اليمن: تهدئة جديدة أم بداية حل جدي؟

زياد ابوشاويش

رغم انقطاعي عن الكتابة المنتظمة في بعض الصحف اليمنية على خلفية الشروط المجحفة والمسيئة لأي كاتب موضوعي ويحترم قناعاته التي حاول فرضها علي مدير عام المؤسسة إياها إلا أنني بقيت متابعاً نشطاً للوضع في اليمن الشقيق، وكم عانيت وأنا أرقب تدهور الأحوال في صعدة والجنوب نتيجة عدم قدرة النظام على تقديم حلول عادلة للمعضلتين، أو بلغة أوضح نتيجة عدم رغبته في تقديم هذه الحلول.

اليوم قام الرئيس علي عبد الله صالح بإطلاق سراح حوالي 400 معتقل ممن يطلق عليهم متمردون حوثيون في إطار صفقة رعتها دولة قطر والتي لعبت دوراً إيجابياً في الوساطة لوقف إطلاق النار قبل عشرة أشهر انتهت بنتيجتها الجولة السادسة من الحرب المفتوحة بين السلطات اليمنية والمتمردين الحوثيين.

في تفاصيل المشهد اليمني المتوتر، والقلق الذي يعتمل في عقل كل مواطن عربي يخشى على اليمن من فتنة تطيح بكل ما أنجزته الدولة والثورة على مدار الأربعين سنة الماضية، وهي سنوات مليئة بالإنجازات كما الإخفاقات والآلام التي سددت من دم ودموع الشعب اليمني، في تفاصيل المشهد تقع العقدة المستعصية المرتبطة برغبة حكام اليمن أو طبقته الحاكمة الحالية في تأبيد حكمهم وإبقائه بغير أفق للتغيير سواء بشكل ديمقراطي أو بغيره.

الكل يعرف حجم الصعوبات التي يعانيها المواطن اليمني في حياته اليومية وعلى الأخص في الجانب الاقتصادي والواقع المعيشي الذي يمسك بخناق  الأغلبية الساحقة من الناس، والأسعار التي لا تعرف الاستقرار فتأكل الدخل والمدخرات كما الأحلام في غد أفضل أو تكوين أسرة للشباب العاطلين عن العمل وهم الكثرة وبعضهم من خريجي الجامعات، هذه المعرفة قادت لتقديم مقترحات عملية من جانب المعارضة وخصوصاً الحزب الاشتراكي اليمني ومن اللقاء المشترك من أجل الخروج من الأزمة، لكن وعلى مدار عشرة أعوام لم يتقدم الواقع اليمني باتجاه الخروج من المأزق وبقي النظام يراوح حول مركزية سلطته وتشديد قبضته على الحياة الاقتصادية والاجتماعية كما السياسية، ولا يعطي شركاءه المفترضين إلا الفتات، ولا يعير احتجاجاتهم أي أهمية أو اهتمام.

كلنا سمعنا هذه الأيام عن التعديلات الدستورية التي تمنح الرئيس فرصة إضافية للبقاء في الحكم وبغير مدة محددة، واستطراداً إعطاءه خيار التوريث على طبق من فضة، الأمر الذي جاء بعيد إطلاق سراح الحوثيين وبالتزامن مع تفاعلاته المعروفة مستغلاً (أي النظام) حالة الهدوء المسيطرة في الشمال بصعدة وانخفاض وتيرة المواجهات في الجنوب ومحافظاته وخاصة عدن.

إن الحديث عن حرية النظام في اتخاذ القرارات بمنأى عن الإملاءات الأمريكية لا يصدقه أحد وبات معروفاً أن القسم الأهم من سياسات اليمن (والأمنية منها على وجه الخصوص) إنما ترسمها دوائر أمريكية على أعلى المستويات بواشنطن.

لقد لعب النظام بطريقة ذكية بخصوص عنوان مكافحة ما يسمى بالإرهاب، واستغل الضائقة الاقتصادية وانشغال الناس في البحث عن حل للحالة المعيشية الصعبة لتصدير أزمته السياسية للخارج ومن ثم توفير الغطاء الدولي لنظامه في مواجهة قرارات دولية تلزمه بحل مشكلة الجنوب على أسس عادلة وأكثر إنصافاً للجنوبيين الذين كانوا بأغلبيتهم الساحقة مع الوحدة وأجبرهم النظام على تغيير موقفهم منها عبر تجاهل حقوقهم وعدالة مطالبهم.

اليمن بحاجة للحكمة العميقة التي يختزنها الشعب الأكثر عراقة في المنطقة العربية، هذه الحكمة التي عبرت عن نفسها في عشرات الأبحاث والدراسات والمقترحات التي قدمتها المعارضة والشخصيات الوطنية اليمنية لتعزيز وحدة اليمن من ناحية ومن الأخرى تغيير الحياة البدائية للبلد باتجاه العصرنة والتحديث والديمقراطية.

اليوم ورغم التهدئة وإطلاق سراح المعتقلين الحوثيين وبعض المعتقلين الآخرين من القوى والأحزاب الأخرى إلا أن النار تبقى تحت الرماد في انتظار أية شاردة أو واردة للاشتعال وإحراق كل شيء، وها هي القوى المؤيدة للنظام وفيها العدد الأوفر من المستفيدين من بقائه على هذه الشاكلة ومن المنافقين تسعى لتعديل الدستور بما يشعل الساحة من جديد وبطريقة أعنف من السابق.

لقد نبه الرئيس صالح ذاته لأهمية إشراك الجميع في البحث عن الحل فما الحكمة من تعديل دستوري يناقض ما يدعو إليه؟ وهل الأفضل لليمن أن يتنحى ويدعو لانتخابات رئاسية وبرلمانية، أم يعدل الدستور لتأبيد حكمه، أم دعوة المعارضة والشخصيات الهاربة للعودة والالتفاف حول المصلحة اليمنية المتمثلة في تعميق الديمقراطية ومعالجة الوضع الاقتصادي ليتحمل الجميع معه ومع فريقه مسؤولية المستقبل كما يتمناه اليمنيون؟.

إن خطوة إطلاق سراح الحوثيين تأتي في الاتجاه الصحيح، وسيكون العمل الأهم إعادة المهجرين والنازحين والهاربين إلى بيوتهم وقراهم، لكنها بالربط مع التعديل المقترح للدستور تحول كل المسألة لمجرد تهدئة مؤقتة سرعان ما تنتهي كسابقاتها ولا يخرج اليمن من عنق الزجاجة. الأفضل لليمن أن يجري البحث بشكل جدي عن حلول للمشاكل بدل الترقيع.

Zead51@hotmail.com

شبكة النبأ المعلوماتية- الثلاثاء 4/كانون الثاني/2011 - 28/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م