الاحتيال الاقتصادي وحقيقة ازمة المال الدولية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: كان لازمة المال العالمية وقع مؤثرا على اقتصاد معظم الدول الصناعية الكبرى، سيما بعد انهيار العديد من الشركات العملاقة والمصارف الكبيرة، مما حدي بالكثير من الحكومات الى مراجعة سياستها النقدية وحلقات التداول المالي بالإضافة الى مصادر وحركة العملات والممتلكات المادية.

ويعد الاحتيال الاقتصادي والفساد المالي من ابرز الاسباب التي جعلت من الازمة امرا محتم ذاقت مرارته الدول والمجتمعات على حد سواء، فقد كشفت التحقيقات الميدانية عن الكثير من عمليات الخداع وتبييض الاموال والرشى التي سبقت الازمة في ارفع انواع المصارف والبورصات المالية.

ضياع ترليون دولار

فقد قال لاري ليبوفيتش، كبير خبراء التعامل في بورصة نيويورك الأمريكية، وأريك نول، نائب رئيس مجموعة بورصة ناسداك أن سبب الانهيار التاريخي الذي أصاب البورصات الأمريكية، وأفقد الأسهم ترليون دولار من قيمتها في دقائق ما يزال سراً كبيراً.

وذكر المسؤولان أن هناك مجموعة من العوامل غير المعتادة تسببت في حصول هذه الأزمة، لكن العامل الأساسي في تفجيرها ما يزال غامضاً، ومن المتوقع أن يكون هذا الموقع الذي أعلنه ليبوفيتش ونول هو خلاصة الإفادة التي سيتقدمان بها في جلسة تحقيق يعقدها الكونغرس بوقت لاحق لتحديد المسؤولية الحقيقية في ما حدث، بعد اتهام أحد موظفي سيتي بانك بالوقوف خلف القضية.

ومن المتوقع أن تستمع جلسة التحقيق أيضاً إلى عدد من مسؤولي هيئات الرقابة الحكومية للوقوف على رأيهم في القضية التي أفقدت مؤشر داو جونز ألف نقطة من رصيده بدقائق بحسب السي ان ان.

ووسط الحديث عن أن ما جرى يثير القلق حيال ضمانات التعاملات الإلكترونية والحديث عن ضرورة وجود تشريعات جديدة قال نول: تواصل ناسداك التحقيق في ما جرى، ولكنها حتى الآن لم تكتشف الجانب الذي يمكن إلقاء اللوم عليه.

أما ليبوفيتش، فقال: نحن نعرف المقدمات الاقتصادية والعالمية التي أدت إلى هذا البيع الكبير، ولكننا لا نعرف كيف بدأت سلسلة الأحداث.

وكان مؤشر داو جونز الذي يقيس أداء أكبر 30 شركة أمريكية قد سجل هبوطا سريعا قبل ساعة ونصف من إقفال السوق، وبلغ التراجع حوالي 1000 نقطة قبل ان يرتد خلال دقائق.

واستمرت عمليات البيع لبضع دقائق، ويعتقد البعض أن خطأ في إدخال أوامر من قبل أحد المتعاملين قد أدى جزئيا لهذا الهبوط.

وقالت بعض التقارير الصحفية أن الخطأ قد يكون ناجم عن تصرف غير صحيح لأحد موظفي سيتي غروب الذي ضغط زر بيع مليار سهم، بينما كان يجدر به بيع مليون سهم فقط.

تكثيف التحقيقات

في نفس السياق تتكثف التحقيقات التي تستهدف مصارف في اوروبا واميركا حيث تسعى السلطات الفدرالية الاميركية الى معرفة ما اذا كانت هذه المصارف خدعت زبائنها ووكالات التصنيف المالي بشان بعض المنتجات المالية التي تتسم بمخاطر، بحسب الصحافة الاميركية.

وفتحت النيابة الفدرالية الاميركية بالتعاون مع سلطات البورصة، تحقيقا جنائيا اوليا يهدف الى تحديد ما اذا كانت بعض المصارف خدعت زبائنها بشان سندات على علاقة بسوق العقارات الاميركية التي انهارت في 2007، بحسب وسائل الاعلام هذه.

واضافت الوسائل الاعلامية ان البنوك الاميركية غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وسيتي غروب وجي بي مورغان تشيز والمصرفين السويسري يو بي اس والالماني دويتشي بنك قد تكون معنية بهذا التحقيق تكتب بحسب فرانس.

وقد تلقت هذه المؤسسات المصرفية ايضا اخطارات للمثول امام لجنة ضبط البورصات الاميركية في اطار تحقيق حول تعاملات المصارف في هذه السندات الشهيرة، بحسب ما ذكرت وول ستريت جورنال نقلا عن مصدر قريب من الملف. وكتبت الصحيفة ان استجوابات لجنة ضبط البورصات تستهدف اكثر من 12 مصرفا.

من جهتها، اشارت نيويورك تايمز الى تحقيق فتحه مدعي عام نيويورك اندرو كومو لمعرفة ما اذا كانت ثمانية بنوك، بينها الفرنسي كريدي اغريكول، قدمت معلومات خاطئة لوكالات التصنيف المالي المكلفة تصنيف هذه السندات.

وقالت الصحيفة ان هذا التحقيق سيستهدف غولدمان ساكس ومورغان ستانلي وسيتي غروب وكريدي سويس ودويتشي بنك والبنك الفرنسي كريدي اغريكول وميريل لينتش الذي يمكله اليوم بنك اوف اميركا. وتعذر الحصول على ردود فعل المصارف المعنية. من جهتها، رفضت وزارة العدل الادلاء باي تعليق حول هذا الامر.

وتقدمت لجنة ضبط البورصات بشكوى ضد غولدمان ساكس وأحد موظفيه وهو الفرنسي فابريس تور، بتهمة خداع عملاء عندما عمدا الى بيع منتجات مالية في سوق العقارات الاميركية مع المراهنة على انهيارها في الوقت نفسه. وفتح القضاء تحقيقا جنائيا ضد غولدمان ساكس، لكنه لم يقرر بعد التقدم بشكوى، بحسب وسائل اعلام اميركية عدة.

اختلاسات مالية

على صعيد شبيه امر المحققون في قضية اختلاسات مالية كبرى وصفتها وسائل الاعلام هنا ب الفضيحة المالية في بنك هيبو الب بنك النمساوي بالقبض على 10 مسؤولين كبار في مختلف اقسام هذا البنك.

وقال المحققون ان هؤلاء حولوا نحو 100 مليون يورو من البنك المذكور لحساباتهم الخاصة المفتوحة في أمارة لختنشتاين وفي عدة بلدان في منطقة البلقان.

ونقلت هيئة الاذاعة والتلفزيون النمساوي عن رئيس فريق المحققين جيدو هيلد ان 10 اشخاص من بين 12 تمت المطالبة باعتقالهم كونهم اعضاء في شبكة تقوم بنشاطات مريبة الى جانب عملهم في البنك المذكور مشيرا الى ان فريق التحقيق ما يزال يدقق في بعض الوثائق الاخرى.

يذكر ان هيبو بنك هو سادس اكبر بنك في النمسا ويتخذ من ولاية كرنتين الجنوبية مركزا رئيسيا له. واضاف هيلد ان المدير السابق لبنك باير الالماني ومديرين اثنين في البنك النمساوي هيبو من بين المتهمين الرئيسيين مشيرا الى انه طالب العدالة بتوقيفهم فورا وتجميد اموالهم والحيلولة دون فرارهم خارج النمسا.

واشار الى ان هؤلاء دفعوا رشوة الى رئيس وزراء كرواتي سابق مقابل خدمات فتحت لهم آفاقا مربحة في المنطقة.

وكانت الحكومة النمساوية قامت بتاميم هذا البنك بشكل كلي في محاولة منها لانقاذه من الافلاس والانهيار التام الذي كان على وشك ان يحدث فعلا.

ولتغطية الديون التي هي في ذمة هذا البنك والبالغة 5ر1 مليار يورو قام المساهمون الكبار فيه بتسديد الديون المذكورة حيث سدد بنك باير مبلغ 825 مليون يورو وساهمت حكومة ولاية كرنيتن الجنوبية بمبلغ 200 مليون كما سددت شركة التامين فكسيل زايتيغ ومقرها عاصمة ولاية كرنيتن مبلغ 30 مليون يورو فيما تحمل المبلغ المتبقي وقدره 450 مليون دولار دافعوا الضرائب النمساويون.

إجهاض احتيال

في نفس الصدد أجهضت شرطة أبوظبي ومصرف الإمارات المركزي للمرة الرابعة على التوالي في غضون أقل من سنة عملية شروع بالاحتيال على المصرف بمبلغ 14 مليارا و400 مليون دولار أمريكي.

وأكد العقيد حماد أحمد الحمادي مدير إدارة التحريات والمباحث الجنائية، أن مدبر هذه القضية هو نفس الشخص الذي يحمل لقب الزعيم، وهو إيراني يقيم في بلاده، وهو مطلوب دولياً بالجرائم ذاتها وملاحق بنشرة من الانتربول.

وبلغ إجمالي قيمة محاولات الاحتيال المنفصلة الأربعة على المصرف المركزي الإماراتي التي ادّعى الزعيم، وهو فرزين علي كروريان مطلق، أنها استثمارات عائلية له ورثها عن أجداده وتنوعت بين الدولار الأمريكي واليورو الأوروبي ما يعادل 66 مليار دولار بحسب السي ان ان.

وقال الحمادي إن التعاون الثنائي بين إدارة التحريات والمباحث الجنائية في شرطة أبوظبي ووحدة مواجهة غسل الأموال والحالات المشبوهة في مصرف الإمارات المركزي تمكنت من اكتشاف المحاولة بعد تحليل الوثائق وتبيان بأنها مزورة وغير صحيحة في الجوهر والمضمون.

وقامت الشرطة بإلقاء القبض على شخصين، أحدهما قدم مؤخراً بتأشيرة مهمة وهو إيراني، والآخر مقيم أمريكي من أصل إيراني.

المنظمة في إدارة التحريات والمباحث الجنائية في شرطة أبوظبي، إن المتهمين قدما وثائق مزورة ادعيا من خلالها أن لدى الزعيم استثمارات في مجال العقارات بمبلغ 14 ملياراً و400 مليون دولار أمريكي وأن المبلغ نفسه تم تحويله من ألمانيا إلى إيران عن طريق مصرف الإمارات المركزي.

وكشف العقيد الدكتور بورشيد عن أن هذه الجريمة تعتبر الرابعة على التوالي التي يدبرها الزعيم لافتاً إلى أنه مطلوب لمنظمة شرطة الجرائم الدولية الانتربول على خلفية محاولاته الاحتيال على مصرف الإمارات المركزي وارتكابه جريمتيّ التزوير في صور محرر رسمي واستعماله والشروع في الاستيلاء على المبالغ.

ووصف بورشيد تصرف زعيم العصابة بـ الغباء إذ أن مصرف الإمارات المركزي هو جهة حكومية لا تتعامل مع الأفراد بل مع الجهات الحكومية والمنشآت المالية وأن المبلغ موضوع البلاغ لم يرد إلى البنك إطلاقاً، وفقاً لوكالة الأنباء الإماراتية.

وكانت شرطة أبوظبي قد أعلنت في يوليو/تموز عام 2009 عن إلقائها القبض على 7 متهمين بقضيتين مماثلتين، ثم جرى القبض على سبعة آخرين، وأشارت جميع التحقيقات إلى أنّ فرزين علي كروريان مطلق تزعم أعمال المتهمين في جميع العمليات الفاشلة.

غرامة قاسية

فيما ينبغي على كل مؤسسة مصرفية بموجب قوانين إف.إس.إي أن تحافظ أرصدة زبائنها في حسابات منفصلة لحمايتها في حال الإفلاس.

حكمت هيئة الخدمات المالية إف.إس.إي في بريطانيا على مصرف جاي بي مورجان سيكيوريتيز بغرامة قياسية تناهز 33.32 مليون جنيه إسترليني أكثر من 48 مليون دولار.

حكم جهاز الضبط المالي البريطاني بهذه الغرامة على المصرف الأمريكي لفشله في حماية ودائع زبائنه، وذلك بخلطها بأمواله خلال مدة ناهزت السبع سنوات.

قال مسؤولون في إف.إس.إي، إن المصرف أطلع الهيئة بمجرد اكتشافه لهذا الخطأ، وبذل تعاونه معها أثناء التحقيق. ولهذا حصل على تخفيض نسبته 30 في المائة من الغرامة الأصلية وهي 47.6 مليون دولار بحسب رويترز.

وتراوحت المبالغ التي استعيرت من الزبائن خلال هذه المدة مابين 1.9 مليار دولار و23 مليار دولار. ولو كانت المؤسسة المالية تعرضت للإفلاس لضاعت هذه الأموال. وذكرت بي.بي.سي أنها اتصلت بالمصرف لكنه رفض الإدلاء بأي تعليق.

قضية الوسيط

الى ذلك يمثل أمام القضاء الفرنسي وسيط البورصة الفرنسي جيروم كيرفيال المتهم بالتسبب في خسارة مالية بلغت حوالي خمسة مليارات يورو لبنك سوسييتيه جنرال في 2008.

وقد يصدر بحق كيرفييل 33 سنة الذي يواجه القضاة بمفرده، حكما بالسجن خمس سنوات مع غرامة بقيمة 375 الف يورو وتعويضات عطل وضرر تعادل الضرر الذي لحق بالمصرف الذي يتخذ صفة الادعاء بالحق المدني.

ويفيد محضر الاتهام ان العميل في البورصة اتخذ مواقع مضاربة ضخمة في الاسواق دون علم ادارته وتحايل على المراقبة بفضل عمليات وهمية واكاذيب وتصريحات مزورة بحسب السي ان ان.

وفي 2008، اكتشف المصرف ان الرجل اتخذ مواقع بما يقارب الخمسين مليار يورو قام المصرف بتصفيتها بشكل طارىء مسجلا خسارة قدرها 6,3 مليارات يورو، مع 1,4 مليار يورو من المكاسب حققها العميل في نهاية 2007.

وفي 24 من الشهر نفسه، اعلن المصرف ان تلك كانت عملية احتيال غير مسبوقة مثيرا بذلك صدمة في الاسواق المالية التي كانت تعاني من هشاشة اكدتها الازمة المالية العالمية بعد ذلك بقليل. ورغم ملاحقته بتهمة التزوير واستخدام المزور والدخول الى نظام معطيات معلوماتية واساءة استخدام الثقة، طلب العميل الافراج عنه.

وقال محاميه اوليفييه متزنر ان الدفاع عنه هو تحد حقيقي لانه يتم الترويج منذ سنتين لحقيقة واحدة وهي ان رجلا بمفرده يمكنه ان يقحم بنحو 800 مليار يورو باسم المصرف دون ان يدرك احد شيئا.

واضاف هذا المحامي الذي يعتبر من ابرز المتخصصين في القانون الجزائي المالي والذي يدافع عن المتهم منذ نهاية التحقيق الذي اجراه القاضي رينو فان رويمبيك سنثبت ان كل ما قام به جيروم كيرفييل كان مكشوفا.

ويتوقع ان يحضر اكثر من اربعين شاهدا الى المحاكمة، 33 منهم شهود دفاع. واقر جيروم كيرفييل في كتاب نشره بعنوان الدوامة، مذكرات عميل في البورصة، بانه ارتكب اخطاء وانه فقد الاحساس بالواقع عندما كان يتعامل بالمليارات بينما كان زملاؤه يتعاملون بالملايين.

لكنه اكد ان رؤساءه كانوا يعلمون بمواقعه المالية وانه لم تفرض عليه بوضوح اي حدود وان تسجيل العمليات الوهمية للتمويه على العمليات الحقيقية كان امرا عاديا. وبشان مبرراته، قال من المؤكد انني لا اتجاهل المكافآت، لكن هدفي لم يكن يقتصر حقا على ذلك.

وقال الرجل المتحدر من بريتاني والحائز على شهادة عليا في المالية وبدأ يعمل في سوسيتيه جنرال سنة 2000، انه كان يعمل بتفان من اجل مصرفه الذي كان يطلب منه ان يجلب له الكثير من الارباح.

ويرفض جيروم كيرفييل الذي قضى 38 يوما في السجن سنة 2008، تحمل مسؤولية خسارة 4,9 مليارات يورو وحده، معتبرا ان عملية تصفية المواقع كانت فاشلة. واشار ضمنا الى انه استخدم كدمية لان المصرف قلل بذلك من تعرضه لازمة الرهونات العقارية العالية المخاطر.

ويرد محامي سوسيتيه جنرال جان فيل بالقول لا معنى لكتابة رسائل الكترونية مزورة وياتي اليوم ليقول، كما يفعل، ان عدة اشخاص كانوا على علم.

وقال جيروم كيرفييل ان رؤساءه كانوا يغطونه لانه كان يربح الاموال. فلماذا فعلوا ذلك سنة 2007 عندما كان يتكبد خسارات خفية قبل ان تنقلب السوق؟

ويعتبر المحامي ان اجهزة المراقبة كانت تشهد قصورا، وان سوسيتيه جنرال تعرض لعقوبة من قبل اللجنة المصرفية. لكن كيرفيل توصل عبر نفاقه وحيلته الى طمأنتهم.

المحكمة تغرّم

على صعيد شبيه أوقع القضاء الأمريكي غرامة بقيمة عشرة ملايين دولار على أحد أبرز الأركان السابقين للإدارة الاقتصادية في البيت الأبيض، ستيفن راتنر، الذي كان يتولى إدارة ملف صناعة السيارات لدى الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، وذلك بعد اتهامه بالتورط في عمليات احتيال ورشوة طالت صناديق تقاعدية.

وجرى فرض الغرامة بعد التوصل إلى اتفاق بين راتنر، الشريك في مؤسسة كوادرانغل الاستثمارية، والذي حمل خلال فترة عمله مع أوباما لقب قيصر السيارات، وبين مكتب الإدعاء العام في ولاية نيويورك.

وقد اتهم الإدعاء راتنر بالتورط في فضيحة دفع أموال للقائمين على صندوق نيويورك التقاعدي، وذلك مقابل قيامهم بتفضيل مؤسسة كوادرانغل الاستثمارية على سواها من الشركات، وتحويل أموال الصندوق إليها بحسب السي ان ان.

وبموجب الاتفاقية، يمنع راتنر من التقدم أمام أي صندوق تقاعدي في ولاية نيويورك طوال خمسة أعوام.

وقد أصدر راتنر بياناً قال فيه: أود الإعراب عن سروري من قرار الإدعاء العام الذي سيسمح لي بوضع هذه القضية وراء ظهري أنا أحترم عمل مكتب الإدعاء وكافة العاملين فيه وسعيهم لضمان عمل صندوق التقاعد في نيويورك بشكل قانوني وملائم لمصلحة السكان.

أما مدعي عام نيويورك، فقال في بيان أصدره من جانبه: صندوق التقاعد يحمل قيمة كبيرة على صعيد الأصول لكل المتقاعدين والعاملين الذين يدفعون الضرائب، وأظن أننا نجحنا في استعادة مصداقية هذه المؤسسة والدفاع عنها.

يذكر أن الخطوة تأتي بعد قرار مؤسسة كوادرانغل الاستثمارية دفع غرامة مقدارها 12 مليون دولار لهيئة الأوراق المالية في نيويورك، على خلفية هذه القضية، واستغلال الأموال التي حصلت عليها المؤسسة في البورصة، لكن التسوية لم تشمل راتنر، باعتبار أنه كان قد ترك منصبه في كوادرانغل. وكان راتنر قد استقال من كوادرانغل لتلبية طلب أوباما الذي دعاه إلى الانضمام لفريق عمله والمساعدة في إعادة هيكلة صناعة السيارات الأمريكية التي وصلت إلى شفير الإفلاس التام في ذروة الأزمة المالية عام 2009.

ولكن مع بروز قضية تورطه في فضائح فساد وتلاعب، اضطر راتنر إلى الاستقالة من منصبه.

تسوية مالية

فيما تتواصل المطالبات في الولايات المتحدة بكشف تفاصيل التسوية التي توصل إليها مصرف سيتي بتك مع الهيئات المشرفة على أسواق المال الأمريكية والتي دفع بموجبها 75 مليون دولار غرامة بسبب ملفات متعلقة بأزمة سندات الرهن العقاري التي تسببت بانهيار الاقتصاد العالمي.

وقال صحفيون متخصصون في المجال المصرفي ومراقبون متابعون لقضية تعثر سندات المصرف واضطرار الحكومة الأمريكية للتدخل بهدف إنقاذه عبر ضخ أكثر من 300 مليار دولار فيه لوقف إفلاسه، إن المصرف تأخر عمداً عن كشف مشاكله، رغم ما أعقب ذلك من دخول الكثير من الصناديق الاستثمارية العربية على خط الاستثمار فيه.

وتدور القضية حول اتهام سيتي بنك من قبل هيئة السندات والتداولات الأمريكية بتضليل المستثمرين لأكثر من شهر حول مصير سندات الرهن العقاري المتعثرة لديه، قبل أن تنكشف أزمتها علناً.

وجاء توقيع اتفاق التسوية، ولكن المصرف التزم الصمت منذ ذلك التاريخ، ولم يكشف أي تفاصيل حول أسرار تعثر سندات تصل قيمتها إلى أكثر من 55 مليار دولار في ذروة انهيار أسواق المال العالمية.

وتشمل الاتهامات المقدمة ضد سيتي بنك التباطؤ في كشف الحقائق حول الخسائر الحقيقية، إن تأخر المصرف حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2007 قبل أن يقر بحقيقة شطب 40 مليار دولار من الديون المتعثرة.

وقالت بيان هيئة السندات والتداولات الأمريكية: لقد جاء إخفاء الحقائق من قبل سيتي غروب في وقت حساس كانت فيه أسواق المال تتوق للحصول على تفاصيل حول انكشاف المصرف على قروض متعثرة، وعوض تقديم معلومات دقيقة وواضحة جعل المصرف الوضع أكثر صعوبة.

وذكر تقرير لمجلة فورتشن أن المحققة الصحفية لديها، كارول لوميس، كانت قد طالبت المصرف مباشرة بعد بروز القضية بتقديم معلوماته، مشيرة إلى أن أنظمة المال الأمريكية تحتم عليه كشف ما لديه من بيانات خلال فترة لا تتجاوز أربعة أيام.

ولفتت الصحيفة إلى أن المصرف اكتفى بالقول آنذاك إنه يطبق كافة القواعد القانونية في عمله وهو ما اتضح عدم صحته في وقت لاحق، بعد إدانته من قبل هيئة السندات والتداولات. وفي نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2007، وقع جهاز أبوظبي للاستثمار اتفاقا مع سيتي لتحويل أدوات دين بقيمة 7.5 مليارات دولار إلى أسهم عادية في البنك الأمريكي وذلك على أربع مراحل تبدأ في مارس/آذار، وتنتهي في سبتمبر/أيلول عام 2011.

واتهم جهاز أبوظبي للاستثمار، وهو الصندوق السيادي للإمارة الخليجية، في دعوى تحكيم رفعها، مجموعة سيتي المصرفية، بالاحتيال بالادعاء الكاذب في الاتفاق.

وسبق ذلك إعلان الحكومة الكويتية إن صندوقها السيادي باع حصته في مجموعة سيتي غروب المصرفية، مقابل 4.1 مليارات دولار، وحقق أرباحا تتجاوز 36 في المائة على رأس المال, وذلك بنهاية 2009. علماً أن الأمير السعودي الوليد بن طلال يمتلك بدوره حصة في أسهم المصرف.

يذكر أن التسوية مع سيتي بنك تأتي بعد فتره على تغريم بنك غولدمان ساكس، الذي كان أكبر مصرف يتقدم بطلب إفلاس في العالم خلال الأزمة المالية العالمية، مبلغ 550 مليون دولار، وذلك كتسوية لإسقاط اتهامات بحقه حول قيامه بخداع المستثمرين ودفعهم لشراء سندات اتضح أنها مرتبطة برهون عقارية.

غرامه 550$ مليون

الى ذلك قررت هيئة أسواق المال والتداولات الأمريكية تغريم بنك غولدمان ساكس، الذي كان أكبر مصرف يتقدم بطلب إفلاس في العالم خلال الأزمة المالية العالمية، مبلغ 550 مليون دولار، وذلك كتسوية لإسقاط اتهامات بحقه حول قيامه بخداع المستثمرين ودفعهم لشراء سندات اتضح أنها مرتبطة برهون عقارية.

ويمثل المبلغ أربعة في المائة من أرباح البنك المسجلة، والتي بلغت 13.4 مليار دولار عام 2009، ولكن الغرامة تبقى مع ذلك الأكبر في تاريخ أسواق المال الأمريكية، وذكرت وثيقة التسوية أن المستثمرين المتضررين سينالون 250 مليون دولار، بينما يذهب المبلغ الباقي إلى الخزينة الأمريكية.

وستحتاج التسوية إلى موافقة القضاء الأمريكي الذي يجب أن ينظر في المسألة خلال 30 يوماً، وبعدها يقوم بنك غولدمان ساكس بتحويل 150 مليون دولار إلى دويتشه بنك و100 مليون دولار إلى رويال بنك أوف سكوتلند بحسب السي ان ان.

ووصفت هيئة أسواق المال والتداولات الأمريكية قرار تغريم البنك بأنه درس قاس لكل المؤسسات المالية في وول ستريت يؤكد بأنه لن يكون هناك منتج مالي معقد لدرجة يستحيل معها تجنب دفع غرامة خرق القواعد الأساسية للتداول الصحيح والتجارة الشريفة.

وتعود القضية إلى أبريل/ نيسان، عندما وجهت الهيئة اتهاماً مباشراً إلى المصرف العملاق بالتلاعب بالمستثمرين العقاريين وإخفاء معلومات عنهم وإقناعهم بشراء سندات عقارية رغم معرفة المصرف مسبقاً بارتفاع خطورتها وإمكانية تعثرها.

وشكل الاتهام أحد القضايا العديدة المطروحة أمام القضاء الأمريكية ضد المصارف الكبرى، وبينها أيضاً ليمان براذرز.

وبحسب التقرير، فإن صندوق بولسون وشركاه للتحوط قام نهاية 2006 وبداية 2007 بإجراء دراسة حول إمكانية تعرض الأسواق لأزمة، وقرر الاستفادة من ذلك عبر تحديد قرابة مائة نوع من سندات الرهن العقاري ذات التصنيف الائتماني المنخفض والاستثمار فيها.

وفي يناير/كانون الثاني 2007، قام مدير الصندوق، جون بولسون، بعقد لقاء مع نائب رئيس غولدمان ساكس، فابريك تور، وطلب منه مساعدته لشراء عقود التأمين الخاصة بهذه السندات، من خلال تكوين محفظة سندات منخفضة التأمين، وبعد ذلك توفير مضاربة مالية عليها للاستفادة من ارتفاع أسعارها.

ولمحاولة إخفاء القضية، لجأ المصرف إلى شركة ACA لإدارة الاستثمارات من أجل الإيحاء بأن تكون المحفظة واختيار السندات الموجودة فيها تم من قبل طرف ثالث، وبحلول 26 فبراير/شباط 2007، كانت المحفظة قد تكونت وحملت اسم أباكوس.

وبهدف توفير الزبائن لتسويق المحفظة الجديدة، قام غولدمان ساكس بإخفاء معلومات والتلاعب ببيانات، وجرى إرسال عروض استثمار للعديد من الجهات والمصارف العالمية، أشير فيها إلى أن اختيار مكونات المحفظة جرى عبر طرف ثالث مستقل دون ذكر للاتفاق الذي جرى مع بولسون.

وخلص تقرير هيئة الأوراق المالية والتداول الأمريكية إلى القول بأن غولدمان ساكس باع المحفظة بقرابة مليار دولار، وبعد أشهر بدأ الانهيار العقاري الذي جعل السندات الموجودة فيها دون قيمة تذكر.

ويعتبر طلب الإفلاس الذي قدمه المصرف في 15 سبتمبرأيلول 2008 الأكبر في تاريخ المصارف والاقتصاد العالمي، وأدت الخطوة آنذاك إلى انهيار في أسواق المال الأمريكية والعالمية هو الأسوأ منذ الركود الكبير مطلع العقد الثالث من القرن الماضي.

مكافآت ضخمة

من جهتها قررت هيئة الرقابة على التداولات والسندات الأمريكية وضع مكافآت مالية لكل من يقدم معلومات من شأنها الكشف عن عمليات تلاعب تضر بصالح المستثمرين، وذلك في أحدث خطوة تشريعية على صعيد مواجهة تداعيات الأزمة المالية العالمية التي كشفت صفقات مريبة كبيرة كلفت مصارف عملاقة غرامات باهظة.

وبحسب القرار يحق لكل شخص أو مؤسسة الحصول على مبلغ يتراوح بين 10 و30 في المائة من الأموال المستردة بعد الكشف عن التلاعب، شرط أن يتجاوز المبلغ المسترد حاجز مليون دولار، ما يعني أن الحد الأدنى للمكافآت هو مائة ألف دولار.

وقال جون فيليبس، أحد المحامين المعروفين في مجال الدفاع عن الموظفين الذين يفشون الأسرار المخالفة للقوانين في شركاتهم، إن المال يشكل حافزاً ممتازاً لكل من لديه معلومات من هذا النوع بحسب السي ان ان.

أما الناطق باسم هيئة الرقابة، جون نيستر، فقال لمجلة تايم إنه يتوقع أن يكون للقرار تداعيات إيجابية كبيرة على صعيد كشف فضائح مالية ما تزال طي الكتمان.

وبحسب نيستر فإن الهيئة كانت قد أصدرت منذ عام 1988 قرارات تشجيعية لمن يكشف أسرار المخالفات، ولكنها لم تشمل مكافآت مالية مجزية، ولذلك فقد كانت غير فعالة،

واقتصرت التبليغات منذ ذلك الوقت على 14 حالة، ولم تشمل المكافآت إلى ثماني حالات كان أكبرها بقيمة مليون دولار، حصلت عليها زوجة أحد ملاك الشركات الاستثمارية بعد أن كشفت تلاعبه بأسهم لمايكروسوفت.

وبحسب القرار فهناك فئات يمنع عليها الحصول على المكافآت، حتى وإن أدلت بمعلومات مهمة، مثل الموظفين الحكوميين ومحاسبي الشركات العامة وعناصر الأجهزة الأمنية.

ومن المؤكد أن مبالغ من هذا النوع سيسيل لها لعاب الكثير من الموظفين في الشركات الكبرى، خاصة وأن نسبة عشرة في المائة تحتسب من أصل الأموال المستردة، ويكفي في هذا الإطار التذكير مصرف سيتي بتك دفع قبل أيام 75 مليون دولار غرامة بسبب ملفات متعلقة بأزمة سندات الرهن العقاري التي تسببت بانهيار الاقتصاد العالمي.

الفاتيكان يكافح

في سياق اخر أصدر الفاتيكان حزمة قوانين تتعلق بالتصدي للنشاطات المالية غير المشروعة والتصدي لعمليات تبييض الأموال المتأتية من نشاطات إجرامية وتمويل الإرهاب، بما يوافق مع المعايير المطبقة في دول الاتحاد الأوروبي، بعد تحقيق طاول مسؤولين في بنك الفاتيكان تخلله مصادرة أموال من حساباته.

وقال مدير دار الصحافة الفاتيكانية، الأب فدريكو لومباردي، إن هذه النشاطات غير المشروعة تمكنت منذ القدم من التغلغل في عالمي الاقتصاد والمال لكن التكنولوجيات الحديثة ساهمت في نمو هذه الظاهرة ومن هنا ضرورة اتخاذ التدابير اللازمة للتصدي لها ومكافحتها.

وبحسب البيان فمن المقرر أن يشرف الكاردينال أتيليو نيكورا على تنفيذ هذه القوانين، وعلى دوائر الفاتيكان المعنية بممتلكات الكنيسة وعمليات التمويل بحسب اليس ان ان.

وتأتي هذه الخطوة من الفاتيكان بعد إطلاق القضاء الإيطالي عملية تحقيق واسعة في السجلات المالية لاثنين من كبار المسؤولين في بنك الفاتيكان، وهما رئيس مجلس إدارته، إيتور تيديشي، ومديره العام باولو سيبرياني، للتدقيق في إمكانية ضلوعهما بممارسات تتعارض مع نظم مكافحة تبييض الأموال.

وقد نفى تيديشي التهمة عن نفسه، وقال إن الأمر لا يعدو كونه سوء فهم بين بنك الفاتيكان ومصرف كريديتو أرتيغيانو الإيطالي حول عملية تحويل أموال.

ولكن السلطات الإيطالية وجدت في القضية التي بدأت مع تحويل أموال إلى صالح مستفيدين لا أسماء لهم، ما يكفي من الشبهة لمصادرة مبالغ مالية تصل إلى 23 مليون دولار من حسابات للفاتيكان.

ويعتقد محللون أن الدوائر المالية التابعة للفاتيكان تدير أصولاً مقدرة بأكثر من خمسة مليارات دولار، وهي لا تقدم حسابات علنية لها، وتدار هذه الأصول من قبل مجموعة إدارية تضم خمسة كرادلة، دون أن يكون لهم أي أسهم أو حصص من الأرباح.

اقتصاد الدجل والشعوذة

على صعيد اخر فجأة ودون سابق إنذار انهمك الزعماء الديمقراطيون والجمهوريون في واشنطن في مداولات ساخنة من أجل الاتفاق على الحاجة إلى فرض تخفيضات ضريبية كبرى لا تؤثر على الأمريكيين من أبناء الطبقة المتوسطة فحسب، بل وأيضا على الأشخاص من ذوي الثراء الفاحش سواء وهم على قيد الحياة أو بعد مماتهم.

تُرى هل يشير هذا الاندلاع الفجائي للإجماع بين الحزبين، والذي طال انتظارنا له، إلى أن أمريكا الجديدة الأقوى أصبحت قاب قوسين أو أدنى؟

من المؤسف أن العكس هو الصحيح. فما نشهده الآن ليس أكثر من اتفاق بين خصمين على توجه بالغ الخطورة في التعامل مع التمويل العام: استمرار وتوسع لما أسماه الرئيس جورج بوش الأب ذات يوم اقتصاد الدجل والشعوذة. ويبدو أن عواقب هذا التوجه توشك على اللحاق بأمريكا، والعالم أجمع.

كان بوش الأب يتنافس مع رونالد ريجان للفوز بترشيح الحزب الجمهوري في عام 1980. ولقد اقترح ريجان آنذاك أن التخفيضات الضريبية ستسدد تكاليفها بنفسها، أي أنها ستزيد الإيرادات وهي الفكرة التي أصبحت تعرف باسم اقتصاد جانب العرض. لا شيء خطأ في القلق بشأن التأثير المثبط لفرض ضرائب أعلى، لكن النسخة المتطرفة التي قدمها ريجان لا تنطبق حقا على الولايات المتحدة. فحين تخفض الضرائب فلا بد أن تنخفض العائدات، وهذا يعني عجزا أكبر في الميزانية.

لا شك ألا أحدا من خبراء الاقتصاد الجادين يطالب بتنفيذ خطة ريجان الكاملة اليوم ويرجع هذا جزئيا إلى أن مكتب الموازنة التابع للكونجرس ألزم الجميع بالصراحة والصدق من خلال الاستعراض التفصيلي لحقيقة مفادها أن التخفيضات الضريبية من شأنها أن تزيد العجز بما يقرب من 900 مليار دولار.

ولكن هناك منطقا آخر على غرار منطق ريجان، لكنه أكثر اتساعا، يحرك الأمور هنا فمعدلات البطالة مرتفعة، والاقتصاد لا ينمو بالسرعة الكافية، ونحن في احتياج إلى التحفيز المالي. وبالنسبة لمن يعشقون خفض الضرائب عموما، فلا شك أن هذا أيضا تخطيطا قائما على التمني.

والواقع أن الخبرة مع السياسة المالية على مدى العقود القليلة الماضية واضحة فإن الأمر لا يستحق عناء تحفيز الاقتصاد بالاستعانة بالسياسات المالية التقديرية إلا في بعض الحالات العرضية أو على وجه التحديد إذا كان عدم القيام بذلك قد يؤدي إلى عواقب مأساوية.

وعلى هذا فقد كان من المنطقي أن تتبنى الحكومة شكلا ما من أشكال التحفيز المالي في أوائل عام 2009. وبوجه أكثر عموما، فإن التحفيز المالي من غير المرجح أن يخلف تأثيرا دائما، كما هي الحال الآن.

فقد يشتمل الأمر على بعض التأثير الإيجابي المؤقت على الطلب، أو قد تعوض أسعار الفائدة الأعلى الدَفعة المالية بالكامل ارتفعت أسعار الفائدة سندات الخزانة القياسية المستحقة بعد عشرة أعوام بشكل كبير عن المستوى الذي كانت عليه قبل شهر واحد من 3.21 إلى 4.16 في المائة، عندما بدأت مناقشة التخفيضات الضريبية بشكل جدي.

والآن أصبحت السوق متوترة بوضوح في الغالب حول احتمالات عجز مالي هائل الضخامة. ويستبعد بعض خبراء الاقتصاد هذا باعتباره طيشا، لكن هذا مرة أخرى ليس أكثر من تفكير قائم على التمني.

والواقع أن العمل الرائد الذي قامت به كارمن راينهارت على مدى سنوات عديدة من معهد بيترسون في واشنطن، يعرض هذا الأمر بمنتهى الوضوح فليس في وسع أي بلد، بما في ذلك الولايات المتحدة، أن تفر من العواقب الوخيمة المترتبة على استمرار العجز المالي الضخم. والواقع أن الكتاب الذي ألفته بالاشتراك مع كينيث روجوف تحت عنوان هذه المرة مختلفة، لا بد أن تكون قراءته فرضا مقررا على كل صناع القرار السياسي في الولايات المتحدة.

وفي هذه البيئة، فقد يكون المزيد من التحفيز المالي هدّاما وذلك لأن الإنفاق الإضافي قد يقابله التأثير السلبي على سوق الإسكان بسبب ارتفاع أسعار الفائدة. ولقد وعد بنك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بإبقاء أسعار الفائدة الأطول أجلا عند مستويات منخفضة، لكن يبدو أن تعهداته في الاتجاه تبدو الآن غير فعّالة.

ولكن ليس هذا هو الخطر الحقيقي في حالتنا هذه. إن أغلب الساسة في أمريكا لا يحبون التفكير أو الحديث عن بلد آخر غير الولايات المتحدة. ولكن أسعار الفائدة الأطول أجلا في الولايات المتحدة تتأثر إلى حد كبير بما يحدث في بقية العالم وكيف ينظر مستثمرو القطاع الخاص إلى ديون الحكومة الأمريكية نسبة إلى الديون السيادية في بلدان أخرى.

لا شك أن المشاكل التي تواجهها منطقة اليورو تساعد الولايات المتحدة في بيع المزيد من الديون بأسعار أقل في الوقت الحالي.

ولكن هناك احتمالات كبيرة أن تنجح منطقة اليورو في حل الصعوبات التي تواجهها الآن في غضون سنة أو ما إلى ذلك على الأرجح بعد جولة أخرى أو جولتين من الأزمة، من خلال الاستخدام الحكيم لسياسة التقشف المالي جزئيا.

وقد يكون من المنطقي تماما إذا نشأت نواة تحت قيادة ألمانيا أشد قوة وأكثر تكاملا على الصعيد السياسي من ذي قبل في إطار منطقة اليورو التي تشتمل على تركيبة مختلفة، وبنية مختلفة، وقواعد مختلفة تماما. وهذا الكيان السياسي المفترض الموحد ماليا لا بد أن يكون شديد الجاذبية في نظر المستثمرين.

ولكن كيف قد تكون هيئة الاقتصاد الأمريكية بعد عام من الآن؟ في ذلك الوقت سيكون أي تأثير قصير الأمد للتحفيز المالي قد تلاشى، وستظل معدلات البطالة مرتفعة، ولا شك أن بعض الساسة سيطالبون بالمزيد من التخفيضات الضريبية.

ومن المرجح أن يكون العجز في الميزانية قد بلغ 8 إلى 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، حتى ولو عاد النمو بدرجة ما. فضلا عن ذلك، فإن أسواق السندات ستكون أكثر توترا، وهذا يعني أقساط فائدة أعلى، وهو ما من شأنه أن يزيد من حجم العجز.

وقد نشهد أيضا خفضا محتملا للتصنيف الائتماني لديون الحكومة الأمريكية ما يعني ضمنا احتمالات ارتفاع أسعار الفائدة إلى مستويات أكبر.

توقع بعض الناس من بول ريان، وهو نجم صاعد في الحزب الجمهوري، والذي من المفترض أن يشغل منصب رئيس لجنة الميزانية في مجلس النواب في الكونجرس المقبل، أن يقدم ركيزة مسؤولة ماليا إلى الجولة المقبلة من مناقشة العجز في الولايات المتحدة.

ففي مقال نشر له في صحيفة فاينانشيال تايمز قال ريان: إن أمريكا متلهفة إلى إدارة مناقشة ناضجة فيما يتصل بتهديد الديون. بيد أن كل المؤشرات تؤكد أنه لا يقل طيشا في التعامل مع السياسة المالية عن أغلب زملائه الجمهوريين منذ عهد رونالد ريجان.

من المؤسف أننا لم نر أي دلالة تشير إلى أن القيادة الديمقراطية أيضا على استعداد لخوض محادثة ناضجة بشأن ضبط الأوضاع المالية. بيد أن زعماء الحزبين لا بد أن يصلوا في نهاية المطاف إلى تلك النقطة، لكن هذا لن يحدث إلا إذا جرتهم الأسواق المالية جرا إلى هناك رغما عن أنوفهم وهم يركلون ويصرخون.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/كانون الثاني/2011 - 7/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م