نجاد يقامر ام يتاجر بصبر ايران؟

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: باتت سياسة نجاد بحسب المتابعين مقامرة خاسرة اقرب منها الى الربح، سيما انه وضع مقدرات البلاد بمعظمها على كف القدر، ليخدم بذلك اجندة صراعة المقدس مع المنظومة الدولية!

في الوقت الذي اصبح الشعب الايراني اكثر المتأثرين بتلك السياسات واسقاطاتها، الاقتصادية والاجتماعية، بعد ان باتت ايران تخضع لعقوبات صارمة فاقمت من اوضاع مواطنيها، خصوصا بعد ارتفاع درجات التضخم، والاجراءات الحكومية التي لم تحد منها خلال الفترة الماضية.

فيما يرى المختصون ان رفع الدعم عن المحروقات التي اتخذتها الحكومة الايرانية لن تكون سوى خطوات مضافة على حساب الفقراء، سيما انها سوف تشعل الاسواق بشكل غير قابل على السيطرة، في وقت يكافح نجاد لتخفيف الضغوط الدولية الساعية الى وقف البرنامج النووي في ايران.

الاقتصاد مصدر القلق

فقد يواجه الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد ضغوطا متزايدة على الجبهة الاقتصادية كما على الجبهة السياسية مع شعور الايرانيين بالاختناق من العقوبات الدولية وعدم تنفيذ الوعود والمخاوف المالية.

وخفض نجاد الدعم على الوقود والاغذية ليوفر 100 مليار دولار لميزانية الدولة ويزيد من قدرة البلاد على مواجهة أي عقوبات على واردات الوقود. وقال منتقدون ان الرئيس الايراني يخاطر بانفلات التضخم واثارة اضطرابات من جانب المستهلكين.

وبالنسبة لكثيرين من الايرانيين فان الاقتصاد هو مشكلتهم الرئيسية والصداع الذي يؤرقهم. فهم غير معنيين بما اذا كانت الجمهورية الاسلامية تطور سرا سلاحا نوويا وهو ما تخشاه الولايات المتحدة وحلفاؤها.

وأذكت العقوبات الدولية وخفض الحكومة للدعم مخاوف عامة من أن الحياة ستصبح أكثر صعوبة. وفرضت الولايات المتحدة عقوبات جديدة على ايران لزيادة الضغط عليها بسبب برنامجها النووي الذي تقول الجمهورية الاسلامية انه مخصص فقط لاغراض سلمية.

وقال فاروق أميري وهو مدرس علوم سياسية "الناس قلقون من الوضع الاقتصادي. لا يمكنك أن تهتم بالسياسة اذا كنت قلق من عدم القدرة على دفع الايجار."

ويقول محللون انه رغم ضيق الناس بالوضع الاقتصادي فان من غير المرجح انطلاق قلاقل ضد الحكومة حيث لم يعد لدى قادة المعارضة القدرة على حشد الجماهير.

وأدى النزاع الذي أعقب اعادة انتخاب نجاد في 2009 الى وقوع ايران خامس أكبر بلد مصدر للنفط في العالم في براثن أكبر أزمة داخلية منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 وتعميق الخلافات بين النخبة الحاكمة.

وقال ساماد حجتي مدرس العلوم السياسية "تعبئة الناس لاثارة اضطرابات يكاد يكون مستحيلا في ظل غياب قيادة معارضة قوية."

ومنذ الانتخابات التي تقول المعارضة انها زورت تم تحييد الطلبة والتجار ورجال الدين الذين لعبوا دورا رئيسيا في تعبئة المواطنين للاطاحة بحكم الشاه المدعوم من الولايات المتحدة عام 1979. بحسب رويترز.

وقال دبلوماسي غربي رفيع في طهران إن المؤسسة الحاكمة حيدت معارضيها ووصمت أي تعبير معارض بالانشقاق.

وأضاف "من ينزلون الى الشوارع سيفكرون مرتين. جعلت الحكومة أي معارضة مكلفة للغاية."

وأعتقل الالاف من المحتجين على مسار الانتخابات السابقة بعد التصويت. ورغم اطلاق سراح معظمهم حكم على أكثر من 80 شخصا بالسجن لمدد تصل الى 16 عاما. وتم اعدام اثنين من الذين حوكموا بعد الانتخابات.

وقال المحلل حجتي مشيرا الى مدفوعات شهرية تبلغ 40 دولارا للفرد تدفعها الحكومة للمحتاجين "انه يقامر بشكل خطير جدا لاستعادة شرعيته وشعبيته بين القاعدة الاساسية...ولهذا السبب فهو يتصرف مثل روبن هود."

وأضاف "يحتاج نجاد الى أصوات الايرانيين من ذوي الدخول المنخفضة لضمان تحقيق فوز في الانتخابات البرلمانية المقررة عام 2012."

لكن مشاعر الاحباط تعتمل في البلاد. ارتفعت أسعار معظم المنتجات الاستهلاكية ويواجه الايرانيون من أصحاب الدخول المتوسطة والمنخفضة صعوبات في تدبير احتياجاتهم.

وقال حميد مالكي (46 عاما)وهو مدرس وله ثلاثة أبناء "لا تكفي الاعانة الشهرية التي تبلغ 40 دولارا لسداد فاتورة الكهرباء بعد خفض الدعم. كيف أستطيع تدبير حياتي بمرتب 500 دولار عندما ترتفع الاسعار."

وذكرت مواقع للمعارضة على الانترنت ان الاف من سائقي الشاحنات الايرانيين بدأوا اضرابات بعد زيادة أسعار وقود الديزل. ومن أجل تهدئة المواجهة في الداخل والخارج دخل نجاد أيضا في لعبة خطرة حينما أقال وزير خارجيته منوشهر متكي الذي كان حليفا وثيقا لرئيس البرلمان علي لاريجاني المنتقد لسياسات نجاد.

وقال مسؤول سابق ان تعيين علي أكبر صالحي الذي يرأس منظمة الطاقة الذرية الايرانية كقائم بأعمال وزير الخارجية رغم افتقاره للخبرة الدبلوماسية يحمل رسالة واضحة وان كانت غير مباشرة.

وقال المسؤول طالبا عدم الكشف عن هويته "يكره نجاد الانتقادات. الذين يفكرون مثله هم فقط الذين يستطيعون أن يجدوا لانفسهم مكانا في مجلس وزرائه."

وكان مساعدون مقربون من أحمدي نجاد قد أثاروا غضب الكثيرين من المحافظين ومن بينهم أعضاء في البرلمان بسبب تصريحاتهم "غير المحافظة".

وقال المسؤول "يكن كثير من المشرعين احتراما لصالحي وهو لديه فرصة جيدة للحصول على موافقة البرلمان المطلوبة لتوليه المنصب."

اسعار الوقود والغاز

وقررت الحكومة الايرانية رفع اسعار الوقود والغاز اويل بشكل كبير في اطار خطة واسعة ترمي الى الالغاء التدريجي للمساعدات المباشرة التي تقدمها، على ما اعلن التلفزيون الحكومي.

وبحسب البيان الرسمي، فإن سعر حصة ال60 لترا من الوقود شهريا المخصصة لكل سائق سينتقل سعرها من 0,10 دولارات الى 0,40 دولارا.

ولكل استهلاك يفوق هذه الحصة، سيتعين على السائقين شراء لتر الوقود بسعر 0,70 دولارا عوضا عن 0,40 دولارا كما كان الحال سابقا.

وبذلك، ستتم زيادة سعر الوقود المدعوم بواقع اربعة اضعاف، فيما يرتفع سعر الوقود غير المدعوم بنسبة 75%.

كما يرتفع سعر الغاز اويل بواقع تسعة اضعاف، لينتقل من 0,0165 دولارا الى 0,150 دولارا.

وفي اطار هذه الخطة، سيرتفع ايضا سعر الكهرباء والغاز والكيروسين اضافة الى الماء والخبز انما بشكل تدريجي.

وياتي نشر هذه المعلومات بعد المداخلة التلفزيونية للرئيس الايراني محمود احمدي نجاد الذي اعلن تطبيق خطة اقتصادية تم وصفها بانها "عملية جراحية اقتصادية". وتهدف هذه الخطة الى الالغاء التدريجي للدعم المباشر للمنتجات الرئيسية في مجال الطاقة وبعض المواد الغذائية. بحسب فرانس برس.

وافاد شهود عيان ان مئات السائقين تهافتوا الى محطات الوقود للتزود بكميات كبيرة من المحروقات، الا ان غالبيتهم عادوا ادراجهم اعتبارا من منتصف الليل مع دخول هذه الاجراءات الجديدة حيز التنفيذ.

وقال احمدي نجاد للتلفزيون الحكومي "اعتبارا من منتصف الليل ستدخل هذه الخطة حيز التنفيذ. وسيتم تغيير الاسعار". واضاف "كل شيء جاهز. وقد تم تحضير الجداول وسيتم تعميمها. سيجري الاعلان عن الاسعار الجديدة هذا المساء".

وفي خطوة تهدف الى تهدئة السكان، اعلنت الحكومة خلال فترة بعد الظهر تقديم حصة "استثنائية" تبلغ 50 لترا من الوقود لكل سائق بالسعر المدعوم اي 0,10 دولارات.

وللتعويض عن ارتفاع الاسعار، بدأت الحكومة بدفع جزء من الاموال المتوقع توفيرها على شكل مساعدة مباشرة للسكان.

وبحسب الارقام الرسمية، فإن 60,5 مليون ايراني (من اصل 74 مليونا) حصلوا على 810 الاف ريال ايراني (74 دولارا) في حسابهم المصرفي. ومن المفترض ان يتم دفع هذا المبلغ كل شهرين، ما يكلف ميزانية الدولة مبلغ 2,5 مليار دولار شهريا. ووعد احمدي نجاد بان هذا المبلغ "سيتضاعف".

وخطة الغاء الدعم التي اقرت بصعوبة في البرلمان في كانون الثاني/يناير بعد اشهر من المعارك السياسية ضد الحكومة، تثير انقسامات داخل معسكر المحافظين في الحكم في ايران.

ويخشى بعض المسؤولين والنواب ورجال الدين من ان تحمل هذه الخطة اثارا اقتصادية واجتماعية مدمرة، خصوصا لناحية زيادة مستويات التضخم والبطالة، في وقت بدأت العقوبات الدولية تؤثر سلبا على اقتصاد البلاد.

الا ان احمدي نجاد اراد طمأنة هذه المخاوف قائلا "بعض وسائل الاعلام الاجنبية تقود حملة ضد هذه الخطة. هم لا يريدون لايران ان تتقدم وتصبح نموذجا (للنمو) وبلدا من دون فقراء".

القبول على مضض

في السياق ذاته قال أحد العاملين في محطة وقود في طهران رافعا حاجبه بطريقة ساخرة "هل الناس سعداء.. بالطبع يرحب الايرانيون دائما بارتفاع الاسعار."

ورأى شهود حضورا مكثفا لعناصر الشرطة في محطات وقود عديدة ليلة الاحد مع اعلان أحمدي نجاد في برنامج تليفزيوني بدء خطة اصلاح الدعم.

ولكن بخلاف ما حدث في 2007 حين تفجرت أعمال شغب بعد تقنين توزيع الوقود الرخيص لم ترد تقارير عن أعمال عنف واتسمت الاوضاع بالهدوء يوم الاحد وهو يوم عمل مزدحم في ايران.

لكن بعض السياسيين حذروا من أن أي قفزة في معدل التضخم بفعل اصلاح الدعم يمكن أن تكون كارثية وقال بعض أصحاب السيارات انهم لن يستطيعوا تحمل التكلفة الجديدة لتسيير سياراتهم.

وقال مواطن من طهران في السادسة والخمسين من ذوي الدخل المتوسط "لن أستطيع استخدام سيارتي من الان في ظل هذه الاسعار المرتفعة."

وأضاف "لن يكون الامر سهلا على الناس في ظل عدم وجود نظام جيد للنقل العام. سيكون من الافضل بالنسبة لي البقاء في المنزل." بحسب رويترز.

استهلاك البنزين

من جهتها قالت وزارة النفط الايرانية بموقعها على الانترنت ان استهلاك البنزين في ايران تراجع بمقدار السدس في اليوم الاول بعد تنفيذ حكومة الرئيس محمود احمدي نجاد زيادة كبيرة في السعر الى اربعة امثاله رغم المعارضة الشعبية.

وقالت الوزارة بموقعها على الانترنت ان الاستهلاك انخفض يوم الاحد بنسبة 16.6 في المئة.

ونقل الموقع عن الشركة الوطنية الايرانية للتكرير والتوزيع وهي شركة حكومية قولها "يوم السبت تم استهلاك 63.9 مليون لتر من البنزين في البلاد لكنها انخفضت بحوالي 10.6 مليون لتر يوم الاحد الى 53.3 مليون لتر بالتزامن مع تنفيذ قانون الدعم المستهدف."

وقال الموقع ان استهلاك البنزين الممتاز انخفض بمقدار 800 الف لتر الى 2.4 مليون لتر يوم الاحد مما يمثل تراجعا بنسبة 25 في المئة. بحسب رويترز.

وقال المسؤولون الايرانيون انهم سيلاحقون قضائيا من يخزن الوقود لرفع سعره او من يحاول التربح من زيادة السعر. ودعا احمدي نجاد الايرانيين لاظهار "التضامن".

الودائع الخارجية

على الصعيد نفسه قال محافظ البنك المركزي الايراني ان البنك قرر تحويل حجم غير محدد من ودائعه لدى البنوك الاجنبية الى بنوك داخل ايران وعزا ذلك الى الاوضاع الاقتصادية العالمية.

ونقلت وكالة الانباء الايرانية الرسمية عن محمود بهمني قوله "قرر بنك ايران المركزي خفض حجم ودائعه الخارجية وتحويلها الى الداخل من خلال ايداعها لدى بنوك محلية."

وأضاف "تم الاتفاق على استخدام تلك الودائع لتلبية الاحتياجات المالية للمشروعات المحلية بالعملة الصعبة بدلا من الريالل كي لا يتفاقم معدل التضخم المحلي."

وفرضت على ايران عقوبات أكثر صرامة منذ يونيو حزيران تهدف للضغط عليها لكبح برنامجها النووي الذي تخشى بعض الدول انه يهدف لتصنيع اسلحة نووية. وتقيد بعض العقوبات المعاملات المالية.

وفي اغسطس اب قال بهمني انه جرى سحب اصول ايرانية من البنوك الاوروبية في محاولة لاحباط العقوبات. ومثلما حدث في السابق أحجم بهمني عن ذكر تفاصيل.

وربما يشير تحويل الاموال لمخاوف بشأن قدرة ايران على الوصول للسيولة بسبب العقوبات او احتياج أكبر للعملات صعبة في ايران لسداد تكلفة مشروعات الاستثمار تضرر البعض منها جراء انسحاب شركات اجنبية تحت ضغط العقوبات.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 27/كانون الأول/2010 - 20/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م