السودان... تداعيات الانفصال والاقتصاد الهش

شبكة النبأ: مع قرب الاعلان عن الانفصال التام لجنوب السودان عن شماله تلوح في الافق بالتزامن مع ما هو منتظر ازمات اقتصادية حادة قد تعصف بشقي البلاد المنفصلان، سيما بعد حرب طويلة استمرت 20 عاما، افرزت بنى تحتية شبه منهارة، وعقوبات دولية لاتزال تلقي بظلالها المؤثرة.

فيشير المراقبون الى ترقب السودان بجزأيه تداعيات حادة في هذا الصدد قد تكون بحاجه الى فترة زمنية طويلة وسياسة اقتصادية متزنة للخروج من عنق الزجاجة، التي تزامنت مع ازمة المال الدولية.

الأزمات القادمة

فقد يتأهب السودان بعد الانقسام بالفعل نحو أزمة اقتصادية خلفتها سنوات من اسراف الحكومة في الانفاق. وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء على انفصال جنوب السودان فقد يواجه شمال البلاد -الذي يضم العاصمة الخرطوم ومعظم الصناعات وقرابة 80 بالمئة من السكان البالغ عددهم 40 مليون نسمة- تباطؤ النمو الاقتصادي وارتفاع معدل التضخم لسنوات.

وقال الاقتصادي حسن ساتي الذي عمل في وزارة المالية لاكثر من عشر سنوات "أظن أننا نواجه أزمة اقتصادية خطيرة للغاية ربما هي الاطول في سنوات."

ويقدر المحللون أن حجم النقد الاجنبي الذي يقع تحت تصرف الخرطوم قد ينخفض في نهاية المطاف بين عشرة و13 بالمئة.

وفي السنوات الاولى قد يكون التأثير الاقتصادي للانفصال محدودا. ونظرا لان معظم النفط السوداني يكرر وينقل عبر الشمال يتوقع المحللون أن يبرم الشمال والجنوب اتفاقا للتعاون النفطي من شأنه أن يخفف من وقع الضربة على الخرطوم خلال فترة انتقالية. بحسب رويترز.

لكن أيا كانت بنود الاتفاق فان الاخفاقات السياسية ومواطن الضعف الهيكلية في الاقتصاد تجعل التوقعات قاتمة.

ويلقي المسؤولون في الخرطوم بمسؤولية عدم الاستقرار الاقتصادي منذ العام الماضي على المضاربة والاحتكار في الفترة التي سبقت الاستفتاء. ويرى محللون أن الاستفتاء مجرد عامل ثانوي وان الاقتصاد السوداني وصل مرحلة الازمة بسبب سنوات من سوء الادارة والاسراف في النفقات.

تقول عابدة المهدي وزيرة الدولة السابقة للشؤون المالية والرئيسة التنفيذية ليونيكونز للاستشارات الاقتصادية "سيرتفع التضخم وفي نفس الوقت يتباطأ النمو الاقتصادي بينما نواجه الركود التضخمي."

ومنذ توليها الحكم في انقلاب وقع عام 1989 ركزت حكومة الرئيس عمر حسن البشير على استخراج النفط فيما بدأ التصدير عام 1999.

وبالرغم من العقوبات التجارية الامريكية المفروضة منذ 1997 شهد السودان طفرة اقتصادية أكبر بعد اتفاق السلام بين الشمال والجنوب الذي وقع عام 2005 لينهي أطول حرب أهلية في أفريقيا. وبلغ متوسط النمو السنوي نحو ثمانية في المئة مع ارتفاع أسعار النفط وتكالب المستثمرين الاجانب.

لكن مع الاعتماد على النفط أهمل السودان الصناعات الاساسية والزراعة وتركها عرضة للمشكلات حينما أضرت الازمة المالية العالمية عام 2008 و2009 بأسعار النفط وقلصت الاستثمار الاجنبي.

وقال محللون انه أيضا في الوقت الذي بسط فيه الحزب الحاكم نفوذه على قطاع واسع من الشركات لتعزيز قاعدة التأييد السياسي له جرى تسريح بعض أصحاب الكفاءات السودانيين من وظائفهم. وهو ما غذى سوء الادارة والتدهور.

يقول وزير المالية السابق عبد الرحيم حمدي "لم تكن هناك ادارة عملية للاقتصاد على المستوى السياسي وأعتقد أن بعض الضغوط التي مارسها السياسيون أثرت على الاقتصاد بصورة عكسية." وأردف "انها مشكلة ادارية".

وخلال الطفرة استورد السودان كميات ضخمة من البضائع لتعويض نقص الانتاج المحلي. وسبب هذا عجزا تجاريا هيكليا.

وتراجع نمو الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي في 2009 الى 4.5 بالمئة من أكثر من عشرة بالمئة في 2007. وبلغ نصيب الفرد من الناتج القومي الاجمالي 1220 دولارا فقط في 2009 وفقا لتقديرات البنك الدولي فيما بلغ الناتج المحلي الاجمالي 54 مليار دولار.

وليست هناك بيانات رسمية للبطالة لكن محللين يقدرونها عند نحو 20 في المئة. وتقدر ميزانية السودان لعام 2011 - والتي وضعت على افتراض استمرار البلاد موحدة وهو أمر مستبعد- معدل البطالة عند 14 في المئة ويعتقد المحللون أن المعدل الحقيقي سيكون أعلى.

يذكر حمدي "الحكومة سيئة الحظ جدا لانه في الوقت الذي ادركوا فيه الحاجة الى اصلاح الامور حرموا من الموارد التي اعتادوا استخدامها.

ويطبق البنك المركزي السوداني سياسة حصيفة في مسعى لتجنب خفض العملة على نحو مضر. ويقدم البنك حافزا ماليا لشراء وبيع النقد الاجنبي ليعادل سعر السوق السوداء لكبح نشاط هذه السوق وجلب السيولة الى الدفاتر الرسمية. ويأمل البنك في أن يعدل في نهاية المطاف أي خفض في قيمة الجنيه السوداني بعد الاستفتاء.

لكن لن يكون لمثل هذه الاجراءات سوى تأثير محدود في غياب اصلاحات اقتصادية واسعة لخفض الانفاق الحكومي وزيادة الايرادات غير النفطية.

ولا تصدر الحكومة بيانات كاملة ومفصلة عن الميزانية وترفض وزارة المالية اجراء مقابلات لكن محللين يرون ان مسائل المالية العامة تعاني من ضغوط كبيرة. ويقولون ان نحو 75 بالمئة من الميزانية تنفق على الجيش والعدد الكبير من قوات الامن التي شكلها حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير على مدار سنوات.

علاوة على ذلك يتعين على السودان تمويل مرتبات حكومة مركزية ضخمة تضم 90 منصبا على مستوى وزاري وبرلمان مركزي كبير وحكومات وبرلمانات محلية في كل ولايات الشمال وعددها 15.

تقول المهدي ان زيادة التحويلات النقدية الى ولايات الشمال الخمس عشرة منذ ابرام اتفاق الشمال عام 2005 كانت تذهب الى المرتبات والى الحفاظ على تماسك الحكومات المحلية التي يهيمن عليها حزب المؤتمر الوطني.

وتضيف "وجدت ان من بين كل الزيادات في التحويلات الى الولايات يذهب 80 بالمئة الى الانفاق العام فيما يخصص جزءا يسيرا للتنمية. لا يمكن ان تتحمل البلاد ذلك."

وأعلنت الحكومة تدابير طارئة لمعالجة العجز في الميزانية فخفضت الدعم على المنتجات البترولية ورفعت أسعار السلع الرئيسية. وقال وزير المالية علي محمود ان البرنامج سيوفر ملياري جنيه سوداني (669 مليون دولار) وأشار الى احتمال خفض اخر للدعم في المستقبل.

لكن قد يكون من المستحيل السيطرة على العجز دون خفض الانفاق بصورة مباشرة على الجهاز الحكومي المتضخم وأجهزة الامن الكبيرة. وقال حمدي واخرون ان مثل هذه التخفيضات ستكون صعبة سياسيا.

في الوقت نفسه وضع السودان خططا طموحة لزيادة انتاجه من السكر مع هدف توفير فائض صغير للتصدير في غضون ثلاث سنوات. ويسعى الى خفض الواردات من القمح وغيره على أمل تحقيق الاكتفاء الذاتي في الغذاء خلال خمس سنوات.

لكن معظم هذه الخطط تعتمد على تدفق الاستثمار الاجنبي الذي توقف بسبب حالة عدم اليقين التي تسبق الاستفتاء ولان القيود التي فرضها البنك المركزي على النقد الاجنبي صعبت على الشركات استعادة أرباحها.

وبغض النظر عن نتيجة الاستفتاء فقد يستمر عدم اليقين لسنوات بشأن احتمال تجدد الصراع المسلح بين الشمال والجنوب. وتحجم الحكومة عن تطبيق تغييرات اقتصادية يمكن أن تضر بالقطاعات الرئيسية لقاعدة شعبيتها.

يقول حمدي انه مع تدخل الحكومة وعدم كفاءتها من المستبعد أن يعود المستثمرون الى الشمال بسرعة. ويستطرد "نحتاج الى الاعتماد على القطاع الخاص ومنحه مزيج الحوافز السليم." وقال انه يجب على الحكومة رفع الضرائب على القطاع المالي وقطاع الطاقة لزيادة العائدات.

حظر الاستيراد

في السياق ذاته حظر السودان استيراد أنواع عديدة من السلع والمنتجات من بينها الاثاث والحيوانات ومنتجات غذائية في أحدث تحرك لمواجهة العجز التجاري ونقص النقد الاجنبي في ظل احتمالات انفصال جنوب البلاد المنتج للنفط.

وألقى محللون باللوم على زيادة الانفاق الحكومي وارتفاع الدين واهمال قطاعي الصناعة والزراعة الاساسيين في تنامي الازمة الاقتصادية في السودان مع صعود التضخم وضعف الجنيه السوداني.

وخفضت الخرطوم الدعم على جميع منتجات النفط والسكر تمهيدا لالغاء الدعم بالكامل. وينتج السودان نحو 500 ألف برميل من النفط يوميا معظمها من الجنوب.

وتتضمن السلع والمنتجات التي بدأ سريان حظر استيرادها الحيوانات الحية والمنتجات الحيوانية والحلوى والاثاث والحرير والجلود الطبيعية والصناعية والاشجار ومعظم النباتات والزهور ومنتجات البلاستيك والمعكرونة والتبغ وأنابيب المياه ومنتجات الدقيق (الطحين) واللحوم الطازجة والمجمدة ومنتجات الالبان.

واتخذت الخرطوم بالفعل اجراءات لتقييد الواردات وأصبح عدد قليل من البنوك هو القادر على تقديم خطابات ضمان. ومن المرجح أن تلحق هذه الاجراءات أضرارا شديدة بالتجار الذين حققوا مكاسب من سنوات الازدهار حينما سمحت الحكومة بواردات ضخمة لتعويض نقص الانتاج المحلي. بحسب رويترز.

وستكون الشركات الصغيرة والمتوسطة الاشد تضررا وقد قالت ان هذه الاجراءات جاءت بشكل مفاجئ وانها لا تستطيع التحول بين عشية وضحاها من الاستيراد الى التصدير وبدون أموال.

ويعزو السودان المشكلات الى الازمة المالية العالمية والمضاربات قبيل استفتاء الانفصال. لكن محللين قالوا ان المواطنين يدفعون ثمن سياسات التبذير السابقة.

وخفض البنك المركزي عمليا قيمة الجنيه السوداني في نوفمبر تشرين الثاني من خلال مضاهاة سعر السوق السوداء في التداول الرسمي في خطوة تهدف لتحسين أوضاع السيولة النقدية في السوق.

وقال صابر حسن محافظ البنك المركزي في بيان منفصل ان هذه السياسة جلبت مزيدا من النقد الاجنبي الى التداول الرسمي وانه يستهدف الوصول بسعر صرف العملة الى 2.70 جنيه مقابل الدولار. ويتجاوز سعر الدولار ثلاثة جنيهات بقليل في السوق الموازية.

الجنوب اقتصاد هش

من جهتهم يتوقع معظم المحللين انفصال الجنوب -الذي ينتج نحو 75 بالمئة من انتاج السودان من النفط الذي يبلغ 500 ألف برميل يوميا- لكن المنطقتين تمتلكان موارد ستضمن على الارجح ألا تنفصم العلاقات بين اقتصاديهما الا ببطء شديد اذا ما تمكن الجانبان من تجنب اندلاع صراع مسلح من جديد.

ويحصل الجنوب الذي يضم نحو 20 بالمئة من سكان السودان البالغ عددهم 40 مليون نسمة على 98 في المئة تقريبا من ميزانيته من خلال ايرادات النفط الامر الذي يجعله رهينة للشمال الذي يمتلك البنية الاساسية للتكرير ولشحن النفط وسيحتاج الجنوب سنوات لتشييد بنيته التحتية حتى وان تمكن من التغلب على الصعوبات المالية.

لذا يتعين على حكومة جنوب السودان أن تكبح توقعات شعبها وحتى بعض وزرائها بانها ستتمتع بنسبة 100 بالمئة من ايراداتها النفطية عقب الاستقلال. وسيطالب الشمال بسعر أعلى في صورة ايجارات ورسوم لاستخدام المصافي وخطوط الانابيب والموانيء. لكن لدى الجنوب ورقته الرابحة.. نظامه الخاص للعملة.

وبالرغم من أن وحدة نقدية قد تكون هي الخيار الارخص بالنسبة للجانبين فان الجنوب يعتزم لاسباب سياسية اصدار عملته الخاصة بعد الانفصال. واذا اقدم على هذه الخطوة بدون تعاون وثيق مع الشمال بشأن قضايا مثل التوقيت وسعر الصرف فان الضغوط التضخمية على الجنيه السوداني قد تكون مدمرة. بحسب رويترز.

وقال اسبن بارث ايدي نائب وزير الخارجية النرويجي الذي يقدم المشورة للجانبين بشان النفط "الطرفان مؤهلان تماما لتدمير بعضهما البعض لكن على حساب تدمير نفسيهما."

ويقدر المحللون ان حكومة الجنوب ربما تتمكن من اضافة مليار دولار الى ميزانيتها السنوية التي تبلغ نحو ملياري دولار من خلال الحصول على المزيد من عائدات النفط بعد الاستقلال.

ونوعا ما سيستفيد الجنوب من بداية اقتصادية جديدة وسيتجنب مشكلات يعاني منها الشمال مثل الديون الخارجية المنهكة وعجز تجاري هيكلي كبير. ويرفض الجنوب حتى الان تحمل أي جزء من أعباء الدين الخارجي للسودان ويستبعد محللون ان يقبل بذلك.

وباستثناء النفط يهيمن على أنشطة التجارة في السلع بجوبا عاصمة الجنوب اقتصادات شرق أفريقيا المجاورة القوية نسبيا بدلا من الشمال ومن المرجح أن يستمر هذا الوضع.

لكن الجنوب يشارك الشمال بعض المشكلات الاقتصادية. ويقدر البنك الدولي نصيب الفرد من الناتج القومي الاجمالي في السودان ككل عند 1220 دولارا فقط في 2009 وربما يكون المستوى أقل في الجنوب.

وعلى غرار الشمال ينفق الجنوب مبالغ هائلة للحفاظ على جيش ضخم فشل في تسريحه برغم السلام. وفجر تأجيل دفع الرواتب أعمال شغب من جانب جنود غاضبين وليس هناك الكثير من فرص العمل التي يمكن توفيرها لهما في حال تسريحهم.

قال الاقتصادي حسن ساتي المسؤول السابق في وزارة المالية السودانية عن حكومة الجنوب "يجب ان يستثمروا معظم أموال النفط في تنمية الزراعة والصناعة والخدمات التعليمية والصحية.

وليس هناك الا القليل من البنية التحتية في الجنوب و60 كيلومترا فقط من الطرق معبدة. ويتم توفير الطاقة الكهربية عن طريق مولدات الديزل المكلفة اذ لا توجد شبكة وطنية ومياه الصنابير شحيحة في الكثير من المناطق. وبسبب سوء مرافق التعليم فان احدى المشكلات الكبرى تتمثل في نقص الموارد البشرية.

وقبل تدفق الاستثمارات ستحتاج الحكومة الى احكام سيطرتها على الامن بعد تاريخ من الاضطرابات العسكرية وتمرد الميليشيات والاشتباكات المسلحة في المناطق القبلية.

وقال وزير المالية السوداني السابق عبد الرحيم حمدي "يحتاج الجنوب الى تدفق ضخم لرأس المال من الخارج... لن يأتي من المستثمرين يجب ان يأتي من المانحين."

وتعهد مانحون بينهم بريطانيا والولايات المتحدة والنرويج وهولندا بتقديم أكثر من أربعة مليارات دولار من المساعدات منذ 2005 الى السودان ككل. وتكلفت مشروعات يديرها البنك الدولي أكثر من 500 مليون دولار في الجنوب وحده وملايين أخرى في المناطق الحدودية بين الشمال والجنوب.

لكن الدول المانحة التي عول عليها الجنوب فيما مضى تقول انها لن تكون سريعة للغاية في تقديم المساعدات في أعقاب الانفصال. وقلصت الازمة المالية العالمية من حجم المساعدات المقدمة لبعض البلدان وسيتوخى المانحون الحذر حتى تتمكن جوبا من السيطرة على الفساد المستشري وتثبت أن بوسعها تجنب الحرب مع الشمال.

وقال ايدي "يجب الا يتوقعوا ان ينقذهم المانحون لديهم أصدقاء أوفياء لكن لا يمكن أن تدير الاقتصاد اعتمادا على مساعدات التنمية."

ومع ذلك ربما يقدر الغرب انه ليس بوسعه تحمل عبء وجود دولة هشة أخرى في شرق أفريقيا قريبة جدا من الصومال وبالقرب من كينيا صاحبة أهم اقتصاد في شرق افريقيا. لذا يجب توفير المساعدات لفترة على الاقل.

يقول محمد كباج الباحث الاقتصادي المستقل الذي عمل مستشارا لمحادثات اقتسام الثروة في صراع دارفور المنفصل "الجنوب هش للغاية.

"اذا لم يوسع المجتمع الدولي مساعدته للجنوب سيكون هذا سوء ادارة خطير جدا للوضع ككل وسيعاني الجميع أكثر."

افرص الاقتصادية

من جانب آخر يمكن أن تقتنص دول شرق افريقيا فرص التجارة والاستثمار التي تقدر قيمتها بمليارات الدولارات للمساعدة على تنمية جنوب السودان اذا انفصل عن الشمال لكن سيتعين عليها مواجهة منافسين أكبر مثل الصين.

وبدأ البنك التجاري الكيني بالفعل محاولة الاستفادة من الفرص التي لا حصر لها في جوبا عاصمة جنوب السودان بينما تستعد شركات أخرى لملاحقة للركب.

قال جيمس شيكواتي المدير التنفيذي لمركز أبحاث (انتر ريجن ايكونوميك نتوورك) "لدينا ميزة لكن هذا لا يعني أنه لا يمكن أن يتفوق علينا منافسون."

وأضاف "قوى مثل الصين واليابان والهند مستعدة أيضا. أيا كان الذي سنصنعه.. فيمكن أن تصل (هذه الدول) الى هنا دون تكلفة تذكر."

وتضاعفت صادرات كينيا الى جنوب السودان تقريبا خلال الفترة بين 2005 و2009 مرتفعة الى 12.8 مليار شلن أوغندي (157.7 مليون دولار) بعد أن كانت قيمتها 6.8 مليار شلن بعد أن وقع متمردو جنوب السودان على اتفاق سلام مع ادارة الخرطوم مما مهد الطريق للاستفتاء.

ويتاخم جنوب السودان سوق التصدير الرئيسية في أوغندا واستورد بضائع قيمتها نحو 184.6 مليون دولار من ثاني أكبر اقتصاد في شرق افريقيا في 2009 طبقا لمجلس الترويج لصادرات أوغندا.

قالت ماجي كيجوزي المديرة التنفيذية لهيئة الاستثمار الاوغندية "خلال السنوات القليلة الماضية كان جنوب السودان أكبر قوة دافعة لقطاع الصناعات التحويلية لدينا لان الطلب على منتجاتنا هائل."

وأضافت أن أوغندا بصدد اقامة منطقة صناعية بتكلفة ثلاثة مليارات شلن (1.29 مليون دولار) في جولو للجهات المصنعة التي تستهدف سوق جنوب السودان. وكانت جولو يوما ما بلدة مهمشة تتركز بها الحرب الاهلية بشمال أوغندا لكنها تحولت الى نقطة تجارية تربط بين كمبالا وجوبا.

وتعتزم تويوتا أوغندا اقامة ورشة للهندسة والاصلاح في جولو للدخول الى السوق المجاورة حيث تنتشر سيارات تويوتا لاندكروزر ذات الدفع الرباعي. بحسب رويترز.

وعنصر المغامرة بالنسبة لدول شرق افريقيا هو ما الذي سيحدث اذا أشعل الاستفتاء صراعا اخر ربما يستدرج الاقتصادات المجاورة وفي هذه الحالة قد تتوقع الدول المجاورة تراجعا حادا على طلب منتجاتها وكذلك تدفقا هائلا للاجئين.

وربما تكلف العودة الى الحرب الدول المجاورة 34 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي على مدى عشر سنوات واحداث انتكاسة في الناتج الاجمالي المحلي لكل من كينيا واثيوبيا الذي يبلغ مليار دولار سنويا طبقا لتقرير من (فرونتير ايكونوميكس).

وقالت فلورانس كاتا رئيسة مجلس الترويج لصادرات أوغندا "اذا أجري الاستفتاء على نحو جيد واستقبلت الخرطوم النتيجة سلميا واذا ولدت جنوب السودان كدولة جديدة فنحن متأكدون تقريبا أن صادراتنا السنوية لهذا البلد الجديد ستتضاعف وأن تجارتنا مع جنوب السودان ستنمو بشكل هائل." وأضافت "اذا أيد الاستفتاء الانفصال وبدأت الخرطوم حربا ستتدنى صادراتنا."

ويعتزم بنك التجاري الكيني مضاعفة عدد فروعه في جنوب السودان الى 30 بحلول عام 2015 وهو عرضة لخسارة استثماراته في حالة اندلاع الحرب.

وقال مارتن أودور أوتينو رئيس البنك التجاري الكيني في مقابلة مع رويترز "انها أراض بكر... من الممكن أن تصبح أكبر اقتصاد في المنطقة خلال فترة بين 10 و20 سنة مقبلة."

وقال جيمس شيكواتي "الجميع يترقبون. اخر شيء يريده الجميع هو وجود صومال اخر في المنطقة. اذا حدث هذا فسيكون من الصعب للغاية تحقيق استقرار بالجنوب."

وكينيا في مكانة تسمح لها بأن تجعل من نفسها مركزا للامدادات ومسارا للنقل لجنوب السودان وهو منطقة حبيسة لا تطل على أي سواحل في حالة استقلاله.

والمنطقة غنية بالنفط الذي يمثل محور التوتر الاساسي في ترسيم الحدود والذي يجري شحنه شمالا الى بورسودان.

ويعتقد محللون أن الدولة الجديدة ستسعى لتصدير نفطها الى ساحل المحيط الهندي عبر ممر غير متاح حاليا يمر بكينيا لتفادي الخرطوم.

ويقول محللون ان دولا مثل الصين واليابان التي تعاني من نقص شديد في الموارد الطبيعية سيسرها أن تمول مثل هذا المسار البديل.

وتسعى كينيا لمستثمرين لتمويل نصيبها في بناء ممر يصل بين اثيوبيا والسودان الى الساحل الكيني بالسكك الحديدية والطرق البرية وكابلات الاتصالات وخط أنابيب يمتد لمسافة 1400 كيلومتر وذلك بتكلفة 22 مليار دولار.

وتقول المجموعة الدولية لمعالجة الازمات في تقرير ان تويوتا تسوشو ذراع الاستثمار لشركة تويوتا المصنعة للسيارات واحدة من الشركات المهتمة بخط الانابيب الذي تبلغ تكلفته 1.5 مليار دولار.

لكن هناك قدرا من الاستياء تجاه الشركات الكينية والاوغندية التي تستثمر في جنوب السودان اذ ان بعض سكان الجنوب يعتبرونها استغلالية.

وهم يقولون ان دولا مجاورة استفادت من تمويل المساعدات التي تدفقت عبر اقتصاداتها عندما كانت تأوي اللاجئين وانها لابد وأن تترك البلد لاصحابها.

وفي تعليق على الانترنت كتبه أجيجو كاك كوكورا "حصلوا على المال من الامم المتحدة والكثير من المنظمات غير الحكومية. أساءوا معاملتنا وظلوا وراءنا... انهم لا يريدون سوى أن يحققوا فائدة مضاعفة."

وأضاف "لابد أن نعيد التفكير مرة أخرى بعد التاسع من يناير. الكثير منا يعتقدون أن التحرير هو التحرير من الشمال. لا.. التحرير يعني حتى التحرر من الدول المجاورة."

ديـون الانفصال

من جهته عرض الرئيس السوداني عمر البشير، تحمل الشمال كل ديون السودان في حالة انفصال الجنوب، إذ تواصل الإقبال الشديد على مراكز الاقتراع في الجنوب وسط أجواء حماسية مؤيدة بقوة للانفصال عن الشمال.

وفي التفاصيل، أبلغ الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر تلفزيون «سي.إن.إن»، بأن الرئيس السوداني عرض أن يتحمل الشمال كل ديون البلاد في حالة انفصال الجنوب بعد الاستفتاء. وقال كارتر في مقابلة مع القناة التلفزيونية «تحدثت مع البشير، فقال ان الدين بأسره ينبغي أن يؤول الى شمال السودان لا الجزء الجنوبي، لذا يمكن القول بأن جنوب السودان سيبدأ بصفحة بيضاء على صعيد الديون».

ويعتبر العرض لمحة تصالحية مهمة من البشير، وسيرفع عبئا ماليا ضخما عن كاهل الجنوب في المرحلة الأولى من استقلاله المتوقع.

وكان السودان دعا من قبل الى اعفائه من ديونه البالغة نحو 38 مليار دولار لتعزيز فرص السلام. وبحسب صندوق النقد الدولي فإن معظم الديون متأخرة السداد، وكان مستقبل ديون السودان واحدا من قائمة قضايا معلقة ناقشها قادة الشمال والجنوب، ومن بينها أيضا مشكلة الحدود بين الطرفين وتقاسم ايرادات النفط. ووعد الرئيس الأميركي باراك أوباما بمساعدة السودان في ما يتعلق بالديون، اضافة الى مبادرات أخرى، طالما أنه يمضي قدما في الاستفتاء السلمي وحل مسألة النزاع.

تأثير الانفصال

المسائل التي تواجه شمال السودان في حالة انفصال الجنوب... بحسب رويترز.

اقتسام النفط

كفلت معاهدة 2005 تقاسم ايرادات النفط بالتساوي تقريبا بين الطرفين من ابار في الجنوب. ومن المتوقع التوصل الى اتفاق لاستمرار شكل من أشكال التشارك لان الشمال يسيطر على البنية الاساسية أو لفترة انتقالية يمكن خلالها خفض نصيب الخرطوم بعد الانفصال. ومن شأن هذا التقليل من أثر أي صدمة اقتصادية فورية في اقتصاد الشمال الذي يعاني بالفعل من نقص في العملات الاجنبية وارتفاع معدلات التضخم.

وعلى المدى الاطول سيحتاج الجنوب المزيد من ايراداته لاعادة بناء المنطقة التي تعاني من اثار الحرب لذلك يجب أن يبدأ الشمال في تنويع مصادره بعيدا عن النفط. ويوجد نحو 70 في المئة مما يقدر بنحو 6 مليارات برميل من احتياطي النفط بالسودان في الجنوب.

ووقعت الخرطوم عددا من امتيازات النفط في الشمال تأمل أن ترفع من انتاج النفط الخام لكن ربما يستغرق خروج أي انتاج الى النور ما يصل الى خمس سنوات. وتقول وزارة البترول ان الانتاج في الشمال يتراوح ما بين 100 و110 الاف برميل يوميا. ويبلغ اجمالي الانتاج 500 برميل يوميا.

هل ستنشب حرب أخرى..

شهد أكبر بلد افريقي حروبا أهلية متقطعة منذ عام 1955 وما زال الصراع مستمرا على نطاق محدود في منطقة دارفور في غرب السودان.

وتبادلت أطراف متشددة من الجانبين التصريحات الحادة وكانت هناك مظاهر للعنف. لكن قيادة الجانبين سرعان ما سيطرت على الاشتباكات. ويظهر هذا أنهما يعلمان جيدا أنه بما أن المصالح الاقتصادية للدولتين الجديدتين متداخلة بصورة كبيرة فان أيا منهما لا يمكنه تحمل العودة الى الحرب.

وهناك أزمة متعلقة بقضية أبيي المنطقة التي يطالب بها الجانبان لكن من المرجح أن يتم حلها في اطار اتفاق أوسع نطاقا في مسائل ما بعد الاستفتاء. ويقول بعض المحللين الغربيين أن الشمال قد يستغل الحرب ليغطي على أزمته الاقتصادية وانها قد تحقق عائدا للخرطوم من خلال الصناعات العسكرية المملوكة للدولة.

لكن أغلب المحللين السودانيين يقولون ان الشمال سيجد صعوبة في توفير جيش وتمويله لخوض مثل هذه الحرب وهي حرب لن يفوز فيها أي من الجانبين بسهولة.

ماذا عن الاستثمارات في الشمال..

يواجه السودان زيادة في معدلات التضخم ونقصا في العملات الاجنبية. ويمثل الدين الخارجي المتزايد والذي وصل الى نحو 40 مليار دولار مبعث قلق في الوقت الذي ستقل فيه ايرادات الشمال لتسديد الديون وعلى المدى الاطول لن يكون هناك 500 ألف برميل يوميا من النفط تضمن له الاستثمارات.

وأعلنت الخرطوم خطوات تقشف عديدة بما في ذلك خفض محدود في التكاليف واحياء للنشاط الزراعي لكنها أطلقت وعودا مماثلة في التسعينات ولم تستمر فيها قط.

كما زاد الانفاق على الدفاع والامن منذ معاهدة السلام في 2005 طبقا لما كشفت عنه دراسة مستقلة أجرتها مؤسسة (يونيكونز) للاستشارات وهو أمر لن يشجع المستثمرين.

اذ ان نقص العملات الاجنبية والقيود جعلت من الصعب بالفعل على الشركات تحويل الارباح وسيرغب المستثمرون في أن يروا حكومة الشمال تنفذ سياسات منفتحة وشفافة في الساحتين الاقتصادية والسياسية لتشجيعهم على الاستثمار.

وتشير تقديرات الى أن عدد الجنوبيين الموجودين في الشمال نحو مليونين ومن المتوقع أن ينتقل نحو 150 ألفا الى الجنوب قبل التاسع من يوليو تموز. وسيرغب كثيرون ممن ولدوا أو تعلموا أو عملوا أو تزوجوا في الشمال في البقاء لكن تصريحات من كبار مسؤولي الشمال تقول انهم لن يكونوا موضع ترحيب أثارت مخاوف من احتمال اجبارهم على الرحيل.

ومن شأن أي عملية طرد أن تكون نقطة مثيرة للعنف وستعزل حكومة الشمال على الساحة الدولية أكثر وربما تفقدها الدعم الاساسي الذي تلقته من الاتحاد الافريقي خلال السنوات الاخيرة.

وفي حين أن أغلب المراقبين يعتقدون أن التصريحات الحادة ما هي الا وسيلة لرفع الاسهم قبل المفاوضات النهائية فان مثل هذه التصريحات شجعت أقليات اسلامية متشددة ربما تقرر أن تتصرف بنفسها في حالة انفصال الجنوب.

ماذا عن دارفور..

يدرك المتمردون في غرب السودان أن موقفهم سيكون أقوى في حالة تحقق الانفصال لان موقف الخرطوم سيضعف بعد فقد الجنوب ولان الاراضي التي يسيطر عليها المتمردون ستمثل جزءا كبيرا من دولة الشمال المتقلصة الجديدة. ويمكن أن يصعدوا من مطالبهم بتقرير المصير اقتداء بالجنوب.

واستؤنفت اشتباكات عسكرية لكن تم قطع مسار الامدادات الاساسي من تشاد للمتمردين. ويعتقد محللون أن الجنوب قد يساعد مسلحي دارفور اذا دعمت الخرطوم مقاتلين في الجنوب مما يعني انخراط دارفور في حرب بالانابة.

بالاضافة الى ذلك ففي الوقت الذي يستأثر فيه الجنوب بأموال الجهات المانحة ستكون المساعدات المتاحة لدارفور أقل مما يعني ظهور أزمة انسانية أخرى. ويبدو أن الصراع في دارفور سيستمر كصراع على مستوى منخفض لسنوات مقبلة.

هل سيصبح الشمال أكثر عزلة..

ستصبح دارفور مصدر القلق الرئيسي للشمال بسبب أمر الاعتقال الذي أصدرته المحكمة الجنائية الدولية بحق الرئيس عمر حسن البشير المتهم بارتكاب جرائم حرب وابادة جماعية هناك.

وربما تؤدي سياسته القائمة على الاصرار على القيام بزيارات لدول مجاورة تتعرض لضغوط غربية حتى لا تستضيفه الى عزل الشمال بدرجة أكبر وفقده حلفاء. كما أشار البشير الى أن الشريعة ستطبق بشكل كامل في الشمال وأقامت الخرطوم روابط سياسية واقتصادية أقوى مع ايران مما سيثير قلق الغرب.

وكان السودان في التسعينات ملاذا امنا للشخصيات المطلوبة دوليا مثل أسامة بن لادن وكارلوس.

وعرضت أطراف رئيسية مثل واشنطن ولندن وأوسلو حوافز على الشمال ليتبنى الحكم التعددي الديمقراطي بعد الانفصال وعرضت زيادة التجارة ورفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للارهاب وتخفيف محدود للعقوبات الامريكية.

لكن تلك المكافات ربما لا تزيد ثقلا عن الضغوط الداخلية للمتشددين في الحزب الحاكم بالخرطوم الذين يرفضون السماح بأي مجال للمعارضة ويرون أنها يمكن أن تشجع المزيد من الميول الانفصالية وتضعف قاعدة سلطتهم في الداخل.

ويخشى الكثير من أبناء شمال السودان أن تصبح حكومة الخرطوم بعد الانفصال أكثر حدة واسلامية وعزلة مما قد ينشر الفساد في المنطقة اذا ترك الامر دون رقيب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 19/كانون الثاني/2011 - 13/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م