جهودهم في التغيير المنشود؟ وبين تلك
الرؤية الاولى والثانية تتجلى الحيرة في المواقف الغربية.
موقف حرج
فمع تصاعد الاحتجاجات في مصر وفي أماكن أخرى أصبحت الحكومات الغربية
تواجه موقفا حرجا في الاختيار بين تحالفاتها الاستراتيجية وبين خطابها
عن الديمقراطية والحقوق والتعاطف السياسي في الداخل مع المتظاهرين.
ويواجه اليمن وهو حليف اقليمي رئيسي اخر للولايات المتحدة احتجاجات
متصاعدة حيث يستلهم نشطاء في الشرق الاوسط وأماكن أخرى من بعضهم البعض.
وتعتمد واشنطن واخرون منذ فترة طويلة في صمت على حكام اقليميين
قمعيين أحيانا ينظر اليهم على أنهم متراس ضد التطرف الاسلامي. والان
أمامهم القليل من الخيارات الجيدة.
قالت روزماري هوليس استاذ دراسات سياسة الشرق الاوسط في جامعة سيتي
بلندن "لم يديروا هذا التوازن بشكل جيد تماما والان أصبحوا في ورطة."
ومضت تقول "استمروا في هذه الحيلة المهذبة باظهار أنهم يؤيدون
الديمقراطية والانفتاح ولكنهم في الحقيقة كانوا سعداء للسماح للانظمة
بأن تتجنب الاصلاحات."
وتقول هوليس ان الاداء القوي لحركة المقاومة الاسلامية (حماس) في
الانتخابات الفلسطينية في عام 2006 أرعبت كثيرا من صناع السياسة
وردعتهم عن المضي قدما في اصلاح ديمقراطي حقيقي في أماكن أخرى في
المنطقة. بحسب رويترز.
ودعا مسؤولون أمريكيون من بينهم الرئيس باراك أوباما الى ضبط النفس
بينما حثت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون القاهرة على اشراك الشعب
المصري في الاصلاحات واغتنام الفرصة لتلبية تطلعاته.
وقال وزير الخارجية البريطاني وليام هيج انه لا ينبغي للسلطات في
مصر أن "تقمع حق الشعب في حرية التعبير" ولكنه مرة أخرى يتراجع عن
الانحياز لاي من الجانبين.
واذا أبدت العواصم الغربية تأييدا صريحا للمتظاهرين كما فعلوا أثناء
الاحتجاجات في ايران في عام 2009 فانهم يخاطرون بعزل أصدقاء قدامى
ويشجعون المحتجين في الشوارع.
واذا قمعت قوات الامن المحتجين بوحشية فان الزعماء الغربيون سيخشون
الاتهام بالتواطوء في انتهاكات الحقوق.
وقال ايان بريمر رئيس مجموعة يوراسيا لتحليل المخاطر السياسية
"سيكون من الصعب للغاية على الولايات المتحدة أن تتخلى عن دعم مبارك..
حتى لو حرصوا على عدم تقديم الدعم للقمع."
وينظر الى مصر كذلك على أنها حليف رئيسي ضد ايران وتلعب دورا رئيسيا
في الحد من تهريب الاسلحة لنشطاء حماس في قطاع غزة. ولا تزال قناة
السويس حيوية بالنسبة للواردات الاوروبية من النفط والسلع الاسيوية
الرخيصة.
وقال نايجل انكستر وهو نائب سابق لرئيس جهاز المخابرات البريطاني
(ام.اي 6) وهو الان رئيس التهديدات عبر القومية والمخاطر السياسية في
المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "قد يكون الخيار الاقل
سوءا هو الضرب برأفة خوفا من أن يكتشفوا شيئا ما أسوأ ولكن في الوقت
نفسه محاولة دفعه في اتجاه الاصلاح السياسي والاقتصادي."
وتابع "في النهاية لا يمكن للولايات المتحدة والقوى الاوروبية عمل
أكثر من انتظار الاحداث ومحاولة ضمان ألا تستعدي على نحو غير مبرر من
سيكون في الجانب المنتصر."
وسيراقب الزعماء الغربيون بعناية الرأي العام في دولهم. وتراقب
المنظمات الاخبارية وعدد متزايد من الشبان النشطين سياسيا الاحتجاجات
في مصر وتونس عن كثب من خلال مواقع مثل تويتر وسيلعبون دورا حاسما
للغاية في الرضوخ الغربي المتصور لاراقة الدماء.
وقال مارك هانسون وهو واضع خطط استراتيجية سابق للاعلام الجديد مع
حزب العمال البريطاني ومستشار في الاعلام الاجتماعي مقيم في لندن "جانب
من الاستراتيجية السياسية في حوادث كهذه كان دائما يتعلق بالتأثير في
الرأي العام ووسائل الاعلام الغربيين ومن ثم التأثير في حجم السياسة
الحكومية." وأضاف "المحتجون يفعلون ذلك بشكل جيد للغاية."
وأظهرت برقيات دبلوماسية أمريكية سرية سربها موقع ويكيليكس أن
الدبلوماسيين مستمرون في الضغط على مبارك وحكومته لتحقيق اصلاح
ديمقراطي وتقليص الرقابة وتخفيف حالة الطوارئ.
ولكنهم يوضحون أيضا أن المساعدات الامريكية لحكومة مبارك وخصوصا
للجيش الذي سيثبت أنه عامل حاسم اذا استمرت الاحتجاجات في التصاعد شرط
مسبق للعلاقات الطيبة.
وتقول برقية يرجع تاريخها الى فبراير شباط 2010 أعدت كافادة موجزة
قبل زيارة للاميرال مايك مولن رئيس هيئة الاركان المشتركة "يرى الرئيس
مبارك وقادة الجيش برنامج مساعداتنا العسكرية كحجر الزاوية في علاقاتنا
العسكرية وينظرون الى مبلغ 1.3 مليار دولار في التمويل العسكري الاجنبي
سنويا على أنه تعويض لا يمكن المساس به لتحقيق السلام مع اسرائيل."
والجيش المصري قد يقرر مصير مبارك وأن يكون بمثابة صانع الملوك اذا
قرروا عدم تأييده وأن يقرروا ايا من القوى السياسية قد تحصل على نفوذ.
وينظر الى جمال مبارك (47 عاما) على أن لديه حلفاء في الحكومة ورجال
الاعمال وفي الغرب ولكن نفوذه أقل في الجيش. وينفي كل من جمال ووالده
أنه يجري اعداده لخلافته.
وقالت هوليس "جمال شخص قد يحبونه في مكان ما مثل دافوس" في اشارة
الى المنتدى الاقتصادي العالمي الذي يضم رجال الاعمال والزعماء
السياسيين ويعقد في سويسرا.
ومضت تقول "لكن اسمه يحمل لقب مبارك وهذا يجعله ملعونا في الشوارع.
حقا ان الجيش هو الذي سيقرر. وصفوة الجيش قريبة جدا من واشنطن ولكن
يتعين عليكم أن تسألوا عند مدى المشاعر المعادية لامريكا واسرائيل في
الرتب الادنى."
خيط رفيع بين مبارك والمحتجين
وتحاول الولايات المتحدة وهي تراقب قمع انتفاضة في مصر تجنب التخلي
عن الرئيس حسني مبارك حليفها منذ 30 عاما بينما تدعم المثل الديمقراطية
للمحتجين.
فيما يلي بعض الخيارات أمام السياسية الامريكية بحسب رويترز:
تحقيق توازن (السيناريو الاكثر ترجيحا)
وزادت الولايات المتحدة وبصورة رئيسية من خلال وزيرة خارجيتها
هيلاري كلينتون من دعواتها لحكومة مبارك لتحقيق اصلاحات سياسية
واقتصادية وأن تكبح قوات الامن عن الهجوم على المواطنين.
لكنها أوضحت أيضا عدم تخليها عن مبارك وانها تتطلع الى العمل مع
الحكومة المصرية لتنفيذ اصلاحات.
والنتيجة هي محاولة لتحقيق توازن يشير محللون الى أنه يستهدف وضعا
تستطيع الولايات المتحدة معه التعامل مع من سيخرج منتصرا.. حكومة مبارك
أو من سيخلفه.
وقال كينيث بولاك مدير مركز سابان لسياسة الشرق الاوسط في معهد
بروكينجز بواشنطن " الخيط الرفيع الذي يتعين على الحكومة أن تسير عليه
هو أنه من المحتمل أن ينجو النظام."
وقال بولاك "تاريخ الثورات يقول انها تنجح فقط عندما تفقد الحكومة
الارادة أو القدرة على استخدام العنف والى الان لم يحدث شيئا في مصر
يشير الى حدوث أي من الامرين."
دعم مبارك الى أقصى طاقتها (غير مرجح)
مبارك وهو ضابط سابق في القوات الجوية حل محل الرئيس الراحل أنور
السادات الذي اغتيل في عام 1981 شريك للولايات المتحدة بسبب دعمه
معاهدة السلام مع اسرائيل ودعمه لتحقيق سلام أوسع نطاقا بين العرب
واسرائيل ومساعدته في محاربة الارهاب وقضايا أخرى.
وكان الاستقرار في مصر في العقود الثلاثة الماضية قيمة كبيرة
بالنسبة لاسرائيل التي لم يكن لديها ما يقلقها بشأن الجبهة االمصرية
منذ معاهدة السلام في عام 1979 التي نتجت عن اتفاقيات كامب ديفيد التي
تم التوصل اليها بوساطة الرئيس الامريكي الاسبق جيمي كارتر.
اذا كانت الولايات المتحدة ستمنح مبارك دعما غير محدود فانها تخاطر
بأن تقف على الجانب الخاطئ من التاريخ وبالتمسك بزعيم متسلط تستخدم
قواته الرصاص المطاطي وقنابل الغاز المسيل للدموع ومدافع المياه ضد
المحتجين.
وبينما وصفت كلينتون حكومة مبارك بأنها مستقرة يوم الثلاثاء تحولت
ادارة الرئيس الامريكي باراك أوباما تدريجيا عن تأكيدها بجعل دعوتها من
أجل الاصلاح أكثر تركيزا وبدعوتها القاهرة يوم الجمعة " لكبح" قوات
الامن لديها.
وقالت كلينتون في مؤتمر صحفي "الاصلاحات ضرورية بشكل مطلق لخير
المصريين. وأضافت موجهة حديثها لزعماء الشرق الاوسط بشكل عام "عليهم أن
ينظروا لمجتمعاتهم كشريك وليس كتهديد."
التخلي عن مبارك أو معاقبته (الاقل ترجيحا)
اذا أدارت ادارة أوباما ظهرها لمبارك فانها ستتخذ عددا من الخطوات
من بينها:
- تخفيض بعض أو كل المساعدات السنوية التي تقدمها واشنطن للقاهرة
سنويا والبالغ حجمها 1.3 مليار دولار للمساعدات العسكرية ومساعدة
اقتصادية حجمها حوالي 250 مليون دولار.
- مطالبة مجلس الامن التابع للامم المتحدة بأن يتعامل مع قضية قمع
المحتجين في مصر.
- التنديد بالقمع علانية.
- ابلاغ مبارك من وراء الكواليس أنه يتعين عليه أن يتنحي.
والتخلي عن حليف قديم كهذا قد يرسل اشارة شديدة لحلفاء اخرين
للولايات المتحدة بأنه لا يمكن الاعتماد على واشنطن وقد تدفعهم الى
توثيق علاقاتهم مع اخرين مثل الصين وايران.
وقال جون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية "هذا
سيكون حقيقيا بالنسبة لدول أخرى حليفة في أنحاء الشرق الاوسط (كعلامة
على) امكانية الاعتماد على صديق أمريكي."
وبغض النظر عما تفعله واشنطن فان نفوذ الولايات المتحدة قد يكون
محدودا تماما.
وقال الترمان "الامر ليس بيدنا.
"انه بيد مصر... والادراك الواسع والعميق هو أن الحكومة لم تحقق
شيئا لشعبها." وأضاف " دورنا هامشي في أحسن الاحوال."
الخوف من الإخوان
من جهته اعتبر تقرير سياسي لمجلة "تايم" الشقيقة لـCNN أن الولايات
المتحدة في موقف صعب حالياً، بسبب الأوضاع الموجودة في مصر، فواشنطن
تجد نفسها محرجة أمام دعم مطالب فرض الديمقراطية في بلد حليف لها قد
تنقلب الأوضاع فيه إذا وصل التيار الإسلامي إلى السلطة، وقد فاقم هذا
التخبط إعلان تنظيم "الإخوان المسلمون" عزمهم النزول إلى الشوارع
لمواجهة النظام المصري.
وقال التقرير إن مبارك كان بالتأكيد يستمع إلى الشعارات التي يطلقها
المحتجون أكثر مما تفعله وزيرة الخارجية الأمريكية، هيلاري كلينتون،
التي دعته مؤخراً إلى "الاستجابة للحاجات المشروعة للشعب المصري،" في
حين أن المظاهرات تدعوه للتنحي والتخلي عن السلطة.
وبحسب التقرير، فإن دعوة الإدارة الأمريكية إلى مبارك للاستجابة
لمطالب الشارع وإجراء إصلاحات هو في الواقع نتيجة دروس تعلمتها واشنطن
من تجاربها السابقة ابتداء من سلوكها مع حليفها، شاه إيران، الذي أطاحت
به ثورة إسلامية عام 1997، أو الرئيس التونسي زين العابدين بن علي،
الذي فقد السلطة جراء "ثورة الياسمين." بحسب السي ان ان.
وقد اتضح لواشنطن أن هذه الأنظمة لا تدرك مدى عمق المشاكل
الاجتماعية والاقتصادية التي تعترض شعوبها، وبالتالي فإن الدعوة
الأمريكية إلى معالجة المشاكل داخل مصر إنما هي نصيحة لمبارك ليقوم بكل
ما يتوجب عليه القيام له للحفاظ على نظامه، مع الأخذ بعين الاعتبار
ضرورة عدم استخدام السلاح بمواجهة المحتجين.
وقالت المجلة إن الدوامة التي دخلها البيت الأبيض في الموقف الذي
يجب أن يعتمده حيال الوضع في مصر ازدادت حدة بعد دعوة تنظيم "الإخوان
المسلمون" أنصاره إلى الانضمام للمظاهرات، فالولايات المتحدة معروفة
تاريخية بمدى "حساسيتها" تجاه التعامل مع الفصائل الإسلامية الطابع،
وخاصة تلك التي دخلت أكثر من مرة في مواجهات مع القوى المتحالفة معها
في المنطقة.
والمشكلة التي تعترض أمريكا، بحسب التقرير، هو رغبتها في رؤية
المظاهرات السلمية الداعية للديمقراطية في الدول التي تعارضها، مثل
إيران، ولكنها تنزعج من مشاهدة أحداث مماثلة في دول متحالفة معها، إذ
لا يمكن التوصل إلى ديمقراطية في مصر دون الاعتراف في الوقت عينه بحق
الإسلاميين بالسعي للوصول إلى السلطة.
ولفت التقرير إلى أن هذا الواقع ظهر جلياً في العلاقات الفلسطينية
الأمريكية، إذ انقلبت واشنطن على مواقفها السابقة 180 درجة، بعد أن
أوصلت الديمقراطية الفلسطينية حركة حماس إلى الحصول على الغالبية
البرلمانية.
ولكن الواقع - بحسب تايم - هو أن الواقع الإسلامي يتمتع بوجوه
متعددة، فهناك تنظيم القاعدة المتطرف الذي يحمل السلاح ضد الحكومات
المحلية والقوى الغربية، وهناك حزب العدالة الذي يحكم تركيا بنموذج
متقدم ومرن، ولكن التيارات الإسلامية بمختلف فروعها تتشارك في قضية رفض
تدخل الولايات المتحدة بشؤون الشرق الأوسط.
كما أن القوى المنتخبة بشكل ديمقراطي في الدول العربية لن تطبق ما
ترغب به واشنطن، فالنظام المصري غير الديمقراطي مثلاً يمكنه إقامة
علاقات مع إسرائيل، بينما ترفض ذلك الأحزاب العراقية المنتخبة، رغم
تحالفها الواضح مع واشنطن.
كما أن الإسلاميين الأتراك دشنوا عهدهم في السلطة بمنع الولايات
المتحدة من استخدام أراضي تركيا لتوجيه ضربة عسكرية إلى العراق، في
السنوات التي سبقت سقوط نظام الرئيس الراحل، صدام حسين.
واشنطن عالقة بين الشعوب والأنظمة العربية
والى قبل قبل أسبوعين، حذرت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري
كلينتون، أثناء زيارة لقطر، الزعماء العرب من أن أنظمتهم ستغرق في
الرمال إذا فشلوا في التصدي لليأس والفقر وانعدام الحريات السياسية في
بلدانهم وبناء عالم أفضل لمستقبل شعوبهم.
الآن، وفي جميع أنحاء المنطقة، بدأت الشعوب العربية تعلن عن
إحباطاتها الاجتماعية والاقتصادية وتؤكد على حقوقها الديمقراطية.
ما تقوم به الشعوب العربية في هذا المجال وضع الولايات المتحدة في "موقف
لا تحسد عليه" بين الرغبة والحاجة إلى دعم تلك الرغبات الشعبية، وكون
الأنظمة التي اعتمدت طويلاً لغايات الأمن في المنطقة هي أهداف تلك
التحركات الشعبية.
لقد تلقت الولايات المتحدة ما حدث في تونس على حين غرة تماما جراء
غيابها إلى حد كبير عن المشهد التونسي، وأعربت وزارة الخارجية
الأمريكية في وقت مبكر عن "بعض القلق" بشأن التدفق الحر للمعلومات
وحملة القمع التي شنتها الحكومة التونسية على المتظاهرين، وحثت على
احترام حقهم في حرية التعبير.
لكن الحكومة الأمريكية لم تقدم دعماً قوياً لتطلعات المتظاهرين في
تونس إلا بعد أن فرّ الرئيس زين العابدين بن علي فروا بالفعل من
البلاد. بحسب السي ان ان.
وفي بيان صيغ بعناية حثت كلينتون الحكومة التونسية المؤقتة على
احترام حقق الشعب في التجمهر والاستجابة لمطالبهم بالإصلاح السياسي
والاجتماعي الاقتصادي.
ومتشجعين بما حققه أخوانهم في تونس، تدفق المصريون إلى شوارع
القاهرة للاحتجاج على الفساد وفشل السياسات الاقتصادية للرئيس حسني
مبارك.
ومرة أخرى تعيد كلينتون وزن كلماتها، لكنها قدمت كذلك دعماً
"فاتراً" للحكومة المصرية، ووصفتها بأنها "مستقرة" و"تبحث عن طرق
للاستجابة للاحتياجات والمصالح المشروعة للشعب المصري."
وفي حين أن فرص حدوث "ثورة" بين ليلة وضحاها في مصر أقل بكثير مما
حدث في تونس، فإن العواقب بالنسبة للولايات المتحدة ستكون أكثر بكثير
ووخيمة لو حدثت ثورة في مصر.
لقد وفر زين العابدين بن علي تعاوناً ملموساً للولايات المتحدة في
حملتها ضد "الإرهاب"، غير أن الإطاحة به ليست ذات أهمية كبيرة نسبياً
لمصالح الأمن القومي الأميركي.
غير أن مبارك يعد حليفاً رئيسياً للولايات المتحدة وتشكل المساعدة
التي يقدمها أمراً حاسماً في الحفاظ على الأمن في المنطقة في كل
القضايا، بدءاً من المساعدة على تحقيق السلام بين الإسرائيليين
والفلسطينيين إلى مواصلة ممارسة الضغط على إيران لتحقيق الاستقرار في
لبنان والعراق.
لكن فشله المستمر في تلبية نداءات شعبه قد تصبح في نهاية المطاف
قضية أمن قومي للولايات المتحدة.
وحالياً، فإن سيطرة الولايات المتحدة على الأحداث في الشرق الأوسط
أقل من أي وقت مضى. وبدا ذلك واضحاً في محادثات مطلع الأسبوع الماضي في
اسطنبول، حيث أظهرت إيران تحدياً للولايات المتحدة وحلفائها بشأن
برنامجها النووي رغم العقوبات القاسية.
أما لبنان فهو في خضم لعبة خطرة تهدد بإيصال البلاد إلى حافة
الهاوية مرة أخرى قد تؤدي إلى حرب أهلية بعد أن أسقط حزب الله، المدعوم
من سوريا وإيران، حكومة رئيس الوزراء السابق سعد الحريري، التي حظيت
بدع الولايات المتحدة، وتثبيت الملياردير نجيب ميقاتي بوصفها خيار
الحزب لهذا المنصب.
وفي الأثناء لا الإسرائيليين ولا الفلسطينيين يبدون مستعدين للتنازل
ولو بوصة واحدة لاستئناف محادثات السلام، ما يترك عملية السلام متراوحة
في مكانها.
لطالما نظرت هذه المنطقة المضطربة إلى الولايات المتحدة من أجل
المساعدة في أوقات الأزمات. غير أن دولاً مثل تركيا وقطر، اللتان لا
تنسجم مصالحهما دائما مع واشنطن، باتت دولاً محورية في هذه الأزمات.
وفي حين أن تأثير الولايات المتحدة على هذه القضايا الكبيرة في
المنطقة يتراجع ويتضاءل، فإن على الولايات المتحدة أن تضاعف جهودها
لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه القضايا، مثل الفقر والجوع والحرمان
المرأة من حقوقها: وهي بعض العلل التي دفعت الشعب التونسي للنزول إلى
الشوارع.
لقد قالت كلينتون للزعماء العرب في قطر إن الولايات المتحدة مستعدة
لمساعدتها في تلبية احتياجات شعوبها، غير أن ما لم تقله هو "أنه بمجرد
أن يبدؤوا بالغرق في الرمال، فإن الولايات المتحدة قد تكون عاجزة عن
تقديم المساعدة."
حدود النفوذ الامريكي
وعلى الرغم من بذلها لكثير من المساعدات والدبلوماسية في المنطقة
تبدو واشنطن حتى الان عاجزة عن ممارسة أي تأثير حقيقي بشأن أحدث
التطورات حتى فيما يتعلق بتهديدات لم يسبق لها مثيل يواجهها حليف عربي
مهم مثل الرئيس المصري حسني مبارك.
ويسعى صناع القرار السياسي الامريكيون - الذين يشعرون بالقلق من أن
تخرج الاضطرابات في المنطقة عن نطاق السيطرة - الى وضع نهج مناسب.
وقال ديفيد ماكوفسكي المحلل في معهد واشنطن لدراسات الشرق الادنى "هذا
وقت صعب جدا للولايات المتحدة في الشرق الاوسط ... التحدي هو التوصل
الى الموقف السليم."
وفيما يلي أسئلة وأجوبة بشأن سياسة الولايات المتحدة في الشرق
الاوسط:
- ما الذي تشير اليه الاضطرابات بشأن سياسة ونفوذ الولايات المتحدة؟
- منذ تولى أوباما رئاسة البلاد قبل نحو عامين واجهت ادارته صعوبات
عدة مرات للموازنة بين الدعم للدول العربية المعتدلة التي تعتبر مهمة
للمصالح الامريكية وبين الضغط من أجل مزيد من الحريات السياسية وحقوق
الانسان. بحسب رويترز.
ومصر مثال واضح على هذه المعضلة نظرا لان الولايات المتحدة لا
تعتبرها ركيزة أساسية لعملية السلام بين اسرائيل والفلسطينيين في
المستقبل وحسب وانما تعتبرها أيضا ستارا في مواجهة النفوذ الايراني
بالمنطقة.
وبعد موقف اتسم بالتحفظ في البداية حثت وزيرة الخارجية الامريكية
هيلاري كلينتون الرئيس المصري فيما بعد صراحة على اجراء اصلاحات سياسية
في مواجهة المحتجين الذين يطالبون باسقاطه.
ونادرا ما رضخ مبارك للضغوط الامريكية بشأن سلوك حكومته من قبل ولم
يتضح بعد ما اذا كانت اللهجة الاكثر حدة من جانب كلينتون ستترجم الى اي
شيء ملموس.
والتأثير الامريكي على مستوى الشارع في مصر وسائر العالم العربي
ضئيل أيضا. ولاتزال المشاعر المناهضة للولايات المتحدة قوية على الرغم
من محاولة أوباما التواصل مع العالم الاسلامي وجهوده لتخفيف العداء
تجاه واشنطن الذي خلفه قرار سلفه جورج بوش غزو العراق عام 2003 .
والادارة مقيدة ايضا برغبتها في تجنب اعطاء الانطباع بمزيد من
التدخل الامريكي في المنطقة. واستقبل "جدول أعمال الحرية" الذي تحدث
عنه بوش بازدراء في العالم العربي.
- ما هي العواقب بالنسبة للولايات المتحدة
اذا سقط مبارك؟
- أولا وقبل كل شيء يرجح معظم المحللين المقيمين في الولايات
المتحدة أن يصمد مبارك في وجه العاصفة على الاقل لان حكومته وجيشه
مستعدان فيما يبدو لاستخدام كل القوة اللازمة لتجنب مصير الرئيس
التونسي زين العابدين بن علي الذي تمت الاطاحة به في احتجاجات شعبية.
كما أن حلفاء مبارك الغربيين يريدون على الارجح تجنب اضطرابات شاملة
في البلاد البالغ عدد سكانها 80 مليون نسمة والتي قد تنجم عن التخلي
عنه.
لكن اذا فقد مبارك سيطرته على الحكم المستمرة منذ 30 عاما فان أكبر
مخاوف الولايات المتحدة ستكون صعود حكومة لها صلات وثيقة بالاسلاميين
وخطر أن تأخذ مصر صف ايران العدو اللدود للولايات المتحدة وحليفتها
اسرائيل.
وينظر على نطاق واسع الى هذا على أنه شيء لن يسمح الجيش المصري
القوي بحدوثه أبدا. وقدمت واشنطن لمصر مساعدات بمليارات الدولارات شملت
مساعدات عسكرية منذ أصبحت أولى دولتين عربيتين اثنتين فقط تقيمان سلاما
مع اسرائيل بعد توقيع معاهدة عام 1979 .
- ما هي المخاطر المرتبطة بالازمة السياسية
في لبنان؟
- لا يمكن انكار سبب مخاوف الولايات المتحدة بعدما بدأت عملية تشكيل
حكومة جديدة مدعومة من حزب الله. وهنا أمام واشنطن خيار قطع المساعدات
عن القوات المسلحة اللبنانية اذا كانت تخشى أن تسقط الاسلحة الامريكية
في أيدي مقاتلي حزب الله وتستخدم ضد اسرائيل.
لكن من غير المرجح أن يكون لهذا التهديد أثر كبير. ومنذ انهيار
الحكومة التي كان يقودها رئيس الوزراء السابق المؤيد للغرب سعد الحريري
هذا الشهر بدت واشنطن عاجزة عن التأثير على مجرى الاحداث.
وكانت ادارة أوباما تأمل أن يكون لبنان مثالا يحتذى للاصلاح
الديمقراطي في الشرق الاوسط. لكن حزب الله المدعوم من ايران وسوريا
والمدرج على قائمة الولايات المتحدة للمنظمات الارهابية كسب مزيدا من
النفوذ.
- ماذا يعني هذا لعملية السلام الاسرائيلية
الفلسطينية؟
- أي زعزعة للاستقرار في الشرق الاوسط تعتبر نذير شؤم بخصوص احياء
محادثات السلام بين اسرائيل والفلسطينيين. وجهود السلام التي يبذلها
أوباما متعثرة بالفعل ولا توجد اي مؤشرات على عودة الحياة اليها في
الوقت الحالي.
وازداد الموقف تعقيدا بسبب تأثير وثائق سرية مسربة تظهر أن
المفاوضين الفلسطينيين قدموا تنازلات كبيرة لاسرائيل في محادثات في عام
2008 لم تسفر عن أي نتيجة.
- ماذا يعني هذا بالنسبة لمكافحة الولايات
المتحدة لتنظيم القاعدة؟
- ليس له أثر يذكر. لكن أي شيء يقوض النفوذ الامريكي في العالم
العربي يمكن أن يقوي شوكة الاسلاميين الذين يعارضون جهود واشنطن. ونشط
تنظيم القاعدة في جزيرة العرب الذي يتخذ من اليمن مقرا على مدى العام
المنصرم في التخطيط لهجمات على أهداف امريكية على الرغم من أن غارات
لطائرات أمريكية بدون طيار تقتل المزيد من المتشددين. |