اللاجئون العراقيون... محنة منسية في خضم الصراعات السياسية

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: في خضم الصراع السياسي والامني الذي كان يعصف في العراق، تدهورت اوضاع الكثيرين من ابناء مجتمعاته المتنوعة، وانعكست الازمات بشكل مباشر على اغلبهم، مما اضطر بعضهم الى ترك العراق والهجرة الى خارجة.

الا ان الان وبعد ان ساد الهدوء النسبي الشارع العراقي تسعى بعض الجهات الى احياء قضية اللاجئين المنسية، سيما وانهم يتعرضون وبشكل يومي الى معاناة كبيرة وهم مغتربون قسرا خارج بلدهم.

حيث لم تبادر الى الان الحكومة العراقية المشكلة الى وضع خطة منسقة تكون فاعلة وقادرة على لملة شمل ابنائها من الشتات، او ترميم البيت الداخلي بشكل يؤمن عودة النازحين الى سكناهم، بعد زوال التهديدات الطائفية والامنية.

فلا يزال عشرات الالاف من العراقيين يترقبون بعين تملؤها التطلعات الحكومة الجديدة عله يجدون حلولا جذريا تنقذ ما يمكن انقاذه، وتحيي امل عودتهم الى مناطقهم التي هجروها.

لاجئون الشرق الأوسط

فقد فر مئات الآلاف من العراقيين من بلادهم بعد أعمال العنف الطائفية التي اندلعت في أعقاب حرب 2003 التي أطاحت بنظام الطاغية صدام، ولكن من الصعب التأكد من عدد اللاجئين بدقة لأنه يتأرجح وفقاً لتغير المفاهيم والوضع الأمني في العراق.

وقال أندرو هاربر، رئيس وحدة دعم العراق التابعة للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في جنيف: "سيكون رائعاً أن نرى الصورة كاملة، ولكن الظروف الخاصة باللاجئين العراقيين تعني أننا لا نحصل عليها... على الرغم من أننا نملك فكرة جيدة عن اللاجئين المسجلين لدينا".

وقد قدرت الحكومات المضيفة (معظمها في الشرق الأوسط) في وقت ما أن أكثر من 2.5 مليون عراقي قد فروا إلى بلدانها، ولكن هذا الرقم يعد مرتفعاً جداً الآن، وفقاً لخبراء مستقلين لا ينتمون إلى المفوضية. وقد يكون التمييز بين اللاجئين وغيرهم من المهاجرين، وخصم عدد الذين عادوا إلى العراق إلى الأبد أمراً صعباً.

وقد قامت المفوضية بتسجيل ما يزيد قليلاً عن 400,000 عراقي منذ عام 2003، ولكن عدد المسجلين منهم في سجلاتها في الوقت الراهن يصل إلى 200,000 شخص فقط. كما يتم تسجيل المزيد من اللاجئين في سوريا كل يوم - حوالي 2,000 شخص شهرياً. مع ذلك تقول المفوضية أن هذه الأرقام ليست نهائية.

وأفاد هاربر أن "العديد من اللاجئين اختاروا عدم التسجيل معنا، إما بسبب وصمة العار المرتبطة بطلب المساعدة أو لأنهم لا يرون سبباً للتسجيل ما لم يكونوا بحاجة إلى خدماتنا".

وتقول الحكومات المضيفة في الوقت الحالي أن نحو 1.5 مليون عراقي مازالوا على أراضيها، في حين ترى المنظمة الدولية للاجئين Refugees International، وهي منظمة غير حكومية مقرها الولايات المتحدة، أن 500,000 عراقي فقط يعيشون خارج وطنهم. بحسب شبكة ايرن الانسانية.

ومن الصعب تتبع اللاجئين العراقيين لأنهم يقيمون بشكل حصري تقريباً في المناطق الحضرية - وليس في مخيمات - ومعظمهم في سوريا والأردن. وفي شهر يوليو من العام الماضي، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريراً مفصلاً عن التحديات التي تواجه اللاجئين في البيئات الحضرية.

ويعد تنقل السكان عاملاً آخر، وفقاً لهاربر، فالكثير من الأسر منقسمة أو تتنقل بين سوريا والعراق لرؤية الأقارب أو العمل أو التحقق من الوضع على الارض. وفي مثل هذه الحالة، يصبح من الصعب إحصاء أفرادها أو قد تلغي المفوضية ملفاتهم إذا تغيبوا لفترات طويلة. وتقول المفوضية أن التنقل أمر إيجابي لأنه يسمح للاجئين بالبقاء على اتصال مع بلدهم والاستعداد للعودة في نهاية المطاف.

وقد تكون الإحصاءات المجمعة دون تفصيل مضللة بسبب ارتفاع معدلات الانتقال والحركة. فعلى مدى الأشهر القليلة الماضية، تم تسجيل عدد ثابت تقريباً من اللاجئين في سوريا - نحو 139,586 شخصاً حالياً - ولكن هذا الرقم يخفي حقيقة أن بعض اللاجئين يرحلون كل شهر ويتم تسجيل آخرين مكانهم. فقد تم إلغاء 32,200 ملف خلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2010، إذ أعيد توطين 5,408 أشخاص في مكان آخر، وعاد 176 شخصاً إلى العراق في إطار برنامج العودة الطوعية التابع للمفوضية وتم تسجيل 18,719 لاجئاً في نفس الفترة الزمنية، وفقاً للمفوضية.

كما أن الأساليب الإحصائية متغيرة أيضاً، وعن ذلك قالت إليزابيث فيريس، وهي خبيرة بالشؤون العراقية وزميلة معهد بروكنغز: "لقد فر العديد من اللاجئين العراقيين قبل الحرب... ولا يوجد اتفاق على الفترة الزمنية التي يجب إحصاء الناس فيها".

وتطرح الشكوك حول الأرقام تحديات أمام المنظمات الإنسانية، ولكن المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تقول أنها تبني تخطيطها للموظفين والميزانية على عدد اللاجئين المسجلين لديها.

وقد أعادت المفوضية توطين أكثر من 50,000 لاجئ، معظمهم في الولايات المتحدة، وساعدت أكثر من 2,000 غيرهم على العودة إلى العراق، ومن المرجح أن عدداً غير معروف منهم قد عاد بشكل مستقل.

وفي داخل العراق، تقوم المنظمة الدولية للهجرة بتسجيل اللاجئين والنازحين العائدين، حيث تفيد أن نحو 130,000 لاجئ قد عادوا منذ عام 2007. وأضافت فيريس أن "الوكالات قد اعتادت على العمل وفقاً لأرقام غير دقيقة، لكن تصميم برامج على هذا الأساس لا يعتبر ممارسة جيدة".

وتفند المفوضية ذلك، حيث قالت وفاء عمرو، المتحدثة باسم المفوضية: "لدينا معلومات دقيقة بشأن اللاجئين المسجلين ونبني برامجنا على أساس احتياجاتهم، ويتم تحديث هذه المعلومات بانتظام".

وقد ابتدعت الوكالات تقنيات جديدة لمواجهة هذه التحديات، إذ توظف المفوضية السامية لشؤون اللاجئين أكثر من 150 عاملاً في مجال التوعية في سوريا وحدها يزورون الأحياء لتحديد اللاجئين. كما تستخدم المنشورات لرفع مستوى الوعي بمحنة اللاجئين. وللحفاظ على كرامة اللاجئين والتغلب على التحديات الناجمة عن إقامة اللاجئين في مناطق حضرية، قامت المفوضية بتوفير مبالغ نقدية عن طريق أجهزة الصراف الآلي وتستخدم الرسائل النصية القصيرة لتوصيل المعلومات لهم بينما دشن برنامج الأغذية العالمي مؤخراً نظاماً لتوزيع القسائم الغذائية عن طريق الرسائل النصية القصيرة.

وعلى الرغم من عدم اليقين حول عدد اللاجئين العراقيين، من غير المقرر إجراء أي تقييم جديد لعددهم. وأفادت فيريس أن "هناك خوفاً من انخفاض الأرقام، لأن ذلك من شأنه أن يؤثر على حكومات مثل سوريا والأردن من حيث التمويل الموجه إليها".

في المقابل، تتوفر معلومات أكثر عن النازحين لأن السلطات العراقية أكثر قدرة على تعقبهم. واتفقت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين والمنظمة الدولية للاجئين ومعهد بروكينغز على أن عددهم هو 1.5 مليون شخص، 500,000 منهم يعيشون في أحياء فقيرة. كما أن 86 بالمائة من العائدين المسجلين لدى المنظمة الدولية للهجرة أصبحوا نازحين في العراق ولكن يقال أن العدد الإجمالي للعائدين منخفض.

وقالت عمرو: "همنا الرئيسي هو أن عدداً كبيراً جداً من العراقيين الذين يحتاجون إلى المساعدة سيبقون على حالهم في عام 2011 وربما لفترات أطول".

حرقة الانتظار 

من جهته بات محمد البالغ من العمر 38 عاماً الذي بترت ساقه اليمنى من فوق الركبة هو واحد من العديد من اللاجئين العراقيين الذين ينتظرون الجراحات الترقيعية في عيادة العظام بالفرع السوري لمنظمة "تير ديزوم" Terre des hommes  الخيرية.

تزوج محمد، الذي ينتمي إلى الطائفة السنية من زوجته الشيعية منذ تسعة أعوام. وكان كلاهما يعمل في التدريس ولديهما ثلاث بنات. ولكن بعد أن أثار الغزو الذي قادته الولايات المتحدة على العراق عام 2003 أعمال عنف طائفية، قال محمد أنه تلقى تهديدات من الجماعات المسلحة.

ووفقاً له، قامت مجموعة باختطافه في عام 2006 للحصول على فدية ومن ثم تعليقه بالسلاسل وتعذيبه. كما أوضح أن مختطفيه قطعوا رجله اليمنى بمثقاب كهربائي مما استدعى بترها بعد وقت قصير بسبب أصابتها بالغرغرينة. بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وبعد تحريره من الأسر أخيراً أثناء عملية عسكرية للجيش الأمريكي، قام محمد بتقديم شهادة ضد من عذبوه وحزم أمتعته وغادر إلى دمشق.

وينتظر محمد الآن عملية جراحية لتصويب عظام الفخذ اليمنى الملتوية ليتمكن بعدها من التخلي عن عكازيه الثقيلين والتقدم بطلب للحصول على أطراف صناعية.

ولأنه ممنوع من العمل في سوريا ولاعتماده الكامل على المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين للحصول على حصص غذائية وراتب شهري، فإن أسرته تنتظر بفارغ الصبر إعادة توطينها في بلد ثالث.

ويقول محمد أن المفوضية أوصت بأن يتلقى هو وابنته المنطوية على نفسها مشورة ضد الاكتئاب ويعترف أنه ينفس عن غضبه بضرب زوجته وبناته وأنه فكر مراراً في الطلاق.

وفي فناء منظمة "تير ديزوم" الخيرية، لا تعتبر قصة محمد أمراً غير مألوف بين المرضى،  وغالبيتهم من العراقيين الذين أصيبوا في أعمال عنف استخدمت فيها السيارات المفخخة والذخائر غير المنفجرة ووسائل التعذيب والأسحلة الكيماوية.

وقال أخصائي العظام خالد زينون: "نصف عملنا فني ونصفه الآخر  نفسي. فمن المهم خلق علاقة خاصة مع المريض".

ويوجد حالياً 153 ألف عراقي مسجلين لدى المفوضية السامية للأم المتحدة لشؤون اللاجئين في سوريا من إجمالي أكثر من 290 ألف لاجئ منذ 2003. ويقدر عدد العراقيين الذين لجؤوا إلى سوريا بحثاً عن المأوى بحوالي مليون ونصف عراقي خلال ذروة النزاع.

ولكن منظمة "تير ديزوم" الخيرية مثقلة بطلبات اللاجئين، إذ لا يوجد في سوريا سوى عدد قليل من مرافق إنتاج الأطراف الصناعية وتعتمد المنظمة الخيرية بصورة كاملة على الجهات المانحة الخاصة. وقد قامت "تير ديزوم" بصناعة ما يقدر بحوالي 480 طرفاً صناعياً ولديها منح معتمدة  لـ35 طرفاً صناعياً آخراً. ويقول زينون أن لديه نحو 150 لاجئ من ذوي الاحتياجات الخاصة، معظمهم من الأطفال الذين لا زالوا بانتظار العلاج والتمويل اللازم له.

وأضاف قائلاً: "كل حالة مختلفة عن الأخرى تماماً ونحن نحاول تقديم حلول حسب الطلب لكل مريض باستخدام مواد مستوردة بصورة كبيرة من أوروبا".

وأوضح أن "الأطراف الصناعية الإلكترونية المتطورة قد تكلف ما بين 5 آلاف يورو (6,608 دولاراً) و20 ألف يورو (26,432 دولاراً)"، مضيفاً أن "الأطراف التي نصنعها هنا تكلف حوالي 2,000 يورو (2,643 دولاراً). وهي أطراف أساسية تماماً ولكنها تسمح للناس بالمشي وأداء وظائفهم".

اما هبة البالغة من العمر أربعة أعوام فقد ولدت بعيب وراثي، توقفت ساقيها في منطقة فوق الركبة عن النمو.

وقال والدها فادي أنه وزوجته رنا حوصروا وسط قتال عنيف في منطقة بغداد وعندما فرت الأسرة أخيراً إلى سوريا عام 2005 كانت رنا حامل في شهرها السابع بطفلتها هبة. وقد عزا الأطباء في مستشفى دمشق حيث ولدت هذا التشوه إلى الحرب الكيماوية.

ويقول فادي أن هبة تعاني أوقاتً صعبة جداً في المدرسة مضيفاً أنه "أثناء فترات الراحة يخرج الأطفال للعب ولكنها لا تستطيع ذلك. وتشعر بأنها معزولة لأنها مضطرة للبقاء في حجرة الدراسة".

وقد أعلنت منظمة الصحة العالمية والحكومة العراقية في أكتوبر عن القيام بتحقيق مستمر في العيوب الخلقية في أنحاء العراق بعدما قامت تقارير إعلامية واسعة النطاق بتسليط الضوء على معدل مخيف للتشوهات الناجمة عن الإشعاع والأسلحة الكيماوية في الفلوجة.

وفي مركز منظمة "تير ديزوم" الخيرية ترتدي هبة زوجاً من الأرجل الصناعية المصنوعة خصيصاً لها وتقوم بممارسة المشي عبر فناء المركز.

وشرح زينون قائلاً: "في البداية يشعر المرضى بالكثير من الألم. فهم بحاجة لفترة طويلة من التعود على الطرف الصناعي على المستوى النفسي أكثر منه على المستوى الجسدي. كما أنهم بحاجة إلى التعايش معه ثم إجبار الآخرين على معاملتهم بطريقة جيدة. وذلك ليس بالأمر السهل". ويعترف زينون أن الأطراف المخصصة للأطفال تكون مكلفة لأنهم ما زالوا في مرحلة النمو.

بدوره، قال والد هبة: "نحن نعتمد على الجهات المانحة الخاصة ولكن لا يمكن التكهن بها"، مضيفاً أن الأسرة لا تتلقى مساعدات إضافية. وأضاف قائلاً: "أشعر بالندم لأنني بدأت هذه العملية فأنا لا أعرف كيف أستبدلهما". *ليس اسمه الحقيقي

النازحات يصارعن من أجل البقاء

من جهة اخرى لا تزال الأسر العراقية التي تعيلها نساء والتي عادت إلى ديارها بعد أن عانت من النزوح تواجه تحديات معيشية كبرى، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة.

وقد أفادت دراسة أجرتها المنظمة شملت 1,355 أسرة نازحة تعيلها نساء كانت قد عادت إلى مناطقها الأصلية أن 74 بالمائة من تلك الأسر تكافح من أجل تأمين تغذية ملائمة لأفرادها.

وقد ذكر التقرير الذي صدر في 3 ديسمبر أن التأخر في تلقي الحصص الغذائية المدعومة من قبل الحكومة أو عدم توفر بعض الأصناف الغذائية في تلك الحصص يجبر النساء على شراء الطعام بأي مال لديهن مما يضيف إلى معاناتهن.

وقد وجدت الدراسة أيضاً أن المشكلات الصحية والمعايير الاجتماعية قد منعت حوالي 40 بالمائة منهن من العثور على وظائف. كما وصلت نسبة العاطلات عن العمل من النساء القادرات على القيام به 71 بالمائة. بحسب شبكة ايرين الانسانية.

وقد ذكرت 40 بالمائة ممن شملتهن الدراسة أنهن اعتمدن على الأقارب والجيران والمنظمات غير الحكومية والجمعيات الدينية من أجل تلبية احتياجاتهن. وكان لدى أكثر من 25 بالمائة من الأسر فرد يعاني من مرض مزمن في حين كانت أسرة من كل أربع أسر تفتقر إلى فرصة الحصول على الرعاية الصحية.

وقال أنتونيو سلانجا، رئيس مركز بغداد الإقليمي بالمنظمة الدولية للهجرة، أن "على هؤلاء النساء إعالة أطفالهن وأفراد الأسرة من كبار السن. وفي غياب دخل ثابت، فإنهن يعتمدن على أية  مساعدات يمكنهن الحصول عليها، وهي غير منتظمة".

وقالت الناشطة العراقية والنائبة السابقة سلامة سميسم أنه يجب على الحكومة والمنظمات الدولية والمحلية اتخاذ نهج جديد وسريع تجاه القضايا المرتبطة بالمرأة في العراق وخاصة النازحات.

وقالت سميسم أن "الظلم ضد المرأة لا يزال مستمراً في العراق في الوقت الذي لم يتم فيه التعامل مع محنة النازحات بجدية. فهن بحاجة إلى منازل مناسبة للحفاظ على كرامتهن ومدارس لأطفالهن وكهرباء ومياه للشرب".

أوضحت أن النساء العراقيات بصفة عامة، والنازحات منهن على وجه الخصوص، واجهن سلسلة من التحديات بداية من تأمين سبل معيشتهن في حال كن معيلات لتلك الأسر وانتهاءً بصعوبة العثور على عمل، إما بسبب المعايير الاجتماعية أو التمييز أو غياب التوعية بحقوقهن والفساد الذي يمنع الأموال الحكومية من الوصول إليهن.

وأضافت سميسم قائلة: "أعتقد أننا بحاجة إلى برنامج خاص لنشر الوعي بين النساء بشأن حقوقهن وتقديم الدعم لهن حول كيفية البدء في مشروع يمكن أن يؤمن لهن ولأسرهن دخلاً ثابتاً دون الاعتماد على أحد".

وقد توصلت دراسة المنظمة الدولية للهجرة إلى أن العنف الأسري ضد المرأة قد زاد بصورة كبيرة في السنوات الخمس الماضية نتيجة للنزوح غير المسبوق في العراق، في ظل تعرض امرأة من بين كل خمس نساء للعنف الجسدي والنفسي في البلاد.

وقال محمد عبد الجبار وهو محلل يعمل في بغداد أن إهمال البرامج المتعلقة بالمرأة كان نتيجة للاضطرابات السياسية والأمنية التي واجهتها الحكومات السابقة.

وأضاف قائلاً: "بالطبع لم يتعامل السياسيون سواء من داخل أو خارج الحكومة مع قضايا المرأة كواحدة من الاحتياجات الملحة لإعادة بناء المجتمع إذ يضعون قائمة الأولويات في المجالات السياسية والأمنية".

وأضاف قائلاً: "من غير المرجح بصورة كبيرة أن يتم تحقيق أي تقدم في هذا المجال من خلال الحكومة القادمة إذا لا تزال نفس المشكلات العميقة في الساحة السياسية والأمنية قائمة".

وبعد تسعة أشهر على عقد الانتخابات الوطنية في العراق، لم يتم بعد تشكيل حكومة عراقية حيث يصارع السياسيون للوصول إلى اتفاق لتقاسم السلطة وتوزيع المناصب الحكومية.

ازمة مستجدة

من جانبهم يفر مئات المسيحيين العراقيين إلى إقليم كردستان الشمالي الذي يتمتع بحكم شبه ذاتي، وخصوصاً إلى بلدة عنكاوا، التي أصبحت ملاذاً آمناً للمسيحيين في البلاد، وذلك بفضل وضعها الخاص والامتيازات التي تمنحها لها حكومة الإقليم.

وعنكاوا، التي تقع بالقرب من أربيل، عاصمة إقليم كردستان، هي بلدة ذات أغلبية وإدارة مسيحية تنتشر فيها العديد من الكنائس.

وقالت ميليسا فليمينغ، المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين يوم 17 ديسمبر أن مكاتب المفوضية في العراق شهدت زيادة كبيرة في أعداد المسيحيين الهاربين من بغداد والموصل إلى المنطقة التابعة لحكومة كردستان وسهول نينوى في الشمال.

وأضافت فليمينغ أن الطوائف المسيحية في المدينتين بدأت "نزوحاً جماعياً بطيئاً ولكنه ثابت" منذ الهجوم المميت على كنيسة سيدة النجاة في بغداد يوم 31 أكتوبر  أثناء قداس الأحد والذي أسفر عن مقتل 68 شخصاً.

وقد وصلت حوالي 1,000 أسرة إلى إقليم كردستان ومحافظة نينوى منذ بداية نوفمبر، وفقاً للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين. وأضافت فليمنغ قائلة: "لقد سمعنا روايات عديدة من الناس الذين فروا من منازلهم بعد تلقيهم تهديدات مباشرة. بعضهم لم يتمكن من أخذ شيء سوى القليل من الحاجيات".

وقال جابر حكمت السماك، وهو مسيحي، الأسبوع الماضي في عنكاوا خلال جنازة والده الذي كان يبلغ من العمر 78 عاماً ووالدته التي كانت تبلغ من العمر 76 عاماً، اللذين قطع متطرفون رأسيهما في منزلهما ببغداد: "يوجد في بغداد الكثير من الشرور. إنها مدينة البنادق".

وقد أصبح السماك والعديد من النازحين المسيحيين الأخرين الآن بلا مأوى أو عمل، يعيشون مع أقاربهم أو في منازل مستأجرة في عنكاوا بالكاد يستطيعون تحمل تكلفتها.

وقد أصبحت مناطق كثيرة في الشمال ملاذاً آمناً للأقليات الدينية الفارة من العنف في أماكن أخرى من العراق، وأربيل ليست استثناءً، وفقاً للمنظمة الدولية للهجرة، التي أفادت أن هناك 6,879 أسرة نازحة (حوالي 41,274 شخصاً) في محافظة أربيل، يقدر أن ربعهم تقريباً من المسيحيين. وتشير التقديرات الأولية لموظفي المنظمة الدولية للهجرة في العراق إلى أن المزيد من الأسر المسيحية ستصل إلى أربيل بمجرد تمكنها من مغادرة منازلها ووظائفها.

وقال ناجي بهنان، البالغ من العمر 57 عاماً، وهو حارس أمن في إحدى الكنائس في عنكاوا يكسب 240,000 دينار عراقي (حوالي 200 دولار) في الشهر، ولكنه يدفع 300 دولار كإيجار شهري للمنزل الذي يقيم فيه مع أسرته وأسرة ابنه: "جئنا إلى هنا فقط من أجل الأمن" موضحاً أنه جاء إلى عنكاوا منذ أقل من شهرين وأن الأسرتين المكونتين من ستة أشخاص تعيشان على المال الذي حصل عليه من بيع منزله وممتلكاته في منطقة بغداد الجديدة.

وأضاف بهنان قائلاً: "ابناي الحاصلان على شهادات جامعية، عاطلان عن العمل. كانا يعملان حارسي أمن في كنيسة مثلما أعمل أنا هنا".

وأفاد تقرير المنظمة الدولية للهجرة أن الحصول على عمل هو أحد الاحتياجات ذات الأولوية لحوالي 83 بالمائة من الأسر النازحة في أربيل. ولا يملك هؤلاء الناس سوى القليل من الحاجيات، مثل البطانيات والأغطية البلاستيكية وأدوات المطبخ، وكذلك بعض المواد الغذائية التي تغطي حد الكفاف والتي تبرعت بها منظمات الإغاثة الدولية، مثل مفوضية اللاجئين والمنظمة الدولية للهجرة وكنائس المسيح الدولية، وفقاً لهيلين كو، مسؤولة العلاقات الخارجية بالمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في أربيل.

ويتم توجيه الكثير من الانتقادات إلى الحكومة المركزية وحكومة إقليم كردستان إذ يقال أنه على الرغم من التعهدات التي قدمتاها خلال الشهرين الماضيين، إلا أنهما لم تفعلا ما يكفي للتصدي لمحنة النازحين المسيحيين.

وفي وقت سابق كرر مسعود برزاني، رئيس إقليم كردستان، وعوده بالقيام بكل ما هو ممكن للمسيحيين القادمين إلى كردستان، قائلاً أن مغادرة العراق ليست هي الحل.

وأخبر نوزاد هادي محافظ أربيل، أن برزاني قد أنشأ لجنة خاصة للنظر في احتياجات المسيحيين النازحين وتزويدهم بالمساعدات. وأضاف قائلاً: "كردستان هي وطنهم. كأقلية عرقية عانت في الماضي، يمكننا نحن الأكراد أن نشعر بمعاناة المسيحيين بشكل جيد للغاية".

ولكن أحد المسؤولين المسيحيين، الذي رفض الكشف عن هويته، قال أن السلطات الكردية أبلغت المسيحيين في كردستان أن مساعدة النازحين واجب على الحكومة العراقية، وليس على حكومة إقليم كردستان.

في الوقت نفسه، يستمر المسيحيون في مغادرة بغداد، وفقاً لكو المسؤولة بمفوضية الأمم المتحدة للاجئين، التي أضافت: "تقول السلطات المسيحية أنه لم يتبق سوى 150,000 مسيحي في بغداد، وقد يكون ثلثهم على استعداد للمغادرة،" مشيرة إلى زيادة في هجرة المسيحيين إلى الخارج منذ الهجوم على الكنيسة في بغداد.

ومنذ ذلك الحين، بلغت نسبة المسيحيين 30 بالمائة من الوافدين العراقيين الجدد إلى الأردن. أما في لبنان وسوريا، فقد اتصلت 167 و 55 أسرة مسيحية عراقية على التوالي بالمفوضية طلباً لتسجيل افرادها كلاجئين، وفقاً لكو.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 10/كانون الثاني/2011 - 4/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م