نهاية مرحلة الاستبداد.. وبداية مرحلة التحرر

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: من غرائب الدهر وعجائبه، أن يبدو العراق وكأنه بحاجة الى تصريحات مشجعة، من هذا الطرف السياسي او ذاك، وهي تلمّح أو تدل على أن العراق (بدأ يتعافى) من مرض عضال ألمّ به بعد أحداث نيسان 2003، ومن يستمع لفحوى تلك التصريحات، التي أخذت تُطلق مؤخرا بين حين وآخر، من سياسيين عرب وآخرين، من دول مجاورة، فإنه يشعر وكأن هؤلاء يريدون أن يبدوا تعاطفهم مع العراقيين، لكنهم – في حقيقة الامر- بمثل هذه التصريحات، يحاولون أن يعفوا أنفسهم من نتائج تدخلاتهم في العراق، وأن يتهربوا من مسؤوليتهم عمّا حدث له ولأهله من سوء جسيم، وهكذا نصل بالنتيجة، الى أنهم يحاولون أن يبعدوا عن أنفسهم شبهة ما، سواء  قصدوا ذلك أو لم يقصدوه.

إن العراق فعلا كان يعاني من مرض عضال، كان يسير به الى حافة الموت، ولكن لم تكن بداية هذا المرض في نيسان 2003، بل بدأت مع رحلة طويلة ومريرة من الاستبداد والطغيان والتفرد بالسلطة وصنع القرار، وإدخال البلد في حرب شعواء، وإخراجه من اخرى، ليدخل في ثالثة وهكذا دواليك...، ناهيك عن أساليب القهر والحرمان، وتكميم الافواه، وقطع الألسنة، وتجفيف مداد الاقلام، ومحاصرة الافكار، على مدى حكومات مستبدة تعاقبت على حكم العراقيين، بأقسى وأسوأ ما يمكن أن يكون عليه الحكم، ليبلغ ذروته في ظل النظام السابق.

وهذا يدل على أن المرض العضال المزمن الذي بدأ ينخر بجسد العراق وروحه، كان سابقا لتأريخ 2003، وربما لن أكون مخطئا اذا قلت، بأن هذا التأريخ هو المحطة الفاصلة بين نهاية مرض العراق المزمن، وبداية شفائه منه، بكلمة أوضح، أن العام 2003 شكل نقطة البداية لتعافي العراق من مرض الاستبداد، الذي ألمّ به لقرون وعقود متعاقبة.

وكلنا نتفق، استنادا الى تجارب الامم الاخرى، على أن ثمرة الديمقراطية لن تُقطَف في ليلة وضحاها، ولا يمكن أن تحصل عليها أمة، أو شعب ما، من دون أن يصطلي بنيران التضحيات الجسيمة، التي تتطلبها الحرية، ثمنا لمن يروم الحصول عليها والتمتع بنعيمها، ولذا ليس غريبا أن يقدم العراقيون مئات الآلاف من الضحايا والقرابين، على مذبح الحرية، بعد العام 2003، فهذا نوع من التطهر، والاستطباب، على طريق التحرر التام، وهو أمر ليس بغريب فيما لو درسنا تجارب الامم الاخرى بعناية.

لكن الغريب في هذا الامر، أنك حين تبحث عن أسباب الحرائق التي اشتعلت بين العراقيين وأنفسهم، ستجد أن مصدرها ليس العراقيين، بل هم أبناء جلدتهم وجيرانهم الذين استباحوا حرمة التراب العراقي ودمه، وسربوا له آلافا متوالية، من الانتحاريين والقتلة، الذين لم يكن بمقدورهم التفريق بين محتل، وعراقي بريء، فأخذوا يمارسون طقوس القتل المجاني، في إضحوكة الدفاع عن العراقيين المسلمين وما شابه، فقتلوا العراقيين الابرياء، في الاسواق، والمطاعم، والمدارس، والحافلات، والساحات العامة، والشوارع والمستشفيات، ولم يكتفوا بذلك، بل بدأوا بتصفية الكفاءات، في المجالات العملية والعلمية كافة، فلم يسلم منهم العالم، ولا الطبيب، ولا المهندس، ولا غيرهم من طاقات العراق المعروفة ببراعتها وتفردها، ولم يكتفوا ايضا، فأوغلوا كثيرا في استباحة الدم العراقي، حين صارت أهدافهم تجمعات الابرياء العزل من السلاح، وكانت هذه الافعال الاجرامية التي تجري على مرأى ومسمع الجميع، لن تجد من يدينها من قادة العرب او جيرانهم إلا لماما، وكأنهم يخشون من العار الذي قد يلحق بهم، لأن إدانة الانتحاريين كانت تعني في عرفهم، دعما وتأييدا للاحتلال، مع أن نسبة ضحايا العراقيين الى خسائر جنود المحتل لم تصل حتى اللحظة الى 1%، وهكذا يكون القتال والاستبسال ضد قوات الاحتلال وإلا فلا!!، وهذا ما دفع ببعض الكتاب والمثقفين العرب الى إدانة هذا الإجرام الواضح بحق العراقيين، عندما قال الكاتب العربي سيد القمني في مقال له، كتبه مؤخرا على خلفية تفجير إحدى الكنائس في الإسكندرية (عار عليكم أن تسموا الإرهاب في مصر إرهابا، وتسمونه في العراق مقاومة).

هكذا يمكن أن يكيل الساسة العرب جرائم الإرهاب بمكيالين، فهو حين يطول العرب خارج العراق، لابد أن يكون إرهابا منظماً، تقف خلفه منظمات إرهابية معروفة، أما إذا حصد عشرات الشهداء في كنيسة سيدة النجاة في العراق، فهو مقاومة وليس إرهابا، لأنه جرى على ارض العراق واستهدف أهله!

إننا لمثل هذه الأسباب وغيرها، سنقول لمن تستهويه التصريحات، أيا كان مسراها ومؤداها وأهدافها، سنبقى كعراقيين كَوَتْهم نيران الأهل قبل الأصدقاء، ونيران الأصدقاء قبل الغرباء، سنبقى نؤكد على أن العراق بدأ يتعافى فعلا، من مرض الاستبداد، في اللحظة الأولى التي قصمت ظهر الدكتاتورية، وهذا يثبت أن لحظة التعافي بدأت مع زوال الاستبداد، وبداية عصر الديمقراطية العراقية الجديدة، التي نعرف ونؤمن بأننا لن نحصل عليها بالسهل، ولا يمكن أن نحققها من دون أن نقدم التضحيات التي استوجبتها من قبل الديمقراطيات التي رفعت شعوبا وأمما، من حضيض الظلم والقهر والحرمان، الى قمة الازدهار والتحرر.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 15/كانون الثاني/2011 - 9/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م