ما هو أسمى مقام يمكن أن يصل إليه الإنسان في
دورة قناعاته اعتقاداً وانتماءً؟
لقد قيل أن مقام الإنسان وقيمته الحقيقية تتحقق في أن يكون حرّاً
يؤمن بأن الحرية هي صفته الفارقة بينه وبين سائر الناس، وعندئذ لابد أن
يقاتل ويناضل من أجل تحقيقها، وقد قيل أن أسمى ما يمكن ان تصل إليه
البشرية وأعذب حسّ يمكن أن تشعر بإنسانيتها فيه هو العقل، والتمسّك
بالفعل العاقل، والحسّ العقلائي، وبما ينتجه تصور الإنسان عبر عصارة
ذهنه، وقال آخرون أن أسمى القيم هي قيمة العلم والمعرفة، فبمقدار ما
يمتلك من رصيد علمي سيحصل على درجة أعلى بين سائر الأمم. وقد أضيف إلى
تلك القيم أو جلعت منفردة عنها قيمة أخرى هي قيمة القوّة، بما تمثل من
هيمنة وتحكم في سائر الناس والأشياء من حول الإنسان، وهنالك قيم أخرى
اتخذها البعض أساساً منهجياً لتفكيره، كمحورية المنفعة واللذة[1].
فمثلاً بما يختص بقيمة العلم الطبيعي يدعي أحد أكبر الفلاسفة
الغربيين وهو (برتراند رسل) أن "على الفلسفة ـ التي تحدد ماهية الأشياء
ـ أن تكون علمية في جوهرها، فهي ينبغي أن تستخرج أحكامها من علوم
الطبيعة، وليس من الدين أو من الأخلاق"[2].
وقد حدّد الفيلسوف اليوناني أبيقور قيمة الأشياء بمقدار ما تحتوي
على لذائذ أو آلآم، فأي شيء يحقق قيمته، سواء كان فعلاً أو مادة فهو من
خلال ما يعود على الإنسان من لذة حاضرة يسشعرها ويشبع بها رغبته، وفي
هذا السياق يقول "اسبنزوا: نحن لا نرغب في الشيء لكونه خيراً وإنما
يكون الشيء خيراً لأننا نرغب فيه.
ويقول سانتيانا: أنه لا توجد أي قيمة منفصلة عن تقديرنا لها كما لا
يوجد أي خير منفصل عن تفضيلنا له على عدمه أو على نقيضه"[3].
وتبع هذا النهج، التفكير البارغماتي الغربي الذي ألبس هذه الفلسفة
لباساً يريد أن يواري سوأتها، وطرح (المنفعة) التي تعود على الفرد
والمجتمع، كقيمة تحدد مقامات الأشياء ومدى إقبال الناس عليها أو عزوفهم
عنها، مع أن المنفعة نفسها تحتاج إلى من يحدد مدى نفعها من عدمه.
وفيما يختص بمعتقد قيمة القوة فإن "نيتشه" يعبر بحق عن مفهوم القوة
لدى الغرب عندما كان يصرخ: "إن الأخلاق ليست إلا اختراع الضعفاء لكي
يقيدوا بها سلطان الأقوياء؟ فلنكن حرباً على الأخلاق... ولنخطط في
نظرتنا إلى الأشياء ذلك الخير وذلك الشر.. يجب أن يكون لنا من الجسارة
ما نحيا به حياة حرة سافرة وفي وضح النهار. وإذا ما اقتضى ذلك أن نسير
فوق طريق من الجماجم فعلينا أن نسحقها بأقدامنا دون ان يتحرك ضميرنا
بملام. يجب أن تكون لنا قلوب قاسية. يجب أن نرسل صرخة الحرب دون وجل أو
ندم في وجه مصطلحات العالم ومصطلحات أخلاق القطيع. يجب أن نرسلها من
النشوة بخمرة النصر وحمُى الكبرياء..
ـ ويسترسل في القول ـ وعلى هذه المبادئ لن تكون القوانين الأخلاقية
إلا مبتدعات جديرة بالازدراء هي وأصحابها الذين وضعوها... ولن تكون
المعاهدات الدولية أكثر من" قصاصات أوراق": إن الإرادة الوحيدة الصحيحة
إنما هي إرادة القوة "وإن الحق الحقيقي إنما هو الذي يعلو ولا يعلى
عليه. إن القوة هي كل شيئ وهي وحدها التي تقرر الحق[4].
وعبر التدقيق والإنصاف للحقائق، تتكشف لنا بصائر مهمة في معرفة
القيم ونشأتها، وبالتالي يمكن أن تتحدد مجالاتها وغاياتها، ثم تضفي
للأشياء قيمتها وتبرز حقيقة معدنها، لنعرف أي مقامات الإنسان أسمى، وأي
السبل لمعرفتها أقوم.
من ناحية نظرية لقد تحطمت قناعات الكثير من منظري الفكر الغربي، في
تقديس القوة والنزعة المادية الصرفة، وانجذابات اللذة، والخلود إلى
النظرية التجريبية بشكل مطلق، أمام حقائق التاريخ ووقائع الأيام
وتقلباتها وأزماتها، وهي تتكشّف لهم يوماً بعد يوم.
فكلما أوغل العلماء في البحث عن أساس الخلق وحركة التاريخ، وكلما
تساءلوا عن أسباب الخلق وما إلى ذلك من أسئلة تحار أمامها العقول،
تراهم يعترفون بعجزهم، يقول ج. بوكلينغهورن في هذا الصدد ومبيناً عجزهم
وافتقارهم للدين أو للغيب:
"أنا أعتقد من حيث المبدأ، أن الأسئلة المقبولة علمياً يمكن الرد
عليها علمياً، وعلينا استعمال معرفتنا العلمية ومهاراتنا لكي نعرف كل
ما نستطيعه حول التاريخ القديم المحتمل لهذا العالم، ولكي نعرف كيف أن
المادة غير الحية قد تعقدت في المادة الحية. وعلى كل هناك أسئلة أخرى
يجب أن تطرح حتماً مثل: لماذا كان هناك عالم أصلاً؟ ولماذا هو ما هو
عليه من حيث قانونه وظرفه؟ وهل من غاية وراء تاريخ الكون؟ وهذه الأسئلة
ليست من العلم في شيء، وتحتاج إلى الميتافيزيك للإجابة عنها. وإني أجد
الأكثر إرضاءً والأكثر شمولاً يمكن أن يقدّمه الاعتقاد بالله"[5].
فالعقول تقف حائرة أمام حقائق العلم الغائبة، وحيال معرفة أساس
الخلق الأول للإنسان، وأمام معرفة سنن حركة التاريخ وتقلباته.
هل شهدنا خلق أنفسنا؟
يقودنا هذا إلى الحديث عن تلك الأسئلة المحيرة والمفصلية في كشف
وهن التفكير الحداثي والعلماني بشكل عام، هذه الأسئلة التي حارت في
الإجابة عنها العقول، ودعت الكثير من العلماء إلى الإيمان بالله تعالى،
والإيمان بأنه مصدر الوجود وهو خالق الكون والحياة، وباعث من في القبور.
يقول الله تعالى: (مَا أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ
وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ
الْمُضِلِّينَ عَضُداً)[6].
وهنا نحن لا نستشهد بالآية كحالة مصدرية الآن، لكي لا يقول قائل
بأننا لا نؤمن بمصدرية ومرجعية القرآن الكريم، فكيف تستدل به على
المطلوب، ولكن نسوق هذه الآية، لنرى أن القرآن الكريم يستخدم الأسلوب
العقلي في إثارة عقول الناس لإظهار الحقائق وإثباتها، فهذه الآية تقر
حقيقة مهمة يجمع عليها كافة البشر، وهي أن الإنسان لم يشهد خلق
السماوات والأرض، ولم يشهد خلق نفسه، وهنا محل الشاهد، إذ أن التفكر في
هذا الأمر بشكل عميق يؤدي إلى الوصول إلى حقائق بالغة الأهمية، وهي
التي توصل إليها (ج. بوكلينغهورن) في حديثه الذي نقلناه سابقاً، فإن
الإجابة الحاسمة عن هذا التساؤل الضمني، هي الأساس.
فإن المنهج القرآني يحاور عقول كل الناس ويسأل بصراحة: هل أشهدنا
الله خلق السماوات والأرض؟ وهل أشهدنا خلق أنفسنا؟
إن لم نشهد خلق أنفسنا، ولم نخلق أنفسنا بأنفسنا، فمن الذي خلقنا؟
ومن الذي رعانا، وكيف تمت عملية الخلق؟ كل هذه الأسئلة لا يمكن للإنسان
أن يجيب عنها إلا بالإستعانة بالخالق نفسه، وذلك عبر التعرف على آثاره
في البدء والإيمان بوجوده، ثم الإيمان بالرسالات التي يرسلها للبشر،
للتعرف على كيفية الخلق ومواصفاته.
مثل هذه التساؤلات وهذه الإلتفاتات خلقت جواً من الإيمان العام لدى
العديد من العلماء الغربيين، وقد انحسرت بشكل نسبي تلك الفلسفات التي
تدعو إلى المادية أو الالحاد، وبدأت تظهر الكثير من الحقائق الفطرية
وتُعرف لدى الكثير من علماء الغرب وتحوز على قناعاتهم، ومع ذلك فقد
بقيت التبعات العملية لذلك التفكير متجسدة في واقع سياساتهم، فمنطق
القوة وتقديس المادة، هو الذي أفقر الكثير من الشعوب وعرّضهم للمجاعات
من أجل الحفاظ على رأس المال ومن أجل الاحتماء بالفائض، لكي لا يقل
منسوب القوة لديهم فالقوة الاقتصادية وظيفة من وظائف السيادة، وهو الذي
جعل ديمقراطيتهم تعني الهيمنة على الشعوب مهما تناقضت ممارساتهم مع
ادعاءاتهم، فتناقض المدعى مع الواقع، وتكشف النتائج وتفاقم المشكلات،
أوضح دليل على انهيار مبدأ القوة والمادية من قاموس القيم.
من الحقائق الدامغة التي لا يمكن أن يتجاوزها أهل العقل والعلم، هي
أن مساحات الجهل لدى الإنسان هي الأوسع من مساحات العلم والمعرفة، فهو
يجهل خلق نفسه ورعايته، ويجهل مستقبله، بل ويجهل الحقائق العلمية
الكاملة فيما يحيط به، فالغرور بما تحصل عليه من معرفة هو انحراف في
الحقيقة.
"وبدلاً من أن يقف الإنسان وقفة شجاعة، فيعترف بجهله، ويقرّ بعجزه
في مجادلة من يعلم، تراه يزداد إيغالاً في التكبّر ويتهرب من طاولة
البحث الحر.
هذا وإن العلمانية قد انتشرت في الغرب حينما صدّقت بالحداثة وتشوّه
سلوك الكنيسة إلى حدّ لا يطاق. فأنكر المجتمع الغربي كلّ ما يتصل
بالدين، فانتهى به الأمر إلى إنكار الجوانب الروحية والعقلية وحتى
الأخلاقية.
والتمسّك بما يسمى العلمانية نوع تمرّد على العلم، وليس علماً، لأن
الغرب قد سجن نفسه في دوائر ضيقة. ويذكّرنا هذا التوجه بما كان عليه
الاتحاد السوفياتي، حينما كان قادته، ومعهم منظومة الدول الاشتراكية
الموغلة بالشمولية والديكتاتورية والقمع، رغم أن أدبياتها كانت تطفح
بمفردات وشعارات الحرية، فيما كانوا أبعد الناس عن الحرية والديمقراطية..
فكانوا ـ في حقيقة الأمر ـ يعانون أزمات داخلية معقّدة، يحاولون
التغطية عليها بالتعابير البرّاقة، كما المتكبّر الذي يغطي ضعفه وهوانه
وذله الداخلي بالتمظهر بمظهر القوّة والجبروت، أو كما الكاذب الذي
يتستّر على كذبه باليمين وإدعاء الصدق.
والعلمانية اليوم تنكر الحقائق تحت غطاء عدم الاعتراف إلا بما هو
علم، فيما العلمانيون ينكرون أو يجهلون العلم ذاته. فهم بذلك قد حكموا
على أنفسهم بالسجن في أكثر من الدوائر ضيقاً وضنكاً)[7].
(وإذا سألت اليوم عالماً من العلماء عن مقدار العلم، لأجابك بأن ما
حصلت عليه البشرية من العلم لا يمثّل إلا نسبة قليلة جداً.
ومثال ذلك ما يعرف اليوم عن ظاهرة استنساخ الحيوانات[8]، حيث تأخذ
من جسم الحيوان خلية واحدة، فتستنسخ وتحوّل إلى الحيوان نفسه، فإذا
عزلت الخلية الواحدة، وحوّلت إلى حيوان، فإنه يكون مشابهاً بالمطلق
للحيوان الأصلي، حتى في العمر، ناهيك عن الحجم واللون والوزن.. بمعنى
أن الحيوان ـ الشاة مثلاً ـ تكون أختاً لأصلها، وليس بنتاً لها.
ويعني هذا أن الخلية فيها من القابلية على التمتّع بكل الميزات
والمعلومات الموجودة في الشاة الأولى.
وبعد دراسات معمّقة، وجد العلماء المختصون بهذا الشأن أن الخلية
الواحدة فيها من المعلومات ما لو كتبت وأحصيت وسجلّت على الورق، لكان
مجموعها أكبر وأكثر من مجموع المعلومات المتوافرة في مكتبة الكونغرس
الأمريكي، وهي من أكبر مكتبات العالم.
فإذا كان الله عز وجل قد وضع كل هذه الملعلومات وجعلها في خلية
واحدة، فكيف يمكن تخيّل ـ مجرد تخيّل ـ نفاذ كلمات الله في الوجود؟![9]
إن مساحات الجهل لدى الإنسان تقود إلى الإيمان بالعجز، وبالتالي
تقود إلى البحث عن الكمال من الخالق، وإلى الإيمان به.
سلفية الحداثة
وقد برزت أصوات تقول بالحداثة أو ما بعدها، فعمدت لنزع رداء القداسة
عن كافة القيم التي يؤمن بها الإنسان، وبرّزت قيمة العلم والعقل
والحرية، وفي الحقيقة، إن الحداثة بهذا النهج، قد أضافت قداسة أخرى،
تمحورت حول "النفس" و"الذات"، تحت مسمّى العقل، واعتبرت الحداثة كمنهج
نقدي ونظري له قداسة عظيمة، ففي الوقت الذي حاربوا فيه السلفية عملوا
بروح السلفية التي لا تمتلك أي جذور يمكنها أن تثبت مقولاتهم، وقسّموا
الناس ووصفوهم بتصنيفات "الظلامية والتنويرية" بعد أن رفضوا تصنيفات
الناس من رب الناس وإلاههم.
فوقعوا بذلك فيما يأخذونه على الفكر الإسلامي، وتمحوروا حول ما
ابتدعته أنفسهم، ويظنون بذلك أنهم يتبعون نور العقل وهداه، وما ذلك إلاّ
مشكل نفسي وقعوا فيه، ناشيء من تكبّر الإنسان وطغيانه، ولهذا السبب أو
السر نرى أن القرآن الكريم يعالج أكبر مشكلات الإنسان العقلية في
المعتقدات وصناعة القيم "الكفر والشرك مثالاً" من خلال المعالجة
النفسية من حيث هم يشعرون أو هم لا يشعرون.
يقول الحداثي والعلماني بأن الفكر الإسلامي يدعو إلى احتكار الحقيقة،
ويؤمن بأن كل من يخالفه كافر، وهو في ادعائه هذا يمارس نفس الدور ويقوم
بذات العملية، فهو يدعي ادعاءات كثيرة يراها حقائق ثابتة لا تقبل الرد
أو التغيير، فكل من لا يقبل الفكر الحداثي فهو ظلامي متطرف جاهل رجعي
متخلف، بحسب مدعاهم، وهذا كما ترى عين التطرف والجهل الذي يقودهم إلى
التناقض.
الله منشأ القيم
العلم والعقل والحرية وما إلى ذلك كلها قيم بالفعل، إلا أن انحراف
المسار قد يصيب الإنسان إذا لم يعرف منشأ القيم، ومن خلال معرفة المنشأ
تتحدد المسارات والغايات كضمانة عن الإنحراف. إن كثيراً من المدارس
الفكرية التي ابتنى عليها الفكر الغربي المعاصر، وبالتالي انساق معها
حداثيو العرب من غير هدى، كثيراً منها قامت على جعل القيم هي مقود
للإنسان، والإنسان هو الذي يسوقها إلى حيث يحتاج ويشعر ويرغب، لا العكس،
وبعض ادعوا الواقعية وانتزعوا قيمهم التي تحقق لهم أسمى المقامات، من
الواقع، فأصبحت عندهم القيم تتكوّن من افرازات الواقع بما يلائم
احتياجات الإنسان، فتتطور مع تطوّر تلك الاحتياجات.
في حين أن ما يراد من القيم هو أن تعطي للناس مقاماتهم لكي يصبحوا
ذوي قيمة اعتبارية ومعنوية، ولتعطيهم مقياساً للأشياء، فمن الخطأ
المنهجي أن يكون الإنسان هو الذي يحدّد ما يعطي ذاته القيمة، فلابد من
جهة اعتبارية أعلى شأناً هي التي تحقق ذلك، ومع أن بعض مفكري الغرب قد
حاول أن يسدّ هذه الثغرة بالقول بأن "الكلي" أو "المجموع" وتشابكها مع
"احتياجات الفرد" يمكنها أن تحدد القيم لتقدّم مصلحة المجموع على مصلحة
الفرد، أو ماشابه ذلك من معالجات لم تصمد أمام حقيقة أن الإنسان بحاجة
إلى معايير ومقاييس لا تأخذ سلطتها من الإنسان ذاته، ولا تنتزع من
واقعه المأزوم.
"إن القيم عند الإنسان ليست فقط نظاماً للمواقف وإنما هي أيضاً
مجال للتقديس، ولتجاوز الذات، ولا ريب في أن البشر يضفي على أشياء
معينة كرامة وحرمة وقداسة مما يثير فينا التساؤل التالي:
ماهو مصدر روح التقديس وبأي معايير يميز الإنسان بين المقدّس وغير
المقدّس، من أهدافه ورغباته المشروعة؟ فإن كانت القيم ردود أفعال تنعكس
على النفس بوعي أو من دون وعي في عملية آلية توجد عند سائر الأحياء
أيضاً، فما هي ميزة التقديس التي لا ينفك عنها شعب ولا طائفة من البشر؟"[10].
فإن القيم تعطي للبشر قيمتهم وتعطي للأشياء قداستها، فليس من
المعقول أن يكون الإنسان ذاته مصدر القيم التي تحدد مقاماته ومدى
قداسته أو قداسة معتقداته.
وهذه الحقيقة يمكن أن نتبصرها في ما قاله الإمام أبي جعفر (ع): (أدنى
الشرك أن يبتدع الرجل رأياً فيحب عليه ويبغض). فلا يمكن أن يكون
الإنسان هو منشأ تحديد قيمة نفسه.
فأقوى أساس يمكن أن نؤسس عليه قيمة القيم، هو أن الله تعالى هو
مصدرها وهو الذي يعطي للأشياء قيمتها، لتكون بعد ذلك ميزاناً بين ماهو
عالي الشأن وما هو دون ذلك، لأن الله هو الذي خلق الإنسان وهو أعرف به
منه، لذلك فإن قيمة العدل والعلم والعقل يمكن أن تتحدد مساراتها بتحديد
الله لها، ويمكن معرفة مقاصدها وغاياتها التي هي مقاصد الدين وغاياته،
كضمانة للحصول على مقاييس ثابتة لا تتأثر بنفسية القائل أو بواقعه.
القيم والآخرة
كل ما يمكن أن يضاف إلى قائمة القيم وله نفع ظاهري، سيكون ناقصاً
أمام عدم المصدرية الالهية، والانتهاء إلى الله عز وجل. فلابد من إضافة
بعد الآخرة في أي فعل أو شيء، لكي يعطيه قيمته الحقيقية، وقيمته
الكبيرة.
فلاشك أن الإنسان يرغب في الحصول على مجموعة من الأشياء التي يلتذ
بها ويميل إليها، بحكم طبيعته الإنسانية التي تنجذب إلى رغباتها
لتشبعها، ولاشك أن القوة أو المال بل والعقل كلها أشياء لها فوائدها،
ويمكنها أن تحقق شيئاً إيجابياً للإنسان، إلا أننا سنكون أمام مأزق
كبير إذا حذفنا جانب الآخرة من هذه الأشياء، وجانب الآخرة نقصد به أن
نؤمن بالمعاد وبأن هنالك حياة أخرى هي (خير وأبقى) يجازى فيها المحسن
بإحسانه، والمسيء بإساءته، وأن الحياة الدنيا إنما هي مزرعة الآخرة
وقنطرة توصل إليها.
عبر هذا الإيمان، فإن كل فعل أو شيء يمكن أن يأخذ مكانته، ويستقيم
دوره، فلا ينحرف ولا يهدم.
وهنا يمكن الحديث عن الدوافع في أفعال الإنسان، فإن الدافع الذي
يدفعك لفعل ما لابد أن لا يكون هو مدى اللذة والنفع الظاهري والدنيوي
فحسب، بل لابد أن يكون له أفق أوسع من ذلك، وإن حاول البعض مثل (أبيقور)
مؤسس مبدأ اللذة، بأن يدعو الإنسان إلى التوازن في كل شيء، "لكن
المشكلة التي غابت عند أبيقور وأصحابه: أن جماح اللذة عن البشر، لا
يكبحه سوى الإيمان بالآخرة، لذلك تجد النتائج الخطيرة لهذه النظرية،
حيث أصبحت شعاراً لكل الفساق والمستهترين بالقيم، والخارجين على
القانون"[11].
فكل إنسان له دافع لأفعاله، وتأسيس هذه الدوافع أو تفسيرها بحسب
الفكر الغربي عند (كانت) وغيره لم يصمد أمام الحقائق الكبرى التي ينبغي
أن يفكر فيها الإنسان ويؤمن بها، فتبريره بأن الدافع إما بأن يكون
اللذة في الشيء، أو العقل المأخوذ من الإرادة الشعبية والعرف الاجتماعي،
يعد قاصراً بل منحرفاً في كثير من الأحيان، لأن التشكيك سوف يأتي في
أصل معرفة المصلحة ومعرفة الخير من الشر، وحتى تلك اللذة التي عادة ما
تنحصر بمعرفة الإنسان المحدودة، فإنه قد يؤمن بلذة حاصلة، لكنها تؤدي
إلى عذاب دائم.
وعلى ذلك فلابد من وضع الإيمان بالآخرة في الاعتبار، ليكون الدافع
نحو الإقدام على الأعمال له قيمة أكبر من محدودية تفكير الإنسان، وأبقى
له، لما له من قيمة في الدنيا والآخرة.
معارج القيم
يتقلّب الإنسان في معارج القيم ويتسامى في مدارجها طوراً بعد طور في
مسار تكاملي، ليصل إلى أسمى ما يمكن أن يصل إليه بنو البشر، أو يقترب
من ذلك قاب قوسين أو أدنى، فإذا رجعنا إلى الله تعالى ووضعنا بعد
الآخرة في حسابات ذلك التسامي القيمي، فإننا نطرح العروج القيمي وفقاً
للنتائج الأخيرة التي توصلنا إليها، ووفقاً لما تعطيه الرؤية الإسلامية،
بأنه المعبّر عن الاتصال بالله تعالى، ولتحقيق ذلك الاتصال في كل حياة
الإنسان، تطرح الرؤية الإسلامية، مبدأ العبادة كمحور لذلك الإتصال.
فلقد قال الله تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا
لِيَعْبُدُونِ)[12]، فالعبادة هي المسار الذي يتقلّب فيه الإنسان ليتصل
بالقيم اتصالاً حقيقياً، والعبادة تعني فيما تعني أن يكون الإنسان
خاضعاً لسلطة الله، لا لسلطة النفس ولا لسلطة الشيطان ووساوسه، الذي
يدخل إليه من رغباته وشهواته، فقيمة "العبادة" لها مسارات ولها غايات،
فمساراتها الإلتزام بسلطة الحق والإذعان والتواضع للحق في كل حركة وفي
كل رأي، وغاياتها تسنّم الإنسان مدارج الكمال.
لقد قال الإمام علي أمير المؤمنين (ع): (لانسبن الاسلام نسبة لم
ينسبه أحد قبلي ولا ينسبه أحد بعدي: الاسلام هو التسليم، والتسليم هو
التصديق، والتصديق هو اليقين، واليقين هو الاداء، والاداء هو العمل، إن
المؤمن أخذ دينه عن ربه، ولم يأخذه عن رأيه أيها الناس دينكم دينكم،
تمسكوا به لا يزيلكم أحد عنه)[13].
فهذه سيرورة الإنسان وتقلبه في معارج القيم، ومن ذلك يمكننا أن نقول
بأن حركة الإنسان في التسامي بالقيم، تأخذ بعدين:
الأول: البعد النظري، ويمثله الإيمان.
الثاني: البعد العملي، ويمثله التطبيق من خلال المصداق الحقيقي.
لنسير ببحثنا مع هذين البعدين بنوع من التفصيل، دون أن نتجاهل طبيعة
التفكير العلماني والحداثي، ونشير إلى مكامن الخطأ فيه، ونوقفهم صراحة
أمام طبيعة الرؤية التي ينبغي أن يتخذونها تجاه الإمام الحسين (عليه
السلام) وفقاً لمعطيات الحق، ومعطيات مقاصدهم العامة في الحياة.
البعد الأول: ضرورة المصارحة في نوع الإيمان
الإنطلاق من نقطة اتفاق
عندما نريد أن نؤسس لأي فكرة، فإننا لابد أن ننطلق من نقطة اتفاق
لنبدأ بها الحوار مع الطرف الآخر، وفي ما نحن بصدده من مناقشة الفكر
الحداثي في شأن تصوره حول الرقي بالشخصية إلى مدارج الكمال والنضج
العقلي والفكري، وصولاً إلى الإيمان بالإمام الحسين (ع) والانتماء إليه،
الذي يقوم على أساس الإيمان، ويؤدي إلى أكمل الإيمان، نحن بحاجة إلى أن
نثبت الأسس التي ننطلق منها.
ونحن لا نناقش حداثيي الغرب أو تلك الجهات التي تبنت الإلحاد مقابل
الإيمان والتي تمثلت أكثر ما تمثلت فيه في النظرية (الاجتماعية في
تفسير الدين) والتي طورها علماء اجتماع فرنسيون في القرن العشرين وعلى
رأسهم إميك در كهايم[14]، ولا تلك التي تمثلت من جانب آخر في النظرية
الدارونية، لمؤسسها سيغموند فرويد. إنما نناقش الحداثيين الذين ينتمون
إلى الإسلام، أو هم يتقمّصون الدين الإسلامي، سواء بشعور منهم أو من
دون شعور، فأولئك الذين تبنوا الفكر الحداثي الغربي وتأثروا به،
وحاولوا أن يتبعوا مناهجه، ويعملوها على النصوص الدينية، لكي يخرجوا
بنتائج مرضية لما عليه الساحة الغربية والعلمانية.
وهذه الحقيقة التي تخرجهم عن التسليم إلى التشكيك، ويأصلّون إلى
الشك في الأصول والثوابت عبثاً ولهواً، وفي الحقيقة أنهم يتخذون من
التأسلم أو الإدعاء بالإيمان بالإسلام، جسراً ليصلوا إلى مآربهم
المرسومة سلفاً أو المرضية للغرب في نتائجها.
فقد"باتت مواقفهم من التراث ومناهجه، تتلون وتتباين حسب الزاوية
التي ينظر منها ذلك الداعي الحداثي، إلى هذا التراث حسب الاستراتيجية
التي يتبعها، والواقع الذي يتحرك فيه والفئة الاجتماعية التي يريد أن
يوصل إليها خطابه.
فمن داعٍ إلى تجاوز المناهج القديمة كما يصرح بذلك محمد أركون "إن
معارفنا التقليدية غير الدقيقة ينبغي تجاوزها كما ينصحنا بذلك غاستون
باشلار"، إلى آخر يدعو إلى الإلتفاف على هذا التراث ومناهجه ومحاولة
وضعه في زنزانة الاستنطاق الحداثية، وانتزاع ما يمكن أن يكون خادماً
للحداثة بكل أبعادها التحررية والديموقراطية والاشتراكية"[15].
وقطعاً على كل من يدعي التفكير الحداثي أو المطالبة به، نقف بحزم
على نقطة لا نفارقها إلى غيرها دون أن نصل إلى حالة اتفاق واستيقان من
جدية إيمانهم بالدين الإسلامي، وما يفرزه هذا الإيمان في ضروراته
العقدية، كالإيمان بأن الدين عند الله الإسلام، وأن النبي (ص) هو
الرسول الذي أمر الله باتباعه، وكذلك الإيمان بالولاية، وسوف نلقي
الضوء على كل مفردة منها، ثم ننتقل إلى البعد العملي والمصداق الخارجي
لهذا الإيمان.
إن الدين عند الله الإسلام
من ضروريات الإيمان بالإسلام هي أن يعتقد الإنسان أن الإسلام هو
خاتم الأديان، فلا يكمل دين الشخص حتى يؤمن بالإسلام، وأن الله تعالى
إنما يتقبل من المتقين الذين اتخذوا الإسلام ديناً، وهذا الأمر واضح
وراسخ في الوضوح، وبه جاءت صريح الآيات التي لا تقبل التأويل.
قال تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا
اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا
جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يَكْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ
فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[16].
وقال تعالى: (وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن
يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)[17].
وقال عز وجل: (هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ
الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ
الْمُشْرِكُونَ)[18].
وقال عز شأنه: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ
مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً
عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ
أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ
شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً
وَاحِدَةً وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا
الخَيْرَاتِ إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا
كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)[19].
وقال عن رسول الله وخاتمية رسالته: (مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا
أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ
النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً)[20].
هذه الآيات تثبت بما لا يدع مجالاً للشك بأن الدين الإسلامي هو
خاتم الأديان، ولابد من الإيمان به وبثوابته، وبرسالة نبيه (ص)، وهذا
يستدعي منّا أن نحقق هذا الإيمان ولا نتجاوزه، فمن مشكلات بعض
الحداثيين أنهم يلفّقون في استدلالاتهم بين القرآن وغيره من النصوص، بل
يلجأون حتى إلى النصوص الأدبية والنصوص الفكرية لعلماء غربيين آمنوا
بالإلحاد ورفضوا الإيمان.
وقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم لكي يكون مصدراً ونوراً يهتدي
به الناس في كافة شؤونهم، وما ينبغي أن يصنع الإيمان ويرسم معالمه هو
ماجاء به القرآن الكريم، وما جاء به النبي محمد (ص)، باعتباره يؤدي عن
الله، حيث قال تعالى عن رسوله (ص):
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى. إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)[21].
وقال تعالى: (مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن
تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً)[22].
وقال عز وجل: (تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَمَن يُطِعِ اللّهَ
وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ
خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)[23].
فإننا يمكن أن نلزم مدعي الحداثة من المسلمين بمصدرية القرآن
الكريم، وبمصدرية وضرورة طاعة الرسول (ص)، فلا مبرّر لاستجلابهم
المقولات من مفكري الغرب كبديل عن آيات الله تعالى، وبديلاً عن أقوال
الرسول (ص)، على الأخص فيما يتصل بالإيمان والعقيدة، وهنا يمكن أن نرى
سذاجة البعض ممن يعمل كالببغاء في طريقة تفكيره محاكاة للغرب وتعبيراً
عن انبهاره وتبعيته لهم، نرى أنهم يرفضون تصدير أو تذييل مقالاتهم
وكتبهم بالآيات القرآنية وبالروايات الواردة عن الرسول (ص)، بإسم حرية
الفكر وعدم تقييد العقل، إلا أنهم في ذات الوقت يصرّون على الاستعراض
واللجوء إلى مقولات بشرية، لعلماء اجتماع وفلاسفة غربيين، فيصدرون بها
مقالاتهم، لتكون الفكرة مستقاة من تلك المقولات، وهذه العملية الفاضحة
التي يمارسها البعض خداعاً لنفسه وذلاً لها، لَتثير الشفقة والاستهجان
من كل صاحب عقل مميز.
فالدليل والبرهان والبصيرة في تحقيق الإيمان خصوصاً، إنما تعتمد
على نصوص الشرع المقدس، هذا ما يفرزه الإيمان بالإسلام كدين جِدّي، لا
كمظهر يتوارى خلفه أصحاب المقولات المنحرفة والخادعة والعبثية.
فلابد من الإيمان القطعي بأن الدين عند الله الإسلام، ولابد من
استحضار هذا الإيمان عند تبني أي مقولة، ومما يستلزمه هذا الإيمان، هو
الاعتماد على مصدرية آيات القرآن الكريم وسنة النبي (ص).
الإيمان بالولاية وطريقة التفكير
واستتباعاً للهذا البحث في ضرورة الوقوف على الحقائق الثابتة في
الإيمان، للوصول إلى المقام السامي ولتحقيق ما نحن بصدده من ضرورة
الانتماء للإمام الحسين (ع) ووضعه في مواضعه الحقيقة والنظر إليه بجدية،
كنظرة إيمانية ثابتة، يأتي الحديث عن الولاية كاستمرار لدور الرسول
(ص). ولا نروم في هذا المبحث أن نثبت الإمامة والولاية كعقيدة، وإنما
نشير إلى أن هناك من يدعي الإيمان بالولاية وهو متبنٍّ للتفكير الحداثي
الذي يتجاوز الثوابت والحقائق التي ينبغي أن يؤمن بها.
ونحن ننطلق من هذا المكان، لأن لكل خطاب طريقة في الحوار، فالحوار
مع غير المؤمن بالدين، يختلف عن الحوار مع المؤمن بالدين، والحوار مع
المؤمن بالولاية يختلف عن الحوار مع غير المؤمن بها، نثبّت هذه
المقولات الصريحة لكي نؤسس عليها وننطلق منها، فلا نسمح بازدواجية
الرؤية ولا انفصام التفكير، فعندما نؤمن بالولاية، فإننا نتخذ من
روايات أهل البيت (ع) مصدراً لبناء تفكيرنا ومواقفنا، لا أن نتخطاها
ونتنكر لها إرضاء لأهواء أو لأطماع أو لجهات ما.
وماذا عن الاختلاف في قراءة الدين؟
قد يتذرع البعض بأن هنالك تعددية واختلاف في فهم الدين، ويوجد عدة
قراءات دينية، كلها تدّعي الحقّانية، ونحن وإن كنّا لسنا بصدد مناقشة
هذا الأمر تفصيلاً، إلا أننا نشير إلى أن ذريعة الاختلاف في القراءات
للدين، لا تضر بمطلبنا، ولا تخرم بحثنا الذي نريد الوصول من خلاله إلى
القدسية وعلو المقام من خلال الإمام الحسين (عليه السلام) كممثل للقيم
الحقة، وذلك لسببين:
الأول: أن أي مقولة تدّعي الاختلاف في القراءات الدينية، لابد أن
تعتمد على أصول دينية في متبنياتها، فالمشكلة الأساس التي تواجه أصحاب
هذه المقولة، هي أنهم استقوا أفكارهم من الغرب، واستوردوا المناهج من
علماء الغرب، فأرادو أن تكون مناهجهم آلة وأداة لفهم النصوص الدينية،
وهذا أمر في غاية الضعف، ورأي لا ينبغي أن يناقش في تفاصيله والاستغراق
فيها، لأن الأساس هو أن يثبتوا مُدّعاهم، وهو غير مُثبت، بل الثابت
خلافه. فلابد من معرفة القرآن من خلال أهل القرآن، فالرسول (ص) وأهل
البيت (ع) هم الذين يبينونه للناس ويعلمونهم إياه، كما قال تعالى:
(لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ
رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ
وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ
لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ)[24].
أما ما هو واقع من اختلاف في الفتيا وبعض الآراء الاجتهادية عند
العلماء المسملين، فهذا مبرر بعد أن اتضح لدينا بأنهم يعتمدون على
الأصول من الكتاب والسنة الشريفة للنبي (ص) وأهل بيته الطاهرين، ولأن
هذا الاختلاف سيحافظ دوماً على الضرورات الدينية، وعلى الثوابت الشرعية
والعقيدية، ولا يتخطاها. أما الاختلاف الذي يدعو له المنتسبون للحداثة
والإسلام معاً، فهذا يهدم الثوابت ويضر بالعقيدة ولا يعطي لها أهمية.
ومن جهة أخرى فإن الاجتهاد الديني المؤسس على الأسس السليمة، هو
اجتهاد يدعو إلى بذل الجهد في الوصول إلى الحكم الصحيح ويحاول في جمع
الرأي ويتمنى الاتفاق، بخلاف الذين يدّعون الحداثة الدينية فإنهم يدعون
في الأصل إلى الاختلاف، ولا يبررونه فحسب.
إن أي قراءة دينية للدين لابد أن تأخذ في اعتباراتها الأصول
الثابتة في الدين ولا تتخطى الثوابت الدينية، ووفق مناهج مستقاة من
الدين نفسه باعتباره مبيناً.
الثاني: السبب الآخر الذي يجعل مقولة الاختلاف في القراءات الدينية
لا تضر ببحثنا ومطلبنا، هو أننا يمكن أن نصل إلى غايتنا من خلال المتفق
عليه والمجمع عليه، من النصوص التي لا تقبل اللف والدوران ولا التأويل.
فهنالك نصوص قرآنية ظاهرة في معناها بشكل واضح، وهناك روايات مجمع
عليها وثابتة يقيناً، فلا يمكن أن نتجاوزها ونتخطاها، ومع هذا الوضوح
إلا أننا نرى البعض من المنتسبين للحداثة كيف يناقضون أبسط قواعد الفهم
والاستنباط، فيظهر شخص يحمل مقولة التبشير بالشك كأصل وغاية لابد من
السعي إليها، ويضرب باليقين عرض الحائط، فيدعي بأن المفكر لابد أن
يستلذ بالشك، وكلما شعر بأنه سيصل إلى اليقين، فلابد أن يسعى إلى هدمه
بالشك، ويرفع يده بالدعاء في مقاله قائلاً: (اللهم املئ قلبي شكاً)،
وهو يعلم أن الفطرة السليمة والعقل السوي وكل نصوص الشريعة المتفق
عليها، إنما تدعو إلى اليقين والطمأنينية بلا أدنى شك، لكن العبث
والعقل الشهواني الذي يضيف إلى شهواته شهوة التلذذ بالعبث الثقافي
والفكري، يدعوه إلى مخالفة مسلمات العقل وأوليات الفطرة.
ومما نجده في ذات المقام أن البعض ممن يدعي العلم والفكر، عندما
يسئل عن مبرر استماعه للموسيقى ودعوته لها لتكون أساساً في الحياة
للمسلمين، وما هو دليله، يقول أن أحد مفكري الغرب يقول: (الموسيقى غذاء
الروح)!
فمن الضروري أن نقف على أرض ثابتة لنصل إلى الحقائق، وأن الدين
الإسلامي هو الثابت الذي نؤسس عليه ثوابتنا وقيمنا، لنصل من خلالها إلى
القيم الحق، وإلى من يمثلها.
البعد الثاني: الإيمان يتجلّى في الإمام الحسين (ع)
حساسية تجسد الإنتماء
هنالك حساسية مفرطة لدى مدعي العقلانية والتحرر الفكري، ومدعي
التفكير الحداثي، بشأن تجسد المثال في شخص يمشي على رجلين، فهم بلا شك
يؤمنون بأن القيادة والانتماء لابد أن يكون للعلم ـ بغض النظر الآن عن
نوع العلم ـ ولكنهم يتحسّسون من الإنتماء إلى العالِم، أي عندما يتجسد
ذلك العلم في شخص ما، فإن المواقف تبدأ تسوء باتجاهه لديهم.
ونحن على يقين بأن العلم ليس سوى مفاهيم وبصائر ومعاني ذات وجود
ذهني، لابد لها من وعاء، وهذا الوعاء هو العقل البشري، والعقل يحمله
العاقل، فلماذا تلك الحساسية تجاه هذا التشخّص؟!
هذه الحساسية المفرطة لم تكن وليدة الساعة، بل هي منذ أن بعث الله
الأنبياء (ع) بالرسالات للبشر، فقد اعترضوا على بشرية الأنبياء
وأرادوهم مخلوقات مختلفة عنهم، أو أرادوهم مخلوقات خارقة بشكل دائم،
كما اعترض الكفار على النبي محمد (ص)، كما جاء في القرآن الكريم:
(وَقَالُوا مَالِ هَذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي
فِي الْأَسْوَاقِ لَوْلَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَلَكٌ فَيَكُونَ مَعَهُ
نَذِيراً. أَوْ يُلْقَى إِلَيْهِ كَنزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ
يَأْكُلُ مِنْهَا وَقَالَ الظَّالِمُونَ إِن تَتَّبِعُونَ إِلَّا
رَجُلاً مَّسْحُوراً)[25].
وهذه مفارقة مهمة ينبغي الانتباه إليها، فالبعض يدّعي الإيمان
بالرسالة بل وبالإمامة، ولكنه يغض الطرف عن شخص الرسول (ص) وشخص الإمام
(ع)، ويتهرّب عن الحديث حول ما يدعوان له، وما يسنّانه من أحكام ملزمة،
كل ذلك راجع إلى طبيعة الكِبر والميل إلى العبث والتهرب من المسؤولية.
ونحن نرى من خلال الإيمان بالله تعالى وببعث الرسل، إن الله تعالى
وضع قانون القدوة والأسوة، والقيادة، الذي يستدعي من الإنسان أن يتعرّف
على الحق والإيمان من خلال هذه التشخصات الخارجية، ومن خلال تعاملهم
وسلوكهم وتطبيقاتهم للدين، فهم التجربة البشرية التي تحاكي تعاليم
الدين، وأحكام الإسلام من ناحية تطبيقية، لكي تتقرب المعاني، وتقام
الحجة على الناس، ولكي تجتمع الأمة على قيادة ربانية معصومة عن الزلل،
لتقودها إلى بَر الأمان، المتمثل في الهداية والفلاح في الدنيا والآخرة.
إن الحق لابد له من أهل يتجسد فيهم، فهم القادة الذين حملوا العلم
واستضاؤا به في الحياة، فليس من داع للحساسية تجاههم.
الإمام الحسين (ع) أسمى مصداق
كما قال الإمام علي (ع)، ـ كما مر ـ في نسبة الإسلام: (لأنسبن
الإسلام نسبة لم ينسبها أحد قبلي. الإسلام هو التسليم، والتسليم هو
اليقين. واليقين هو التصديق، والتصديق هو الاقرار، والإقرار هو الأداء
والأداء هو العمل)، يتضح لنا أن العبادة الحقيقية هي التي تقود للتصديق،
والتصديق هو البحث عن مصداق الحق وامتثال طاعته، كما قال نوح لقومه: (أَنِ
اعْبُدُوا اللَّهَ وَاتَّقُوهُ وَأَطِيعُونِ)[26]، حيث دعاهم لعبادة
الله التي تؤدّي في نهاية المطاف إلى طاعة نبيّه، وما لم تؤدِ عبادة
الله غاياتها من الإمتثال للحق الذي يتجلّى للناس في أوليائه الذين
اصطفاهم، فإن ذلك الإيمان يذهب أدراج الرياح ويصبح منزوع القيمة، فقد
ادعت الأعراب أنها آمنت بالله، إلا أن الله نفى عنهم الإيمان لسبب
الاختلال بين الادعاء والفعل، قال تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ
آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا
يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ وَإِن تُطِيعُوا اللَّهَ
وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُم مِّنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً إِنَّ اللَّهَ
غَفُورٌ رَّحِيمٌ)[27].
من خلال هذه النظرية في تحقيق تسامي الإنسان من خلال القيم، يأتي
التطبيق الجلي للعبادة في الإيمان بالإمام الحسين (ع)، والإيمان بقضيته
التي فصلَت بين الحق والباطل، وهنا تحديداً الفارق الكبير بين ما تنتجه
حداثة الغرب، وما تنتجه حداثة الإمام الحسين (ع)، فمعادلة القيم
ومساراتها تستدعي أن تكون هنالك إفرازات للقناعات والمعتقدات، تتجسد في
مواقف عملية، لأن القيم إنما وضعت في الأساس للتمييز بين الأشياء
والفصل بين خيرها وشرها، والأفكار والمعرفة ماهي إلا طريق للبناء في
طريق التنمية، فهي ليست عبثيات يتلهّى بها، فهذه الرسالة التي تقوم
المعرفة بانتاجها والتأسيس عليها، لابد لها من تشخّص خارجي يعبّر عن
حقيقتها وعن جدوائيتها.
ولذلك دعنا نرى كيف أن الإمام الحسين (ع) جسّد سلطة الحق في الأرض
من خلال مسيرته المباركة، ونرى ماهي القيم التي كان داعياً لها لتكون
قائمة على أرض الواقع، ومن خلال ذلك يمكن للعقل أن يميّز، ويتعرف على
هذا المصداق الجلي، الذي ظلمه التاريخ، وحاولوا تشويهه، بالحقد الدفين،
وتجاهله وتخطاه كل من تهرب عن المسؤولية، وكل من لا يريد الإذعان إلى
الحق ولا التسليم للحقيقة.
فإن كانت هنالك ذرة من انصاف للعقل، فإن التاريخ يعطينا معطيات
مهمة تثبت لنا أن الإمام الحسين (ع) إنما جسد كل قيم الخير التي تنادي
بها البشرية، فهو (ع) خير مصداق للقيم الخيرة، وهو القائد الذي يقود
إليها في الحياة.
فدعنا نقف على بعض مشاهد التاريخ التي توضح لنا أن الإمام الحسين
(ع) هو الداعي للقيم الحقة. وحتى لو كان الإمام الحسين (ع) شخصية
تاريخية ليست حاضرة، إلا أن ما يترتّب عليها من نتائج في حياتنا
الراهنة هو أمر يتصل بنوع الإيمان الذي نحن بصدده، وهذا الإيمان يجعل
من الإمام الحسين (ع) قدوة أبدية، ويجعله "مصباح هدى وسفينة نجاة" على
مدى الأزمان.
الإمام الحسين (ع) هو الحداثة
فمن منظار حداثي نظري تتضح لنا حقيقة أن الإمام الحسين (عليه السلام)
كان تطبيقاً عملياً لسلطة الحق، وتجلّ للإيمان النظري، حيث الإيمان
بقيمة العبادة لله الذي يقتضي طاعة الإمام باعتباره وارث رسالات الله
كلها، وباعتبار ذريته امتداداً لسلطة الحق حتى يرث الله الأرض ومن
عليها. فيتسامى الإنسان المنتمي للإمام الحسين (عليه السلام) ويصل إلى
أعلى مقام، فتكون زيارته موجبة للجنة، والبكاء عليه حطًة للذنوب،
وانتهاج نهجه هداية ونجاة للعباد.
لذلك كان الإنتماء للإمام الحسين (عليه السلام) هو أسمى مقام يصل
إليه الإنسان من خلال قيمة العبادة التي تفرز الإنتماء الحقيقي للإمامة
ومصداقها الجلي ـ الإمام الحسين(عليه السلام) ـ، لأنه وارث الرسالات
وامتداد النبوة، وهو من النبي (ص) والنبي منه، كما قال (ص)، فلا يكون
في صدر المؤمن حرج من أن يصنّف الناس بتصنيفات تأخذ في اعتبارها
الإنتماء الحسيني من جهة والإنتماء اليزيدي من جهة أخرى.
ويمكننا استكشاف سمو ذلك الإنتماء الحسيني المقدّس ومدى علو شأنه في
يوم عرفة، حيث يقف حجّاج بيت الله الحرام في موقفهم العظيم في وادي
عرفات لكي يغفر الله لهم ما تقدم من ذنوبهم وما تأخر، وفي المقابل وفي
ذات الوقت يقف على أرض كربلاء المقدّسة زوّار قبر الإمام الحسين (ع)،
فينظر الله برحمته إلى زوار الإمام الحسين (ع) قبل أن ينظر لأهل عرفات،
كما في الرواية، لأن زوار الإمام الحسين هم الصفوة من سائر العباد، وهم
الذين عبدوا الله حق عبادته، فأشفعوا عبادتهم بالعمل والتصديق، فهم
الأدلاء على الله تعالى، وهم الذين تجلى فيهم الإيمان بأبلغ معانيه.
قال أبو عبد الله (عليه السلام): إن الله تبارك وتعالى يتجلى لزوار
قبر الحسين (عليه السلام) قبل أهل عرفات فيفعل ذلك بهم ويقضي حوائجهم
ويغفر ذنوبهم ويشفعهم في مسائلهم ثم يثنى بأهل عرفات يفعل ذلك بهم)[28].
تتبدّد هواجس الحداثة والعلمنة أما معرفة السر في هذا الإهتمام
بالإمام الحسين (ع)، بل وبزواره الذين اتخذوه إماماً وقائداً، لأن ذلك
تطبيق عقلائي وإفراز طبيعي لمعادلات الواقع الذي يحتم علينا اتباع
العلم والقيم الفاضلة التي تجسدت في أهلها.
عن أبي جعفر (عليه السلام) في قوله تعالى "فاجعل أفئدة من الناس
تهوي إليهم" أما إنه لم يعن الناس كلهم، أنتم اولئك، ونظراؤكم، إنما
مثلكم في الناس مثل الشعرة البيضاء في الثور الاسود أو مثل الشعرة
السوداء في الثور الابيض ينبغي للناس أن يحجوا هذا البيت، ويعظموه
لتعظيم الله إياه، وأن يلقونا حيث كنا، نحن الادلاء على الله)[29].
هم الأدلاء على الله ومن يأتيهم إنما يقصد وجه الله تعالى، عن هارون
بن خارجة، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: قلت له: ما لمن أتى قبر
الحسين زائراً له عارفا بحقه يريد به وجه الله والدار الآخرة؟
فقال: يا هارون من أتى قبر الحسين (عليه السلام) يريد به وجه الله
والدار الآخرة غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر)[30].
وتعبيراً عن إمامتهم وقيادتهم يقول والرسول (ص) مشيراً إلى الإمام
الحسن والحسين (ع): (ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا)[31].
ولذلك يبين لنا الرسول (ص) أن اتباع الإمام الحسين (عليه السلام) هو
نجاة لنا من النار، واتباع نهجه في الدنيا يعطينا بصيرة وهداية لحياتنا،
(إن الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة)[32].
فهذه النصوص الدينية لم تكن مقولات هشة أو كما يحلو للحداثيين أن
يصفونها بالماورائيات والايديلوجيا المقيدة للعقل والتفكير، إنما هي
منسجمة مع الأسس العقلية السليمة، والفطرة السوية، وتعبر عن الانصاف في
التفكير، بل وتنسجم مع الغايات الحداثية وتحقق أهدافها، دون أن تمس
بالعقيدة والإيمان كما قد رأينا عبر تسلسل البحث.
* فصل من كتاب الإنتماء المقدّس، الإمام
الحسين الحداثة والقداسة
wwww.mosawy.org
......................................
[1] / سوف يكون الحديث عن أساس التفكير العلماني
والحداثي البعيد عن الدين، من خلال القيم المختلفة بشكل أساس، لذلك
ستكون الإشارة إلى خصائص القيم والمناهج بمقدار ما يتصل بهدف البحث.
[2] / الفلسفة المعاصرة في أوربا: تأليف إ.م.
بوشنسكي، ترجمة: د.عزت قرني، عالم المعرفة 165، ص 86
[3] / التشريع الإسلامي مناهجه ومقاصده، ج3، ص 56
آية الله العظمى السيد محمد تقي المدرسي. عن (القيم الواقعية الجديدة،
ص 311).
[4] / القيم الإسلامية في مواجهة القيم البرجماتية،
محمد إبراهيم مبروك، www.islamicnews.net
[5] / حوارات العلم والدين، قراءة في أسس العلاقة
وأطرها المنهجية، إعداد وتحرير مهدي كلشني، تعريب د. علي محمود ملقد.
ص17، مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامي. لبنان، ط 1 سنة 2009م.
[6] / سورة الكهف، آية 51
[7] / بينات من فقه القرآن (سورة لقمان) آية الله
العظمى السيد محمد تقي المدرسي، ص 227
[8] / ناهيك عن الحديث عن الكون وأسراره التي تتكشف
عظمتها يوماً بعد يوم.
[9] / المصدر نفسه، ص 228
[10] / التشريع الإسلامي، مناهجه ومقاصده، ج3، ص 69
[11] / التشريع الإسلامي، ج3، ص 144
[12] / سورة الذاريات، آية 56
[13] / بحار الأنوار، ج65، ص 310
[14] / انظر فلسفة الدين، جون هيك، ترجمة طارق
عسيلي. دار المعارف الحكمية، لبنان.
[15] / الحداثيون العرب في العقود الثلاثةالأخيرة،
والقرآن الكريم، دراسة نقدية، د. الجيلاني مفتاح، دار النهضة، ص68
[16] / سورة آل عمران، آية 19
[17] / سورة آل عمران، آية 85
[18] / سورة التوبة، آية 33
[19] / سورة المائدة، آية 48
[20] / سورة الأحزاب، آية 40
[21] / سورة النجم، آية 3و4
[22] / سورة النساء، آية 80
[23] / سورة النساء، آية 13
[24] / سورة آل عمران، آية 164
[25] / سورة الفرقان، آية 7،8.
[26] / سورة نوح، آية 3
[27] / سورة الحجرات، آية 14
[[28] / وسائل الشيعة (طبعة أهل البيت) الحر
العاملي، ج 14، ص 466
[29] / بحار الأنوار، ج 65، 86
[30] / وسائل الشيعة، ج14، ص499
[31] / بحار الأنوار، ج16، ص 308
[32] / بحار الأنوار، ج36، ص206 |