كربلاء وسيل التفجيرات الانتحارية!

مهند حبيب السماوي

الهجمات الإرهابية التي تعرض لها العراق في الأيام الأخيرة دعت بعض من الكتاب والباحثين الغربيين إلى طرح سؤال مهم يتعلق بما يمكن أن تحدثه هذه التفجيرات من اثر ربما يشابه ما حدث من آثار ونتائج سنوات العنف الطائفي في العراق 2006-2007 وهو تساؤل ضروري يكشف عن تخوّف مشروع من عودة العراق إلى تلك الأيام السوداء التي كلفته الآف الضحايا من المدنين الأبرياء.

وقد كان للكاتب دان ميرفي، وهو محرر وكاتب في كرستينان ساينس مونيتر، رأي في هذا الموضوع، فقد كتب مقالا في يوم الخميس الماضي20-1-2011، في صحيفة كريستيان مونيتر الأمريكية، يتحدث فيه عن انفجارات كربلاء والأيام التي سبقتها وتداعياتها على الوضع في العراق. حيث كتب ميرفي :

كانت الهجمات الانتحارية التي تعرضت لها الشرطة العراقية هذا الأسبوع منذرة بالسوء بما فيه الكفاية، لكن ما حدث من تفجيرات انتحارية في مدينة كربلاء، في يوم الخميس 20-1-2011 ابّان تجمع الشيعة لأحياء ذكرى أربعين الأمام الحسين، ذكّرنا بحقيقة انه مازال هنالك الكثير من الضغائن الطائفية في العراق وان عملية المصالحة الوطنية مازالت في بدايتها.

حوالي 50 فرد قتلوا في هجمات الخميس التي يرجح أن يكون تنظيم القاعدة هو من يقف ورائها، والتفجير الانتحاري الذي حدث الأربعاء واليوم في بعقوبة، وهي مدينة تقع على بعد 50 ميل شمال بغداد، حصد أرواح حوالي عشرة أشخاص. وقبلها في الثلاثاء قُتل 60 عراقي في تكريت، وهي مسقط رأس الدكتاتور السابق للعراق صدام حسين، في هجوم انتحاري على مركز تطوع للشرطة.

الهجمات الانتحارية الكبيرة ضد الزوار الشيعة وأماكن العبادة أصبحت حقيقة في حياة العراقيين خصوصا بعد آذار 2003 حينما تم أسقاط تمثال صدام في ساحة الفردوس في بغداد، وفي آب اللاحق من نفس العام تم تفجير سيارتين كبيرتين خارج ضريح الأمام علي في النجف قُتل فيها 83 شخص من بينهم آية الله محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق، وهو واحد من اكبر حزبين سياسيين شيعيين في البلاد.

بعد سنوات من هذا الحدث، ساهمت الهجمات السنية ضد الشيعة على دفع العراق نحو الحرب الأهلية(على الرغم أن هذا لم يكن السبب الوحيد، فالشيعة شاركت بحصة عادلة في تصفية حساباتها ضد السنة في أعقاب سقوط صدام). وفي 2006 وعندما دمرت القنابل ضريح العسكريين في سامراء (وهو ثالث مكان مقدس للشيعة في العراق بعد ضريحي علي والحسين) ضرب العنف وبمستوى من الوحشية المطلقة مع عمليات قتل وانتقام وتعذيب روتيني لكل جانب من جانبي الفئات المتصارعة طائفيا.

هل لهجمات اليوم نفس النوع من التأثير التي كانت لهجمات الأمس؟ من المستبعد أن تكون كذلك في ذاتها، ومؤخرا في حزيران عام 2009 تم تفجير خمسة جوامع للشيعة في بغداد بصورة متزامنة حاصدة أرواح 29 شخصا، لكن هذا الفعل لم يحرّض الشيعة على القيام بعميلات انتقام.

واليوم يمتلك العراق حكومة ذات سيادة كاملة، ورئيس الوزراء نوري المالكي شيعي وحزب آية الله الحكيم الذي تم اغتياله عام 2003 (والذي تم تغيير اسم حزبه إلى المجلس الإسلامي الأعلى في العراق) لديه سلطة كبيرة في الحكومة. ورجل الدين الشيعي مقتدى الصدر قد خَفَف خطابه. والأسبوع الماضي وفي أول خطاب شامل له منذ عودته من مدنية قم الدينية في أيران، قام الصدر بشجب العنف الطائفي وأعطى إشارات بأنه يريد التركيز على المسار السياسي للوصول للسلطة على الأقل منذ الآن.

وما تزال القوة الرمزية لزمان و مكان هذه التفجيرات لا يمكن تجاهلها. فملايين من الشيعة توجهوا لكربلاء لإحياء ذكرى أربعين الإمام الحسين، حفيد النبي محمد، والذي أدى موته مع أصحابه في ارض كربلاء على يد الخليفة السني يزيد عام680، إلى انقسام حاد في الإسلام الى مذهبين كبيرين. ومئات الألوف من هؤلاء الزوار الذين توجهوا لكربلاء مشيا على الإقدام قد تعرضوا لهجمات إرهابية في الأيام الأخيرة.

وكان الزوار الشيعة يُمنعون من زيارة الأئمة في زمن صدام حسين الذي كان يتخوف من احتمالية أن تتحول الزيارة الى تجمهر سياسي للأغلبية الشيعية في العراق الذي كانوا مواطنين من الطبقة الثانية تحت حكمه. والمتشددون مثل تنظيم القاعدة ممن يرون الشيعة خارجين عن الأيمان الحقيقي الصحيح، يكرهون الزوّار والانحراف عن الممارسات الدينية العملية التي يمثلونها.

ومن المحتم أننا سنرى اعادة التفكير حول وضع القوات الأمريكية التي من المفترض ان تكون خارج العراق في نهاية هذه السنة، حيث ستمدد هذه القوات من بقائها في العراق كنتيجة لهذه الهجمات. هذا القرار يحتاج لموافقة من قبل المالكي وبقية أعضاء الحكومة العراقية، والتمديد للقوات الأمريكية التي يراها الكثير من العراقيين قوات مُحتلة سوف يؤدي الى تسميم الوضع السياسي. من المفيد أن نذكر بان هذه الأنواع من الهجمات قد حدثت في العراق طيلة السنوات الثمان المنصرمة من الحرب، خصوصا حينما كانت القوات الأمريكية مستلمة لزمام السيطرة الأمنية خصوصا في عام 2007 و 2008.

زيادة عديد القوات، مع انه اثر بفاعلية على خفض العنف، يعود إلى الرغبة الجديدة لدى القوات الأمريكية لدفع المقاتلين السنة للانضمام لقوات مسلحة منظمة تهاجم مقاتلي القاعدة، وكانت تنوي بصورة مؤكدة خلق فضاء للمصالحة الطائفية. وبينما قلة من السنة كانت راغبة في ممارسة العنف، فان رغبة النسبة الأكبر منهم كانت تتجه للنظر نحو طريق أخر.

اذا ازدادت الهجمات المروعة التي حدثت في الأيام الماضية على نحو كبير، فهذا سيكون دليل على أن أكثر السنة يشعرون بالاضطهاد، وينظرون لطريق آخر عندما يجمع شخص ما سيارة للتفجير في دول الجوار. ومن الجدير أن نذكر أن السيد المالكي الذي يدير الآن وزارة الداخلية والدفاع وكالة، لازال يرتاب بعمق بالكثير من العراقيين السنة، وأياد علاوي هو الشخص المفضل لدى السنة لمنصب رئيس الوزراء بعد الانتخابات البرلمانية في آذار العام الماضي. وقائمته العراقية فازت بالحصة الأكبر من التصويت والتسعة أشهر من الصراع التي انتهت بفوز المالكي برئاسة الوزراء قد تركت طعما مرا في فاه العديد من العراقيين.

في العام الماضي، قامت القوات العراقية بقتل أو اعتقال الكثير من الأشخاص ممن وصفتهم بقادة مهمين في تنظيم القاعدة. لكن تنظيم القاعدة قد اثبت قدرة ومرونة عالية، فقد مرت أربعة سنوات منذ أن قامت القوات الجوية بقتل أبو مصعب الزرقاوي القائد الأعلى للتنظيم الذي وحّد المقاتلين في العراق في السنوات الأولى للحرب.

انتهى مقال الكاتب ميرفي..

وفي أثناء محاولتي التعليق على هذه المقال في يوم الأحد 23-1-2011 حدثت في بغداد خمسة تفجيرات إرهابية في مناطق مختلفة من بغداد وعلى نحو مفاجئ اذ تساءل العديد من المواطنين ممن تضرر من هذه التفجيرات السؤال المتكرر عن كيفية عبور هذه السيارات مناطق التفتيش والأجهزة الكاشفة عن المتفجرات وعلى هذا النحو المثير الكاشف عن مدى هشاشة الوضع الأمني في بغداد وضحالة الخطط الأمنية التي يمكن ان تُخترق بهذه السهولة.

نعود الى مقال ميرفي الذي سنضع ملاحظاتنا حول ما جاء فيه بعد ذكر العبارات التي تضمنها المقال :

1- هجمات الخميس التي يرجح أن يكون تنظيم القاعدة هو من يقف ورائها.

نسبة هذه العملية لتنظيم القاعدة لا يدخل في باب الترجيح بل أنه من المؤكد والقطعي أن هؤلاء هم يقوموا بمثل هذه العمليات وهم يتبجون ويعلون على وسائل الإعلام عن ارتكابهم مثل هذه الأعمال.

2- ساهمت الهجمات السنية ضد الشيعة على دفع العراق نحو الحرب الأهلية (على الرغم أن هذا لم يكن السبب الوحيد، فالشيعة شاركت بحصة عادلة في تصفية حساباتها ضد السنة في أعقاب سقوط صدام).

لم تكن هجمات سنية ضد الشيعة بل كانت هجمات لتنظيمات حزبية سنية ضد الشيعة كما ان الأمر عينه صحيح بالنسبة للشيعة فلم يرتكب الشيعة أي عمليات انتقام ضد السنة بل كانت هنالك حالات انتقام وتصفيات فردية من قبل بعض الأحزاب تجاه عناصر تابعة للنظام السابق ربما كانت شيعية او سنية.

3- والذي أدى موته مع أصحابه في ارض كربلاء على يد الخليفة السني يزيد عام680، إلى انقسام حاد في الإسلام الى مذهبين كبيرين.

اولا لم يكن يزيد خليفة سني بل كان رجلا متحللا من كل القيم الأخلاقية والدينية ثم ان انقسام المسلمين الى سنة وشيعة لم يكن بسبب حادث استشهاد الإمام الحسين، ولو صح ذلك لكان يعني هذا ان الشيعة هم من يقف مع الحسين، والسنة هم من يقف مع يزيد وهو امر خاطئ وبعيد عن الحقيقة، لان هنالك الكثير من السنة ممن لا يتشرف بالوقوف مع يزيد.

4- حيث ستمدد هذه القوات من بقائها في العراق كنتيجة لهذه الهجمات.

لن يتم تمديد بقاء القوات الأمريكية في العراق حتى لو ازداد عدد الهجمات الإرهابية، فهذا امر تم حسمه بموجب الاتفاقية الأمنية بين الولايات المتحدة الأمريكية والعراق.

5- اذا ازدادت الهجمات المروعة التي حدثت في الأيام الماضية على نحو كبير، فهذا سيكون دليل على أن أكثر السنة يشعرون بالاضطهاد.

لا توجد أية علاقة بين ازدياد الهجمات وبين ما يشعر به السنة في العراق، فالذين يقومون بالتفجير لا يمثلون السنة ثم أن هذه الهجمات وازديادها يتعلق بالوضع الأمني وإحكام السيطرة عليه من قبل القوات الأمنية، ناهيك عن أن من يقف وراء هذه التفجيرات لا يحظون بالدعم السني الكامل في تلك المجتمعات.

6- لازال المالكي يرتاب بعمق بالكثير من العراقيين السنة

لا يشك المالكي بسنة العراق وبعمق كما يقول الكاتب في مقالته، بل هو لا يبدي أية ارتياح لسني او شيعي يحاول أعادة عقارب الساعة إلى الوراء والحنين الى ذاك الزمن الذي كان البعث فيه يحكم العراق بالحديد والنار.

alsemawee@gmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 29/كانون الثاني/2011 - 24/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م