مدرسة عاشوراء وحضورها الحي في ضمير الأمة

قبسات من افكار المرجع الشيرازي

 

شبكة النبأ: الحاضر لا يستقيم ولا يمكن له الوقوف على قدمين قويتين، ما لم يأخذ من تجارب الماضي، ويستمد منها قوته ومساراته الصحيحة في الحياة الشائكة المتعرجة، ومن أعظم تجارب الماضي، وأكثرها خلودا في التأريخ الانساني، ملحمة عاشوراء واحداثها، التي تتجدد على مستوى الفكر والفعل، مع تقادم الازمان، نظرا لأصالتها وانحيازها التام، الى جانب الانسان، ضد الطغيان وأوجه الظلم كافة.

ولهذا شكّلت عاشوراء ومضامينها، مدرسة حية وشاخصة، أمام البصائر والابصار، ينهل منها من يرغب من الناس، أفكار الفضيلة، والسمو والترفع عن الصغائر، ناهيك عن الزخم الكبير المتواصل، الذي يستمده الانسان منها، ليقف ضد الظلم مهما كان حجمه، او نوعه، او مصدره، ولذلك أصبحت عاشوراء مدرسة خالدة، بأفكارها، ومنطلقاتها، وقيمها الانسانية التي نتزود منها في كل حين.

يقول سماحة المرجع الديني، آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي (دام ظله)، في كتاب (من عبق المرجعية) حول المدرسة العاشورائية: (في كل مرة تحيا ذكرى عاشوراء ينهل محبو الامام الحسين (عليه السلاو) قيما ومفاهيم جديدة من مدرسة عاشوراء الخالدة).

وهكذا تتجدد هذه الذكرى، بمفاهيمها وقيمها التي رفضت الظلم، ووقفت بوجه الطاغوت الاموي، وانتصرت للحق، الذي جاء به الاسلام، ودافع عنه وأشاعه كقيمة عليا بين المجتمع الاسلامي، ولهذا بقيت القيم العاشورائية خالدة، وعظيمة، كونها تتواءم مع فطرة الانسان، وتوجهاته نحو العيش بسلام، في ظل قيم ومبادئ ترفع من شأنه، وتحفظ كرامته، وبهذا اكتسبت عاشوراء خلودها وعظمتها، إذ يقول سماحة الامام الشيرازي في هذا الصدد بالكتاب نفسه: (جعلت عاشوراء الاخيار يطأطئون رؤوسهم إجلالا لعظمة صاحب الذكرى).

ولم يقتصر نهج الاصلاح، والاستفادة من قيم المدرسة العاشورائية، على الحياة وتنظيمها، وتوجيه مساراتها نحو سبل الصواب، بل تعدت ذلك الى النجاح في ضمان حسن العاقبة، في الحياة الاخرى، حيث يبقى الرضا الالهي، هو الهدف الأهم لكل الناس، وفي هذا الصدد يؤكد سماحة المرجع الشيرازي قائلا: (يتزود المؤمنون من دروس عاشوراء الغنية لدنياهم وآخرتهم).

ولكن ينبغي أن لا ننسى بأن المدرسة العاشورائية العظيمة، وصلت إلينا بعد التضحيات الجسيمة، التي قدمها المؤمنون، واتباع اهل البيت، صلوات الله عليهم، على طريق نصرة الامام الحسين (ع)، والعمل بأهدافه نحو الاصلاح، حيث واجهوا شتى الصعاب والمخاطر، لاسيما من قبل الحكام الطغاة، الذين كانت قيم عاشوراء، ولا تزال تشكل خطرا عليهم، يقول سماحة المرجع الشيرازي، حول هذا الموضوع بالكتاب نفسه: (لا ننسى بأن ذكرى عاشوراء مرت بمسيرة طويلة من التحولات وان التضحيات التي قدمها الاسلاف والوالهون بسيد الشهداء - سلام الله عليه- هي التي اوصلت الينا هذه المدرسة العاشورائية المناهضة للظلم والعريقة باهدافها المقدسة).

ومثلما وصلت الينا مدرسة عاشوراء وقيمها، من خلال تضحيات السابقين، من المؤمنين الصالحين، لابد أن نوصلها الى الاجيال القادمة، بالتضحيات الجسام أيضا، فهي أمانة بأعناقنا، وهي هدف أساسي من أهدافنا، إذ يقول سماحة المرجع الشيرازي حول هذا الموضوع: (لا يمكننا ان ندعي الانتماء لمدرسة عاشوراء ما لم نرخص الغالي والنفيس في سبيل ديمومة اهدافها العالية، وأن نسلم هذه الامانة الحسينية السماوية الى الاجيال اللاحقة مصانة لا تشوبها شائبة، وفي الوقت نفسه فاعلة وبعيدة عن أي زيغ او حرف، وهذا يتم في حال خلصت النوايا، وأبعدت المصالح الخصية، ليحل محلها هدف تحقيق مرضاة الله عز وجل).

ولذلك لابد أن تبقى قيم عاشوراء، شاخصة في اذهاننا وأعمالنا، فالاصلاح يبدأ بالنفس أولا، وعلينا أن نتخذ من هذه القيم الشريفة، معيارا لصحة أعمالنا، واقوالنا ايضا، وقبل أن نطالب الآخرين بالتزام هذه القيم والمبادئ، ينبغي أن نطبقها على انفسنا أولا، كي نكون أمثلة حية، لخلود القيم العاشورائية، في ضمائرنا، وضمير الامة الاسلامية جمعاء.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 6/كانون الثاني/2011 - 30/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م