لقد أكد القرآن الكريم وأحاديث النبيّ وأهل بيته الطاهرين عليهم
السلام على ضرورة تماسك المسلمين على وحدتهم وعدم تفرقهم من خلال نبذ
التعصب للباطل وكل ما يوجب الإبتعاد والتفرق عن الحق المتمثل بأهل بيته
الطاهرين، فلا وحدة بين الحق والباطل، بل يجب التمسك بالحبل المتين
ونبذ العصبية ضد الحق.
فالخطابات القرآنية الدالة على الوحدة وعدم التفرق يراد منها
الإلتقاء على مبادىء أهل البيت عليهم السلام حيث هم الثقل الأكبر الذي
من خلاله يتم معرفة القرآن ومراد الله تعالى، فالإبتعاد عنهم هو التفرق
بعينه، من هنا جاء في الأخبار الشريفة تفسير قوله تعالى: "واعتصموا
بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا "بأن أهل البيت عليهم السلام هم الحبل
المتين والصراط المستقيم، وقد ورد عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)
في الحديث المتواتر إجمالاً لفظاً ومعنىً: "إني تارك فيكم الثقلين ما
إن تمسكتم بهما لن تضلوا: كتاب الله وعترتي أهل بيتي وأنَّهما لن
يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض" وهذا الحديث الشريف يؤكد قوله تعالى في
سورة الأنبياء /الآية ثلاث وتسعون "إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم
فاعبدون" وفي سورة المؤمنون الآية الثانية والخمسون "إن هذه أمتكم أمة
واحدة وأنا ربكم فاتقون" فثمة عبادة وتقوى، فمن أراد العبادة يجب عليه
أن يعبده تعالى من حيث أراد المولى وليس من حيث يريد العبد، لذا أكد
القرآن والنبي الأكرم على التمسك بأهل البيت عليهم الذين من خلالهم تتم
العبادة لله تعالى.
ومما يؤسَف له أنّ بعض علماء الإمامية وعامتهم من وجهاء ورموز دينية
علمية وثقافية قد وقعوا في لبس وخلط ما بين التعددية وضرورة التعايش مع
كل الآراء الفقهية بين المراجع وما بين الوحدة الإسلامية والإنشقاق
المذهبي حتى أنكروا الكثير من الثوابت والعقائد وغيرها تحت عنوان
الوحدة وعدم الحاجة إلى المشاكل والفتن والإنشقاقات وأننا في النهاية
أمة واحدة؟ حتى غدا العديد من دعاة الوحدة يحرفون الكثير من المفاهيم
العقائدية تحت عناوين الاجتهاد المنفتح والمرجعية العليا المقدَّسة،
كما يدَّعون، ليسهل عليهم تحقيق أواصر الوحدة بين المسلمين، والتي هي
في الواقع غير موجودة وغير ممكنة إلا في عصر الظهور المقدس لمولانا
صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف ونماذجها كثيرة ولا داعي
لتبيانها في أوضح من الشمس في مشرقها.
فالوحدة لا تكون أبداً بالتنازل عن الأحكام الشرعية التي يفتي بها
المرجع الديني لصالح مرجع آخر والا فلا معنى لوجود المراجع في حياتنا
ولا تكون الوحدة أيضا بعدم التقيد بأوامر المرجعية لصالح أناس
انتهازيون حداثويون علمانيون يسعون لتوطيد أواصر الوحدة بالقسر والقوة
وبالترغيب والترهيب الفكري الذي يحملونه ويفسرونه حسب أفكارهم ومصالحهم
الحزبية الضيقة وكمثال على ذلك لا الحصر نظرية ولاية الفقيه وشعيرة
التطبير واللتين شغلتا مجتمعاتنا الإسلامية خلال السنين الأخيرة حتى
أضحى العوام يفتون وينظرون حسب أهوائهم ومصالحهم قبال المرجعيات
الرشيدة والمسددة من مولانا صاحب العصر والزمان عجل الله فرجه الشريف
والحقيقة والواقع يقولان بأن تلك القضيتان محل اختلاف فقهي بين
المرجعيات ولا سبيل للوحدة ما بين ابناء المذهب الواحد باستعراض
العضلات وفتلها أمام الطرف الآخر بل السبيل إلى ذلك هو تقبل الرأي
الآخر والتعددية التي يدعونا إليها الثقلان العظيمان القرآن الكريم
والعترة الطاهرة.
فهل كُتب علينا أن ننبطح على بطوننا وننقلب على مراجعنا المعينون من
مولانا صاحب العصر والزمان روحي له الفداء من أجل إرضاء العامّة
والمجتمع الغربي أو الوهابي أو السني او غيرهم من أتباع الديانات
والمذاهب الأخرى لكي نتنازل عن الكثير من الأمور المختلف عليها فقهياً؟
وهل التنازل عن أراء المراجع الكرام الذين نقلدهم في كل أمورنا
الحياتية العبادية سيدفع إلى عدم إشعال الفتنة النائمة التي يحلو للبعض
أن يسميها أو يتشدق بها وهي من الأساس قائمة وليست بنائمة، فهل كل ذلك
سيؤدي إلى الوحدة أم إلى المزيد من الشقاق والتراشق والعصبية للرأي
الواحد وهل دفع التنازل عن بعض العقائد الثابتة عن بقيعنا السليب
الحزين وصمة العار التي أُلصقت بنا ونحن بالملايين ولا يمكننا أن نبني
حجراً واحداً على قبور أئمتنا عليهم السلام في مدينة سيد العترة
الطاهرة ونبينا الأعظم صلى اله عليه وآله وسلم؟
وماذا فعلت الوحدة لمقاماتنا المقدَّسة في العراق الحبيب مأوى أمير
المؤمنين والحسين الشهيد وبعض أولاده الطاهرين عليهم السلام يوم ضربها
صدّام ثمّ أعاد الكرّة عليها شذّاذ من الآفاق هم أعتى من عادٍ وثمود
وفرعون ونمرود وفجروها؟ !
وهل منعت الوحدة من ذبح الشيعة في أفغانستان والعراق وباكستان
ولبنان والبحرين وكل دول العالم التي يقطنها الشيعة؟ وهل منعت الوحدة
من تهميش الشيعة في كل العالم؟
فمما يحزُّ في قلب الغيور الموالي أنَّ بعض أنصاف العلماء ممن يدّعي
التشيع صاروا يروجون للفتن والشقاق بدل أن يدعوا إلى ثقافة التعددية
واحترام الأراء الفقهية المختلفة وضرورة التعايش معها من أجل إشعال
شمعة الوحدة الإسلامية المطفئة التي خرّبت على الشيعة دينهم حتى صار
أكثر المعممين ممن لا يملكون علماً بالتاريخ وعلم الحديث أو لأنَّهم من
دعاة الصنم الأكبر الذي ما فتىء يروّج مبادىء العامة العمياء..!!
ومصيبة التشيع في عصرنا الحاضر هي في أنصاف العلماء حيث الجهل يفوح
من أفواههم بسبب إنكبابهم على القشور دون لباب الحقائق والمعارف
الاصيلة من مشكاة الولاية لأهل بيت العصمة والطهارة عليهم السلام فهم (أنصاف
العلماء) أرادوا إطفاء جذوة الولاء لأهل البيت(عليهم السلام) المتوقدة
في صدور المؤمنين وهو أمر يصب في خانة الوحدة بين الحق والباطل القائمة
على أساس التنازل عن معتقداتنا الدينية وأحكامنا الشرعية والتصورات
الدينيّة الخاطئة والمفاهيم الحياتيّة المغلوطة.
فليتق هؤلاء الله وليخشوه عن تماديهم في تحريف المفاهيم الدينية
والعقائدية من أجل الوحدة بين الحق والباطل وإلاَّ فإن لهم موعداً عند
الله تعالى "فيومئذٍ لا ينفع الذين ظلموا معذرتهم ولا هم يستعتبون"
فالأمة الواحدة بنظر الشريعة المقدسة هي الأمة الصالحة الورعة التقية
النقية الموالية لعترة نبيّ الله محمد(صلى الله عليه وآله) والمعادية
لأعدائهم والموالية لأوليائهم، وهي الأمة التي تتمسك بإمام زمانها
الحجة المنتظر عليه السلام وتتوقع ظهوره بشوقٍ وتدفع عنه شرَّ الأعداء
وتخلص بالتوجه إليه وتتحرق لرؤيته وتكثر من الدعاء له والتوسل به وعرض
الحاجات عليه، وتهجر أعداءه وتتقرب من مواليه ومحبيه، وهي الأمة التي
تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتتمسك بحبل الائمة الطاهرين، وهذه
المواصفات كلها تجدها في الكتاب الكريم والسنّة الطاهرة لهم عليهم
السلام.
وختاماً استحضر كلمة لسيدي ومولاي الإمام الصادق حينما قال بأن من
علامات الظهور المقدس في آخر الزمان هو استدارة الفلك فقيل له وما معنى
استدارة الفلك يا مولانا فقال عليه السلام: اختلاف الشيعة.
إذن لا طريق نحو الوحدة الإسلامية إلا بالتعايش الفكري وتقبل
التعددية الإسلامية في مجتمعاتنا ونبذ ورفض استعراض وفتل العضلات
والإستبداد الفكري المغلف بالشرع والشرع بريء منه وعدم النيل من
المرجعيات الرشيدة والمنصبة والمسددة من قبل مولانا ولي أمر المسلمين
السيد القائد المهدي المنتظر عجل الله فرجه المبارك الذي يقوم بمهامه
وصلاحياته في زمن الغيبة الكبرى ومنها تواصله مع نوابه الكرام. اللهم
إني قد بلغت اللهم فإشهد.
Hmh-alturaifi@hotmail.com |