العلاج الديني

قبسات من افكار المرجع الشيرازي

عبد الكريم العامري

 

شبكة النبأ: علينا أن نعرف الشباب والمراهقين بنبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته (سلام الله عليهم) بالنحو والكيفية التي عرفوا بها أنفسهم وبالطريقة نفسها التي عرف بها القرآن الكريم شخصية رسول الله (ص)، تلك الشخصية الموزونة التي خلت من الأمراض النفسية والعقد؛ كان خلقه القرآن الكريم.

لذلك يؤكد سماحة المرجع الديني السيد صادق الحسيني الشيرازي(دام ظله) ان في القرآن آيات بينات تهدي الشباب وكل الفئات العمرية التي هي عرضة الى الانحراف، ففي القرآن علاج للكثير من تلك العقد النفسية، التي يجب أن نعالج أنفسنا بها وكذلك المحيطين بنا.

من الضروري اطلاع الجمهور على ذلك، لغرض صيانتهم من الشرر والمفاسد، لأن روح الشباب والفتى رقيقة ربما تميل الى تجاذبات كثيرة، مما يفقد المرء صوابه وصعوبة اعادته الى الطريق السوي، لذلك قراءة القرآن الكريم وبالذات سور الشفاء النفسي، خير احتراز في هذا الوقت الصعب.

من الثابت أن الإيمان والالتزام بالدين يوفر للفرد الإحساس بالأمان والطمأنينة، يحصنه ضد الرغبات والأهواء والانحرافات، والأفكار الشاذة. أن معظم القضايا التي يعاني منها الإنسان هي بسبب الأزمة الأخلاقية والبعد عن تعاليم الدين، اللجوء الى الدين والعبادات يساهم في الحد من الكثير من مشاكل الحياة، كما أن الدين له أثره الواضح في النمو العقلي والنمو النفسي والأخلاق والسلوك.

التعاليم الدينية الصحيحة عندما تتغلغل في النفس وفي الفكر، تدفع الفرد الى السلوك الإيجابي في الحياة، يمكن النظر الى الدين على أنه أحد أبعاد شخصية الفرد، ويتناول جميع أبعاد حياته، والدين يعتبر قوة دافعة. الفرد في بلوغه ومراهقته يتعرض ليقظة دينية عامة حيث يميل الى التأمل، الانشغال بصفات الله عز وجل، كما يميل الى ممارسة النشاط الديني وذلك إذا توفرت للإنسان التنشئة الأسرية الجيدة والقدوة الدينية الحسنة.

أن نسبة من المراهقين والشباب يكونون من المتحمسين دينيا، ويندفعون نحو جماعات البر والإحسان، أو الزهد والتصوف، أو بعض الحركات الهدامة التي تعمل باسم الدين.

قد يلجأ البعض الى الدين كوسيلة لإعلاء الدافع الجنسي، يشعر المراهق بالذنب من جراء الخطأ، يدعو الله طلبا للمغفرة والتوبة، وإذا ما تم عن طريق العلاج النفسي الديني استغلال هذا الاستعداد للدين لدى الشباب، وتم توجيههم نحو الأخلاق الحميدة، عن قناعة ورضى وفهم، فإن هذا كاف لأن يبعد الفرد عن مشاكله، ويحسن من نظرته الى نفسه، ويزيد من إرادته وطموحه.

إن الأخلاق مستمدة من الدين، هي تعمل على تنظيم سلوك الفرد والجماعة، كما تعمل على تنمية الضمير الفردي والجماعي، وجعل السلوك صحيحا، سويا، محببا، مفيدا، لهذا فإن مفاهيم الدين والعمل بها تعمل على إصلاح السلوك، لأن للعامل الديني، تأثيرا قويا في النفس والفكر والسلوك. القرآن الكريم، حافل بالآيات الكريمة التي تعتبر منهجا للهداية، للاستقامة بالسلوك، ومنهجا في الوقاية، في العلاج وغير ذلك.

يقول الله تعالى في كتابه العزيز:

(إنهم فتية امنوا بربهم وزدنهم هدى) الكهف/13.

(وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين)الإسراء 82.

(قل هو للذين امنوا هدى وشفاء) السجدة 44.

(وإذا مرضت فهو يشفين) الشعراء/80.

(يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور) يونس/57.

الإنسان المؤمن هو الذي يكون صادقا مع نفسه ومع غيره، مطمئنا، واثقا، أمينا، مخلصا خلوقا، حساسا، لا يكذب، ولا يخون، ولا يسرق، ولا يقلق، ولا يخاف، يقول الحق، يفعل الحق... لذلك ليس غريبا أن يكون ضعف الإيمان، من أبرز عوامل حدوث مشكلات الأفراد مثل الأوهام، الانتحار، الانحراف في السلوك، واستغلال الآخرين والإساءة الى الأطفال، وارتكاب الجرائم، الفشل في الحياة، حتى الأمراض النفسية والعقلية والأمراض العضوية تتفاعل وتتأثر بالعامل الديني لدى الإنسان. لقد جاء في القرآن الكريم توجيهات كثيرة من إصلاح سلوكنا، وأخلاقنا، وأمراضنا.

يقول الله تعالى في وصية سيدنا لقمان لابنه وهو يرشده وينصحه حتى يستقيم أمره في الحياة: (وإذ قال لقمن لابنه، وهو يعظه يا بني لا تشرك بالله إن الشرك لظلم عظيم* ووصينا الإنسان بوالديه حملته أمه وهنا على وهن وفصله في عامين أن أشكر لي ولواليك إلى المصير* وإن جاهداك على أن تشرك بي ما ليس لك به، علم فلا تطعهما وصاحبهما في الدنيا معروفا واتبع سبيل من أناب إلى ثم إلى مرجعكم فأنبئكم بما كنتم تعملون* يبنى إنها إن تك مثقال حبة من خردل فتكن في صخرة أو في السموات أو في الأرض يأت بها الله إن الله لطيف خبير* يبنى أقم الصلة وأمر بالمعروف وانه عن المنكر وأصبر على ما أصابك إن ذلك من عزم الأمور* ولا تصعر خدك للناس ولا تمش في الأرض مرح إن الله لا يحب كل مختال فخور* واقصد في مشيك واغضض من صوتك ) لقمان / 13ـ19.

إن هذه الآيات الكريمة ترينا أصول التربية والتوجيه والإرشاد والعلاج، كما ترينا ضرورة اهتمام الأبوين بأطفالهما من حيث تعليمهم السلوك الديني الصحيح، منذ صغرهم، حتى إذا خرجوا الى الحياة أمكنهم السيطرة على نزواتهم، ودوافعهم.

الكثير من الآيات القرآنية لها أثر إيجابي في شفاء الأمراض النفسية والعضوية والاجتماعية، والانحرافات السلوكية، حيث توجب محاسبة النفس، التأمل الروحي، طلب التوبة، مما يجعل الإنسان يحافظ على توازنه واستقراره، كما يحافظ على طاقته وقدراته.

يجب على الفرد المسلم فهم سبب مشكلته أو فهم سبب انحرافه أو فشله... وفهم الأمور التي تترتب على ذلك. بهذا تنمو لدى الفرد القدرة على التمييز بين السلوك السوي، والسلوك غير السوي، بعد ذلك تنمو الذات، يقول الله تعالى: (بل الإنسان على نفسه بصيرة) القيامة/ 14.

بعدها، يتمكن الفرد أن يكتسب اتجاهات فكرية وقيما سليمة، وأن يصبح قادرا على فهم مشاكله ومواجهتها، على ضبط نفسه مع الإحساس بالرضا والسعادة.

عندما تكون للفرد النية الخيرة والحسنة في تقويم نفسه... تدفعه نفسه نحو فعل الخيرات والكف عن الشرور، تجعله يشعر بخيرية الذات، وهذه من أسباب التوافق في الحياة، ومن أسباب العطاء والإنجاز والنجاح.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 12/كانون الثاني/2011 - 6/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م