معظم الشعوب التي تقطن على ضفاف الخليج من مسقط جنوباً إلى البصرة
شمالاً تواجه ظروفاً صحية خطيرة؛ نتيجة العادات الغذائية السيئة من
جهة، والتلوث البيئي الذي تعانيه المنطقة نتيجة الدمار البيئي بسبب
الحروب وما تركت من تأثيرات خطيرة على صحة السكان من جهة أخرى.
أما المواد المُشعّة التي أوجدتها القنابل الذكية الأمريكية
والمخلفات العسكرية التي تشمل اليورانيوم المُنضّب، فقد أدت إلى تلوث
الكثير من المدن والصحاري في العراق بصفة خاصة والمنطقة بصفة عامة. وقد
أظهرت تأثيراتها الصحية والبيئية تباعًا، حيث تزايدت نسبة المصابين
بداء السرطان، وظهور تشوهات خلقية في المواليد.
وقد أكدت وزارة الصحة العراقية قبل ثلاثة أسابيع أن معظم مدن
العراق ملوثة بالمواد المُشعّة، وخصوصاً البصرة المطلة على ضفاف مياه
الخليج من جهة الشمال، والقريبة من الحدود الكويتية. هذا الإعلان
العراقي حتى وإن جاء متأخرًا، إلا أنه يعد رسالة مهمة إلى شعوب مجلس
التعاون الخليجي وإيران وتركيا وسوريا، وكأن العراق أراد أن يقول
لجيرانه: لقد ولى زمن الرفاهية والإسراف في شراء الكماليات، وآن الأوان
لتوفير أموالكم؛ لاستخدامها في المصحات والمستشفيات التخصصية داخل
بلدانكم وخارجها.
هذا الإعلان العراقي تزامن مع تقرير مثير نشرته صحيفة (الحياة)
اللندنية بتاريخ 24 ديسمبر تحت عنوان (5 دول عربية في لائحة العشر
الأكثر إصابة بالسكري)، ويفيد التقرير أن الإمارات تتقدم الدول العربية
في تفشي داء السكري بين مواطنيها بنسبة (19 في المئة)، والسعودية بنسبة
(17 في المئة)، وتليها البحرين والكويت وعُمان.
وقبل يومين من نشر التقرير، أعلنت البحرين عن الزيادة في موازنة
وزارة الصحة، وأنها تخطط لبناء أربعة مراكز صحية جديدة، وكذلك إنشاء
مركز وطني لمكافحة السرطان، ومركز آخر لأمراض الدم. والحكومة السعودية
بدورها خصصت في ميزانيتها الجديدة 68 مليار ريال لقطاعات الخدمات
الصحية والتنمية الاجتماعية. وفي قطر دشنت حكومتها برنامجًا متطورًا
لمكافحة السرطان، وتطمح إلى موقع عالمي في علاج الأورام الخبيثة.
كل هذه الأخبار والتقارير التي أوردتها الصحف في الأسابيع القليلة
الماضية تؤكد وجود خلل في الوضع الصحي والبيئي في منطقة الخليج. المؤسف
أن دول المنطقة تتجاهل النداءات التي تطالبها بضرورة إعداد دراسات
علمية؛ لمعرفة المخاطر الصحية والبيئية التي تعاني منها المنطقة. ويبدو
أن بعض حكومات المنطقة تشمئز من مصطلح (البيئة)، فتساهم بصورة غير
مباشرة في التستر على ما خلفتها الحروب التي شنتها الولايات المتحدة
وحليفاتها في مياه وأجواء المنطقة. والدليل أنها تتهرب من مناقشة هذه
الظاهرة الخطيرة التي تقلق شعوبها، خاصة مع تفشي مرض السرطان، ناهيك عن
أمراض أخرى كالسكري والضغط والسمنة! وربما قد نقرأ في المستقبل القريب
من خلال الوثائق السرية التي سوف تنشرها صفحة (ويكيليكس) عن التداعيات
الصحية والبيئية التي خلفتها حروب الدول الغربية في المنطقة.
الحكومات الخليجية مضطرة لضخ المزيد من الموازنات بغرض استيراد
الأدوية، وبناء المزيد من المستشفيات والمراكز الصحية، لكن من الأولى
بذل المزيد من الجهد لمعرفة المسببات.
طبعاً، نحن لا نقلل من الجهود التي تبذلها وزارات الصحة في مجلس
التعاون الخليجي للوقاية من الأمراض بأنواعها كعقد المؤتمرات والندوات
حول الوقاية من الأمراض، وما تقوم بها من أنشطة وفعاليات بغرض زيادة
الوعي ونشر الثقافة الصحية، إلا أننا اليوم وبعد أن ارتفع معدل
المصابين بالأمراض المزمنة والخطيرة في أمس الحاجة إلى إعداد دراسات
علمية، خاصة تلك التي تعدها المراكز البحثية المتخصصة، والتي
باستطاعتها من خلال ما تملكها من تقنيات حديثة من رصد ومعرفة حالة
بيئتنا البرية والبحرية والجوية، وتزويدنا بتقارير مدعمة بالأرقام عن
مدى تلوث بيئتنا بالمواد المشعة المسببة للأمراض الخطيرة كالسرطان
وغيرها من الأمراض.
من خلال هذا المقال أضم صوتي إلى أصوات الخبراء والمختصين في شؤون
البيئة والصحة، ونطالب حكوماتنا بالامتثال لهذه الدعوات الوطنية
والإنسانية، آملين حدوث تحرك جدي وسريع من جانب أصحاب القرار قبل أن
تتفاقم الأوضاع الصحية أكثر فأكثر وتتحول إلى ظاهرة لا سمح الله. |