مستقبل حي وحاضر مأزوم

علي حسين عبيد

 

شبكة النبأ: مضى عام آخر من عمر الانسان، هو العام 2010، وها أننا نستعد لبداية عام جديد، هو حاضرنا الذي نعيش ونتحرك فيه، والمستقبل زمن حي - كما يقول بعض الفلاسفة- ينظر ببصيرة متفحصة لاحداث الماضي، ويحاول أن يتجنب المساوئ والكبوات التي وقع فيها، وينمّي المسارات الصحيحة ويضاعفها.

الانسان هو جوهر الزمن، فمن دونه لا قيمة للزمن، لا لحاضره، ولا لقادمه، ولكن على الانسان أن يوظّف هذه القيمة العليا لصالحه، بمعنى عليه أن يثبت جدارته حيال الزمن والاشياء الاخرى، فهو الذي فضّله الله على المخلوقات الاخرى، بمختلف انواعها واصنافها، وهو القائد بهبة العقل التي وهبها الله له.

كيف اذن يفلح الانسان في مراميه وأهدافه، وكيف يثبت بأنه جوهر الاشياء كلها؟ هنالك الكثير مما يتوجب عليه، ولكن بدءً، لابد له أن ينتهج منهجا واضحا يتألف من طريقين:

الاول: أن يوظف الانسان قدراته العقلية، كالحكمة، والذكاء، والفطنة، التي ينطوي عليها، لكي لا يقع في فخ كان قد وقع فيه آخرون قبله، وهذا يعني الاستفادة من اخطاء الماضي وتجاوزها.

الثاني: أن لايتوقف الانسان عند تجنب الوقوع في الاخطاء، بل يتجاوزها الى اكتشاف ما هو جديد، يدفع بالانسانية في الطريق الصواب، وهذا هو جوهر الابداع والتجدد، الذي انتهجته البشرية فوصلت الى ما وصلت اليه، من انجازات، ومبتكرات، في ميادين العلوم، والتقنيات، وعموم المكتَشَفات الاخرى.

وهذا فعلا هو سر التقدم المتواصل للبشرية، وعدم الثبات عند حدود معينة، من مستويات التفكير والانتاج الفعلي، في عموم ميادين الحياة.

العام 2011 وفقا لهذا المنطق، ينبغي أن لا يشبه عام 2010، في احداثه التي شكلت كبوات واضحة للانسان، على مستوى الفكر، والسياسة، والاقتصاد، وما شابه.

العالم في العام 2010 شهد الكثير من الاخطاء، والتراجعات، والنجاحات ايضا، هنالك مثلا حروب التعصّب، والارهاب، والتهالك على تحقيق المصالح الدولية، والاقليمية، وقد أدت بدورها، الى منازعات، أضرت بالجميع، حتى من يظن أنه الرابح وخصمه الخاسر، وهناك نجاحات، لايمكن غض الطرف عنها، قدمت للبشرية درسا في قدرات الانسان، على التطور والسير في الطريق السليم.

الامثلة كثيرة عن الجانبين، السلبي والصحيح، وعلى الامم والشعوب والجماعات الاصغر والافراد، أن يجعلوا من تلك الأمثلة، مقاييسا للتعامل مع الامور، ثم تجنب الخاطئ، وتعضيد القويم، وتطويره، واشاعته، بين اكبر عدد من الناس، وتحويله الى حالة سلوك معتادة، يتعلمها الانسان، لكي تغدو طريقة حياة، ترفع من شأنه، والآخرين معا.

الصراعات الدولية، عليها أن تأخذ في حساباتها، المخاطر الجمة التي قد تحرق الاخضر واليابس معا، كالصراعات الجانبية بين دولتين، كما حدث بين الكوريتين مؤخرا، ينبغي أن تبعد عنها فشل العلاقات بقوة العقل وحكمته، وما حدث في امكنة اخرى، كالصراع في ايران وملفها النووي، وما حدث في ساحة العراق، وتجربته السياسية، التي لا تزال تشكل عبئا على انظمة قريبة، لا تريد لها النجاح، ناهيك عن اخطاء ساستها انفسهم، وما حدث في مصر، يشير الى سير حثيث، نحو التفرد السياسي بالسلطة، والسودان لها حصة من هذه الاخطاء، والصراع بين الشمال والجنوب وما شابه.

العالم كله يتحرك باتجاهات كثيرة، ومتعددة، وشائكة، والعالم كله (عقلاؤه وحكماؤه وقادته ونخبه) مسؤولون عن تصحيح المسارات، الى ما هو أفضل من مسارات العام 2010، ولن يحدث مثل هذا التصحيح، إلا في ظل أجواء التحرر، والتقارب الانساني، وفتح قنوات الحوار، واحترام الرأي، والرأي الآخر، وتشجيع التنوع، والتعايش السلمي، والقبول بالمضاد، وليس العمل على إلغائه، او الاحتراب معه.

العالم واسع، وشاسع، ويمكنه أن يضم الجميع بين جوانحه، بمحبة وتفاهم ورخاء، ولكن شريطة أن تكون، حكمة العقل حاضرة، ورؤية أخطاء العام الماضي أكثر حضورا، وارادة التصحيح، ينبغي أن تكون حاضرة، وفاعلة لدى الجميع، ونتمنى للجميع عاما سعيدا مكللا بالنجاحات التي يدعمها العدل، والمساواة، وتكافؤ الفرص، ونبذ العنف بصورة قاطعة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 2/كانون الثاني/2011 - 26/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1432هـ  /  1999- 2011م