
شبكة النبأ: تشهد الساحة السياسية في
باكستان صراعاً منقطع النظير, حيث تفاقمت الازمة مؤخراً, واصبح من
الصعوبة ايجاد حل لرموز المعادلة بعدما زادت ضبابية المشهد الداخلي.
ويخشى المتابعون من انزلاق اسلام آباد في اتون الحرب الطائفية وخاصةً
بعد التقدم الكبير الذي احرزه التطرف الديني في المجتمع وعمق الخلاف
بين رجال الدين والدولة.
ويوضح هذا الامر تنامي مخاوف واشنطن، سيما وانها ترى في باكستان
حليف لا غنى عنه في حربها المستعرة بأفغانستان، وسعيها الدؤوب في
تجفيف منابع القاعدة التي تتخذ من الشريط الحدودي للجارتين ملاذ
ومنطلقا لها.
تشيع جنازة الحاكم
فقد سادت اجواء الحداد والاستنفار باكستان قبل مراسم تشييع حاكم
البنجاب الذي اغتيل بسبب معارضته القانون المتعلق بازدراء الاديان،
وتؤكد هذه الجريمة كما يقول الخبراء تنامي الافكار الاسلامية المتطرفة
وتفشيها في المجتمع.
وكان سلمان تيسير 66 عاما، احد ابرز وجوه حزب الشعب الباكستاني
الحاكم، لا يتردد في توجيه النقد اللاذع الى التطرف الاسلامي. وقد قتله
احد حراسه الذي افرغ في جسده رصاصات سلاحه الالي ال 29 في احد الاحياء
الراقية بالعاصمة اسلام اباد.
واعلنت الحكومة الحداد الوطني ثلاثة ايام على اثر هذه الجريمة
السياسية، التي تعد الاخطر في باكستان منذ اغتيال رئيسة الوزراء
السابقة بنازير بوتو اواخر 2007 في اعتداء انتحاري.
ودانت اغتيال تيسير كل من الامم المتحدة والاتحاد الاوروبي،
والولايات المتحدة حليفة اسلام اباد، التي طالبتها بمزيد من التدابير
ضد المتمردين الاسلاميين على اراضيها.
ونقل جثمان تيسير الى لاهور عاصمة اقليم البنجاب ومقر حكومته، كما
امر بها رئيس الوزراء يوسف رضا جيلاني وكما ذكرت السلطات بحسب فراس برس.
وفرضت تدابير امنية مشددة في المدينة قبل مراسم التشييع الذي من
المتوقع ان يشارك فيها عدد كبير من المسؤولين السياسيين. وتشهد المدينة
توترا بعد تظاهرات التي قام بها عشرات من انصار حزب الشعب الباكستاني
للتنديد بالاغتيال.
واوضح رئيس الادارة في المدينة خسرو برويز ان لاهور وكل انحاء
البنجاب في حالة استنفار. ولقد نشرنا اعدادا كافية من قوات الاحتياط.
ودعا جيلاني الذي يواجه في هذه الايام ازمة سياسية خطرة تهدد حكومته،
الى الهدوء للحؤول دون تسيير تظاهرات عنيفة على غرار تلك التي تشهدها
البلاد بعد الاغتيالات السياسية.
وسيحدد المحققون من جانبهم ما اذا كان حارس تيسير، مالك ممتاز حسين
قادري، تصرف بمفرده او ما اذا كانت عملية الاغتيال تندرج في سياق
مؤامرة اوسع. وتقول السلطات انه استسلم على الفور واعترف بقتل الحاكم
بسبب معارضته قانونا حول ازدراء الاديان.
وكان سلمان تيسير رجل الاعمال الذائع الصيت، واحدا من المسؤولين
الباكستانيين النادرين الذين لا يترددون في توجيه الانتقادات العلنية
للاسلاميين.
ويتواجه الليبراليون والمحافظون في باكستان بشان القانون المتعلق
بازدراء الاديان المثير للجدل الذي اعيد طرحه لدى صدور حكم بالاعدام
على آسيا بيبي، الفلاحة وربة العائلة المتهمة بازدراء النبي محمد (ص).
وقال علي ديان حسن الباحث في منظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية
في المنطقة، ان تيسير كان واحدا من رجال السياسة المستعدين للمجازفة
بحياتهم من دون مواربة لمكافحة التمييز والتجاوزات.
ويؤكد اغتياله والتهديدات الموجهة الى شخصيات ليبرالية اخرى، كما
يقول عدد كبير من المحللين المحليين، التقدم الكبير الذي احرزه التطرف
الديني في المجتمع، بعد ايام من اضراب عام بدعوة من المحافظين للاحتجاج
على اي تعديل للقانون حول ازدراء الاديان. وادى الاضراب الى اقفال عدد
كبير من المحال التجارية في البلاد.
ويأتي اغتيال سلمان تيسير، فيما باتت الحكومة، اقلية في البرلمان
بعد انسحاب احد ابرز حلفائها في التحالف الحاكم الاحد، تحت رحمة
المعارضة التي تستطيع اسقاطها اذا ما اتحدت لتقديم مذكرة لحجب الثقة.
ووجه زعيم المعارضة نواز شريف انذارا الى جيلاني وامهله ثلاثة ايام
ابتداء من نهاية الحداد الوطني لاعلان اصلاحات.
تفاقم الازمة السياسية
في سياق متصل بعد اغتيال سلمان تسيير وهو عضو بارز في الحزب الحاكم
مما يعمق الازمة السياسية في البلاد.
وتسيير سياسي ليبرالي يتمتع بحضور مؤثر وهو مقرب من الرئيس
الباكستاني اصف علي زرداري وسيضيف مقتله الى الاحساس بالازمة رغم أنه
لا يضطلع بدور في ادارة الشؤون اليومية في الحكومة المركزية ولكن
اغتياله في وضح النهار سيعزز الاحساس بأن الحكومة غير قادرة على تحقيق
الاستقرار في الدولة الاسلامية التي يقطنها 170 مليونا.
ويأتي الاغتيال بعد التحاق شريك رئيسي في الائتلاف الذي يقوده رئيس
الوزراء يوسف رضا جيلاني بالمعارضة احتجاجا على السياسات المتعلقة
بأسعار الوقود مما يتركه دون أغلبية برلمانية ويعاني من أجل الحفاظ على
حكومته.
وتتطلع الولايات المتحدة الى باكستان كي تتعامل مع متشددين
باكستانيين وللمساعدة بالتالي في حرب تدور في أفغانستان حيث تخوض قوات
تابعة لحلف شمال الاطلسي تقودها الولايات المتحدة والقوات الافغانية
حربا ضد طالبان بحسب رويترز.
وقال المحلل السياسي حسن العسكري ريجفي كشفت هذه الجريمة أزمة الحكم.
وكشفت أيضا مدى عمق مشكلة الارهاب في باكستان. وأضاف الحكومة تواجه
مشكلة حقيقية. وقال شاهد في مكان الحادث ان تسيير كان يهم بالخروج من
سيارته في منطقة تجارية عندما أطلق عليه الرصاص في واحد من أبرز
الاعتيالات في باكستان.
وقال وزير الداخلية الباكستاني رحمن مالك ان تسيير قتل بسبب معارضته
لقانون التجديف المثير للجدل في باكستان. وتقول جماعات لحقوق الانسان
ان كثيرا ما يسيء اسلاميون متطرفون استغلال هذا القانون وكذلك مواطنون
عاديون لتسوية حسابات شخصية.
ويساور الغضب جماعات اسلامية بسبب ما تعتقد أنها خطط من الحكومة
لتغيير القانون أو الغائه.
وأسفر حادث اطلاق النار عن بقع دماء في ساحة لانتظار السيارات على
طرف مركز كوسار التجاري الذي يرتاده الاجانب في اسلام اباد.
وقال الشاهد علي عمران سقط الحاكم وألقى الرجل الذي أطلق عليه النار
مسدسه ورفع يديه.
وقد يجعل الاضطراب من الاصعب على الحكومة أن تمضي قدما في الاصلاحات
الاقتصادية التي يطلبها صندوق النقد الدولي الذي يدعم الاقتصاد
الباكستاني بقرض قيمته 11 مليار دولار وافق عليه في نوفمبر تشرين
الثاني عام 2008 .
ولكن البورصة الباكستانية التي ارتفع مؤشرها في العام الماضي بنسبة
28 قي المئة مستقرة نسبيا وبعض المستثمرين مستعدون على ما يبدو للتغلب
على الاضطرابات.
وقال اندريا نانيني مدير صندوق نيو فرونتييرز التابع لبنك اتش اس بي
سي في لندن قبل اعلان نبأ الاغتيال عدم الاستقرار والاضطراب السياسي
هما دائما جزء من القصة عندما يتعلق الامر بالاستثمار في باكستان,
وتابع قائلا على الرغم من أن تفكك التحالف قد يزيد الاضطراب في الاجل
القصير نعتقد أن السوق جذابا على المدى الطويل.
وفي وقت سابق قال حزب الرابطة الاسلامية الباكستانية جناح نواز شريف
وهو حزب المعارضة الرئيسي في باكستان انه لن يطلب اقتراعا بسحب الثقة
من جيلاني لان الاقدام على ذلك سيؤدي الى تفاقم عدم الاستقرار في
باكستان وهي حليف استراتيجي للولايات المتحدة.
وقال نواز شريف في مؤتمر صحفي انه سيقدم للحكومة مطالب مثل الغاء
الزيادات في أسعار الوقود واقالة وزراء متهمين بالفساد ومنح الحكومة
أسبوعا للموافقة.
وهدد شريف أيضا بطرد أعضاء في حزب الشعب الباكستاني الحاكم من حكومة
اقليم البنجاب التي يهيمن عليها حزب الرابطة الاسلامية المعارض. والمح
الى أنه قد تكون هناك حاجة لاجراء انتخابات عامة جديدة لكنه لم يحدد
موعدا.
وقال ثاني أكبر احزاب المعارضة حزب الرابطة الاسلامية الباكستانية
جناح القائد الاعظم بزعامة تشودري شجاعت حسين انه لن يسعى ايضا لاجراء
اقتراع بسحب الثقة من الحكومة مما يشير الى أن المعارضة ربما تفضل
انهاك رئيس الوزراء بخطوات منها عرقلة التشريعات أو حتى من خلال
احتجاجات في الشوارع لاجبار السلطات على الدعوة لانتخابات مبكرة.
وجرى تسليط الضوء على قانون التجديف بعد أن أصدرت محكمة حكما
بالاعدام على اسيا بيبي وهي مسيحية باكستانية وأم لاربعة أبناء في قضية
نشأت عن خلاف قروي.
ويحظى القانون بتأييد واسع في باكستان التي يشكل المسلمون أغلبية
تزيد على 95 في المئة من سكانها ويكره معظم سياسييها أن ينظر اليهم على
أنهم متساهلون في الدفاع عن الاسلام. وقالت الحكومة انها لا تعتزم
تغيير القانون.
وزار تسيير بيبي في السجن في اطار حملة للافراج عنها. وكتب على
صفحته في موقع تويتر تعرضت لضغوط كبيرة كي أتراجع عن مواصلة الضغط بشأن
الغاء قانون التجديف. رفضت. حتى لو كنت اخر من يعارضه.
وقال مالك ان الحارس ويدعي مالك ممتاز حسين قادري اعترف وألقي القبض
عليه. وقال قادري في تصريحات أذاعها تلفزيون دنيا سلمان تسيير مجدف
وهذا جزاء المجدفين. وابتسم قادري بثقة وهو يتحدث للصحفيين من على ظهر
شاحنة بينما قيدت يداه وساقاه بعد دقائق من قتله تسيير وتسليم نفسه.
وقال ب.جي. كرولي المتحدث باسم الخارجية الامريكية هذه تذكرة شرسة
أخرى بالمخاطر التي تهدد باكستان وبضرورة تقوية النظام السياسي في
باكستان وانشاء مؤسسات مدنية قادرة على الصمود في باكستان ومساعدة
باكستان على تقليص العنف الذي تقف وراءه دوافع سياسية.
الهرطقة
من جهتهم حذر 500 من رجال الدين المسلمين في باكستان من التعبير عن
الحزن لاغتيال حاكم اقليم البنجاب الذي كان معارضا لقانون الهرطقة
وقالوا إن من يفعل ذلك قد يلقى نفس المصير.
ولم يكن للحاكم سلمان تسيير وهو سياسي ليبرالي مقرب من الرئيس
الباكستاني اصف علي زرداري دور في العمل اليومي للحكومة المركزية لكن
اغتياله في وضح النهار وفي مركز تسوق في اسلام اباد يعزز الشعور بأن
الحكومة غير قادرة على تحقيق الاستقرار في البلد الذي يبلغ عدد سكانه
نحو 170 مليون نسمة.
وتقول جماعات معنية بحقوق الانسان إن متدينيين محافظين وأشخاصا
عاديين كثيرا ما يستغلون القانون لتصفية حسابات شخصية.
وتضم جماعة أهل السنة في باكستان رجال دين وتنتقد صراحة مقاتلي حركة
طالبان الذين يشنون هجمات على الحكومة الباكستانية وحليفتها واشنطن.
والجماعة من أكبر الجماعات التي تمثل رجال الدين السنة. وتقود الجماعة
احتجاجات تناصر قانون الهرطقة.
ويوضح هذا الامر مدى صعوبة أن تقنع واشنطن التي ترى أنه لا غنى عن
اسلام اباد في الحرب على التشدد القادة الباكستانيين بقمع التعصب
الديني بشكل أكبر.
وقالت الجماعة في بيان يحذر أكثر من 500 رجل دين في جماعة أهل السنة
المسلمين من تقديم واجب العزاء في سلمان تسيير حاكم البنجاب وينصحونهم
بعدم الصلاة عليه.وكذلك لا يجب أن يكون هناك أي تعبير عن الحزن أو
التعاطف مع مقتل الحاكم لان من يدعمون الاساءة للنبي يتورطون أنفسهم في
الهرطقة.
وعمق اغتيال تسيير من أزمة سياسية في باكستان الدولة المسلحة نوويا
التي تقف في الصفوف الامامية في محاربة التشدد في أفغانستان.
وجاء الاغتيال بعد انضمام شريك أساسي في الائتلاف الحاكم لرئيس
الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني الى المعارضة احتجاجا على سياسات
أسعار الوقود مما ترك جيلاني بدون أغلبية برلمانية ويواجه صعوبة في
محاولة انقاذ حكومته.
وأشارت جماعة أهل السنة الى الشجاعة والحماسة الدينية لقاتل تسيير
وقالت انه جعل المسلمين في العالم يشعرون بالفخر.
وكان تسيير قد زار بيبي في سجنها في اطار حملة للافراج عنها. وأضافت
الجماعة أن من وصفتهم بالمثقفين والوزراء والسياسيين ومذيعي التلفزيون
الذين يعارضون قانون الهرطقة ويؤيدون المهرطقين يجب أن يتعلموا الدرس
من مقتل تسيير.
ردود فعل متباينة
الى ذلك سلط اغتيال عضو كبير في الحزب الحاكم في باكستان بسبب
معارضته لقانون التجديف الضوء على الحماس الديني الذي يمكن أن يجعل من
الصعب أن تنعم هذه الدولة الاسلامية بالاستقرار.
وصاح بعض الاشخاص مكبرين لدى دخوله المحكمة بينما ألقى آخرون عليه
زهورا وصفقوا. وأبلغ 300 محام المحكمة باستعدادهم للدفاع مجانا عن
المتهم وهو عضو بالقوات الخاصة التابعة للشرطة.
وتقول جماعات لحقوق الانسان ان كثيرا ما يسيء محافظون اسلاميون
وكذلك مواطنون عاديون استغلال قانون التجديف لتسوية حسابات شخصية.
وقال عمر زمان مغول وهو زعيم نقابة عمالية مقيم في اسلام اباد لا
يمكنني وفق اعتقادي وايماني قبول أن يسمح لأي شخص يسب النبي بالعيش يجب
أن يقتل.
ووصف ارشاد أحمد وهو تاجر أقمشة في مدينة كويتا في جنوب غرب البلاد
اغتيال تسيير بأنه قتل صريح. وأضاف انه عمل مثير للاشمئزاز,لو كان قد
ارتكب خطأ لكان ينبغي أن يحاكم. هذا ليس مبررا لقتل أحد.
وقال مسؤولون حكوميون انهم سيحققون في الحادث لتحديد ما اذا كان
جزءا من مؤامرة أوسع. وربما تنظر واشنطن الى مقتل تسيير وبعض ردود
الفعل عليه على أنها علامات أخرى على أن باكستان تفتقر الى الاستقرار
بدرجة تمنعها من أن تكون حليفا فعالا ضد حركة طالبان في أفغانستان.
وانتقد بعض الباكستانيين في مقابلات أجريت معهم في عدة مدن تسيير
بسبب معارضته للقانون لكنهم قالوا ان قتله كان خطأ ويجسد فشل الحكومة
في فرض القانون والنظام في الدولة المسلحة نوويا في جنوب آسيا.
وقالت ايمان غانتشي وهي معلمة في مدرسة يظهر الحادث مجددا أن هناك
فوضى كاملة وغياب للتسامح في البلاد لا يوجد مبرر لتلك ألافعال. اذا
تحول كل واحد الى قاض وجلاد فكيف ستحيا البلاد.
وتقاتل باكستان متشددين محليين من حركة طالبان يسعون لزعزعة استقرار
الحكومة التي تكافح من أجل البقاء بعد انسحاب ثاني أكبر حزب من
الائتلاف الحاكم.
وقد تكون الحياة السياسية والتشدد الديني في باكستان أمرا محيرا.
فقد أدان رجل الدين المؤيد لطالبان طاهر محمود أشرفي قتل تسيير وقال ان
القانون وضعه البشر وليس سماويا.
وأضاف أشرفي الذي يقود رابطة لرجال الدين يقول انها تضم 5000 عضو
انه القانون نتيجة للتطرف والتعصب الذي يضر المجتمع الاسلامي. |