باكستان وامريكا... شراكة قسرية لمواجهة طالبان

 

شبكة النبأ: يرى اغلب المتابعين للشأن الباكستاني ان الاوضاع المضطربة التي تمر بها تلك البلاد قد تفضي الى عواقب وخيمة في حال تسيد الانفلات الامني والسياسي المشهد هناك، وهي مخاوف دفعت الولايات المتحدة الامريكية على تعزيز شراكة استراتيجية مع باكستان وان كانت على مضض، خصوصا ان واشنطن تواجه تحديات جسيمة في افغانستان المجاورة لإسلام اباد.

ويشن الجيش الامريكي حرب مستمرة داخل الاراضي الباكستانية، ولكن عبر الطائرات المسيرة التي تستهدف قادة القاعدة وملاذاهم على شريط الحدود الباكستانية الافغانية المشتركة.

الازمة السياسية

فقد قال محللون في منطقة جنوب اسيا ان التوتر السياسي في باكستان قد يدفع الولايات المتحدة الى الاعتماد بشكل أكبر على الجيش الباكستاني وليس الحكومة المدنية التي تنحسر قوتها.

وتعمقت المشاكل السياسية التي تواجه رئيس الوزراء الباكستاني يوسف رضا جيلاني عندما انسحب حزب الحركة القومية المتحدة من ائتلافه الحاكم بسبب زيادات أقرتها الحكومة في أسعار الوقود.

وفي وقت يكافح فيه جيلاني حملة من التفجيرات الانتحارية تشنها حركة طالبان الباكستانية وصعوبات اقتصادية وأضرارا سببتها فيضانات الصيف الماضي قد يضطر رئيس الوزراء الى اجراء انتخابات مبكرة اذا لم يتمكن من رأب الصدع في ائتلافه.

وانخفض المؤشر القياسي لبورصة كراتشي والمؤلف من أسهم مئة شركة 1.44 في المئة او 173 نقطة الى 11849.46 نقطة بعد قرار انسحاب الحركة القومية المتحدة الذي يضيف الى حالة التشكك التي تحيط بسعي الحكومة الباكستانية الحثيث لتلبية شروط تتعلق بالسياسة الاقتصادية الخاصة بقرض بقيمة 11 مليار دولار من صندوق النقد الدولي.

والهدف الرئيسي للولايات المتحدة في باكستان هو حرمان مقاتلي طالبان من الملاذات في الجزء الغربي من البلاد والذي تستغله الحركة في قتال قوات تقودها الولايات المتحدة في دولة أفغانستان المجاورة.

وبينما قال محللون ان الجيش الباكستاني هو الجهة الاساسية التي تتحدث معها واشنطن في المسائل الامنية فان ضعف الحكومة في اسلام اباد قد يؤدي الى تهميش الزعماء المدنيين بشكل أكبر في بلد عاش لسنوات طويلة تحت حكم الانظمة العسكرية.

وقال شوجا نواز من مؤسسة (اتلانتيك كاونسيل) البحثية انه اذا كانت المشاكل الاقتصادية في باكستان جلبت توترا سياسيا فان زعماء البلاد السياسيين وقادتها العسكريين على السواء سيركزون على المخاوف الداخلية وليس الاولويات الامنية للولايات المتحدة.

وقال نواز "بالنظر الى حالة الاضطراب السياسي داخل باكستان فان الكيان الوحيد المستقر هو الجيش لذا ستضع الولايات المتحدة كل بيضها في هذه السلة او سينظر اليها على انها تضع كل بيضها في هذه السلة." وأضاف أن هذا قد يقوض الجهود الامريكية الرامية لدعم الحكم المدني في باكستان.

وقال "أخشى أنه وعلى الرغم من أن السياسة الامريكية العليا تسير نحو بناء علاقة طويلة المدى مع باكستان فان كثيرا ما تملي السياسة اجراءات قصيرة المدى وعسكرية على الاخص يجب اتخاذها لتلبية متطلبات سياسية داخلية في الولايات المتحدة."

وفي مواجهة امتعاض شعبي في الولايات المتحدة من حرب أفغانستان التي دخلت عامها العاشر فان الرئيس الامريكي باراك أوباما تعهد بالبدء في سحب القوات الامريكية من هناك وقوامها يقترب من مئة ألف جندي في يوليو تموز القادم.

وذكر بعض المحللين أنه نظرا لان الجيش الباكستاني يتولى زمام الامور الامنية لذا فستستمر الولايات المتحدة ببساطة في التعامل معه. بحسب رويترز.

وقال ستيفن كوهين المحلل في مؤسسة بروكينجز "لم يؤثر المدنيون كثيرا قط في السياسة تجاه أفغانستان...باستثناء الهوامش...ظلوا واجهة يحتمي بها الجيش.

"لذا أعتقد أننا سنستمر في التعامل مع الجيش. سنتكلم مع المدنيين أينما استطعنا واذا اعتقدنا أن ذلك سيحدث اختلافا لكن ليس لدي فكرة ... عما تتوقعه الادارة (الامريكية) منهم."

ونشبت الازمة السياسية في باكستان في وقت تأزمت فيه العلاقات بين الولايات المتحدة من جانب والجيش الباكستاني وأجهزة المخابرات الباكستانية من جانب اخر وهو ما بدا واضحا الشهر الماضي عندما أعلن مسؤولون أمريكيون أنهم سحبوا رئيس مهمة وكالة المخابرات المركزية الامريكية (سي.اي.ايه) في اسلام اباد بعدما تداولت وسائل اعلام باكستانية اسمه.

وصرح بي.جيه كراولي المتحدث باسم وزارة الخارجية الامريكية بأن التطورات السياسية في باكستان شأن داخلي على الباكستانيين التعامل معه.

وقال للصحفيين "نفهم أن الحكومة تتعامل مع تحد سياسي داخل ائتلافها. ونراقب الامر عن كثب لكن في الوقت نفسه نركز على شراكتنا على المدى الطويل مع باكستان."

وقالت ليزا كيرتس من مؤسسة (هيريتدج فاونديشين) البحثية المحافظة "الوضع السياسي شكل من أشكال الظل لبعض القضايا الاساسية بين الولايات المتحدة وباكستان. والخوف الحقيقي هو ملاذات طالبان في باكستان والتي تمنع الولايات المتحدة من تحقيق أهدافنا في أفغانستان.

"ان ما يحدث للزعامة السياسية المدنية ليس له حقا أي تأثير مباشر على هذا الامر ... الجيش هو الذي يتحكم فيه."

التدخل العسكري

من جهة اخرى يسعى مسؤولون عسكريون اميركيون كبار في افغانستان الى زيادة التدخل البري للقوات الخاصة عبر الحدود الى داخل المناطق القبلية الباكستانية، الا انهم يلقون ممانعة من مسؤولين في ادارة اوباما، كما ذكرت صحيفة نيويورك تايمز. غير ان قيادة قوات الحلف الاطلسي، كما اسلام اباد، سارعتا الى نفي الخبر.

وقالت "نيويورك تايمز" على موقعها الالكتروني ان نقلا عن مصادر رفيعة المستوى ان هؤلاء المسؤولين يقترحون تصعيد العمليات العسكرية في باكستان بعد نفاد صبر الولايات المتحدة من ضآلة جهود باكستان للقضاء على معاقل المتمردين في تلك المناطق.

ويقتصر تدخل القوات الاميركية في باكستان حتى الان على عمليات سرية محدودة وغارات تشنها طائرات بدون طيار.

الا ان متحدثا باسم القوة الدولية للمساعدة على ارساء الامن في افغانستان (ايساف) التابعة للحلف الاطلسي قال ان اي ايحاء بالتخطيط لعمليات برية في باكستان "عار عن الصحة".

وصرح مساعد الاميرال غريغوري سميث المسؤول ان "القوات الاميركية وقوات ايساف طورت مع شركائها الافغان علاقة عمل قوية مع العسكريين الباكستانيين لمواجهة القضايا الامنية ذات الاهتمام المشترك".

واضاف ان "هذا التعاون يعترف بسيادة افغانستان وباكستان وحريتها في ملاحقة متمردين وارهابيين في مناطقها الحدودية". بحسب فرانس برس.

وتثير هذه العمليات استنكار الحكومة الباكستانية ولو ان البرقيات الدبلوماسية الاميركية التي سربها موقع ويكيليكس مؤخرا اشارت الى ان المسؤولين السياسيين والعسكريين في اسلام اباد يوافقون ضمنيا على هذه الضربات.

ومع ان الولايات المتحدة لا تؤكد وقوفها وراء الغارات التي تنفذها طائرات بدون طيار الا انها القوة العسكرية الوحيدة التي تمتلك هذا النوع من السلاح في المنطقة.

وفي الوقت الذي تبدو فيه الولايات المتحدة متحمسة لبدء سحب قواتها من افغانستان بحلول تموز/يوليو المقبل، يشدد مسؤولون عسكريون وسياسيون على اهمية مثل هذه العمليات عبر الحدود.

وقال قادة عسكريون للصحيفة ان خطة العمليات الخاصة، والتي لم تتم المصادقة عليها بعد، يمكن ان تساعدهم في الحصول على معلومات في غاية الاهمية في حال اعتقال ناشطين ونقلهم عبر الحدود الى افغانستان ليتم استجوابهم.

واشار مسؤولون اميركيون الى انهم يفضلون القبض على القادة العسكريين لحركة طالبان او تنظيم حقاني وليس قتلهم، وذلك للحصول منهم على معلومات حول اي مخططات مستقبلية.

وقال مسؤول اميركي رفيع المستوى طلب من الصحيفة عدم الكشف عن اسمه "نحن اليوم اقرب من اي وقت مضى للحصول على الموافقة لعبور الحدود".

وردا على المقال، اعلن سفير باكستان في واشنطن حسين حقاني ان بلاده "قادرة على التعامل مع تهديد الناشطين" وانه "لم يسمح لاي جنود اجانب بالدخول او بالقيام باي عمليات على اراضينا".

وكان رئيس اركان الجيوش الاميركية الاميرال مايك مولن اجرى الاسبوع الماضي محادثات في باكستان وافغانستان.

واضاف حقاني انه "لم يتم التفاوض خلال رحلته في اي موضوع يمكن ان يوحي بتصعيد او بتدخل احادي الجانب من قبل قوات الحلف الاطلسي خارج التفويض الذي تنتشر بموجبه في افغانستان".

وتقول باكستان ان 2421 جنديا وعسكريا قتلوا واصيب 7195 بجروح خلال معارك مع ناشطين اسلاميين منذ العام 2002 وحتى نيسان/ابريل العام الحالي.

واشار مسؤول رفيع المستوى في الادارة الاميركية خلال مقابلة مع نيويورك تايمز الى انه لا يؤيد القيام بعمليات عبر الحدود لانها تاتي ب"نتائج عسكية" اذا لم تستهدف قادة في تنظيم القاعدة.

واعرب المسؤول عن قلقه من ان الاستنكار الذي تثيره العمليات في باكستان يمكن ان يلغي اي مكاسب تكتيكية.

واضافت الصحيفة نقلا عن مسؤولين آخرين ان عناصر احدى الميليشيات الافغانية تدعمهم الاستخبارات الاميركية كان يعتقد انهم يقومون فقط بجمع معلومات استخباراتية، قد عبروا الحدود الى المناطق القبلية في باكستان للقيام بعمليات سرية ادت واحدة منها الى تدمير مخبأ اسلحة للناشطين الاسلاميين.

وقال مسؤول سياسي افغاني ان احدى العمليات التي قامت بها قوة باكتيكا الدفاعية وهي واحدة من الميليشيات الافغانية الستة التي تدربها وكالة الاستخبارات الاميركية "سي آي ايه" - تم تدريبها للقبض على احد قادة طالبان في باكستان. العملية فشلت الا ان الناشطين الباكستانيين فتحوا النار على الافغان.

من جهة اخرى، كشف مسؤول عسكري اميركي لنيويورك تايمز ان قوة اخرى تدعمها الاستخبارات الاميركية في ولاية خوست (شرق) نشرت مؤخرا في الجبال على طول الحدود الباكستانية حيث من المفترض ان تحاول اعتقال مقاتلين من طالبان خلال الشتاء، مؤكدا انها حققت نجاحا حتى الان.

مواجهة الارهاب

في سياق متصل قالت الرئاسة الاميركية ان "الرئيس اوباما والرئيس زرداري توافقا على ضرورة بذل مزيد من الجهود للتعامل مع المجموعات الارهابية في باكستان والتي تشكل خطرا مباشرا على بلدينا".

وجاء هذا الموقف اثر سلسلة لقاءات في واشنطن في اطار "الحوار الاستراتيجي" بين حكومتي الولايات المتحدة وباكستان. واعلن اوباما انه سيزور باكستان في 2011 وسيستقبل زرداري في واشنطن.

وقال المصدر نفسه ان اوباما "شدد على التزام الولايات المتحدة وتأييدها للديموقراطية والشفافية في باكستان". واضاف ان اوباما "شجع الرئيس زرداري على تبني اصلاحات اقتصادية، وخصوصا لاصلاح النظام الضريبي".

واعلنت وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ان الولايات المتحدة ستقدم مساعدة عسكرية اضافية لباكستان بقيمة ملياري دولار على مدى سنوات دعما لجهود اسلام اباد في مواجهة الحركات المتطرفة.

والهدف من ذلك طمأنة سلطات اسلام اباد المتخوفة من خطة انسحاب القوات الاميركية من افغانستان المجاورة اثناء صيف 2011.

وتخشى باكستان فقدان الدعم الاميركي في مكافحة حركة التمرد الاسلامية كما حصل عندما تخلت الولايات المتحدة عن باكستان نهاية الثمانينيات بعد الانسحاب السوفياتي من افغانستان.

وستضاف المساعدة التي اعلن عنها الجمعة الى نحو 7,5 مليارات دولار تعهدت بها الولايات المتحدة على خمس سنوات مخصصة للبنى التحتية في باكستان وتنميتها الاقتصادية وحاجاتها الامنية ايضا.

وباكستان حليفة اساسية للولايات المتحدة في محاربة حركة طالبان الافغانية منذ اعتداءات 11 ايلول/سبتمبر 2001. وشن الجيش الباكستاني عدة حملات واسعة على المتطرفين في المناطق القبلية مع افغانستان منذ السنة الماضية.

وانتقد تقرير رفعه البيت الابيض الى الكونغرس جهود باكستان التي اعتبرها غير كافية في مواجهة طالبان الافغانية. ويرى معظم الخبراء ان اسلام اباد تجامل بعض حركات التمرد املا في الحفاظ على نفوذها في افغانستان بعد رحيل القوات الاميركية.

قضايا شائكة

الى ذلك عقد مسؤولون أمريكيون وباكستانيون جولة ثالثة من محادثات واسعة النطاق لتوسيع العلاقات خارج نطاق الحرب مع المتشددين لكن محللين لا يتوقعون تحقيق تقدم يذكر بسبب اختلاف المصالح الاستراتيجية.

ويعتزم مسؤولون بحث جميع القضايا من المياه الى الطاقة لكن الحوار الاستراتيجي الامريكي الباكستاني الذي يستغرق ثلاثة أيام ستخيم عليه الحملات الجارية لمكافحة المتشددين في المنطقة الحدودية بين أفغانستان وباكستان والتوتر الذي سببه الصراع في علاقات البلدين.

وقال مارك كوارترمان وهو محلل في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية "تضررت العلاقات الباكستانية الامريكية خلال الاسابيع القليلة الماضية... حان الوقت في واقع الامر أن يجري الحوار الاستراتيجي الامريكي الباكستاني بعد هذه الفترة حتى يمكن أن يجلسا وينقيا الاجواء."

وسيلتقي يومي الاربعاء والخميس مسؤولون ضمن 13 مجموعة عمل بما في ذلك الزراعة والمياه والطاقة وانفاذ القانون. وتختتم وزيرة الخارجية هيلاري كلينتون ووزير الخارجية الباكستاني شاه محمد قرشي المحادثات بجلسة بكامل الاعضاء. بحسب رويترز.

ومن القضايا الرئيسية المطروحة للبحث برنامج للمساعدة العسكرية الامريكية لباكستان لعدة سنوات والفيضانات التي أغرقت مساحة كبيرة من باكستان تماثل مساحة ايطاليا في أغسطس اب مما أسفر عن خسائر قيمتها 9.7 مليار دولار. لكن الحرب في أفغانستان ستغلب على الجزء الاكبر من المحادثات.

وتأتي سلسلة من الجولات في الحوار الاستراتيجي الذي بدأ في مارس اذار في الوقت الذي يعمل فيه الجانبان على اصلاح العلاقات التي توترت بسبب الحرب التي تقودها الولايات المتحدة في أفغانستان بعد توغل قامت به طائرة هليكوبتر تابعة لحلف شمال الاطلسي عبر الحدود يوم 30 سبتمبر أيلول مما فجر قتالا تسبب في مقتل اثنين من حرس الحدود الباكستانيين.

وقال مسؤول باكستاني طلب عدم نشر اسمه "ما من شك أن هذه قضايا كنا نتطرق اليها معهم (الامريكيون) وسنواصل التطرق اليها معهم."

وتثير هجمات تقوم بها طائرات أمريكية بلا طيار على شمال غرب باكستان استياء شديدا لدى الباكستانيين وجعلت حكومة الرئيس اصف علي زرداري أكثر هشاشة.

وقال طلعت مسعود وهو محلل لشؤون الدفاع وجنرال سابق في اسلام اباد "تريد باكستان أن تؤكد بشدة على أنه لن يمكنهم تحت أي ظرف مواصلة هذه التوغلات بطائرات الهليكوبتر في باكستان... بل يمكن ان يطرح للنقاش الى اي مدى تستخدم هجمات الطائرات بلا طيار."

كما أصبحت ادارة الرئيس باراك أوباما قلقة بشدة ازاء احتمال شن متشددين متمركزين في باكستان هجوما في الولايات المتحدة والذي أصبح أكثر حدة بعد محاولة التفجير الفاشلة في ساحة تايمز سكوير في مايو ايار واستنفار أمني في أوروبا مؤخرا تحسبا لحدوث هجمات.

شبكة النبأ المعلوماتية- السبت 8/كانون الثاني/2011 - 2/صفر/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م