فلسطين واسرائيل... سلام اقرب الى الحرب

احمد عقيل الجشعمي

 

شبكة النبأ: في وسط الدماء والقتل، بين ركام المنازل وضحايا الحروب، الكل يبحث عن السلام كونه يطغي على كل هذه الفوضى الدموية التي يعيشها العالم، الكل يحاول ويحاول ولكن المحاولة وحدها لا تكفي.

ان مفهوم السلام يحتاج الى أكثر من المحاولة فلابد ان يكون هناك مجالا للأخذ والعطاء بين الطرفين المتنازعين لأنهما اذا بقيا متزمتين بآرائهم وغاياتهم بدون حساب مصلحة الطرف الآخر فلن يعم السلام أبدا، وقد ينطبق هذا الحديث على ما يدور الآن في فلسطين والذي امتد خلال سنوات طويلة ماضية وهو الصراع على الأرض.

فيما تسعى جهات عدة الى إيجاد حلول جديدة لهذه القضية بعد ان فشلت المحاولات السابقة لأجراء معاهدات سلام بين الطرفين (الإسرائيلي – الفلسطيني) من هذه الجهات الولايات المتحدة التي تشعر انها جربت كل شيء ولكنه لم يأتي بالمطلوب لغلق هذا الملف.

السرية قد تكون الملاذ

حيث يمكن أن يبدد إخفاق واشنطن في احياء محادثات السلام بين الاسرائيليين والفلسطينيين أي بصيص أمل في امكانية حل الصراع في الشرق الاوسط من خلال مفاوضات علنية. ويقول محللون ودبلوماسيون إن أقصى ما يمكن أن يتوقعه المراقبون هو التوصل الى اتفاقات مرحلية ربما تتم مناقشتها سرا وقد يجري تنفيذها على مدى سنوات طوال.

وقال دانييل ليفي مفاوض السلام الاسرائيلي السابق وكبير الباحثين الان بمؤسسة نيو أمريكا "كان يجب أن ندفن فكرة الوصول الى حل الدولتين من خلال المفاوضات الثنائية منذ وقت طويل جدا.

"وأضاف "من السخف ادعاء أن عملية سلام من هذا النوع ما زالت حية. "وفتح الرئيس الأمريكي باراك أوباما أحدث صفحات الدبلوماسية الفاشلة في الشرق الاوسط في سبتمبر أيلول في العام الماضي وعندها تصورت القوى الكبرى امكانية توصل الجانبين الى اتفاق شامل خلال عام من المفاوضات المباشرة.

لكن الفلسطينيين نفذوا ما هددوا به وانسحبوا من المحادثات بعد ثلاثة أسابيع فقط حين رفض الإسرائيليون تمديد تجميد جزئي للنشاط الاستيطاني في الأراضي المحتلة. وعرضت الولايات المتحدة على اسرائيل مجموعة من الحوافز لإقناعها بتمديد التجميد. وكان الامل في أن تحرز المحادثات خلال 90 يوما تقدما كافيا في القضية الاساسية وهي الحدود تتراجع بجانبها أهمية قضية الاستيطان.

واعترف دبلوماسيون أمريكيون بان المناقشات أخفقت وقالوا انهم سيبحثون عن حلول بديلة بما في ذلك العودة المحتملة الى المفاوضات غير المباشرة والدبلوماسية المكوكية. وتساءل ياسر عبد ربه امين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأحد كبار مساعدي الرئيس الفلسطيني محمود عباس عما اذا كانت واشنطن تستطيع التوسط في اتفاق. وقال عبد ربه "من لا يستطيع ان يقنع او يجعل إسرائيل تتوقف عن الاستيطان لفترة محدودة من اجل اجراء مفاوضات جادة كيف سيكون بمقدوره جعل إسرائيل تقبل بحل متوازن على أساس الشرعية الدولية.. حل الدولتين على قاعدة او انطلاقا من حدود 67 ."

الضغط على إسرائيل

وكان التشاؤم سيد الموقف عندما بدأت المحادثات حيث تساءل الاسرائيليون والفلسطينيون كيف يمكن حل القضايا المستعصية مثل مستقبل القدس التي يطالب بها الجانبان خلال 12 شهرا. وقال دانييل ريزنر عضو فريق التفاوض الإسرائيلي "يجب الا نفترض أننا الجيل الذي سيحل المشكلة أو سيضع نهاية ناجحة للمفاوضات."ولمح بعض الدبلوماسيين الى أن الولايات المتحدة قد تحاول الآن إنهاء جمود الموقف بتقديم اقتراحاتها لحدود الدولة الفلسطينية المستقبلية في محاولة لفرض حل على الجانبين. لكن يوسي شين عميد كلية الدبلوماسية بجامعة تل أبيب قال إن الولايات المتحدة ليست في وضع يسمح لها بفرض اي حل من هذا النوع وانها تجازف بخسارة المزيد من رصيدها السياسي اذا حاولت وفشلت.

وأضاف شين انه لا يتوقع أن ينفذ الفلسطينيون تهديدهم بالتوجه الى الامم المتحدة والمطالبة بالحصول على اعتراف بدولة مستقلة من أجل الضغط على اسرائيل. وتابع شين "لن يعلن الفلسطينيون الاستقلال ابدا لان الأمريكيين لن يسمحوا بهذا. انهم لا يريدون الفوضى. "ومن المرجح الا يظهر على السطح أي شيء يذكر في المستقبل القريب على الأقل. وسيواصل الفلسطينيون بناء اقتصادهم ومؤسساتهم الجديدة في الضفة الغربية. بحسب وكالة الأنباء البريطانية.

وسيركز الإسرائيليون اهتمامهم على التهديد الذي تمثله إيران ويواصلوا بناء المستوطنات اليهودية على الاراض المحتلة التي يريدها الفلسطينيون لبناء دولتهم. وقال دبلوماسيون في القدس أنهم لا يتوقعون أن تغلق جميع قنوات النقاش بين الفلسطينيين والإسرائيليين لمجرد أن اللقاءات التي بدأت بوساطة أمريكية قد انتهت.

ولا شك أن الجانبين سيشعران بارتياح اكبر لإجراء محادثات بعيدا عن اي صخب إعلامي او ضغوط سياسية داخلية. وربما يقرر الجانبان إجراء محادثات ثنائية دون وساطة طرف ثالث. وبدأت المحادثات الخاصة باتفاق السلام بين إسرائيل ومصر ومحادثات إسرائيل مع الفلسطينيين التي أدت الى اتفاقات أوسلو في سرية تامة ولم يكن لواشنطن دور فيها في البداية. وقال دبلوماسي أوروبي في القدس "أفضل ما يمكن أن يقوم به الإسرائيليون والفلسطينيون هو الابتعاد عن هذا الصخب الدبلوماسي والحديث مع بعضهم البعض سرا وفي دولة بعيدة."

السلام والأزمة

من جانبهم قال الفلسطينيون ان "تعنت إسرائيل" دفع واشنطن للتخلي عن جهود تجميد الاستيطان اليهودي وشككوا في ما اذا كانت الولايات المتحدة ستساعدهم في الحصول على إقامة دولتهم المستقلـة.

وقال ياسر عبد ربه أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ان الولايات المتحدة تقترح العودة الى المحادثات غير المباشرة لإخراج عملية السلام من أزمة عميقة بعد وصول محاولاتها لإحياء العملية الى طريق مسدود. وطلب الفلسطينيون وقف الأنشطة الاستيطانية الإسرائيلية في الضفة الغربية والقدس الشرقية قبل موافقتهم على استئناف المحادثات المباشرة في مسعى لإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة الى جانب إسرائيل.

وتحت رعاية الولايات المتحدة أجرى الزعماء الإسرائيليون والفلسطينيون ثلاث جولات من المحادثات في سبتمبر أيلول. لكن الفلسطينيين انسحبوا بسبب استئناف النشاط الاستيطاني في 26 سبتمبر أيلول بعد انتهاء فترة تجميد قررتها إسرائيل لمدة عشرة أشهر. وتقول اسرائيل ان تجميد الاستيطان لم يكن قط شرطا مسبقا في المراحل السابقة من عملية السلام المستمرة منذ 20 عاما.

وهي ترى أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس استغرق وقتا طويلا جدا لخوض المحادثات بعد أن أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التجميد المؤقت في نوفمبر تشرين الثاني 2009 . ولم يشمل التجميد القدس الشرقية. بحسب وكـالة الأنبـاء البريـطانية.

ويمثل الإعلان الأمريكي انتكاسة كبيرة للرئيس باراك أوباما الذي يعتقد أن تسوية الصراع في الشرق الاوسط "مصلحة حيوية للأمن القومي".وحين تم إطلاق المحادثات في سبتمبر أيلول قال أوباما انه يأمل توقيع اتفاق للسلام في غضون عام.

وقال عبد ربه في مقابلة مع إذاعة صوت فلسطين ان السياسة الأمريكية تغيرت "بسبب التعنت والرفض الإسرائيلي."وتساءل قائلا "من لا يستطيع ان يقنع او يجعل إسرائيل تتوقف عن الاستيطان لفترة محدودة من اجل اجراء مفاوضات جادة كيف سيكون بمقدوره جعل إسرائيل تقبل بحل متوازن على أساس الشرعية الدولية.. حل الدولتين على قاعدة او انطلاقا من حدود 67 ."

جهود التجميد

وأضاف أن الفلسطينيين فوجئوا ايضا بأن الولايات المتحدة لم تندد بالسياسة الإسرائيلية. وقال كبير المفاوضين الفلسطينيين صائب عريقات ان على أوباما محاسبة اسرائيل على "فشل عملية السلام." وقال مسؤولون أمريكيون ان اسرائيل كانت تريد تمديد تجميد البناء في الضفة الغربية لكنها رفضت وقف البناء في القدس الشرقية ومحيطها وهي أراض تعتبرها جزءا من عاصمتها.

وقال سميح شبيب أستاذ العلوم السياسية بجامعة بير زيت قرب رام الله ان فشل الولايات المتحدة "سيكلفها الكثير في المنطقة" وأضاف أن "مصداقيتها باتت ضعيفة جدا بين الفلسطينيين والعرب. "وقال المتحدث باسم الحكومة الإسرائيلية مارك ريجيف ان إسرائيل ما زالت مصممة على "التزامها بمواصلة جهودها الحالية للتوصل الى اتفاق سلام تاريخي مع الفلسطينيين.

وهناك ثلاثة أسباب للتخلي عن جهود تجميد النشاط الاستيطاني. هذه الأسباب تتضمن أولا أن إسرائيل لن توقف البناء في القدس الشرقية وثانيا ان الوسطاء قد يعودوا من حيث بدؤوا اذا لم يتم إحراز تقدم خلال تجميد مؤقت يستمر 90 يوما وثالثا القلق بشأن سخاء الحوافز التي قدمتها واشنطن لإسرائيل من أجل تمديد مؤقت. وقالت مصادر إسرائيلية ان هذه الحوافز تتضمن 20 طائرة مقاتلة من طراز (اف- 35) قيمتها ثلاثة مليارات دولار.

الوقت المناسب

فيما اكد الأوروبيون استعدادهم للاعتراف بدولة فلسطين "عندما يحين الوقت المناسب"، من دون الاتفاق على الضغوط المطلوب القيام بها لتحريك مفاوضات السلام المتعثرة في الشرق الاوسط. وادى فشل الولايات المتحدة في إقناع إسرائيل بتجميد مؤقت للاستيطان الى فرض ضغوط على الاتحاد الأوروبي.

ودعا الرئيس الفلسطيني محمود عباس وزيرة خارجية الاتحاد كاثرين اشتون الى "اتخاذ خطوة الى الامام بالاعتراف بدولة فلسطين على حدود الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967"، خلال اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين في بروكسل. وحصل الفلسطينيون على اعتراف البرازيل والارجنتين بدولتهم، وأعلنت الاوروغواي انها ستفعل بالمثل في 2011. واعتبر الوزراء الأوروبيون المجتمعون في بروكسل هذه الخطوة سابقة لأوانها.

وقال وزير خارجية قبرص ماركوس كبريانو "لا يزال الوقت مبكرا في هذه المرحلة"، مع إقراره بان المسالة "لا تزال قيد البحث". ورفض وزير خارجية ألمانيا غيدو فسترفيلي الحديث عن "فشل تام" للمفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية، داعيا الى "تفادي كل ما من شانه تعطيل نجاحها ونجاح عملية السلام. بما في ذلك اتخاذ خطوات أحادية" مثل الاعتراف بالدولة الفلسطينية.

وفي إعلان تم تبنيه أعرب الاتحاد الأوروبي عن "أسفه" لرفض إسرائيل تمديد التجميد المؤقت للاستيطان في الضفة الغربية، مؤكدا ان الاستيطان "غير مشروع" في نظر القانون الدولي. كما اعلن استعداده "عندما يحين الوقت المناسب، للاعتراف بالدولة الفلسطينية". وكان الاتحاد الاوروبي اصدر اعلانا بهذا المعنى في برلين في العام 1999.وجاء في النص انه، عندما يحين الوقت المناسب، لن يعترف الاتحاد الاوروبي بأي تغيير على حدود 1967 لأي دولة فلسطينية مقبلة، غير تلك التي اتفق عليها الطرفان عبر التفاوض، مؤكدا ان "ذلك يمكن ان يشمل تغيرات حدودية عبر التفاوض".

مناقشات لا معنى لها

وقال دبلوماسي أوروبي انها المرة الاولى التي يذكر فيها الاتحاد الأوروبي صراحة امكانية التوصل الى تسوية بشان التحديد النهائي لحدود الدولتين في اعلان حول الشرق الاوسط. واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو ان قرار واشنطن التخلي عن مساعيها لتجميد النشاط الاستيطاني الإسرائيلي والعودة الى المحادثات غير المباشرة يمكن ان يشكل في الواقع دفعا لعملية السلام.

وصرح نتانياهو خلال مؤتمر للأعمال في تل أبيب ان "الولايات المتحدة فهمت بعد عام ونصف اننا نخوض مناقشات لا معنى لها حول قضية هامشية هي البناء في المستوطنات". وقال دبلوماسي أوروبي ان المناقشات التمهيدية التي سبقت الإعلان الأوروبي شهدت تبادلا نشطا للتصريحات. بحسب وكالة أنباء فرانس برس.

وقال دبلوماسي اخر ان عددا من الوفود اعرب عن "استيائه" لأنه كان يتوقع موقفا اشد. وقالت وزيرة خارجية لوكسمبورغ جين اسلبورن ان الوقت حان "لتجميد العلاقات بين الاتحاد الاوروبي واسرائيل بعض الشيء ان لم يكن لديهم القدرة على استئناف مسار مفاوضات" السلام.

ومن دون "الربط في هذه المرحلة" بين مسالة الاستيطان ورفع مستوى العلاقات بين اسرائيل ودول الاتحاد الاوروبي - وهو مشروع مجمد منذ نهاية 2008 - اقر وزير خارجية فنلندا الكسندر ستاب بأنه "سيكون من الصعوبة بمكان القيام بذلك طالما استمرت أعمال البناء" في المستوطنات. وبهدف المساعدة في رفع الحصار الإسرائيلي عن قطاع غزة، اكد الأوروبيون كذلك استعدادهم لتقديم الدعم لمراقبة تدفق البضائع والأشخاص من خلال شراء المعدات.

مباراة من اجل التعايش

من جانب آخر، استقبل أطفال فلسطينيون مجموعة من أقرانهم الإسرائيليين ليلعبوا معهم مباراة ودية بكرة القدم في فريقين مختلطين في أول زيارة من نوعها لإظهار إمكانية التعايش السلمي بين دولتين في المستقبل.

أطفال قرية ام الخير البدوية في جنوب الخليل الملاصقة لمستوطنة "كرمل" كانوا في انتظار رفاقهم الإسرائيليين الذين اتوا مع ذويهم من قرية هاريل التعاونية في منتصف الطريق بين القدس وتل ابيب ليلعبوا معهم في فريقين مختلطين ضم كل منهما لاعبين عربا ويهودا واتخذا اللونين الأزرق و الأحمر شعارا لهما.

واستضاف ملعب القرية الترابي البسيط المباراة التي عبر الأطفال خلالها عن سعادتهم البالغة بها وبالزيارة. وقال الطفل عمر سليمان من القرية "نحن نلعب مع أطفال إسرائيليين من كيبوتس هاريل للتسلية ونحن فرحون للعب معهم". وفي رد على سؤال ان كان يقبل اللعب مع اطفال المستوطنين الذين كانوا يشاهدون المباراة عبر سياج المستوطنة أجاب "ارفض ان العب معهم لأنهم يكرهوننا و لا أعرف لماذا". بحسب وكالة أنباء فرانس برس.

كما عبرت الطفلة الإسرائيلية هداس من الكيبوتس عن استمتاعها الشديد وفرحتها قائلة "لقد أصبح عندي أصدقاء فلسطينيين في أم الخير". وقال يوني شدني احد منسقي الزيارة "ان الهدف من هذه اللعبة هو إقامة تعارف بيننا. لكي نعـيش معـا يجب ان يعـرف احدنا الآخر". ونظمت المباراة المختلطة بدعم من مشروع "كرة القدم أرضيتنا المشتركة" الممول من قبل الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع نادي هبوعيل تل أبيب الإسرائيلي الذي يلعب في الدوري الممتاز الإسرائيلي.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 5/كانون الثاني/2011 - 29/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م