حرب إسرائيلية معممة وبدائل فلسطينية متعثرة

ما بعد فشل المفاوضات

د. إبراهيم أبراش

في ظل الحرب المعممة التي تشنها إسرائيل على كل الشعب الفلسطيني، وآخر تجلياتها التصعيد على قطاع غزة، ينشغل الفلسطينيون في البحث عن سبل مواجهة العدوان والبحث عن بدائل لفشل المفاوضات. تعدد البدائل والاستراتيجيات في ظل الانقسام وخارج إطار التوافق الوطني سيكون مجرد تكتيكات ومناورات للهروب من الحقيقية ولإخفاء حالة العجز عن مواجهة الواقع، وللمفارقة فإن تصاعد وتيرة الحرب والعدوان الإسرائيلي يتواكب مع تباعد المصالحة وتزايد حالة العداء بشكل غير مسبوق ما بين شطري الوطن المُفتَرض وما بين حركة فتح وحركة حماس، فهل هي مصادفة أم... ؟.

بالرغم من أن فشل المفاوضات في التوصل لتسوية يمس مباشرة طرفي المعادلة: الفلسطينيين والإسرائيليين وسيكون له تداعيات على دول في المنطقة، إلا أن تعثر التسوية ووقف المفاوضات أربك السياسة الفلسطينية أكثر من غيرها وادخل القيادة الفلسطينية في دوامة البحث عن البدائل، حتى بات سؤال البدائل أهم ما يشغل قيادة منظمة التحرير والسلطة الفلسطينيين.

 في المقابل فإن الطرف الثاني من معادلة المفاوضات –إسرائيل- لا يُطرح عليها سؤال البدائل ولا تعيش مأزق البحث عن خيارات بديلة للمفاوضات. فلماذا سؤال البدائل مطروح على الفلسطينيين وغير مطروح على الإسرائيليين؟ وهل البدائل التي يتحدث عنها المفاوضون الفلسطينيون بدائل حقيقية ؟ وبدائل لماذا؟ وهل مجرد القول بالمقاومة كبديل يشكل بديلا حقيقيا للمفاوضات والتسوية القائمة ويكفي للرد على فشل التسوية وعلى الحرب الإسرائيلية المعممة؟.

 سؤال البدائل الذي يُشغل الفلسطينيين اليوم يعكس خللا إستراتيجيا أكبر من مجرد فشل مفاوضات، خلل استراتيجي وقع فيه (النظام السياسي الفلسطيني ) بكامله عندما وضع السلام والمفاوضات في حالة تعارض مع المقاومة وخصوصا ما بعد رحيل ياسر عرفات، وانقسم على هذا الأساس حيث من يفاوض ويقول بالسلام أسقط خيار المقاومة المسلحة، ومن يقول بالمقاومة المسلحة ويستطيع ممارستها لا يقول بالسلام ويرفض المفاوضات ولا يشارك فيها، الأمر الذي جعل (النظام السياسي) بدون إستراتيجية وطنية توافقية وبدون رؤية واضحة، وهو الأمر الذي يُعد خروجا عن منطق الحياة السياسية وعن الفهم العقلاني لها ويُعد خروجا عن كل تجارب حركات التحرر في العالم.

أما بالنسبة للإسرائيليين فلا يشغلهم سؤال البدائل لأنهم منذ البدء لم يضعوا بيضهم في سلة واحدة، لم يضعوا المفاوضات كبديل للقوة والحرب والإرهاب أو بديل للتوافق الداخلي، كانت إسرائيل، كل إسرائيل، تفاوض وتقاتل، تتحدث عن السلام وتمارس الإرهاب والقتل و الاستيطان في نفس الوقت، ولذا فإن فشل المفاوضات لا يشكل مأزقا لإسرائيل لأنه لا يفرض عليها تغييرا في إستراتيجيتها أو في تحالفاتها، على الأقل في الوقت الراهن.

لا يُطرح سؤال البدائل على الإسرائيليين لأن إسرائيل منذ البداية، قبل وبعد الدخول في عملية التسوية، لم تكن جادة بالسلام العادل ولم تُسقط خيار القوة والحرب، كانت رؤيتها للسلام منسجمة مع رؤيتها للحرب و الاستيطان وتخدمهما وكانت تطبق مقولة (السلام ينبع من فوهة البنادق)، منذ البداية وإسرائيل تقوم بحرب معممة على الشعب الفلسطيني، حرب على كل الجبهات السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية، داخل فلسطين وخارجها، حتى دخولها العملية السلمية كان نوعا من الحرب حيث سعت من ورائها تحقيق مكاسب سياسية وإستراتيجية من خلال التغطية على طبيعتها الاستيطانية والاستعمارية.

الحرب المعممة التي تخوضها إسرائيل اليوم ضد الفلسطينيين أخطر من حروبها السابقة لأنها حرب تجري في ظل حالة انقسام فلسطيني وضعف عربي وغياب البدائل سواء عند الفلسطينيين أو عند العرب المستمرين بالالتزام بإستراتيجية السلام من خلال تمسكهم بمبادرة السلام العربية العقيمة، حرب معممة إسرائيلية هدفها توظيف وشرعنة ما حصدته طوال ثمانية عشر عاما من المفاوضات ومن الانقسام والتخبط السياسي الفلسطيني.

للخروج من حالة التيه السياسي ولمواجهة السياسة الإسرائيلية، ما هو المطلوب فلسطينيا ؟وعندما نقول فلسطينيا لأن السؤال غير مطروح على الرئيس أبو مازن لوحده أو على منظمة التحرير فقط أيضا ليست مطروحا على حركة حماس فقط، فالقضية وطنية تمس وجود ومستقبل كل الشعب الفلسطيني. لا نعتقد أن البدائل التي يطرحها المفاوض الفلسطيني بدائل حقيقية تشكل إستراتيجية يمكنها مواجهة سياسة الحرب المعممة الإسرائيلية، إنها تصلح للتحرك السياسي ولرفع المعنويات وتبديد حالة اليأس أو لملء الفراغ لحين من الوقت ولكنها لا تشكل إستراتيجية مواجهة، حتى الذهاب لمجلس الأمن أو الجمعية العامة أو المؤتمر الدولي ومع افتراض صدور قرارات من هذه الجهات، فنهايتها العودة لطاولة المفاوضات ربما بموقف فلسطيني أقوى نسبيا، دون أن ننسى وجود عشرات القرارات الدولية لصالح الفلسطينيين لا تجد طريقها للتنفيذ.

إذا استمرت حالة الانقسام فإن البدائل التي تطرحها منظمة التحرير لن تكون أكثر من تكتيكات داخل النهج أو البديل القائم أي المفاوضات والمراهنة الكلية على التسوية كمنحة وليس كحق ينتزع. البدائل التي يقول بها المفاوضون الفلسطينيون مجرد تكتيكات قد تؤدي لتجميد الاستيطان وتجبر إسرائيل للعودة لطاولة المفاوضات وقد تحسن شروط المفاوض الفلسطيني ولكنها لن تنجز السلام العادل الذي يريده الفلسطينيون إن لم يتم إعادة بناء النظام السياسي الفلسطيني واستنهاض الشعب الفلسطيني في الداخل والخارج واحدا موحدا في إطار إستراتيجية وقيادة وطنية، إستراتيجية تجمع بين التمسك بخيار السلام وتفعيل المقاومة الشعبية والعصيان المدني وتصعيدهما بشكل متدرج مع بقاء احتمال اللجوء للمقاومة المسلحة واردا.

أي حديث عن البديل القادر على الرد على الحرب المعممة الصهيونية والتي امتدت ساحتها للمنتظم الدولي حيث ترفع إسرائيل شكاوى ضد إطلاق المقاومة الصواريخ من قطاع غزة معتبرة إطلاقها انتهاكا للتهدئة - وكان قطاع غزة كيان منفصل قائم بذاته ولا علاقة لها بالضفة وما يجري بها من عدوان وحرب متواصلين – هذا البديل يجيب أن يكون وطنيا شموليا، البدائل التي تقول بها السلطة والمنظمة مهمة وضرورية ولا شك ولكنها لا تكفي، إنها ضرورية لتأكيد حضورنا الدولي وكسب مزيد من الأصدقاء ولإحراج إسرائيل ولنراكم اعترافات ستفيدنا عندما تطرح القضية الفلسطينية في المحافل الدولية، ولكن هذه الجهود الدبلوماسية والتكتيكات السياسية تحتاج إلى قوة داخلية تسندها وتعطيها المصداقية، التوافق الوطني والوحدة الوطنية أهم أوراق القوة الداخلية وتفعيل المقاومة بكل أشكالها حتى كخطاب وثقافة يعتبر ورقة قوة تساعد المفاوض وتمنحه مصداقية أكبر.

أيضا المقاومة كبديل كما تقول فصائل المقاومة المعارضة لنهج السلطة أمر مهم ومطلوب فهي تؤكد على أننا ما زلنا تحت الاحتلال سواء في الضفة أو في غزة وتؤكد حقنا الطبيعي بالمقاومة وهو حق تكفله الشرعية الدولية، ولكن يجب أن تكون مقاومة حقيقية وليس مجرد شعارات وان تكون مقاومة في إطار إستراتيجية وطنية وليس مقاومة حزبية ومرحلية ومرتبطة بأجندة أطراف خارجية وأن تكون المقاومة والسلام وجها عملة واحدة وليس بدائل، بمعنى السير معا بحيث يدعم كل نهج النهج الآخر ويتم توظيف أحدهما لخدمة الآخر بما تقتضيه المصلحة الوطنية وحسب مجريات الأحداث ومتطلبات التحرك السياسي.

ما تسمى بالبدائل سواء بدائل منظمة التحرير- السبعة - أو بدائل حماس أو بدائل الجهاد الإسلامي الخ، ليست بالبدائل الوطنية ما دامت لا تحوز على إجماع أو توافق وطني. إنها تعبير عن حالة تيه سياسي، وهي حالة لا تستطيع مواجهة الحرب المعممة التي تشنها إسرائيل على الكل الفلسطيني.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الأربعاء 29/كانون الأول/2010 - 22/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م