قراءة في كتاب: أسس التوتاليتاريا

 

 

 

 

الكتاب: أسس التوتاليتاريا

الكاتب: حنة ارندت

ترجمة : انطوان ابو زيد

الناشر: دار الساقي

عدد الصفحات: 347 من القطع الكبير

قراءة: عدنان عباس سلطان

 

 

 

شبكة النبأ: عندما يكون الحديث عن التوليتاريا فانه يبدأ من حيث الدكتاتورية فان هذه الاخيرة هي الاساس الاول للتوليتاريا وتعني السلطة المطلقة التي تكتسح كل الاعراف السياسية والمفاهيم للسلطة التقليدية وعندما تصل الدكتاتورية الى مرحلتها المكينة فانها تحاول نشر نفسها بواسطة القوة والبطش ويتهيأ لها من خلال خلقها لمناخات ملائمة ومن هذه المناخات.

1 ـ  التفكك في العلاقات الاجتماعية هي شيوع الريبة والتشكك بين افراد المجتمع بحيث ان الفرد يخشى السلطة بشكل قاطع ويفقد الامل في اية افكار يمكنها ان تجسد واقع آخر هذا فضلا عن خوفه من الوشاية من الآخرين فتكون العلاقات مجرد شكل من اشكال النفاق والتوجس والاحتراز.

2 ـ  تحويل الطبقات الاجتماعية الى مجرد جماهير من خلال استلابها حرية الموقف عن طريق الارهاب السلطوي والدعاية المنظمة والاشاعات وتنفيذ الاعدامات العلنية تحت سمع وبصر تلك الجماهير وتحويل السلطة من الجيش الى الشرطة.

3 ـ  توسيع قاعدة العوز والفقر بمبررات حربية تفتعلها التوليتاريا مع شعوب اخرى او حروبها الداخلية.

4 ـ  تعطيل جميع القوانين عمليا والاكتفاء بتعليمات السلطة التي تاخذ شكل القانون الذي لايرد وغير القابل للتاجيل او الايضاح.

كذلك فان التوليتاريا تضع في حيز التنفيذ سياسة خارجية هادفة للسيطرة على العالم علنا وتستبعد من هدفها المعلن هذا الدكتاتوريات ذات الحزب الواحد.

الحكم التوليتاري يضعنا إزاء نوع من الحكم المختلف تماما عن كل ما هو سائد حتى في الانظمة ذات الحزب الواحد طالما ظلت في اطاره النظري على الاقل . وعلى هذا فان التوليتاريا في تصالح مع الدكتاتوريات بشتى اشكالها بكونها ظهيرا ملائما لها في مسارها الدموي الرهيب .

اسس التوليتاريا لمؤلفته حنة ارندت يرتكز في مرجعياته على الشوفينية النازية الهتلرية والتجربة الستالينية كذلك الموسولينية وفضائعهما التاريخية في قتل وتشريد ملايين البشر.

يتكون الكتاب من الفصول التالية بعد المدخل:

الفصل الاول مجتمع دون طبقات.

يبحث في هذا الفصل التكون الجماهيري وعبادة الشخصية فان ستالين وهتلر لم يكونا شيئا لولا الافتتان بشخصيتهما جماهيريا فان تبوء ستالين بعد خلفه تحصل له اكبر جهاز دعاية استغله لتعميم شخصيته على الناس وكذلك ارهابه وكل الوسائل البشعة التي كان يرتكبها سواء ضد مواطنيه او في الحرب التي خاضها واما هتلر فان الافتتان ذاته قد ساق الجماهير ان تعبد شخصيته وتؤيد كل فعل قام او يقوم به هذا فضلا عن العداء الصريح لكل الانظمة غير الاستبدادية.

وقد يخطئ المرء ان ظن تقلب الجماهير دليلا على شفاؤها من الوهم التوليتاري الذي يتماهى عادة بعبادة هتلر الشخصية او بعبادة ستالين لكن العكس قد يكون صحيحا ثم انه من الخطا الفادح ان ينسى المرء بحجة هذا التزعزع ان الانظمة التوليتارية ايا كان امد سلطانها والقادة التوليتاريين طالما بقوا على قيد الحياة . ذلك لانهم مستندين الى الجماهير حتى النهاية وما كان لاستالين او هتلر وهما قد بلغا السلطة استنادا الى الشرعية ووفق قاعدة الاغلبية وان يصمدا بوجه ازمات داخلية وخارجية واخذ زمام سلطة عريضة لو لم يكونا حائزين على رضا الجماهير وثقتها.

ان الحركات التوليتارية تكون ممكنة حيثما توجد الجماهير التي انكشفت فيها شهية لاتقاوم الى الانتظام السياسي لسبب او لاخر والجماهير تتواجد وجودا بالقوة في كل البلدان وتشكل غالبية الشرائح العريضة من الناس الحياديين واللامبالين سياسيا والذين نادرا مايصوتون ولا ينتسبون الى أي حزب سياسي.

ولعل الاعداد الهائلة من سكان الارياف في روسيا مثلا هذا الجسد الكبير والرخو عديم التربية السياسية ويكاد ان يكون ممتنعا على الافكار الجديرة بتشريف الفعل . وقد ساهمت هذه الاعداد بتشتيت المجتمع وتفكيك روابطه ان التشتيت الذي اصاب المجتمع السوفياتي كان قد تم بلوغه من خلال استخدام حملات التطهير المتكررة في سبيل ان تدمر العلاقات والروابط الاجتماعية مع الشخص المتهم من قبل السلطة ذلك لان التهمة تتعدى الى الاهل والاقارب والاصدقاء والمعارف أي الاتهام بالتداعي فحالما يتهم شخص يتحول اصدقائه القدامى تلقائيا الى اعداء انقاذا لوجودهم من السلطة ويسعون الى اختلاق تهم وادلة لاوجود لها ثم يشون بها لدى السلطة وهي الوسيلة الوحيدة لتمنحهم السلطة ثقتها . واذن فان التوليتاريا تعتمد على تنظيمات جماهيرية تضم اليها افرادا مبعثرين ومعزولين، اما ميزة التوليتاريا الظاهرة فتكمن في الولاء غير المحدود وغير المشروط وغير المتبدل.

الفصل الثاني: الحركة التوليتارية.

وحدهما الرعاع والنخبة من يمكن ان تجتذبهما انطلاقة التوليتارية اما الجماهير فينبغي ان تحمل على تاييد التوليتارية من خلال الدعاية ولما كانت هكذا سلطة عاجزة في ظل دستور ضامن لحرية الراي ولا يمكنها استعمال الارهاب ولذا فانها اتخذت الكسب الحزبي املا في تشييد قوة جماهيرية قوية عدديا على الاقل لتتمكن بعد ذلك من تحويل الدستور الى مجرد اهواء القائمين على السلطة وبحسب منطق الجماهيرية المعبر عنه بلسان الرجل المعبود.

الفصل الثالث التوليتاريا في السلطة.

حين تتولى السلطة في بلاد ما اكانت هذه الحركة اممية في تنظيمها او عالمية في اهدافها الايديولوجية ام كونية في تطلعاتها السياسية يؤول الى مفارقة ظاهرة على ان الحركة الاشتراكية كان في وسعها تجنب ازمة مماثلة طالما ان المسالة الوطنية أي المسالة الستراتيجية التي تمليها الثورة التي كان قد اهملها كل من ماركس وانجلز اهمالا يدعو للاستغراب ولان الحركة هذه من جهة اخرى ما كان لها ان تتصدى لمسائل الحكم الا بعد ان حرمت الحرب العالمية الاولى الاممية الثانية من سلطتها على فروعها الوطنية التي كانت قد اقرت لها باولوية المشاعر الوطنية على التضامن الاممي باعتبارها واقعة عصية على الفساد وبعبارة اخرى عندما سنح الظرف للحركات الاشتراكية بان تتولى السلطة في بلادها على التوالي كانت قد تحولت الى احزاب وطنية.

الفصل الرابع ايديولوجية وارهاب.

تتميز التوليتاريا جوهريا عن بقية القمع السياسي التي نعرفها شان الطغيان والاستبداد والدكتاتورية عندما تتسلق سدة الحكم فهي تولد مؤسسات سياسية جديدة كليا بعد ان تكون قد دمرت كل التقاليد الاجتماعية والتشريعية والسياسية القائمة في البلاد وقلما تهتم التوليتاريا بالتقليد الوطني بصورة خاصة او لمصدر ايديولوجيتها الروحية الخاصة ذلك لان النظام التوليتاري يحول الطبقات الى جماهير على الدوام ويضع بديلا من نسق الاحزاب حركة جماهيرية تنقل مركز السلطة من الجيش الى الشرطة وتضع حيز التنفيذ سياسة خارجية هادفة للسيطرة على العالم بصورة علنية.

أسس التوليتاريا كتاب لمؤلفته حنة ارندت قيم بمعلوماته وتفصيلاته الكثيرة وثراءه في الفهم التاريخي لدول التوليتاريا التي حكمت وانتجت كم هائل من الويلات والحروب والموت الجماعي كتاب عن ماساة الانسان مع هذه النظم الدموية التي سفحت الدماء باعصاب باردة ودون ان تهتم لشئ غير توسيع السلطة على حساب الشعوب المقهورة .

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 23/كانون الثاني/2011 - 17/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م