افلام سينمائية تؤرشف هموم الشعوب

محمد حميد الصواف

 

شبكة النبأ: باتت السينما احدى ابرز الوسائل الاعلامية رواجا في الاوساط الرسمية والشعبية على حد سواء، بعد ان تخللت اعمالها الدرامية سرد درامي لمختلف الشؤون السياسية والاقتصادية والاجتماعية، تطرح من خلالها تلك القضايا بشكل عفوي وبدون رتوش.

حيث استطاعت العديد من الافلام السينمائية مؤخرا طرح وجهات نظر بشكل جرئ وطموح يعكس حقائق الامور بشكل فني دون الحاجه الى الرجوع لآراء الساسة وطرقهم الملتوية في شرح معظم الامور الحساسة، خصوصا ان احداث تلك الافلام مأخوذة من افواه من عاشها وان تباينت وجهات النظر.

وداعا بغداد

فربما لا تتسق أحداث فيلم يصور جنديا أمريكيا يقتل فتاة صغيرة بطريق الخطأ خلال مداهمة منزلها ليلا في العراق مع فكرة قطاع كبير من الامريكيين عن الترشيحات المحتملة لجائزة الاوسكار.

اضافة الى ذلك فان مخرج وكاتب فيلم "وداعا بغداد" Farewell Baghdad الذي يدور عن وجود الامريكيين في العراق ايراني مما يجعل الفيلم اكثر اثارة للجدل.

ورغم هذا -أو ربما لهذا السبب- تشارك ايران رسميا بهذا الفيلم في مسابقة الاوسكار لعام 2011 وهي خطوة يقول مخرج الفيلم البالغ من العمر 37 عاما انها مثار "سوء فهم".

قال المخرج مهدي نادري "هناك من يظنون أنني حصلت على مبلغ كبير من المال لاصنع هذا الفيلم لحساب الحكومة الايرانية. من الواضح لي أن هؤلاء لم يشاهدوا الفيلم."

يستعرض الفيلم دوافع وشكوك الجنود الامريكيين والمقاتلين العراقيين على حد سواء ويقول نادري انه أبعد ما يكون عن الدعاية الحكومية وانه جرى تصويره رغم ضغط من السلطات وبميزانية صغيرة. بحسب رويترز.

وقال "يمكن مقارنة ميزانية (وداعا بغداد) بما ينفقه شون بين على سجائره او ما تنفقه نيكول كيدمان على جزء صغير من مساحيقها."

يصور الفيلم دانييل وهو أمريكي من أصل بولندي ينضم الى الجيش ليجد نفسه مكلفا بدوريات مترجلة في العراق. وبعد أن يقتل زميل له فتاة عراقية صغيرة بالرصاص بطريق الخطأ في منزلها يترك الرجلان قاعدتهما ويهيمان في الصحراء.

في نهاية المطاف ينقذ صالح الذي ينوي تنفيذ هجوم انتحاري حياة دانييل. ورغم كراهية صالح للامريكيين فانه يجد نفسه مدفوعا لانقاذ روح هائمة أخرى.

ونظرا للعداء القائم منذ 30 عاما بين ايران والولايات المتحدة التي يشار اليها عادة بتعبير "الشيطان الاكبر" فان انتاج فيلم ايراني عن انخراط واشنطن الطويل والمؤلم في العراق المجاور قد يحرك في الاذهان افتراضات بأنه يصور الامريكيين كأشرار يمارسون القمع في دولة اسلامية شقيقة.

لكن (وداعا بغداد) لا يرسم صورة سطحية للامريكيين على أنهم أشرار. يظهر دانييل كرجل عادي يسعى جاهدا للتعايش مع البيئة المحيطة الغريبة عليه والتي يسودها العنف.

وقال نادري "لا أريد أن ينظر الى فيلمي كأداة حرب ناعمة ضد الغرب" وحث المشاهدين على النظر الى ما هو أبعد من السياسة وأن يلمسوا الجانب الانساني حيث يستطيع العراقيون والامريكيون أن يتعلموا أن يكونوا أصدقاء حتى في أصعب الظروف.

وصناعة السينما من الصناعات الحساسة في ايران لان الحكومة تراقب المحتوى السياسي عن كثب وتتابعها لتضمن احترام القيم الاسلامية مثل التزام النساء بالحجاب.

وزادت الحكومة من ضغوطها على صناع السينما منذ انتخابات الرئاسة التي جرت العام الماضي وثارت نزاعات حول نتائجها أعقبتها اكبر احتجاجات شعبية منذ قيام الثورة الاسلامية عام 1979 .

وقال نادري "استغرق الحصول على التصريح بتنفيذ هذا الفيلم ستة أعوام وغيرنا السيناريو نحو 18 مرة لارضاء المسؤولين."

وأضاف "أريد أن أظهر كيف يستطيع مخرج ايراني أن يصنع فيما دون اي دعم مالي خلال أقل من شهرين من دولة بها الكثير من القواعد والرقابة."

وقال مسؤول في صناعة السينما الايرانية ان "المحتوى المناهض لامريكا" في فيلم (وداعا بغداد) ربما يزيد من فرص فوزه بجائزة الاوسكار.

وقال شفيع اغا محمديان رئيس قسم البرامج والافلام الوثائقية بوزارة الارشاد الايرانية في مقابلة مع صحيفة مردم سالاري ان جوائز الاوسكار "تضع سياسة جديدة كل عام وعادة لا تدري الدول الاخرى بهذه السياسات."

وأضاف "نعتقد أن هناك حاليا سياسة تعارض انتشار القوات العسكرية الامريكية في أرجاء العالم وهو شعور موجود في هوليوود ايضا."

وقبل (وداعا بغداد) تقدم فيلم ايراني اخر عن العراق هو (السلاحف يمكن أن تطير) Turtles can Fly لمسابقة الاوسكار للافلام الناطقة بلغات أجنبية لعام 2004 . وركز الفيلم على الضحايا الاكراد لنظام الرئيس العراقي الراحل صدام حسين وعلى غزو العراق. ولم يدخل القائمة المختصرة للترشيحات لجوائز الاوسكار.

و/وداعا بغداد/ واحد من بين 65 فيلما تقدمت لنيل الجائزة هذا العام ستترشح خمسة منها فقط رسميا للاوسكار.

لكن نادري فخور بفيلمه سواء نال جائزة أو لم ينل ووصفه بأنه نداء من أجل السلام.. ذلك الشيء الذي يفتقر اليه الشرق الاوسط بشدة.

السينما العراقية

في سياق متصل كانت مشاركة فيلم "ماندو" في المسابقة الرسمية وعرض استعادي لافلام المخرج الشاب محمد الدراجي القت الدورة الحادية والخمسون لمهرجان سالونيكي السينمائي الذي اختتم مؤخرا الضوء على حيوية السينما العراقية رغم الوضع القائم في هذا البلد.

ويروي محمد الدراجي صاحب فيلم "ابن بابل" الذي صور في العراق في ظروف صعبة وانتجته عدة دول اوروبية وشرق اوسطية، لوكالة فرانس برس "بين العامين 2005 و2008 لم ينتج اي فيلم تقريبا في العراق بسبب العنف، الا ان الامور تغيرت الان".

هذا الفيلم الذي يمثل العراق في جائزة اوسكار افضل فيلم اجنبي في 27 شباط/فبرار في هوليوود يروي سعي مزارعة كردية مسنة انطلقت الى جنوب البلاد قبل ثلاثة اسابيع من انهيار نظام الديكتاتور العراقي صدام حسين مع حفيدها احمد بحثا عن والد الطفل الجندي في الجيش العراقي خلال حرب الخليج الاولى العام 1991.

وعرض الفيلم في بغداد في السادس من ايار/مايو وقد حصد منذ ذلك الحين حوالى 20 جائزة في مهرجانات سينمائية عالمية من برلين الى القاهرة مرورا بادنبره.

ويضيف المخرج البالغ الرابعة والثلاثين "مرات عدة خلال التصوير كنت اقول لنفسي ان الامر صعب جدا وساتوقف" وقد احتاج الى اربع سنوات لانهاء فيلمه مواجها العنف اليومي في الشارع العراقي ومحاولة فرض الرقابة عليه. بحسب فرانس برس.

وقد استغرق تصوير مشهد يستمر لثوان قليلة لحافلة قديمة تعبر احدى جسور بغداد الحديدية، شهرا كاملا. ويقول الدراجي "الحكومة العراقية اشترطت لمنح الفيلم تمويلا ان تكون الشخصية الرئيسية اي الجدة عربية وليست كردية. وفي الوقت ذاته طالب المسؤولون في كردستان العراق ان تغير اسمها في الفيلم لان ابراهيم (واسمها ام ابراهيم في الفيلم) يعتبر عربيا" مشددا على انه رفض مصادر التمويل هذه.

يقول السينمائي الشاب الذي اختارته مجلة "فراييتي" الاميركية اخيرا افضل مخرج شرق اوسطي لهذا العام، ان احد اهدافه الرئيسية هو تشجيع مواهب جديدة في بلده واعادة فتح دور السينما ال275 التي دمرتها الحرب.

وخلال مهرجان سالونيكي للسينما عرضت افلامه الاخرى في قاعات امتلات بالكامل ولا سيما الفيلم الوثائقي "العراق حرب حب رب وجنون" الذي يتناول الظروف الصعبة جدا لتصوير فيلمه الطويل الاول "احلام" في العام 2003. وهو يتابع الكفاح اليومي للتصوير في مدينة محتلة والترددات والطاقة الكبيرة التي يبديها اللسينمائي الشاب في مواجهة القصف والاستجواب والاعتقالات حتى في صفوف فريق عمله.

ومع فيلم "ماندو" شارك العراق للمرة الاولى في المسابقة الرسمية للمهرجان. وقد صور الفيلم المخرج الكردي العراقي ابراهيم سعيدي وهو يظهر عائلة كردية ايرانية مهجرة الى العراق، تريد اعادة الوالد المريض الى مسقط رأسه ايران ليموت فيها.

والكاميرا تروي عبر عيني الرجل المسن القصة. والجزء الاكبر من الفيلم مصور في دائرة مغلقة من داخل الشاحنة الصغيرة التي تطل نوافذها على جنون الحياة اليومية بعيد قوط نظام صدام حسين من سيارات مفخخة ودمار منتشر وصفارات انذار مدوية فضلا عن عروس سورالية في الجبال الكردية.

وللحديث عن فيلمه الذي يروي غرب الشعب الكردي المتواصلة يقول المخرج لوكالة فرانس برس انه يرى "علاقة بين نوع الفيلم (رود موفي) والشعب الكردي المنتقل دائما والحائر والممزق". ويؤكد ان "فيلمين الى ثلاثة افلام طويلة تنتج سنويا الان في كردستان".

ويوضح سعيدي ان النجاح العالمي لفيلم "القطط الفارسية" في العام 2009 للمخرج الكردي الايراني بهمن قبادي ساهم ايضا في تشجيع المواهب الجديدة في مجال الاخراج.

مهرجان الجوار السينمائي

الى ذلك شهد المسرح الوطني في بغداد مهرجان الجوار السينمائي في المسرح الوطني ببغداد أحد المهرجانات السينمائية النادرة التي تقام في العاصمة العراقية منذ بداية الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003.

وبصرف النظر عن الافلام التي شاركت في المهرجان من دول الجوار لاسيما تركيا وأذربيجان شاركت في المهرجان الذي استمر أربعة ايام أيضا أفلام من اسبانيا.

وقال منظمو المهرجان ان خمسا من سبع دول في منطقة الشرق الاوسط رفضت المشاركة في المهرجان. ويعتزم المنظمون الان توسيع نطاق المشاركة في المهرجان.

وقال عمار العرادي مدير المهرجان "هذا المهرجان باعتقادي له تأثير على السينما العراقية. الدولة عازمة بعد تجربة دول الجوار ان تحوله الى مهرجان دولي لانه يبدو انه غير جديرة فكرة دول الجوار لمشاركتهم في أفلام روائية وخاصة اعتذاراتهم التي أثرت على المهرجان. السنة القادمة ستكون القدرة التحضيرية للمهرجان واسعة وستضاعف ميزانيته."

وتضرر قطاع السينما في العراق بسبب سنوات الحرب والعقوبات التي فرضت على البلاد في تسعينات القرن الماضي وعدم كفاءة ادارة الدولة له في عهد الديكتاتور صدام حسين اضافة الى النزاعات والعنف الطائفي الذي أعقب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة للبلاد في عام 2003. وتعرضت معظم دور العرض السينمائي في أنحاء البلاد للتخريب والاغلاق على أيدي الجماعات الدينية والمتمردة. بحسب رويترز.

وقال محمد سلمان عضو لجنة التحكيم في المهرجان "المهرجان أعتقد خطوة أولى ونافذة أولى للسينمائي العراقي ان يتلاقح (يتبادل الاراء) ويلتقي مع السينمائيين الاخرين. وهو خطوة أولى لانقتاح الدولة على عالم السينما والثقافة. وهي من الضروري ان تزداد هكذا أمور وان تعمل الدولة من أجل تطوير وتوسيع رقعة المشاركة في المهرجان."

وفاز الفيلم الكردي "ضربة البداية" بالجائزة الاولى للمهرجان. ويصف الفيلم معاناة العائلات العراقية النازحة التي تعيش في ملعب لكرة القدم بمدينة كركوك. وحاز الفيلم الذي اخرجه شوكت أمين كوركي بالفعل بعدة جوائز في دبي ومهرجات سينمائية أخرى.

الفيلم الجامع

من جانب آخر عالج الفيلم المغربي "الجامع" لداود اولاد السيد الذي عرض ضمن فعاليات الدورة الرابعة والثلاثين لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، قضية اتحاد السلطة مع الدين عندما تجتمع مصالحهما معا في إفقار الفقراء وخدمة الاغنياء.

والفكرة بسيطة جدا وجميلة جدا استطاع المخرج وكاتب السيناريو اولاد السيد ان يصيغها فيلما بطيء الايقاع عن مجتمع ريفي فقير يتطور ببطء ويواجه منتجات الحضارة، مقدما الوجه الاخر للدين المتحالف مع القانون في سحق مصالح الفقراء.

وتتضمن الفكرة حادثة وقعت بالفعل مع المخرج والمؤلف، وهي ان الفيلم السابق لداود الذي قدم في السينما قبل بضع سنوات ويحمل عنوان "باوزليني" استخدم في تصوير مشاهده ديكورا لبناء مسجد وبعد انتهاء الفيلم يقوم اهالي القرية البعيدة في الصحراء بالتعبد في هذا المسجد المقام في ارض احد الفلاحين الذي يعيش واهله من نتاج هذه الارض.

وقال المخرج خلال ندوة عقدت اثر عرض الفيلم ان "بطل الفيلم محوا وهو صاحب الارض الرجل الطيب المتدين فعلا فقد ارضه نتيجة استخدام الديكور الذي اقمناه فيها كمسجد وباتت مزارا سياحيا، واصبح محوا يبحث فقط عن الحصول على تعويض من ارضه".

واشار الى ان الممثل الذي قام "بدور الامام المتآمر في السيطرة على الارض وطرد صاحبها منها بالتحالف مع مندوب السلطة في القرية كان احد الذين عملوا معه في فيلم +بازوليني+ وقام بدور الامام ايضا ويقوم الان في الواقع بتمثيل هذا الدور".

ويصور الفيلم هذه الحادثة مع تطوير الحوار لابراز التوافق بين السلطة والدين في ضرب حقوق الفقراء من خلال التلاعب بالفهم الديني وتحريم هدم بيت من بيوت الله، وصاحب الارض يرفض هذه المقولات ويرد عليهم انها "مجرد ديكور سينما وليست بيتا من بيوت الله".

ويستطيع الامام المستحدث ان يتفق في موقفه مع موقف مندوب السلطة في رفض اعادة الارض الى صاحبها الذي يقف الى جانبه فقط رجل دين مستنير يرفض تفسيرات هؤلاء اللادينية فيما لا تقوم السلطة المركزية في الرباط بمساعدة الرجل على استعادة ارضه.

ولتأكيد مخالفة ما يجري للدين، يبرز مشهد يحضر فيه السياح الى مكان المسجد فيختفي إمام المسجد ويعود لابسا ثياب قائد روماني يقوم افراد الفوج السياحي بالتقاط الصور معه امام ديكورات المسجد ويحصل من خلال قيامه بهذا الدور على المزيد من المال. وهذا المشهد يظهر الدور الفاضح للاستخدام التجاري للدين.

ويظهر ذلك ايضا من خلال المشاهد الاخرى التي يحقق فيها الامام الكثير من الارباح عندما يجعل من المكان ايضا مدرسة دينية للاطفال يجمع منهم الاموال ويدفع الناس للصلاة على الموتى في "المسجد-الديكور" ليهجروا المسجد الحقيقي وليهجروا الزاوية المقامة في المقابر للصلاة على الموتى.

والفيلم ينافس عشرة افلام اخرى في مسابقة الافلام العربية التي تمنح جائزتين قيمة كل منهما مئة الف جنيه مصري (18 الف دولار) لاحسن فيلم واحسن سيناريو.

فيلم اغتيال الحريري

من جهته اعلن مخرج سوري مغمور انه تقدم للحصول على الموافقات اللازمة لتصوير فيلم عن اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، غير ان الجهات المعنية في سوريا قالت ان لا علم لها بالموضوع.

وأكد منذر حويجة ان فيلمه "لبنان حجر شطرنج" مبني على كتاب الماني يشير الى تورط اسرائيل في عملية الاغتيال تلك، التي تسببت بتوتر العلاقات بين لبنان وسوريا، في عمل روائي طويل كتب السيناريو له ويخرجه حويجة، في تجربة هي الأولى له على مستوى الإخراج السينمائي.

وقال حويجة "إن قصة الفيلم متخيلة، تدور حول طبيبة أطفال تعيش في فرنسا مع صديقها المحامي الفرنسي، يختفي والدها في حادثة التفجير التي يتعرض لها موكب الحريري، فتعود إلى لبنان برفقة صديقها المحامي الفرنسي للبحث عن أبيها المفقود". بحسب فرانس برس.

وأضاف حويجة "الفيلم يستند إلى كتاب الألماني يورغن كاين كولبل +اغتيال الحريري... أدلة مخفية+، ويدحض كل نظريات (المحقق الدولي ديتليف) ميليس عن الجريمة، ويضع نظريات أكثر إتقانا ومنطقية تشير إلى تورط العدو الصهيوني في هذه الجريمة".

وأكد المخرج أن "السيناريو لم ينجز كاملا بعد". وأضاف "لكنني تقدمت إلى الجهات الرقابية بملخص عن الفيلم للحصول على الموافقات اللازمة".

وقالت مصادر في المؤسسة العامة للسينما، الجهة الإنتاجية الحكومية في سوريا، أن لا علم للمؤسسة بهذا الفيلم، وبأنه لم يتقدم سيناريو لفيلم كهذا للحصول على الموافقة الرقابية اللازمة، كما هي الاصول المتبعة في إنجاز وتصوير أعمال سينمائية في سوريا.

وكذلك أكدت مصادر في التلفزيون الحكومي السوري أن لا علم لها ايضا بهذا المشروع. والتلفزيون هو الجهة الرقابية الثانية التي يتقدم لها السينمائيون أحيانا.

ورفض المخرج الإفصاح عن الجهة الإنتاجية التي تقف وراء الفيلم، وعن موعد بدء التصوير.

والعام الماضي شهدت مؤسسة السينما إنجاز أول فيلم سوري عن العلاقات اللبنانية السورية، عندما قدم المخرج الشاب جود سعيد فيلمه "مرة أخرى".

وردا على سؤال حول ما إذا كانت موجة من الأفلام السينمائية قد تبدأ حول العلاقات اللبنانية السورية قال سعيد "أتمنى ذلك، وإذا ألغينا الجانب السياسي الصرف عن العلاقات، كما يحاول البعض بإطلاقه القنابل الدعائية، فهي جزء من اليومي المعاش عندنا، وهي أحد الخيوط الرئيسية في حركة المجتمع السوري".

وأضاف سعيد "وأنا سأكمل هذا المشروع في فيلمي بعد القادم "أعراس الخريف"، الذي أكتبه مع المخرج والمونتير اللبناني سيمون هبر، لنطرح فيه الأسئلة والهموم المشتركة".

وقال سعيد معلقا على فكرة فيلم عن اغتيال الحريري "إن فيلما كهذا لا بد أن يتناول الموضوع بسطحية، لأنه سيكون بعيدا عن شجون الناس، فهو فيلم لحظة سياسية، وبرأيي ليست هذه هي السينما التي تبقى". واستدرك "ولكن إذا كان هناك مشروع جدي، وأنا أشك في ذلك، فعلينا أن ننتظر".

وفيما إذا كان هنالك توجه رسمي يشجع تناول هذا الموضوع في السينما السورية، قال سعيد "برأيي أنه لا يوجد توجه كهذا، ولا توجه لأي نوع آخر". وأضاف "أنا أعمل مخرجا في المؤسسة، ولم أشعر يوما بذلك".

وعن فيلمه "مرة أخرى" قال "المشروع كان لدي منذ العام 2004، أي قبل مقتل الحريري وأزمة العلاقات اللبنانية، وكان فيلمي مفاجئا للمؤسسة الرسمية، وتعرض للكثير من الأسئلة الرقابية، ولحوارات مطولة مع الرقابة".

واغتيل رفيق الحريري مع 22 شخصا اخرين في اعتداء بشاحنة مفخخة في بيروت في 14 شباط/فبراير 2005، مما سرع انسحاب القوات السورية من لبنان.

غبار الذهب

على الصعيد الذاته استطاع الفيلم اليوناني "غبار الذهب"، الذي عرض في المسابقة الدولية لمهرجان القاهرة الدولي السبت، ان يقدم معادلة السهل الممتنع في مواجهة العولمة بالحفاظ على الهوية الثقافية والوطنية، في معالجة امتلأت بالدفء والحركة الجمالية للصورة والحوار.

يصور الفيلم، الذي كتبت له السيناريو واخرجته مرغريتا مندا، صراع ثلاثة اشقاء حول طريقة التصرف في منزلهم بعد وفاة والدتهم. خصوصية المنزل انه شهد طفولتهم وله بعده المعماري ايضا، فيما استبدلت كل البيوت القديمة حوله بمبان ذات طابع معماري اميركي.

يصبح الحفاظ على البيت لدى الاشقاء الثلاثة مساويا للحفاظ على الهوية الثقافية التي رسختها والدتهم فيهم عبر اغان كانت ترددها على مسامعهم. اما بيع البيت تمهيدا لازالته من قبل الشركات العقارية فيصبح مساويا للتخلي عن الهوية الثقافية والخضوع للتغير الثقافي الذي يجتاح مدينة اثينا. وتظهر المواقف المتباينة للاشقاء.

فالشقيق المحامي يسعى لبيع البيت لحل ازماته المالية، ويستذكر خلال الفيلم انه اجبر على التخلي عن حلمه في ان يكون طيارا، ليرث المحاماة عن والده. بحسب فرانس برس.

وتقف الشقيقة الثانية، عازفة البيانو، ضده بشكل مباشر رافضة منطق البيع من الاصل حماية لما تبقى من عالمها. فهي لم يبق من عالمها الذي تحب سوى هذا المنزل وموسيقاها واغاني امها في الذاكرة.

اما الشقيقة الثالثة، التي تعمل في احد المصارف، فموقفها حيادي، يراوح بين منطق شقيقتها وضغوط زوجها العامل في البورصة وشقيقها.

وخلال الفيلم يعود الاشقاء بطريقة مختلفة الى التعرف على ذواتهم، ومحاولة حل مشكلاتهم بشكل تدريجي وذلك عن طريق استرجاع مشاهد من طفولتهم، كل بطريقته.

يتذكر الاشقاء الثلاثة خلال هذه المراجعة اغنية بعينها كانت تغنيها والدتهم لهم خلال طفولتهم، وتذكر بالاحلام الكثيرة التي يحملها كل انسان بداخله. فتصبح الاغنية هي المدخل الذي يجعل كلا منهم يستعيد حواره الداخلي ليصل الى نوع من المصالحة مع الذات ومع اشقائه.

وتتذكر الشقيقة العاملة في المصرف صورة جميلة من لحظات طفولتها لامها جالسة امام النافذة المضيئة تكتب في مفكرة، فتبحث عن المذكرات، وعندما تجدها تذهب بها الى شقيقتها وتقرآنها معا، فيطلان على الماضي لفهم الحاضر ووضع تصورات للمستقبل.

هذا الفهم يدفع الشقيقة المصرفية الى اتخاذ موقف للمرة الاولى تجاه نفسها وتحميل زوجها مسؤوليات تجاه ابنهما وتجاه المنزل، وكذلك تقوم الشقيقة الثانية بمصالحة شقيقها في حين يقوم الشقيق وزوجته التي انفصل عنها بالتقارب من اجل ابنهما.

ومن اهم المشاهد التي استعرضتها المخرج خلال قراءة الشقيقتان للمذكرات، تصوير فن العمارة المتأثر بالنمط المعماري الاميركي، خصوصا مع فقرة تستذكرها الام في مذكراتها تشير الى رغبتها في السفر الى الولايات المتحدة، غير ان زوجها ينصحها بعدم السفر اليها لان الولايات المتحدة ستأتي قريبا.

ويأتي انتقال الكاميرا بسهولة وسلاسة بين النمط المعماري اليوناني الكلاسيكي في اثينا لابناء الطبقة المتوسطة، والهندسة المعمارية الاميركية التي تجعل من الاشكال جميلة براقة ولكن خالية من الروح والشخصية المعمارية.

ويذكر هذا الصراع الذي صوره الفيلم اليوناني، بالصراع المماثل الذي يدور ايضا في مصر دفاعا عن الخصوصية المعمارية والشخصية المميزة للمدن المصرية خصوصا في القاهرة والاسكندرية المتأثرة ايضا بالعمارة اليونانية، وقد فرض هذا الصراع نفسه من خلال سن قوانين تكفل عدم هدم البيوت ذات الشخصية المعمارية للمدينة.

"ذاكرة" عرض بلجيكي

من جهة اخرى يستعيد العرض البلجيكي "ذاكرة"، الذي قدم في دمشق، قصة اغتيال قادة فلسطينيين شغلوا مناصب ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في باريس وروما وبروكسل، إذ تحكي ثلاث نساء، في مونولوجات منفصلة، سيرة تلك الاغتيالات كما شهدنها من منظور العلاقة الشخصية.

النساء الثلاث هن زوجة محمود الهمشري، الفرنسية ماري كلود الهمشري، الذي اغتيل في باريس العام 1973 على يد الموساد الإسرائيلي في سلسلة عمليات انتقامية بعد عملية ميونخ. ثم ليلى شهيد، المناضلة الفلسطينية المقربة من عز الدين القلق ممثل المنظمة في باريس، والذي اغتيل العام 1978 من قبل طالب فلسطيني ينتمي إلى جماعة "أبو نضال"، والثالثة هي الفرنسية برناديت رينبو، زوجة نعيم خضر الذي اغتيل في بروكسل العام 1981.

كذلك تشير الهمشري في روايتها عن زوجها إلى اغتيال وائل زعيتر ممثل المنظمة في روما العام 1972، فتقول "اغتيل من قبل الموساد أثناء عملية "غضب الرب"، العملية الانتقامية المزعومة من طرف إسرائيل".

وفي حكايات الزوجات لن نعثر فقط على قصص الاغتيال، بل سنتعرف إلى تلك الشخصيات عبر علاقة إنسانية ونظرة مقربة، هكذا ستروي ماري كلود (أدتها الممثلة كارولين روتير) حكاية تعرفها الى زوجها الذي اصرت بعد مقتله على حمل اسمه، والذي كتبت صحيفة فرنسية خبر اغتياله كإرهابي كما تقول. وتروي ايضا كيف زارت المخيمات الفلسطينية في الأردن، ثم تحكي قصة مؤثرة عن ابنتها آمنة، التي جاءتها ذات يوم لتقول لها إن أباها كان شريرا.

أما ليلى شهيد (أدتها هيلو ويلز) فتحكي عن ولادتها في بيروت بعد النكبة، ثم تستعيد حكاية والديها ونفيهما، وتسرد شيئا من نضال أبيها، وشيئا من جمال مدينته عكا، كما تحكي عن نضال أمها التي تتحدر من القدس. وصولا إلى حكاية عز الدين القلق، ومسقط رأسه الحيفاوي، ومن ثم قصة اغتياله.

برناديت رينبو (أدت دورها إينا غيرتز) تحكي بالإضافة إلى عملية اغتيال خضر، زيارتها إلى قريته الزبابدة في جنين، والواقع المريع الذي عاشته القرية تحت الاحتلال.

ولدى سؤاله عن اختياره تقديم العرض من دون حركة أو أفعال على المسرح، حيث انقضى الأمر بمجرد إلقاء القصص على الجمهور من وراء الطاولة، قال المخرج رودي مولومانز لوكالة فرانس برس "المسرح هو أولا أفكار، وثانيا هذا اللقاء التشاركي بين المنصة والجمهور"، أما عن كتابته للعمل، وإن كان قد اعتمد على شهادات زوجات القادة الفلسطينيين، قال المخرج والمؤلف "لقد تحدثت بالفعل إلى ماري كلود وبرناديت وليلى شهيد، بالإضافة إلى البحث التاريخي، ثم هنالك إضافات الممثلات على النص".

وعن انطباعات أقارب الضحايا لدى مشاهدتهم العرض قال المخرج "لقد تعرفت الأرملتان إلى بعضهما لدى مشاهدة أحد عروض المسرحية ببلجيكا، كذلك فإن جيلا شابا من عائلة نعيم خضر قد تعرف إلى حكايته مجددا لدى عرضنا في عمان".

السفيرة البلجيكية في دمشق فرانسواز غوستان قالت لوكالة فرانس برس ردا على سؤال لماذا العرض في دمشق الآن "جاء العرض ضمن احتفالية فلسطينية باسم +مسارات+ قام بها المركز الثقافي في بروكسل العام 2008، ولأن المسرحية تخص العالم العربي، كان مهما أن نعيد تقديمها مع جمهور عربي".

وحول ما إذا كان العرض نوعا من تبن لوجهة النظر الفلسطينية قالت غوستان "إذا كان السؤال عن الجانب السياسي فنحن ندعم وجود دولة فلسطينية، وندعم مشاريع في هذا السياق".

حسين الشاذلي (طالب تمثيل فلسطيني) قال "أحببت أن يطرح الموضوع من خلال الزوجات، الأكثر قربا لهؤلاء، هذا أغنى المادة المكتوبة". وأضاف "كون المادة تقال على ألسنة ممثلين أجانب فهذا شيء قوي وأكثر تأثيرا".

وقال أحمد كيكي (طالب تمثيل) "السرد نوع من أنواع الأداء، ووجدت الممثلات يقدمن بشفافية، وبدون انفعالات، ما أعطى العرض تأثيرا أكبر، ذلك يتيح الفرصة لتخيل الصورة". وختم كيكي "إنه نصف عرض، أما النصف الآخر فهو لدى الجمهور".

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/كانون الأول/2010 - 19/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م