اطباء حقيقيون.. اطباء مزيفون

عدنان عباس سلطان

رغم ازدحام اللافتات التي تضيع الوقت والمال بلا فائدة فثمة وجود لاطباء حقيقيون، بل هناك من يعمل في هذه المهنة الجليلة بتفان ومهنية تثير الاعجاب والتقدير العالي وهناك اسماء لامعة برزت في ساحة الطب حتى انها باتت معروفة على النطاق المهني والشعبي لما قدمته في مجالها من تفاعلات صحية سواء في العلاج او العمليات الجراحية والمتابعة الميدانية للمرضى ذوي التماس المباشر مع الاطباء المميزين في عياداتهم او في البنى الصحية من مستشفيات ومراكز صحية او مجمعات صحية.

لكن هؤلاء الاطباء القلة لايمكنهم ان يتصدوا للكم الهائل ممن يطلب العلاج او التداخلات الجراحية، لكنما من الملاحظ ايضا ان هناك اعداد كبيرة من الاطباء الذين يستفادون من فائض المرضى الكبير في عياداتهم وهم مع الاسف لايبذلون جهدا مهنيا تجاه المرضى وفي اغلب الاحيان يكون تحديدهم للمرض تحديدا خاطئا وبعيدا عن العلة الاساس التي يشكو منها المريض فيتناول المريض الدواء الخطأ الذي يترك آثارا سيئة على مرضه الحقيقي وتسوء الحالة وتتفاقم الاعراض فيراجع نفس الطبيب فيعيد عليه الدواء مما يفضي الى الوفاة او التداخل الجراحي الخطر بعد احالته الى قطاع صحي آخر هذا فضلا عن الخسائر المادية المهدرة بلا طائل وكانما كان المريض قد اشترى الخطر بامواله الخاصة او ربما اشترى موته من الطبيب غير المقدر لقيمة الحياة.

 مثل هؤلاء الاطباء الكثير ممن يشغلهم الدوام الصباحي في المستشفيات فيعودون الى عياداتهم وهم لايملكون من الوقت ليعيدوا تحديث معلوماتهم المهنية سواء عن طريق الانترنيت او الدوريات الصحية العالمية التي تنشر كل ما هو جديد في مجال الطب والجراحة والعلوم الحديثة والاطروحات والبحوث، فوقت هؤلاء الاطباء مقسوم على اثنين ليس فيه زيادة والبعض منهم قد يقسم وقته على ثلاث اذ قد يكون مرتبطا بمستشفى خاص ليجري بعض العمليات او يصف الدواء فيها وبهذا قد تكون عائلته هي الاخرى لاتنجح في سرقة بعض وقته الثمين الذي خصصه لاستحلاب الناس دون ان يرد لهم شيئا من العافية.

هذا الكلام ناتج عن حوادث مؤسفة ادت الى خسارة الحياة لمرضى كان بالامكان نجاتهم، كذلك ادت الى امراض جانبية اكثر خطورة نتيجة الدواء الخطأ والتشخيص الخطأ. وهذه الحوادث المؤسفة التي لن نخوض فيها في هذه العجالة وذلك بسبب كثرتها خرجت من تحت ايدي الاطباء غير الكفوؤين الذين سمحوا تحت تاثير جشعهم ان يتساهلوا بالاخلاق والواجبات المهنية والانسانية مما اضطر الكثير من المرضى الى تحمل تكلفة العلاج في مستشفيات خارج الوطن رغم كلفتها الباهضة وحيثيات ترويجها المتعبة بما يراد لذلك من اجراءات السفر والرفقة وغالبا تكون في اوقات مناخية غير مناسبة تؤثر بصورة سيئة على حالة المريض.

 وكان بالامكان اختصار الامر في المراكز او المستشفيات او العيادات الخاصة داخل الوطن ومن خلال سعي اطباؤنا الجاد تجاه مرضاهم وتعزيز معلوماتهم ورفدها بكل ما هو جديد في المجال الطبي لكن الملاحظ بصورة واضحة ان بعض الاطباء ربما لم يقرأ يوما مثل هذه التحديثات الصحية في مجال المهنة فاخذت معلوماتهم التي درسوها والتي تتحول بمرور الزمن الى اجراءات روتينية سطحية يغيب اكثرها عن تلافيف الذاكرة ويظل المتداول لديهم دواء عاما غير مخصص او ادوية عدة غير مفيدة تدور في سلسلة الاجراءات التي يتخذها الطبيب تجاه مرضاه ويعتمد اغلب هؤلاء الاطباء الخائبون في الطب الرابحون للدينار يتعاطون وصف الادوية النفسية والمسكنات مؤجلين وقوع الكارثة وعندما يحل ذلك الوقوع لاينفع شئ من الدواء حينئذ يتخلى الطبيب من ان ينقذ مريضه باي شكل من الاشكال ذلك لانه ساهم بتفاقم علته واوصلها الى حالة اللاعلاج.

 ويبقى ان نتساءل كيف يمكن للضمير الشخصي او المهني للطبيب ان يظل مرتاحا للنتائج المؤلمة التي آل اليها مرضاه، وكيف يشعر بان رسالته قد اكتملت وان معناه الشخصي قد تحقق، ايمكن ان يكون هكذا شخص يفكر في يوم من الايام بانه خليفة الله على الارض وان الملائكة قد سجدت له اكبارا وتعظيما بكونه يحقق معنا ساميا وحكمة سابغة على الارض التي خلق من طينها،

الانسان الذي بلا حكمة او معنى يستطيعه والذي همه الاكتناز المادي يمكننا ان نقول عن موته بانه قد هلك شانه شان الحيوان ذلك انه لم يخلف شيئا تنتفع منه الحياة وربما ان كان سيخلف شيئا انما يخلف السوء والمثال الرديء، فيما يكون الانسان الذي يصارع ويناضل بعزم وجدية من اجل تسجيل معناه الانساني يخلف الكثير من الآثار الجيدة النافعة للناس فهو بذلك يمنح لحياته امتدادا آخر اطول من حياته التي عاشها بآلاف المرات ويظل يحيا في ذاكرة الاجيال القادمة ولنا كثير من الامثلة لشخصيات كبيرة جدا في المجال الطبي او غيره من العلوم والذين خلفوا لنا طرق او ادوات او دراسات او ادويه او بحوث ما كان الطب ان يحيا او يتفاعل بشكله الحالي دونها.

 الحقيقة ليس في المجال الطبي فحسب ولكن في شتى المجالات نحن نتمتع الآن ومنذ تاريخ طويل بافضال الشخصيات الفذه النبيلة التي سجلت معناها الانساني على ساحة الحياة ثم رحلت جسدا دون ان تغادرنا روحا او ذكرا طيبا ومعه الاكبار والشعور بالفضل الكبير وقد تمتع بذاك الفضل خلق لايمكن عده من انسان وحيوان ونبات فكان حقيقيا ان تسجد لهم الملائكة، في قول لا ادري مصدره الآن ومعناه كالآتي ـ ان الله سبحانه وتعالى لايعبأ بكثير من الخلق لكنه يحاسب علماؤهم ـ وهذا معناه ان الله يهتم بالمتعلمين والمثقفين والمنورين ويحاسب من لم يستجب لمعناه وعلمه واهمل في واجبه الانساني الذي كان مدركا لاهميته واخلاقيته. قد تكون هذه الكلمات مسموعة او مقروءة في شكلها العام لكنها ربما تعد تذكيرا لمن يفقه القول ويتبع احسنه ومن الله التوفيق.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 13/كانون الثاني/2011 - 7/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م