كشفت عملية تشكيل الحكومة العراقية خلال الاشهر الماضية التي اعقبت
ظهور نتائج الانتخابات البرلمانية العامة التي جرت في اذار العام
الحالي، عن عدم وصول الكتل والاحزاب السياسية في العراق الى مرحلة
النضج الديمقراطي التي تُمكن النظام السياسي فيه من التقدم خطوات كبيرة
نحو الازدهار والتكامل النسبي الذي نطمح ان يكون حاضرا في هذا البلد
الذي ذاق ويلات الدكتاتورية اعواما عديدة.
فالمخاضات التي عاشتها عملية تشكيل الحكومة والصراعات التي شهدتها
اروقتها والصعوبات التي واجهتها والتعقيدات التي سارت معها قد عرّت
الكثير من هذه الاحزاب ونزعت عنهم الاقنعة التي ارتدوها وفضحت، بالتالي،
حقيقة التوجهات التي يحملوها والافكار التي تتضمنها اجندتهم السياسية
فضلا عن تكالب بعض منها على المناصب حتى لو كان على حساب اي مبادئ
اخلاقية اخرى تتذرع بانها تمتلكها.
وفي ظل صراع الارادات الذي تفجّرت ابّان محاول السيد رئيس الوزراء
نوري المالكي تشكيل حكومته الثانية، ظهرت في الساحة السياسية
والاجتماعية ايضا، ولغير مرة، مشكلة التمثيل في العراق، اي من يمثل فئة
أو طيف معين من فئات او اطياف الشعب العراقي على الصعيد السياسي؟ فمن
يمثل الشيعة في العراق؟ ومن يعبر عن السنة؟ ومن يجسد مصالح الاكراد في
العراق؟ وهو عين الامر الذي ينطبق على التركمان والمسيحيين والصابئة
وكل مكون من مكونات الشعب العراقي.
انا قلت ان هذه المشكلة ظهرت لغير مرة لان السؤال حول هذا الموضوع
قد تم طرحه بعد 2003 حينما سقط وتداعى نظام صدام فجأة. اذ شكّلت القوة
التي حرّرت العراق من جهة وأحتلته من جهة اخرى مجلسا للحكم حاولت فيه
ان تضع شخصيات معينة من احزاب وتيارات سياسية وفئات مجتمعية وطائفية
وعرقية ودينية تمثل في مجملها البنية الكلية التحتية للمجتمع العراقي
الذي يضم ويتألف من عدة طبقات ومكونات اثنية متنوعة ومختلفة دينيا
وطائفيا وقومية وعرقيا وفكريا.
وتكاد تظهر مشكلة التمثيل قبل كل انتخابات سواء كانت برلمانية عامة
انتخابات مجالس المحافظات، وايضا تظهر هذه المشكلة بعد الانتخابات
حينما تظهر نتائجها ويحاول رئيس الوزراء المكلف تشكيل حكومة يسعى فيها
الى ان يحتوي جميع المكونات المجتمعية للعراق من خلال حكومة تسمى
الشراكة الوطنية التي تكون على نحو معاكس لحكومة اغلبية سياسية تتالف
من القوى الكبرى التي فازت في الانتخابات.
فقبل الانتخابات وخلال الحملات الانتخابية والمنافسة التي تحدث بين
الاحزاب والشخصيات السياسية للفوز بالمقاعد البرلمانية نجد ان كل مرشح
او حزب، وانا اتكلم هنا على المستوى السياسي البحت، يحاول ان يسوّق
نفسه باعتباره ممثل لهذه الشريحة التي يطمح او
يطمع، لافرق لدى بعضهم، ان تنتخبه فيقول لهم، بلسان الحال او المقال،
بانني انا امثلكم سواء كان يقصد أنه يمثل دينهم او طائفتهم او قوميتهم
من ناحية او انه يمثل طموحاتهم المشروعة واهدافهم ومصالحهم من ناحية
اخرى بغض النظر عن الاختلاف الطائفي او الديني او حتى القومي بين كل من
المرشح والناخب العراقي.
وخلال توزيع المناصب الحكومية جاءت تصريحات بعض السياسيين العراقيين
لتكشف عن وجود مشكلة تتعلق بالتمثيل السياسي لمكونات الشعب العراقي، اذ
طالبت بعض الاحزاب التركمانية ان يكون منصب نائب رئيس الجمهورية من حصة
المكون التركماني الذي هو أحد المجموعات العرقية في العراق ويشكلون
ثالث قومية بعد العرب والكرد ويتواجدون في محافظات كركوك، وأربيل
ونينوى و ديالى وبغداد.
مطالبة التركمان بهذا المنصب والتي تأتي " كاستحقاق قومي وليس
انتخابي"، على حد تعبير القيادي في الكتلة التركمانية الوطنية محمد
مهدي البياتي، فتحت جراح هذه القضية المتعلقة بالتمثيل و نحن نوّهنا
سابقا انها لم تثار الان لاول مرة، حيث تم الاعلان من قبل مصدر في
التحالف الوطني، الاربعاء 15-12-2010 أن الرئيس جلال طالباني ورئيس
اقليم كردستان مسعود برزاني وافقا على منح التركمان منصب نائب رئيس
الجمهورية بينما هناك تردد بموقف اياد علاوي زعيم القائمة العراقية
ونوري المالكي المكلف برئاسة الوزراء.
ان موافقة طالباني وبارزاني على هذا المطلب لم تكن كافية لشغل هذا
المنصب بالنسبة للتركمان، اذ الكرة بعد هذا التصريح قد انتقلت لملعب
التركمان الذي ينبغي عليهم تقديم مرشح " مُجمع " عليه من قبلهم أو من
قبل الكتلة التركمانية الأكثر عدداً في البرلمان، لكن هم مختلفون فيما
بينهم على الصعيد المجتمعي في المحافظات التي يتواجدون فيها او على
الصعيد الحزبي بالنسبة للاحزاب والتكتلات السياسية التركمانية او على
صعيد البرلمان حيث نرى النواب التركمان يعيشون في حالة انقاسم بين
ولائهم للائتلاف الوطني او دولة القانون او القائمة العراقية.
مثالات ذلك نراه في الترشيح الذي ظهر لهذا المنصب من قبل التركمان،
فقد وجدنا ان القيادي في الجبهة التركمانية والنائب عن القائمة
العراقية نبيل حربو يؤكد أن منصب نائب رئيس الجمهورية تم حسمه لشخصية
تركمانية، وقال في تصريح خص به (الوكالة الاخبارية للانباء) 11-12-2010
" ان التركمان المكون الثالث في العراق، وقد حسم لنا منصب نائب رئيس
الجمهورية، وان رئيس الجبهة التركمانية سعد الدين اركيج مرشح لهذا
المنصب".
بعد هذا كشف مصدر برلماني لوكالة نينا، 13-12-2010، أن المرشح لمنصب
نائب رئيس الجمهورية من القومية التركمانية هو عضو مجلس النواب عباس
البياتي" والاخير هو رئيس الاتحاد الإسلامي التركماني الذي انضم قبل
الانتخابات الى ائتلاف دولة القانون.
ولم يقتصر الترشيح من قبل الاتحاد الإسلامي التركماني المنضوي في
ائتلاف دولة القانون والجبهة التركمانية التي تندرج ضمن القائمة
العراقية فحسب، بل رأينا بعد ذلك بيوم رشحت الكتلة التركمانية الوطنية
وهي أحدى مكونات الائتلاف الوطني العراقي الناطق باسمها محمد مهدي
البياتي لمنصب نائب رئيس الجمهورية. وقال بيان صادر عن
الكتلة،15-12-2010، " ان الكتلة طالبت باعطاء هذا المنصب لمحمد مهدي
البياتي لما يتمتع به من كفاءة وقدرة عالية والمقبولية التي يحظى بها
من قبل اغلب الاحزاب والمنظمات التركمانية" ثم يضيف البيان بان البياتي
" من الشخصيات الأوفر حظا لنيل هذا المنصب".
يعني هذا ان لدينا ثلاثة مرشحين تركمان لمنصب نائب رئيس الجمهورية
وهم من ثلاث تشكيلات واحزاب سياسية مختلفة ومتباينة في افكارها
وتوجهاتها، ولهذا، ونتيجة لهذا الاختلاف الفكري، لم يأتلف التركمان في
ائتلاف واحد ورأى، في ذلك، وفي حينها، سياسيون تركمان أن " تشكيل قائمة
موحدة لخوض الانتخابات يعد أمرا صعبا".
وفعلا كانت هذه النتيجة وقد حصدناها مثلا قبل الانتخابات الاخيرة،
اذ اعلنت يوم الاحد 4-9-2009 قوى سياسية تركمانية عن تشكيل الكتلة
التركمانية الوطنية لخوض الانتخابات البرلمانية، وأكد انذاك عضو الكتلة
النائب فوزي أكرم انضمام الكتلة التركمانية إلى الائتلاف الوطني، وقال"
تمكنا من الوصول إلى الهدف الأسمى هو تشكيل الكتلة التركمانية الوطنية
التي تحتوي عدد كبير من الأحزاب والحركات منها حركة الوفاء التركمانية".
ومن هؤلاء قُدّم السيد محمد مهدي البياتي كمرشح لمنصب نائب رئيس
الجمهورية بينما نجد أن الاتحاد الإسلامي التركماني الذي انضم، كما
نوّهنا، قبل الانتخابات الى ائتلاف دولة القانون قد رشح رئيسه عباس
البياتي على الرغم من ان دولة القانون والائتلاف الوطني قد اندمجا تحت
مسمى التحالف الوطني الا انهم لم يتوحدا على مرشح واحد يكون ممثلا
للتركمان في التحالف الوطني بل كل من التشكيلين رشح شخصا من التركمان
ممن تحالف معه قبل الانتخابات.
ويبدو ان الجبهة التركمانية العراقية التي تشكلت في 24/4/1995 بعد
اجتماع الأحزاب الثلاثة (الحزب الوطني التركماني وحزب توركمن ايلى
وحركة التركمان المستقلين) لم تعترف بهذا الترشيح فكان لها مرشح اخر
غير هذين الشخصين مما يشير، بقوة وعلى نحو لايقبل الشك، الى تشرذم
الموقف التركماني وتشظيه وعدم توحيده في مرشح واحد يمثل بحق تركمان
العراق.
هذا الانقسام التركماني كان له بُعدين داخلي يتعلق في عدم الخروج
بمرشح واحد تركماني من داخل التحالف الوطني، وخارجي تجسد، بوضوح، في
عدم وجود مرشح تركماني واحد لمنصب نائب رئيس الجمهورية في داخل
البرلمان.
ولهذا السبب وجه النائب نبيل حربو نقدا حادا للجبهة التركمانية
متهما اياهم بتضييع حقوق التركمان في العراق، وقال، الجمعة،24/12/2010،
ان تشتت آراء النواب التركمان ضيع استحقاقهم الانتخابي والوطني، واصفا
وزارة الدولة التي منحت للجبهة التركمانية بوزارة “ديكور”، متهماً
الجبهة بالخضوع للضغوطات وعدم نضوج مشاريعها السياسية.
ومن الغريب ان نرى ردود الافعال التي اعقبت ما كشف عنه مصدر سياسي
مطلع، الاثنين، 20/12/2010،عن اتفاق شبه نهائي بين الكتل السياسية
الفائزة في الانتخابات على ترشيح وزير التربية السابق خضير الخزاعي
لمنصب نائب رئيس الجمهورية مع احتفاظ كل من عادل عبد المهدي وطارق
الهاشمي بمنصبيهما، اذ اعتبر القيادي في الكتلة التركمانية الوطنية
محمد مهدي البياتي، الاربعاء،22/12/2010 أن ترشيح خضير الخزاعي نائبا
ثالثا لرئيس الجمهورية “مؤامرة لتهميش” التركمان. موضحا ان " الكتلة
التركمانية ستعترض بشدة باعتبار أن النائب الثاني لرئيس الجمهورية من
المكون العربي”.
في الحقيقة كان الاولى بالبياتي وحربو وغيرهم ممن اعترضا على منح
منصب النائب للخزاعي، اذا ما صح هذا الخبر، والوزارة التي كُلفوا
برئاستها ان يتوحدوا فيما بينهم ويتجاوزا الانقسامات التي تعصف بهم
ويتساموا على الخلافات الواضحة فيما بينهم قبل ان يتحدثوا عن تهميش
التركمان، الذي اصبح، فيلما قديما، مثيرا للقرف في العراق الجديد، حيث
يتذرع كل مكون سياسي او مجتمعي لم يحصل على منصب بالمؤامرات والتهميش
والاجتثاث، والتركمان يتناسون ان النظام العراقي الجديد كانت فيه بصمة
تركمانية منذ أن تم اختيار السيدة التركمانية صون كول جابوك لكي تمثل
المكون التركماني في مجلس الحكم الانتقالي.
[email protected] |