صرخـــــات احتجـــــاج

مرتضى بدر

الأحد 23 يناير 2011 الاقتصاد العربي يمشي كالأعرج، لا هو باقتصاد ليبرالي، ولا هو باقتصاد ريعي. هذا الاقتصاد يريد أن يظهر بمظهر الليبرالي من دون أن يستغني عن الفكر الريعي.

 المعلوم عن السياسة الليبرالية أنها لا تراعي الجانب الاجتماعي، ما يؤدي إلى خلق فئات مهمّشة في المجتمع. وأما السياسة الريعية، فإنها تعتبر أسوأ من الليبرالية؛ ذلك لأنها لا تشجع على الإنتاجية والتنافسية، ما يجعل الحكومة هي السلطة العليا في إدارة الدولة، والمتحكمة في مفاصل الاقتصاد، معتمدةً بصورة كلية على الثروة الطبيعية (النفط والغاز وغيرها)، فتوزعها كيفما تشاء، وتجعل الرعية مجرد عبيد يقتاتون على ما تتصدق عليها الحكومة من مكارمها.

عدم التوزيع العادل للثروة جعلت الدول العربية تمشي على هامش نظام الاقتصاد العالمي الذي يدعو إلى تحرير الاقتصاد من قبضة الدولة. بعض الدول خطت خطوات غير مدروسة في سياساتها الاقتصادية تماشياً لرغبات الغرب من دون تأسيس بنية تحتية لقيام اقتصاد حر.

والمعلوم عن الاقتصاد الحر أنه قائم على الشفافية والحرية والعدالة الاجتماعية والتوزيع العادل للثروة. التخبط الاقتصادي الذي سارت عليه بعض الدول العربية تسبّب في خلق فجوة بين فئات المجتمع، وأدى إلى ثراء فاحش لدى قلة قليلة من المتنفذّين والمقرّبين من السلطات الحاكمة. أما الأكثرية الساحقة من أبناء المجتمع، فهم يعانون من البطالة والعوز، وهذا ما جعل معظم دولنا مُعرَّضة للتوترات والاحتجاجات والانتفاضات.

ما حدث في تونس مؤخراً دليل بارز على فشل الكثير من المشاريع التي تبنّتها الحكومات العربية في السنوات الأخيرة. فقد انطلقت شرارة الانتفاضة التونسية بعد أن أقدم طالب جامعي عاطل عن العمل على إشعال النار في نفسه، وبعدها امتدت الاحتجاجات الشعبية ضد الفساد وقمع الحريات. وقبل هروبه بساعات، وفي الوقت الضائع، خاطب الدكتاتور  زين العابدين بن علي الشعب التونسي، ووعد بتحسين الظروف المعيشية، وتوفير فرص العمل، إلا أن الشعب التونسي أبى أن يستسلم ويلدغ من وعوده الكاذبة مرة أخرى، فاستمر في انتفاضته، ورفع سقف مطالبه لتشمل الإصلاح السياسي؛ ما أدى إلى هروب بن علي وانتهاء حكمه الفاسد.

الاحتجاجات الشعبية في تونس كانت لها تداعيات على الدول العربية بصفة عامة، والمغرب العربي بصفة خاصة. فقد جابت المسيرات في موريتانيا والجزائر والأردن والسودان واليمن ضد ارتفاع أسعار المواد الغذائية والمحروقات، وحدثت مصادمات وسقط العديد من القتلى والجرحى في الجزائر. وفي أول ظاهرة احتجاجية، وعلى غرار ما قام به (محمد بوعزيزي) في تونس أقدم بعض الشباب الغاضب في كل من الجزائر وموريتانيا ومصر واليمن على إشعال النار في أنفسهم؛ احتجاجًا على تردي الأحوال المعيشية والبطالة.

وتفادياً لتصاعد الأحداث، أقدمت بعض الحكومات على تقديم معونات عاجلة، وتعهدت باستمرار دعم السلع الغذائية والمحروقات كالذي حدث في الأردن والمغرب وموريتانيا. أما في سوريا، فقد أصدر الرئيس بشار الأسد مرسوماً بزيادة تعويض التدفئة (المازوت) إلى 1500 ليرة شهريًا، وسيسري هذا الدعم اعتبارًا من بداية شهر فبراير القادم.

في الختام، وبعد هذا السرد للحوادث الدرامية المثيرة التي وقعت في العالم العربي من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، نرى أنّ من واجبنا تقديم بعض النصح للحكومات العربية الموقرة، ونقول لها: لا تستفزوا شعوبكم، ولا تزاحموها في لقمة عيشها ... احفظوا كرامتها، واتعظوا مما حدث في المغرب العربي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 30/كانون الثاني/2011 - 25/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م