فقهاء الباذنجان وأزمة الفكر الإسلامي

د. أحمد راسم النفيس

أسئلة مهمة يتعين على كل مسلم مهموم بشأن دينه أن يبحث عن جواب عليها.

لماذا تتعثر ما يسمى (بالحركات الإسلامية) ولا يتقدم وجودها الفكري والثقافي ولن نقول السياسي رغم ما تمتلكه من إمكانات مالية وحشود بشرية بل على العكس ترتكب أخطاء استراتيجية قاتلة ليس في حقها وحدها بل في حق المجتمع الذي تنتمي إليه؟!.

الآن وعلى سبيل المثال تمارس (الجماعة الإسلامية) الوعظ لا فارق بين ما تطرحه من فكر وما يطرحه بائع الكشري الذي التقطته إحدى المجلات الحكومية وقامت بتوظيفه شتاما وزعيما سياسيا وخبيرا استراتيجيا ومفتيا للدماء ضد الشيعة والبرادعي وأخيرا وليس آخرا ضد الشيخ القرضاوي وضد كل من تسول له نفسه ممارسة حق الاعتراض على ما يجري في بلادنا من ظلم وجور؟!.

أين هو مشروع هذه الجماعات الذي أطلقته نهاية سبعينات القرن الماضي من أجل إقامة (دولتها الإسلامية)؟!.

ألم يكن الإنجاز الوحيد لهذا المشروع هو دخول مصر في نفق الديكتاتورية المظلم ووقوعها في قبضة الأحكام العرفية التي لا ترحم؟!.

لماذا يسكتون على تصريحات بائع الكشري والبليلة الحاصل على الحصانة السلفية ولا يتصدى أحد من هؤلاء الأشاوس لنسف هذه الادعاءات من جذورها؟!.

القضية ببساطة ألا أحد من هؤلاء يجرؤ على اقتلاع شجرة المر الخبيثة التي جرى زرعها في ضمير الأمة لتعوقه عن الانتفاض في وجه الظلم والتي أصابت عقل الأمة بالتخبط فصار حالنا كما قال سبحانه ك(الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) أو (كَالَّذِي اسْتَهْوَتْهُ الشَّيَاطِينُ فِي الْأَرْضِ حَيْرَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى ائْتِنَا قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَأُمِرْنَا لِنُسْلِمَ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ).

إنها الحيرة بين الضلالة والهدى والصواب والخطأ والاعوجاج والاستقامة خوفا من ممارسة التصحيح ونبذِ كل ما هو دخيل على الدين مما وضعه ودسه الآباء والأجداد ولسان حالهم يقول النار ولا العار!!.

ورطة مفتي الباذنجان

في رده على كتاب (بيت العنكبوت) لكاتب هذه السطور نفى الدكتور عمارة أن ثمة نصا فيما يسمى بكتب الصحاح يقول أن (من مات وليس في عنقه بيعة لطاغية زمانه مات ميتة جاهلية) واصفا ما قلناه بالكذب والتضليل وغيرها من لائحة البذاءات التي أوردها الرجل في كتابه!!.

طبعا نحن لم نقل أن هناك نص بهذه الحرفية ولكننا قلنا أن النصوص الواردة تحمل هذا المعنى وتؤكد عليه ومن بينها ما رواه مسلم عن بيعة عبد الله بن عمر لبني أمية إبان مجزرة (الحِرة) لعامل يزيد بن معاوية: فقال إني لم آتك لأجلس أتيتك لأحدثك حديثا سمعته من رسول الله ص قال من خلع يدا من طاعة لقي الله يوم القيامة لا حجة له ومن مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية. صحيح مسلم. ج4 ص 245 أي أن ابن عمر كان يرى أن من مات وليس في عنقه بيعة ليزيد زمانه حتى وإن هدم الكعبة مات ميتة جاهلية!!.

هذه النصوص التي استند إليها مفتي الباذنجان والتي نجزم نحن بوضعها وأنها مكذوبة على الله ورسوله موجودة فيما يسمى بكتب الصحاح ولا يمكن التنصل من وجودها ولا من معانيها.

يضاف إلى ذلك أن الشيخ القرضاوي بعد أن أورد نفس هذه النصوص في كتابه (الصحوة الإسلامية من المراهقة إلى الرشد) قام بتحريم كل أنواع المعارضة السياسية متوجها إلى من يسميهم شباب الصحوة (ناصحا إياهم بالصبر على أئمة الجور وأن من فارق الجماعة شبرا فميتته ميتة جاهلية كما أوضح المعنى بما لا يدع مجالا للشك ناقلا عن الشوكاني أن من فارق الجماعة شبرا كناية عن معصية السلطان أو السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فميتته ميتة جاهلية أي أن حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام يطاع). ص 319

للمعارضة جهنم وللحاكم المتغلب الجنة وإن قتل وإن سرق

وإذا كانت هذه النصوص موجودة بالفعل في كتب يراها (قادة الفكر) من أمثال الشيخ القرضاوي ومحمد عمارة كتبا مقدسة لا يجوز التعرض لها بالنقد (خاصة وأن الشيخ البخاري كان يغتسل ويتوضأ قبل أن يدرج أي رواية أي أنه اغتسل ستة آلاف مرة وربما كان هذا سبب نقاء كتابه من التلوث) فلماذا الاعتراض إذا على مفتي الباذنجان وهو يفتي بقتل البرادعي بل ويطالب بقطع رأس الشيخ القرضاوي شخصيا (إذا ثبتت دعوته للعصيان المدني، قائلا أن على النظام حصد رقبة كل من يدعو لفتنة ،مضيفا في تصريحاته للدستور الأصلي :أن الدعوة إلي العصيان المدني تعد من أساليب الخوارج ومنازعة السلطان والخروج عليه وعقوبتها تبدأ من الحبس ثم الزجر ثم القتل ولكن علي يد الحكومة وذلك من باب وئد الفتنة) .

كما أكد مفتي الكشري والباذنجان أن (ليس من حق البرادعي أو القرضاوى أو أي فرد من القوى السياسية أن يتحدثوا نيابة عن الشعب فبأي صفة يتحدثون).

بضاعة القرضاوي ردت إليه

لا شك أن الشيخ القرضاوي والدكتور عمارة ومن يفكرون على طريقتهم في ورطة لا يمكن الخروج منها عبر الزعم بصحة كل تلك النصوص ومحاولة الجمع بينها على طريقة (يحتمل ولعله أراد) التي أدمنها فقهاء التبرير قديما وحديثأ.

فالنصوص المشار إليها لا تختلف كثيرا عن قانون الطوارئ فهي لفقت لتطبق على كل أنواع المعارضة (حبسا وزجرا وقتلا) مهما أقسم البعض أنها مقصورة على المخدرات والإرهاب وهي نصوص قطعت بموجبها رقاب المسلمين مرارا وتكرارا ولا حل إلا بالتعامل الجذري معها وليس بأسلوب الترقيع والقص واللزق ومحاولة إرضاء جميع الأطراف وتبويس اللحى.

فهاهو مفتي الباذنجان يفتي بقتل الشيخ القرضاوي استنادا لفتوى الشيخ القرضاوي نفسه التي ترى أن (من فارق الجماعة شبرا كناية عن معصية السلطان أو السعي في حل عقد البيعة التي حصلت لذلك الأمير ولو بأدنى شيء فميتته ميتة جاهلية أي أن حاله في الموت كموت أهل الجاهلية على ضلال وليس له إمام يطاع).

ترى أي فكر إسلامي هذا الذي يستند إلى الموضوعات ويرفض مراجعة هذه الروايات التي جرى تلفيقها خدمة للنظام الأموي بل ويرى أن كل من يدعو للمراجعة هو خائن وعميل إيراني وابن رفضي؟؟!!.

أي فكر إسلامي هذا الذي يستند إلى ما لفقه بنو أمية من روايات تدعم سلطانهم وتدافع عن بطشهم وجورهم ويريد في نفس الوقت أن يؤسس لدولة ديموقراطية تحترم حق الشعوب في اختيار حكوماتها.

ترى أي فكر إسلامي هذا يدعو لتأسيس دولة مدنية تقوم على احترام القانون بينما هو يقدس الحاكم المتغلب (ذو الشوكة والسِكينة) ويؤمن بشرعيته؟!.

كما أن هذا الفكر هو المناخ الأمثل لرعاية ونمو الإرهابيين والقتلة.

أي فكر إسلامي هذا؟!، وهل يمكن أن يكون المفكر أو الفقية المسلم داعية للتحرر وداعية للإذعان في نفس الوقت لحكومات البطش والغلبة والقهر والإكراه؟

إنه سؤال لهؤلاء الذين لا يرحمون ولا يريدون لرحمة الله أن تنزل على من يشاء من عباده.

شبكة النبأ المعلوماتية- الأحد 26/كانون الأول/2010 - 19/محرم/1432

© جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة النبأ للثقافة والإعلام 1419-1431هـ  /  1999- 2010م