ازمان الفجيعة العراقية... الحرب الموت الحزن

حيدر الجراح

 

شبكة النبأ: لماذا يعاني العراقي الفقد باستمرار؟ فقد الاحبة والاصدقاء. فقد الابناء والازواج.. هل لان الله غضب على جده جلجامش وهو يحاول الامساك بعشبة الخلود؟ ام غضب عليه لأنه فقدها في لحظة عطش لا يرتوي الا بالاسترخاء؟

لماذا يسير العراقي دوما على حدود الموت؟ حد الذبح، حد السيارات المفخخة، حد العبوات الناسفة، حد كواتم الصوت.. واذا فر من هذه الحدود حاصرته الشظايا المتناثرة او النيران الصديقة.

حين استرجع صور الوجوه التي مرت في حياتي ما بين رفيق مقعد دراسي، او صديق للهموم والمسرات، تفاجئني تلك الحقيقة: ما من احد منهم قد مات حتف انفه.. جميعهم غيّبتهم حدود الموت العراقية، وقلة منهم رحل عبر الجغرافيا الى دول اخرى.. ورحيل الجغرافيا هو الاخر قطعة من الموت.. اتساءل دوما، والتساؤل ديمومة الحياة، فالاموات لا يتساءلون: هل نحن ورثة محاولات التغلب على الفناء منذ جدنا جلجامش وحتى اليوم؟ وما الذي يجعلنا نفنى بين حدود الموت العراقية وجغرافيا الرحيل الحديثة؟

هل هي الرغبة اللاواعية في الفناء عبر تحدّيه؟ وهل هذا العنف المتجذر في الشخصية العراقية تعبير عن هذا التحدي؟ ام هو الحزن شديد السواد المرادف لهذا الارتباط مع الموت؟

نعثر على كل التناقضات في الشخصية العراقية من خلال ملحمة جلجامش (الموت – الحزن - العنف – الجنس – الخلود) وهي عناصر اساسية شكلت هذه الملحمة الخالدة.

فجلجامش ظالم يشتكي منه اهل اوروك الى الالهة (يدخل بالعروسات قبل أن يدخل بهن أزواجهن) العنف (قتل حارس الغابة هومبابا)، (يتصارع جلجامش وانكيدو بشراسة حيث أن الإثنان متقاربان في القوة ولكن في النهاية تكون الغلبة لجلجامش ويعترف أنكيدو بقوة جلجامش وبعد هذه الحادثة يصبح الأثنان صديقين حميمين) الخلود (يحاول جلجامش دائما القيام بأعمال عظيمة لكي يبقى اسمه خالدا) الحزن (بعد موت أنكيدو يصاب جلجامش بحزن شديد على صديقه الحميم حيث لا يريد أن يصدق حقيقة موته فيرفض أن يقوم أحد بدفن الجثة لمدة أسبوع) الموت (بالإضافة إلى حزن جلجامش على موت صديقه الحميم أنكيدو كان جلجامش في قرارة نفسه خائفا من حقيقة أنه لابد من أن يموت يوما لأنه بشر والبشر فانٍ ولا خلود إلا للآلهة. بدأ جلجامش في رحلته للبحث عن الخلود والحياة الأبدية).

في الشعر تختزن دواوين الشعراء كثيرا من الصور المعبرة عن حالات العنف والموت والحزن التي عاشها العراقيون بسبب طبيعة الانظمة السياسية المتعاقبة على حكمهم.

ألم يقل الشاعر كمال سبتي ذات مرة في نصه المعنون (جثث لشمس الله):

قبل الحرب كنا نموت قتلاً

وفي الحرب نموت قتلاً

وبعد الحرب نموت قتلاً.. أيضاً

أما لنا غير القتل؟

ماذا نحتاج كي نتغير؟

أنحتاج إلى حرب أخرى حتى نتغير؟

ومن ديوان (الشاعرة) للشاعرة سهام جبار قصيدة طويلة بعنوان (نصوص) نقتطف منها:

ترملوا

ونساؤهم ارامل ايضا!

موت حبيبي

اصابني

صرت قبرا من نسوة اخريات..

الحرب اثنان:

واحد مات

والاخر مات ايضا!

هاكم.. خذوا

صعدتُ... نزلنا

دو + دو +دوي

كل ذلك حرب؟

هل نستيقظ؟!

- مشاة، الى اين؟

 -قالوا يوزعون حربا في الطريق!

 الحرب تلد

 والامهات يربين

وللموت في حياة العراقيين نصيبه من شعر الدارمي احد ضروب الشعر الشعبي:

اكدر اسكّت الناس وامك واخوتك

كلي شيسكت اهواك لو درة ابموتك

رحت انة للدكتور شاورني بسكوت

لو ولفك يداويك لو باجر تموت

يا عازة الخوان عازتها عازة

والما وراها صياح وحشة الجنازة

ما خايف من الموت... وايام الحساب

كل خوفي دفني يصير.. بيدين الاغراب

وللشاعر عريان السيد خلف قصيدة بعنوان (هذا الموت) يقول فيها:

هذا الموت سكة ريل واحنه عليه كلنا نفوت

هذا الموت هاجس يبتدينه بلحظة التكوين

ويرافگنه العمر من غير ضجه وصوت

على چف المنايا مجرغدين انام

ونلهث على الدنيا ونبني بيها بيوت

نتعافى ونذم بالخلگ هذا وذاك

وعلى غفله وزرگ جدامنه التابوت

يا عصر الفواتح ويا زمان الموت

كافي من الذبح مو ناس ماضلّت

ضاگت گاعنه من گبور فوگ گبور

فوگ گبور اهلنه گبورنه اتعلت

كل يوم ابهبيه وكل صباح بويد

مثل سف الحصير الزلم تتسلت.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 27/كانون الثاني/2011 - 22/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م