
شبكة النبأ: اجهضت حادثة الاعتداء
الاسرائيلية على اسطول الحرية التركي الذي كان متوجه لكسر الحصار
المفروض على قطاع غزة، اجهت عقود من العلاقات الثنائية المتبادلة بين
انقرة وتل ابيب التي كانت تتسم بحميمية عالية.
فبات العداء والقطيعة محل ما كانت اسرائيل تتغنى به في شكل العلاقة
مع تركيا، واصبحت التصريحات النارية المتبادلة سمة بين مسؤوليها خلال
الاشهر القليلة الماضية.
فيما يستبعد المراقبون أي تحسن في شكل العلاقة على المستوى قريب،
نظرا لحجم الجريمة التي اقدمت عليها اسرائيل بدم بارد بحق الاتراك في
قافلة اسطول الحرية، الى جانب التوجهات الجديدة لقادة تركيا
الاسلاميين.
تجاوزت الوقاحة
فقد أثار وزير الخارجية الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، الجدل مجدداً
حول إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام مع الفلسطينيين، والذي وصفه بأنه
"مستحيل"، في الوقت الذي شن هجوماً عنيفاً على الحكومة التركية، بقوله
إنها "تجاوزت حدود الوقاحة"، بسبب مطالبتها لإسرائيل بـ"الاعتذار" عن
الهجوم على سفن "أسطول الحرية"، التي كانت في طريقها إلى قطاع غزة،
أواخر مايو/ أيار الماضي.
وسارع ديوان رئيس الحكومة الإسرائيلية إلى "التبرؤ" من تصريحات وزير
خارجيته، وقال في بيان رسمي، نقلتها الإذاعة الرسمية، إن التصريحات
التي أدلى بها ليبرمان، خلال المؤتمر السنوي لسفراء إسرائيل المعتمدين
لدى دول العالم، "تعكس آراءه وتقديراته الشخصية"، وأكد البيان أن
"الموقف الرسمي للحكومة، هو الموقف الذي يعبر عنه رئيس الوزراء،
بنيامين نتنياهو."
وكان ليبرمان قد قال، في وقت سابق، إن "السلطة الفلسطينية غير معنية
بالتفاوض مع إسرائيل"، وأضاف أنه "حتى لو اقترحت إسرائيل الانسحاب إلى
حدود عام 1948، فإن الفلسطينيين سيجدون تبريراً لعدم التوقيع على اتفاق
سلام معها"، وأشار إلى أن موقفه الداعي إلى التوصل إلى "اتفاق مرحلي
بعيد المدى" مع الفلسطينيين، يرتكز على موضوعي الأمن والاقتصاد، ويترك
القضايا الجوهرية إلى مرحلة لاحقة.
وخلال لقائه مع سفراء الدولة العبرية، شدد وزير الخارجية الإسرائيلي
على قوله إن "الفلسطينيين يوهمون أنفسهم بأنهم سيحققون مكاسب سياسية
أكبر، بعيداً عن طاولة التفاوض"، بل ووصف السلطة الفلسطينية بأنها
"كيان غير شرعي خسر الانتخابات، ويرفض إجراء انتخابات جديدة خوفاً من
فوز (حركة المقاومة الإسلامية) حماس"، التي تفرض سيطرتها على قطاع غزة.
وحول العلاقات مع أنقرة، أكد ليبرمان رفض إسرائيل تقديم الاعتذار
إلى تركيا على أحداث قافلة السفن، مؤكداً أن "طلب أنقرة بأن تقدم
إسرائيل الاعتذار، يتجاوز حدود الوقاحة"، كما ذكر أن "زعماء تركيا
يكذبون، ويوجهون إلى إسرائيل اتهامات باطلة"، وتابع بقوله إنه "ليس
مستعداً لتحمل ذلك"، وفق ما نقلت الإذاعة الإسرائيلية.
وتابع الوزير الإسرائيلي قائلاً: "الحكومة التركية هي التي ينبغي
عليها الاعتذار، بسبب دعمها للإرهابيين الذين كانوا على متن تلك
السفينة، وبسبب دعمها لحماس وحزب الله"، وأكد أنه "لن يكون هناك
اعتذار، وإذا كان هناك من يجب عليه الاعتذار، فإننا نتوقع ذلك من
أنقرة."
وكان وزير الخارجية التركي، أحمد داوود أوغلو، قد دعا في وقت سابق
السبت، الحكومة الإسرائيلية لتقديم الاعتذار لقتلها 9 من الناشطين
الأتراك، الذين كانوا على متن السفينة التركية "مرمرة"، والتي كانت ضمن
أسطول للمساعدات الإنسانية، والذي كان بطريقه إلى قطاع غزة، في 31
مايو/ أيار الماضي، والذي تعرض لهجوم من وحدات القوات الخاصة التابعة
للبحرية الإسرائيلية.
يُذكر أن مسؤولين من تركيا وإسرائيل اجتمعوا أوائل شهر ديسمبر/
كانون الأول الجاري في مدينة جنيف بسويسرا، في محاولة لتخفيف حدة
التوتر بين الحليفين السابقين، وجاء هذا الاجتماع بعد إرسال رئيس
الوزراء التركي، رجب طيب إردوغان، طائرتين إلى إسرائيل لمكافحة الحرائق
التي اندلعت في غابات "جبل الكرمل"، في وقت سابق من الشهر الجاري.
كما اكد وزير الخارجية الاسرائيلي افيجدور ليبرمان ان بلاده لن
تعتذر لتركيا عن مقتل تسعة اتراك برصاص القوات الخاصة الاسرائيلية
عندما كانوا على متن السفينة مرمرة اثناء توجهها الى قطاع غزة في
محاولة لكسر الحصار المفروض على القطاع منذ 2007 مما ادى الى تدهور
علاقات البلدين.
وجاء اعلان ليبرمان بعد ساعات قليلة من اعراب وزير الخارجية التركي،
أحمد داوود أوغلو عن رغبة بلاده في إصلاح علاقات بلاده مع إسرائيل
شريطة اعتذار الاخيرة عن مقتل النشطاء الاتراك وتقديم تعويضات لاسرهم.
ويمثل ليبرمان حزب اسرائيل بيتنا المتطرف في الحكومة الاسرائيلية
لكن ليبرمان بدا اكثر تصلبا واعلن "ان على تركيا الاعتذار لاسرائيل
بسبب دعمها للارهاب".
ونأى رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو بنفسه عن موقف
ليبرمان واصدر مكتبه بيانا جاء فيه ان مواقف ليبرمان تعبير عن رأيه ولا
تمثل رأي الحكومة التي يمثلها فقط رئيس الحكومة نتنياهو.
وتقول إسرائيل أن أفراد القوات الخاصة التابعين لها أطلقوا النار
دفاعا عن النفس إنها بدورها تنشد علاقات جيدة مع أنقرة.
ويذكر أن البلدين احتفظا بعلاقات جيدة لمدة 15 عاما وقد شملت
اتفاقيات عسكرية وتجارية بينهما. وأجرى البلدان مباحثات في جنيف مؤخرا
في محاولة لاستئناف علاقاتهما المتوقفة.
لكن هذه المباحثات انهارت بسبب ما تداولته وسائل الإعلام من رفض
إسرائيل الاعتذار عن الغارة الإسرائيلية يوم 31 مايو/ايار الماضي.
وقال وزير الخارجية التركي إن "المواطنين الأتراك قتلوا في المياه
الدولية، ولا شيء يمكن أن يخفي هذه الحقيقة".
وأضاف قائلا "نرغب في الحفاظ على العلاقات الثنائية وفي الوقت ذاته
الدفاع عن حقوقنا. إذا كان لصداقتنا مع إسرائيل أن تستمر، فإن الطريقة
لذلك هي الاعتذار وتعويض الضحايا وأسرهم".
وتابع أن إسرائيل لم ترد على مساعي تركيا لإصلاح العلاقات مع
إسرائيل بما في ذلك مساعدتها على التصدي للنيران التي اندلعت في غابات
حيفا.
وقال الناطق باسم الخارجية الإسرائيلية، يجال بالمور، إن تحسين
العلاقات بين البلدين ظل "هدفا ثابتا".
وأضاف أن سجل إسرائيل في إرسال مساعدات إنسانية إلى تركيا "يعبر
بطريقة أكثر صدقية وودا مقارنة ببيان وزير الخارجية التركي".
الملاحقة القضائية
من جهة اخرى قال مسؤولون ان اسرائيل اقترحت دفع تعويضات لاقارب
الاتراك الذين قتلوا خلال هجوم على سفينة متجهة الى غزة مقابل مساعدة
أنقرة في تأمين جنود البحرية الاسرائيلية من الملاحقة القضائية.
وتضمن الاقتراح الذي طرحه مبعوثون في جنيف على نظرائهم الاتراك
اجراءات لتحسين العلاقات لكنه لم يرق فيما يبدو الى مطلب تركيا بأن
تعتذر اسرائيل رسميا عن مقتل تسعة نشطاء مؤيدين للفلسطينيين في مايو
ايار.
ويواجه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو معارضة لهذا
الاتفاق من جانب وزير خارجيته وشريكه في الائتلاف افيجدور ليبرمان.
وقال مسؤول اسرائيلي "قدمنا عرضا بدفع تعويضات وطلبنا من الاتراك أن
يقوموا بما يلزم لتبديد مخاوفنا القانونية. نريدهم ايضا أن يعيدوا
سفيرهم ويسمحوا لنا بتعيين سفير جديد في أنقرة." وأضاف "بيد أنه مازالت
هناك عقبات كبيرة في الوقت الحالي."
وذكرت مصادر دبلوماسية اسرائيلية أن مسودة الاقتراح تعرض على تركيا
نحو 100 الف دولار لكل أسرة من أسر الرجال الذين قتلتهم القوات الخاصة
الاسرائيلية في اشتباكات على متن السفينة مرمرة وتعبير اسرائيل عن "
أسفها" للحادث.
ووصف أحمد داود أوغلو وزير الخارجية التقارير عن العرض الإسرائيلي
بأنها "تكهنات" وقال يوم الخميس إن مطالب حكومته لم تتغير.
وقال داود أوغلو أثناء مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الخارجية السوري
الذي يزور تركيا "لا اعتقد أنه من الصواب أن نشير إلى أرقام أو مباحثات
عن اعتذار أو أسف." وأضاف "الحديث عن أرقام أو مسألة الأسف لم تطرح على
جدول الأعمال."
وقال مستشار نتنياهو رون ديرمر يوم الاربعاء ان اسرائيل وتركيا
تبحثان "صيغة تسوية يقبلها الجانبان.. تعيد علاقاتنا مع تركيا الى
مسارها وتنهي المسألة برمتها من على جدول الاعمال الدولي."
وقال دريمر لراديو اسرائيل "يجب أن نتذكر أن هناك جهات في الامم
المتحدة وهناك قوى تود أن تشهد إلقاء القبض على رجالنا."
وأضاف "ما يهم رئيس الوزراء هو حماية جنود البحرية والقادة. قلنا في
كل مناقشة وكل اجتماع ان القوات تحركت دفاعا عن النفس لا شك في هذا
وليس بدافع تعمد الاذى."
وبعد دعاوى قضائية رفعتها جماعات مساندة للفلسطينيين في الخارج ضد
ضباط كبار وساسة حاولت اسرائيل تجنب أي اجراءات تركية مماثلة في
المحافل الدولية وسارعت لاجراء تحقيقين داخليين ستمثل نتائجهما ردها
على تحقيق الامم المتحدة.
ورفضت تركيا التحقيقات الاسرائيلية بوصفها غير كافية.
لكن أردوغان زعيم حزب العدالة والتنمية الذي ينتقد السياسات التي
تنتهجها اسرائيل تجاه الفلسطينيين لم يبد مرونة فيما يتعلق بشروط
تركيا. بل انه أضاف مطلبا قديما وهو فتح حدود قطاع غزة. بحسب رويترز.
وقال لنواب من حزب العدالة والتنمية "اذا كان هناك من يريدون فتح
صفحة جديدة فانني أكرر أنهم يجب أن يقروا بذنبهم ويعتذروا ويدفعوا
تعويضا. أقول ايضا ان الحصار تم تخفيفه لكن هذا ليس كافيا ويجب رفعه."
وقادت السفينة مرمرة قافلة مساعدات حاولت اختراق الحصار الاسرائيلي
المفروض على غزة. وأدت موجة غضب دولية نجمت عن اعتراض القافلة في عرض
البحر الى سماح اسرائيل بدخول المزيد من السلع الى سكان القطاع البالغ
عددهم 1.5 مليون نسمة برا وليس بحرا. ومن بين أقوى المدافعين عن الحصار
ليبرمان الذي يقود حزب اسرائيل بيتنا اليميني المتطرف الشريك في
الائتلاف مع حزب ليكود اليميني بزعامة نتنياهو. وتقول مصادر سياسية ان
ليبرمان يستبعد عادة من الاتصالات الدبلوماسية الاسرائيلية الحساسة.
وفي اشارة الى أن عددا من جنود البحرية أصيب خلال الهجوم على
السفينة مرمرة قال ليبرمان "الاتراك هم الذين يجب أن يدفعوا لنا تعويضا
وليس العكس."
دبلوماسية الحريق
الى ذلك عادت طائرتا الاطفاء التركيتين إلى قاعدتيهما في أنقرة، بعد
أن ساهمتا في إخماد حريق الكرمل في حيفا، لكنهما فتحتا باباً لما بات
يعرف بـ"دبلوماسية الحريق" بين تركيا وإسرائيل.
إلا أنه، ورغم الجهود الدبلوماسية المبذولة خلف أبواب مغلقة في جنيف
وأنقرة وتل أبيب، فإن هناك أصواتا تركية لا تزال ترتفع، ولا ترى أن
الاعتذار الاسرائيلي ودفع التعويضات لأهالي ضحايا أسطول الحرية الذي
أشعل الأزمة، كافٍ لاغلاق الملف.
وعقد اهالي الضحايا مؤتمراً صحفياً في مقر هيئة الاغاثة الانسانية
التركية في اسطنبول، وهي إحدى الجهات المنظمة لأسطول الحرية، لتوضيح
موقفهم من تحركات الحكومة التركية نحو فتح صفحة جديدة في علاقاتها مع
إسرائيل.
وتحدث أحمد دوغان، والد فرقان دوغان (19 عاما) وهو أصغر قتيل في
سفينة ماوي مرمرة، نيابة باسم أسر الضحايا في المؤتمر الصحفي.
وقال: إن أسر الضحايا لا ترى الاعتذار والتعويضات الاسرائيلية كافية
لانهاء ملف أسطول الحرية، وإن الأكثر أهمية حاليا هو رفع الحصار تماما
عن سكان غزة، وإنه لا يجب أن تكون التعويضات وكأنها تعويض عن دماء
الشهداء التسعة، لأن أموال الدنيا لا تعوض عن ظفر من أظفارهم. بحسب بي
بي سي.
وأضاف أنه يجب أن تدفع إسرائيل تعويضات مالية كبيرة جدا توجع قلبها،
ويجب أن تكون تلك التعويضات عقوبة لاسرائيل على جريمتها التي ارتكبتها
ضد الأبرياء في المياه الدولية حسب وصف دوغان.
اما دريا قيليج، زوجة أحد القتلى برصاص القوات الاسرائيلية، فقالت
إن دفع تعويضات مالية لن تحيي القتلى، مشددة على وجوب معاقبة إسرائيل.
واضافت أن أسر الضحايا لن تحتفظ بمال التعويضات، وإنما ستتبرع بها
لجمعيات خيرية. واستغرب المتحدثون في المؤتمر الصحفي تأخر الحكومة
التركية في تحريك الدعاوى القضائية التي وعدت برفعها ضد إسرائيل،
وطالبوا الحكومة بتوضحيات حول هذا الأمر.
وأيدها في ذلك رئيس هيئة الاغاثة الانسانية التركية بولنت يلديريم
الذي قاد أسطول الحرية، إذ رأى أيضا الاعتذار والتعويضات الاسرائيلية
غير كافيين، وطالب بفع الحصار عن غزة.
واشار إلى أن هناك جهودا دولية لمؤسسات ومنظمات غير حكومية لتجهيز
أسطول جديد للذهاب إلى غزة في محالوة جديدة لكسر الحصار الاسرائيلي يوم
31/5/2011 أي في نفس تاريخ انطلاق أسطول الحرية من أيار مايو الماضي،
لاحياء ذكرى الأسطول الذي استهدفته القوات البحرية والجوية الاسرائيلية
وقتلت 9 من المواطنين الأتراك.
وواصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب إردوغان مطالبته إسرائيل
بالاعتذار والتعويضات وقال في كلمته أمام الكتلة البرلمانية لحزبه
العدالة والتنمية: إنهم لن ينسوا غزة، ولن ينسوا الحصار الذي يحيط بها،
وإن كان هناك من يريد فتح صفحة جديدة ويريد بدء مرحلة جديدة فعليه أن
يقر بذنبه ويعتذر عما اقترفه، ويدفع التعويضات، نعم هناك رفع جزئي
للحصار على غزة، ولكن ذلك غير كاف، يجب رفع الحصار كاملا، وإذا ما تم
تنفيذ تلك المطالب ، وإذا ما قطعوا هذه الخطوات فإننا سنقيم الوضع
وقتها، وإذا لم يتم ذلك فلا يتوقع منا أحد أن نخطو خطوة واحدة تجاه
المصالحة.
وعبر رئيس حزب الحركة القومي المعارض دولت باهتشلي عن غضبه من إرسال
الطائرتين التركيتين إلى اسرائيل. وقال في كلمة أمام البرلمان أن كتلته
فهمت أن في الخطوة محاولة لاعادة العلاقات مع إسرائيل إلى طبيعتها.
وعبر باهتشلي عن دهشته لـ"هذا التحرك السريع" للحكومة لاصلاح
علاقاتها مع اسرائيل في هذا التوقيت الذي وصلت فيه تلك العلاقات إلى
أسوأ مراحلها.
وبعد جولتين من اللقاءات بين وكيل وزارة الخارجية التركية سينيرلي
أوغلو والمبعوث الاسرائيلي يوسف سيشانوفرفي جنيف عاد سينيرلي أوغلو إلى
أنقرة ليطلع قيادات الحكومة التركية على ما تم في اللقاءين يومي الأحد
والاثنين الماضيين.
ويتوقع أن يلتقي سينيرلي أوغلو مجددا مع المسؤول الاسرائيلي في
الأيام المقبلة للغوص أكثر في تفاصيل اعادة العلاقات بين البلدين ووضع
الصيغة التوافقية التي سيتم الاتفاق عليها بين حكومتي الطرفين لفتح
صفحة جديدة في العلاقات التي تعود إلى العام 1949.
اتفاق يغضب تركيا ويقلق مصر
في سياق متصل فيما أعربت تركيا عن استيائها من الاتفاق الذي وقعته
كل من إسرائيل وقبرص مؤخراً، لترسيم الحدود البحرية بينهما، أعلنت مصر
أنها تتابع القضية بـ"اهتمام"، مما يعكس قلق القاهرة إزاء الاتفاق،
الذي يتضمن تقاسم البترول وحقول الغاز الطبيعي، المحتمل اكتشافها شرقي
البحر المتوسط.
وكشفت القاهرة، في بيان رسمي للمتحدث باسم وزارة الخارجية السفير
حسام زكي، عن إجراء اتصالات بين مصر وقبرص حول الاتفاق الذي وقعته
الأخيرة مع إسرائيل في 17 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، مع الأخذ في
الاعتبار الاتفاق السابق توقيعه بين مصر وقبرص، لترسيم الحدود البحرية
بينهما عام 2003.
البيان أشار إلى أن الوزارة "تقوم حالياً بالدراسة الفنية
والقانونية اللازمة، للتأكد من عدم مساس الاتفاق الموقع بين قبرص
وإسرائيل بالمنطقة الاقتصادية الخالصة لمصر في البحر المتوسط."
وتابع البيان، بحسب ما نقل موقع "أخبار مصر"، التابع للتلفزيون
الرسمي، أن كل من قبرص وإسرائيل اتفقتا على "التعاون والتنسيق في
التنقيب عن النفط، واستخراجه في المناطق الاقتصادية المشتركة التي
تجمعهما في شرق المتوسط." بحسب السي ان ان.
وفي وقت سابق، استدعت الخارجية التركية السفير الإسرائيلي لديها،
غابي ليفي، وأبلغته استياء أنقرة الشديد من الاتفاقية التي وقعتها
إسرائيل مؤخراً مع قبرص، بدعوى أنه "يمس بالمفاوضات الجارية لتوحيد
شطريِ قبرص."
إلا أن الإذاعة الإسرائيلية نقلت عن "مصادر سياسية"، لم تكشف عن
هويتها، قولها إن "إسرائيل أطلعت تركيا على سير المفاوضات مع قبرص
وتقدمها، رغم أنها كانت تهدف إلى ضمان الحقوق الاقتصادية لإسرائيل"، في
منطقة شرق البحر المتوسط.
كما أكدت تلك المصادر رفضها لـ"أي تحفظ" على اتفاق ترسيم الحدود
البحرية الاقتصادية بين الدولة العبرية وقبرص، وكذلك رفضها لـ"أي مطالب
تركية" بشأن الاتفاق، وأكدت أن "الاتفاق تم توقيعه بعد مفاوضات استمرت
شهوراً، وليس لأي دولة الحق في الاعتراض عليه."
وأشار مصدر سياسي آخر إلى أن "الحدود البحرية بين تركيا وقبرص تمر
إلى الشمال من هذه الجزيرة (قبرص)، بينما تمر الحدود البحرية بين
إسرائيل وقبرص إلى الجنوب منها، وليست هناك أي علاقة بين المنطقتين."
وأردف المصدر قائلاً إنه "إذا كانت تركيا تطالب بحقوق معينة بسبب
احتلالها لشمال قبرص، فإن ذلك ينطوي على وقاحة لا مثيل لها في الساحة
الدولية"، بحسب ما نقلت الإذاعة الإسرائيلية الرسمية.
التحالف "بلقاني"
من جانب آخر كشفت مصادر إسرائيلية، أن حكومة رئيس الوزراء بنيامين
نتنياهو، تعمل منذ فترة على بلورة تحالف جديد مع بعض دول البلقان "مناهض"
لتركيا، بعد انهيار "التحالف الإستراتيجي" بين الدولتين على خلفية
أحداث قافلة "أسطول الحرية"، أواخر مايو/ أيار الماضي.
وذكرت الإذاعة الإسرائيلية، نقلاً عن تلك المصادر، أن التحالف الذي
تسعى إليه حكومة نتنياهو، مع دول يساورها القلق إزاء سياسة حكومة "حزب
العدالة"، برئاسة رجب طيب إردوغان، سيتضمن "تعاون استخباراتي"،
و"تدريبات عسكرية مشتركة"، بالإضافة إلى "مئات الآلاف من السياح."
ووصفت صحيفة "هآرتس"، في عددها الجمعة، ما أسمته بـ"تحالف البلقان
الجديد"، بأنه "أهم تحرك دبلوماسي ذي مغزى، أقدمت عليه حكومة نتنياهو،
إزاء التوتر وفقدان الثقة بينه وبين وزير خارجيته (أفيغدور) ليبرمان من
جهة، وبين الإدارة الأمريكية من جهة أخرى، والفتور من جانب دول غرب
أوروبا، والقطيعة مع العالم العربي."
وذكرت الصحيفة أن "الدولتين الرئيسيتين اللتين قامت إسرائيل بتوثيق
العلاقات معهما خلال العام الأخير، هما اليونان وبلغاريا"، كما أشارت
إلى "دفء" العلاقات بين إسرائيل وكل من قبرص، ورومانيا، وصربيا، والجبل
الأسود "مونتينغرو"، ومقدونيا، وكرواتيا.
وشددت على أن "هذه الدول تشارك إسرائيل قلقها من زيادة التطرف في
تركيا، وتغلغل الجهاد العالمي"، وأن هذه الدول ترى أن هناك إمكانات
للتعاون الأمني والتكنولوجي والاقتصادي مع إسرائيل.
وأشارت الصحيفة إلى الزيارة التي قام بها رئيس جهاز "الموساد"، مئير
داغان، إلى بلغاريا الشهر الماضي، ولقائه رئيس الحكومة البلغارية،
بويكو بوريسوف، والبيان الصادر عن الزيارة، الذي أعرب فيه الجانبان عن
ارتياحهما لـ"حجم التعاون، والعمليات المشتركة الناجحة لأجهزة الأمن
البلغارية والإسرائيلية."
كما نقلت الصحيفة عن دبلوماسي رفيع، وصفته بأنه "على اطلاع
بالعلاقات مع بلغاريا"، قوله إن بوريسوف كان قد أعرب، خلال لقائه
نتنياهو مطلع العام الجاري، عن رغبته في "توثيق التعاون الأمني
والاستخباري مع إسرائيل، بعد أن أدرك حجم الخطر التركي على بلغاريا،
التي كانت تحت الحكم العثماني لنحو 500 عام."
كما اقترح رئيس الحكومة البلغارية على نتنياهو، بحسب الصحيفة ذاتها،
أن يجري سلاح الجو الإسرائيلي تدريبات في أجواء بلغاريا وفي قواعد
عسكرية، وذكرت أن الجولة الأولى من هذه التدريبات ستجري قريباً.
كما أشار المصدر نفسه، وفقاً للإذاعة الإسرائيلية، إلى ما اعتبره
"الدفء الدراماتيكي" في العلاقات بين إسرائيل واليونان، في أعقاب قرار
شخصي لرئيس الحكومة اليونانية، يورغوس باباندريو، كما أكد أن العام
المقبل سيشهد "تعاوناً أمنياً واستراتيجياً" مع اليونان.
يُشار إلى أن العلاقات بين إسرائيل وتركيا توترت منذ الهجوم
الإسرائيلي على قطاع غزة، غير أنها تدهورت كثيراً منذ الهجوم الذي
نفذته القوات الإسرائيلية على أسطول الحرية، الذي كان متجهاً إلى غزة
بهدف تقديم المساعدات وكسر الحصار، والذي تسبب بمقتل تسعة من الرعايا
الأتراك على السفينة "مرمرة"، في 31 مايو/ أيار الماضي. |