السعودية... وصراع الاجنحة على دفة الحكم

شبكة النبأ: يتابع المحللون بشغف ما ستؤول اليه الاحداث خلال الفترة القادمة بعد تواتر التسريبات المتعلقة بصراع الاجنحة داخل العائلة الحاكمة في السعودية حول من سيخلف عبد الله بعد تدهور صحته مؤخرا.

فيما تترقب الولايات المتحدة بقلق على مصير تلك الدولة ومن سيتولى الخلافة من تلك العائلة التي تهيمن على اكبر مصادر النفط في العالم، خصوصا انها تتخوف من تولي احد المتشددين للسلطة هناك، نظرا لارتباط الكثير من افراد تلك العائلة بالهيئات الوهابية المتشددة، التي استمدت تاريخيا قوة وبطش تلك الحركة المتطرفة للهيمنة على مقاليد الحكم في تلك الدولة.

احتدام المنافسة

فبعد بعد أن ظل العرش السعودي ينتقل على مدى عقود من أخ لأخيه أضحى من شأن أي تغيير في قمة السلطة بسبب المرض أن يشدد التنافس على المناصب العليا داخل الأسرة الحاكمة.

ولا يتعلق الأمر فحسب بخلافة الملك عبد الله أو ولي العهد الأمير سلطان وكلاهما في أواخر الثمانينات ويعانيان من مشاكل صحية بل وكذلك بالمناصب العليا المهمة التي تتحكم في ثروة البلاد الضخمة وسياساتها الاجتماعية ورجال الدين المؤثرين والقوات المسلحة.

وسافر الملك عبد الله الى نيويورك للعلاج بعد أن أدى تجمع دموي الى تعقيد حالة انزلاق غضروفي يعاني منها بالفعل وعاد الامير سلطان على وجه العجل الى البلاد من الخارج حيث كان يقضي فترة نقاهة لينوب عنه في إدارة شؤون البلاد.

ومنذ وفاة الملك عبد العزيز ال سعود مؤسس الدولة عام 1953 والعرش ينتقل بين أبنائه والملك عبد الله هو سادس ملك يتولى العرش. ويتقدم الصفوف فيما يتعلق بوراثة العرش الأمير سلطان والأمير نايف وزير الداخلية. بحسب رويترز.

وانتقال السلطة في نهاية الأمر ستقرره هيئة البيعة التي تضم أبناء الملك عبد العزيز وأحفاده والتي تقر من يختاره الملك وليا للعهد. ولم يتبق من أبناء الملك عبد العزيز سوى 20 كثير منهم يعانون من ضعف صحتهم أو يفتقرون الى القوة التي تؤهلهم للصعود لذلك سيتعين على القيادة الاختيار من بين أحفاد الملك عبد العزيز وهم عشرات.

وقال الباحث مضاوي الرشيد المقيم في لندن والذي وضع كتابا عن تاريخ السعودية انه نتيجة لذلك يبدو اهتمام كبار الأمراء بدفع أبنائهم قدما أكبر من اهتمامهم بوضع استراتيجية جديدة للحكم. وأضاف "لا يبدو انهم مستعدون لاتخاذ قرارات جريئة... الهيئة لا تبدو فعالة."

وعاد الامير سلطان على عجل من المغرب حيث قضى بعض الفترات في السنوات الأخيرة للعلاج والراحة لينوب عن الملك عبد الله في ادارة شؤون البلاد.

ولما كان الملك وولي العهد قد تجاوزا كلاهما الثمانين من العمر ويعانيان من ضعف الصحة فالاحتمال كبير أن يتولى الأمير نايف المحافظ دينيا واجتماعيا والأصغر سنا نسبيا (76 عاما) زمام الامور في المملكة التي يسكنها 18 مليون نسمة.

وعاد الى البلاد كذلك عدد من أبناء الملك عبد العزيز الآخرين وأحفاده في الأسابيع الأخيرة. فعاد الامير سلمان أمير منطقة الرياض وشقيق الأميرين نايف وسلطان بعد تعرضه لوعكة صحية كما عاد الأمير تركي بن عبد العزيز. وعاد الامير بندر بن سلطان السفير السابق لدى واشنطن في أكتوبر تشرين الاول.

وقال دبلوماسي "انهم لا يعودون بلا سبب... يبدو أن الفروع المختلفة للعائلة تريد عودة الجميع حتى تتفق العائلة على مسائل مهمة."

وعين الملك عبد الله قبل سفره ابنه الأمير متعب بن عبدالله رئيسا للحرس الوطني الذي يتولى شؤون الأمن الداخلي. وهي خطوة قد تؤدي الى موجة من الخطوات المماثلة من جانب كبار الأمراء كل في مجاله. وقال تيودور كاراسيك المحلل السياسي والامني المقيم في دبي "قد يكون هذا بداية التغيير."

يقول خبراء سعوديون انه يتوقع ان يسلم الأمير سلطان وزارة الدفاع لنائبه وابنه الامير خالد بن سلطان. وبعد أيام من اعلان مرض الملك عبد الله وقع الامير سلطان عقودا ضخمة تتعلق بمطارات في قصره في المغرب أمام كاميرات التلفزيون.

ومنذ تأسيس الدولة عام 1932 حافظت الأجنحة الرئيسية لعائلة ال سعود على توازن دقيق مع رجال الدين الوهابيين للمشاركة في حكم المملكة.

ورغم تاريخها في تحقيق الاجماع تواجه الأسرة الحاكمة تحدي اقتسام السلطة عندما لا يبقى سوى الأحفاد وهي مسألة معقدة نظرا الى عدد الأمراء الطامحين.

ومن بين أكثر الفروع نفوذا السديريون وهم مجموعة من الاشقاء الكبار من بينهم الامراء نايف وسلطان وسلمان والملك الراحل فهد. ورصد الخبراء السعوديون منذ فترة طويلة انقساما بين السديريين وأخيهم غير الشقيق الملك عبدالله.

وقال سايمون هندرسون وهو باحث يقيم في واشنطن وأعد دراسات عن الخلافة في السعودية "الانقسام الرئيسي داخل العائلة الحاكمة ما زال هو الانقسام طويل الامد بين السديريين واخوتهم غير الاشقاء."

وليس واضحا بعد ان كان الامير سلطان سيتمكن من الاستمرار في الامساك بزمام الامور اذا طال غياب الملك عبد الله. ويقول المسؤولون انه عاد الى نشاطه العادي لكن دبلوماسيين يقولون انه تخفف من بعض واجباته.

ونظرا لغياب الامير سلطان لفترة طويلة العام الماضي اضطر الملك عبد الله لتعيين الامير نايف نائبا ثانيا لرئيس مجلس الوزراء الامر الذي مكنه من توسيع نفوذه باطراد من خلال رئاسة اجتماعات مجلس الوزراء أو القيام بزيارات رسمية للخارج عندما كان الملك عبد الله مشغولا أو الامير سلطان غائبا.

ويقول دبلوماسيون ان احتمال صعود الامير نايف الى العرش يقلق الغرب اذ أنه نفي لفترة طويلة أن تكون هجمات 11 سبتمبر أيلول عام 2001 نفذها سعوديون أو دبرها تنظيم القاعدة مشيرا الى ان من دبرها أنصار لاسرائيل. كما انه مقرب من المؤسسة الدينية السعودية التي تلقي واشنطن اللوم عليها في تشجيع أفكار التشدد الاسلامي.

ويقول محللون في السعودية انه برغم التنافس الدائر وراء الستار فستضمن أسرة ال سعود أن تتم عملية الخلافة بسلاسة وتحافظ على قبضة الأسرة على السلطة. وقال المحلل السياسي السعودي خالد الدخيل انه لا يرى أي بادرة نزاع على الخلافة على الاقل في هذه المرحلة.

وحمل الوضع الصحي للعاهل السعودي ايضا المراقبين على طرح تساؤلات حول مدى استمرارية الاصلاحات السياسية والاجتماعية التي اطلقها الملك عبد الله والتي بدأت انعاكاساتها تظهر في الحياة اليومية في المملكة. والتغييرات التي احدثها وصول عبدالله الى سدة الحكم، ولو ببطء، باتت ظاهرة.

فالخوف من سطوة الشرطة الدينية تراجع وباتت النساء يجرؤن على اظهار وجوههن وعلى ارتداء عباءات مزينة، فيما باتت الشركات تتمتع بهامش اكبر لاختلاط موظفيها من الجنسين في اطار مهني.

اما في الاطار الاجتماعي، فقد بات التقاء رجال ونساء غير اقرباء في مكان عام اسهل نسبيا من السابق، فيما تسعى السلطات التربوية الى تطوير المناهج للتماشي مع المعايير الدولية والى انشاء جامعات حديثة.

وعلى الصعيد الاقليمي تزامن سفر الملك عبد الله الى الخارج للعلاج مع نشر برقيات دبلوماسية اميركية من قبل موقع ويكيليكس كشفت ان لدى الرياض تخوفا شديدا من نفوذ ايران في المنطقة، وانها تؤيد بحسب الوثائق شن هجوم على المنشآت النووية الايرانية.

واشنطن قلقة على صحة ولي عهد السعودية

من جهتها أبدت الولايات المتحدة شكوكا ازاء صحة ولي العهد السعودي الامير سلطان بن عبد العزيز في برقية دبلوماسية في مايو ايار عام 2009 وقالت ان المرض "أقعده" عن العمل.

وسعت المملكة العربية السعودية لإخماد تكهنات حول صحة الامير سلطان الذي يعتقد أنه في منتصف الثمانينات وكان يخضع للعلاج من مرض لم يكشف عنه خلال معظم العامين الماضيين.

وقالت السفارة الامريكية في الرياض في برقية في مايو ايار عام 2009 "أقعد المرض ولي العهد الامير سلطان خلال العام المنصرم على الاقل." وفي ذلك الوقت كان الامير سلطان موجودا في المغرب للراحة بعد العلاج في الولايات المتحدة.

ويقول مسؤولون سعوديون ان الامير سلطان يعمل بشكل عادي. ونشرت وسائل اعلام حكومية صورا له وهو يرأس اجتماعا لمجلس الوزراء ويستقبل مسؤولين سعوديين.

لكن دبلوماسيين في الرياض قالوا ان الامير سلطان كان يعالج من السرطان وانه أوكل مهامه بشكل غير رسمي لأمراء اخرين منذ عودته بعد غياب خارج البلاد لمدة عام تقريبا.

الملك السعودي يغادر المستشفى في نيويورك

فيما سارع الديوان الملكي السعودي الى الاعلان ان الملك عبدالله بن عبدالعزيز غادر مستشفى برسبيتريان في نيويورك حيث كان يتلقى العلاج وهو بصحة جيدة. واوضح الديوان في بيان ان العاهل السعودي غادر المستشفى حيث خضع لعمليتين جراحيتين "بعد ان من الله جل جلاله عليه بالصحة والعافية" وقد "توجه الى مقر اقامته بنيويورك لقضاء فترة من النقاهة واستكمال علاجه الطبيعي". ولم يحدد البيان تاريخا لعودة العاهل السعودي الى المملكة.

وبث التلفزيون السعودي صورا لمغادرة الملك المستشفى وبجانبه وزير الصحة السعودي عبدالله الربيعة. وبدا الملك عبدالله في التسجيل مبتسما بينما كان يمشي بصعوبة داخل رواق المستشفى ويحيي الطاقم الطبي الذي عالجه، وكذلك عشرات الرجال والنساء الذين كانوا يحيونه بدورهم.

وعلى الرغم من عدم خطورة وضعه الصحي، الا ان انتقال العاهل السعودي الى الولايات المتحدة لتلقي العلاج طرح مسألة الخلافة في المملكة ذات الثقل الاقتصادي والسياسي الكبير في المنطقة، لا سيما وان السعودية هي اكبر منتج للنفط في اوبك مع 8,2 ملايين برميل يوميا.

ومنذ اعتلى العرش في 2005 اطلق الملك عبد الله خطط اصلاح في المملكة المحافظة جدا وابقى البلاد من اقرب حلفاء الولايات المتحدة.

وبعد وفاة مؤسس الدولة السعودية الحديثة الملك عبد العزيز في 1953، توالى خمسة من ابنائه على سدة الحكم في المملكة التي تملك اكبر ثروة نفطية في العالم.

والافراد الاخرون في العائلة المالكة في السبعين او الثمانين من العمر بما في ذلك ولي العهد الامير سلطان بن عبد العزيز.

احتجاز أستاذ سعودي بسبب مقال

على صعيد متصل قالت جماعة سعودية مدافعة عن حقوق الانسان ان السلطات السعودية احتجزت أستاذا جامعيا سعوديا بسبب مقال تكهن فيه بأثر الصراعات على السلطة داخل الاسرة المالكة على مستقبل البلاد.

وقالت جمعية حقوق الانسان أولا في بيان وزعته عبر البريد الالكتروني ان زوجة الدكتور محمد عبد الكريم قالت ان اربعة مدنيين وبعض الجند جاءوا الى منزلهم وطلبوا زوجها. وقالت انه اتصل بعد دقائق على هاتفه الجوال وقال انه سيذهب الى السجن وسوف يعود في المساء لكنه لم يعد. وسئل منصور التركي المتحدث باسم وزارة الداخلية عن أنباء الاعتقال فقال انه ليست لديه معلومات.

وقال ابراهيم المقيطيب رئيس جمعية حقوق الانسان أولا لرويترز ان مقال عبد الكريم الذي يحمل عنوان "أزمة الصراع السياسي بين الاجنحة الحاكمة في السعودية - محاولة للبحث عن مصير الشعب السعودي" نشر للمرة الاولى على موقع فيسبوك ثم تناقلته مواقع الانترنت والمدونات فيما بعد.

وتعرض المقال لسيناريو سقوط المملكة بسبب الصراعات داخل العائلة المالكة وشكك في وطنية المواطنين السعوديين ومصيرهم اذا انهارت المملكة السعودية. ويبلغ متوسط أعمار الامراء في قمة الهرم السعودي ما بين 70 و80 عاما.

وبينما ترسم وسائل الاعلام صورة عن وحدة العائلة يشتد التوتر بين كبار الامراء بشأن من يدير أمور المملكة والحصول على المناصب الهامة لابنائهم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/كانون الأول/2010 - 19/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م